الفوبيا الإستراتيجية الإسرائيلية وخطة تدمير الجيش الجزائري. أمننا والمرحلة القادمة..!! (الجزء الثاني)

أضيف بتاريخ: 18 - 01 - 2017

د. بلهول نسيم
الإنكسار الإستراتيجي الإسرائيلي:

تشققت الشفاه عطشا… تضورت الأمعاء جوعا… وخوت البنادق من الرصاص…. وتحت حصار مطبق رفعت أيادي الأبطال راية الصمود… فغلب شوقهم للشهادة عن مؤامرات العدو، حتى جاءهم الغوث ليعيدوا الكرة… فكان النصر في واحدة من أروع ملاحم المسلمين.
المؤرخ الإسلامي المصري “أحمد فؤاد” يقول في كتابه “تاريخ اليهود”: بعد سلسلة الهزائم التي مني بها اليهود شرق القناة، وبعد فشل كل المحاولات في إيقاف قوات المسلمين المتوغلة في عمق سيناء، بدأ العدو يستخدم سلاحه القديم المتجدد “الغدر” والذي لم يبق له سواه، فاتخذت المعارك الفاشلة التي خاضها من بعد من أساليب المكر والتحايل سبيلا لإحراز أي تقدم في الميدان… لكن… ويضيف فؤاد: كان اليهود يعملون ليل نهار من أجل إعادة المسلمين مرة أخرى إلى غرب القناة، أي تدمير رؤوس الجسور واستعادة حصون خط بارليف والوقوف مرة أخرى على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد المسلمين قدرا هائلا من الخسائر المادية والبشرية وتلقينهم درسا قاسيا يحول بينهم وبين التفكير مرة أخرى في العودة إلى ميادين القتال.
وبدأت الهجمات المضادة اليهودية تأخذ شكلا جديدا، أي أصبحت أكثر قوة وأكثر إصرارا واندفاعا، لكن المسلمين صمدوا وتمكنوا من صد الهجمات المضادة، فكانت الخسائر البشرية اليهودية أكثر فداحة بالإضافة إلى الخسائر في الأسلحة والمعدات، وفي الوقت نفسه كانت القيادة اليهودية تناقش خطة الاندفاع شرقا من ثغرة الدفرسوار، أي من نقطة الفصل بين الجيشين الثاني والثالث للوصول إلى غرب القناة، فوضعت خطة العبور إلى الجانب الغربي للقناة وإنشاء رأس جسر، والانتشار على شكل مروحة باتجاه الشمال والاستيلاء على الإسماعيلية، ثم التقدم باتجاه القنطرة لفرض الحصار على الجيش الثاني الميداني، وباتجاه الجنوب والاستيلاء على السويس وبور توفيق والأديبة للقضاء على القوات العربية الموجودة بها والتي كانت تابعة للجزائر وذلك لفرض الحصار على الجيش الثالث الميداني، وبنجاح هذه القوات اليهودية بالتمركز في ظهر الجيشين الثاني والثالث، تسهل مهمة القوات التي ستضغط من اتجاه الشرق من أجل كسر إرادة القوات المدافعة وضرب معنوياتها في مقتل بالهجوم عليها من الشرق وقصفها من الغرب وإغلاق طريق الانسحاب باتجاه الغرب، إذا ما فكرت في ترك مواقعها، وعندما وصلت القوات اليهودية غربا تمكنت من تدمير عدد من مواقع صواريخ الدفاع الجوي، وبذلك فتحت ثغرة في حائط الصواريخ، سمحت للقوات الجوية اليهودية بالعمل ضد قوات المسلمين.
ويضيف فؤاد: واجهت القوات اليهودية وهي تحاول الوصول إلى الإسماعيلية نيرانا هائلة وصمودا وإصرارا من أجل الحيلولة دون احتلال المدينة، كانت صورة الموقف واضحة، وبالرغم من افتقاد القوات الموجودة بالمنطقة للعناصر المدرعة المؤثرة، وللقوات الكافية، فإن الإصرار والحماس والعزيمة كانت من أهم عوامل إحباط محاولات اليهود المحمومة… وأخيرا، اضطر قادة العدو وقف الهجوم باتجاه الشمال، أمام حجم الخسائر البشع الذي لحق بجنودهم، واستدارت قوات العدو باتجاه الجنوب للاستيلاء على السويس متصورة أن خطة حصار الجيش الثالث قابلة للنجاح بثمن أقل من الثمن الذي دفعته وهي في الطريق إلى الإسماعيلية، وكان اليهود على بينة من أن الفرقتين المدرعتين 4 و21 الاحتياطي الاستراتيجي لقوات المسلمين، قد تحركتا شرقا للاشتراك في تطوير الهجوم، ولم يبق من الفرقة الرابعة المدرعة سوى لواء مدرع يقوده اللواء عبد العزيز قابيل قائد الفرقة، وأن هذا اللواء هو الذي أنيط به الدفاع عن المنطقة الممتدة من وصلة أبو سلطان شمالا حتى طريق السويس ـ القاهرة جنوبا، وأن الفرقة 6 المشاة الميكانيكية قد توزعت منذ بداية المعركة ولم يبق من الفرق المتكاملة سوى الفرقة 23 مشاة ميكانيكية وقوات أخرى محدودة.
وفي ظل هذه الظروف، انتقلت القوات اليهودية وهي تسابق الزمن، خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 22 أكتوبر، انطلقت من أجل احتلال السويس، لكن تلك القوات اندفعت بقوة في طريق مخالف للطريق المؤدي للسويس، وهو الطريق المؤدي إلى مشارف المدينة، فقد كان هدف اليهود محاصرة القوات الجزائرية وعزلها عن بقية قوات جيش المسلمين، فاليهود لم تغلب عليهم الأهداف الاستراتيجية قدر إشباع رغبتهم في الانتقام من رجال الله الذين نصرهم الله في الأديبة والزيتية.
يقول فؤاد: سرعان ما وصلت القوات اليهودية إلى مشارف السويس ليلة 22 ـ23 أكتوبر، أي بعد موعد وقف إطلاق النار، وأحاطت بها من طريق السويس ـ القاهرة الصحراوي، وطريق المعاهدة الذي يصل إلى الإسماعيلية وطريق الزيتية والطريق المؤدي إلى الجناين. وتمكنت هذه القوات من فرض الحصار على ميناء الأديبة، واحتلت منطقة مصانع تكرير البترول بالزيتية، وأصبحت القوات المسلمة التابعة للجزائر محاصرة تماما من كل الجهات، وبعد ساعة واحدة وصلت طائرة عمودية تقل “غولدا مائير” رئيسة الوزراء وموشي ديان وزير الدفاع ودافيد أليعازر رئيس الأركان إلى المنطقة المحيطة بقوات الجزائريين، فهبطت على مقربة من الزيتية، وكانت قبل الهبوط قد طافت فوق المنطقة لاستكشاف أوضاع وانتشار قوات الجزائريين ومدى إطباق الحصار عليها، وبعد أن وطأت أقدام المسئولين اليهود أرض المنطقة بعد تأمينها تماما، بدأت كاميرات المصورين تدور وتلتقط الأفلام التلفزيونية وآلاف الصور، ودارت عجلة الإعلام اليهودي للإعلان عن سقوط السويس وإبادة كل قوات المسلمين بها و”تطهير” الزيتية والأديبة تماما من القوات الجزائرية، وطوال هذا اليوم وقنوات العالم تعرض صورا غريبة لقتلى وأشلاء مرفقة بتعليقات يؤكد فيها اليهود أنهم قضوا خلال أقل من ساعة على ثلاثة آلاف جزائري وألفي مصري، وفي الحقيقة لم تكن تلك الصور سوى بعض اللقطات المكدسة في الأرشيف اليهودي لاستخدامها في مثل هذه الظروف، ومنّى اليهود أنفسهم بأن القوات المسلمة المحاصرة لن تصمد كثيرا وسيدفعها الجوع والموت لرفع الراية البيضاء… لكن هيهات… فقد باعد الله بين أمانيهم وركوع المسلمين بُعْدَ المشرق والمغرب.
أترك “أحمد فؤاد” قليلا، لأتوجه لـ”أبا إبيان”، وزير الخارجية الصهيوني خلال حرب أكتوبر، والذي يقول في مذكراته: كانت غولدا مائير تريد الانتقام بأي ثمن من القوات الجزائرية المنتشرة في السويس، لدرجة أنها ذهبت بنفسها لأرض المعركة لتعطي التعليمات لشارون وأدان لـ”تأديب” هذه القوات، وهو ما أثر على نجاح الخطة التي وضعت لاحتلال السويس وتطويق المصريين بالشكل الذي أفشل كل الخطط الإسرائيلية في الحرب.
ويضيف “أبا ابيان”: كانت خطة حصار القوات الجزائرية من أسوأ القرارات التي اتخذتها القيادات الإسرائيلية، فتلك القوات صمدت صمودا عجيبا، ولم تحاول القوات الإسرائيلية كسر حاجز الصمت لتهاجم هذه القوات خوفا من تكرار ما حدث في الأديبة والزيتية، لكن العدو شمّ رائحة الخوف، وانقض على قواتنا من الخلف فباتت محاصرة من قبل القوات المصرية من الشمال والجزائرية من الجنوب، ولولا قرار وقف إطلاق النار لوقعت كارثة جديدة تضاف لسجل كوارث كيبور.
أعود مرة أخرى للكاتب “أحمد فؤاد” الذي يقول: عزيمة الرجال تغلبت على تفوق العدو وغروره، لكن الكذب في العقيدة اليهودية واجب ديني مقدس، فقد تواصلت الدعاية الكاذبة وتواصل الحديث عن سقوط السويس وهزيمة المسلمين، لكن غرض هذا الكذب كان في غاية الأهمية بالنسبة للعدو، فميعاد قرار وقف إطلاق النار بدأ سريانه، فأراد اليهود إقناع العالم أنهم استولوا على المدينة التي تمثل هدفا استراتيجيا، كما أنها تعني استكمال حصار وتطويق الجيش الثالث، بالشكل الذي يعمل على إقامة نوع من التوازن الاستراتيجي الذي افتقده اليهود بعد انتصار المسلمين، وبصورة أخرى كان اليهود يسعون لخداع المسلمين لتخور عزائمهم بعد أن يتأكدوا بأن جيشهم مطوق ومقطوعة عنه الإمدادات.
وكان في تصور اليهود وهم يعلنون عن سقوط السويس أن إنجاز هذا الهدف بات قريبا، وانه في متناول يد قواتهم، لكنه لم يكن سوى الثمرة المحرمة، فقد انقض عليهم أهالي مدينة السويس، فلم تكتف بصد محاولات اقتحامها، بل وطاردوا العدو على مشارف المدينة ومن حولها، فدمروا للعدو 103 دبابة وكبدوه 280 قتيلا، في الوقت ذاته تقدمت المجموعة رقم 39 صاعقة بقيادة العقيد “إبراهيم الرفاعي” لتكسر الحصار المفروض على القوات الجزائرية، فتصدى 50 رجلا لمدرعات العدو وقاتلوا ببسالة حتى استشهدوا جميعا بعد أن نجحوا في فتح ثغرة كبيرة في صفوف اليهود مكنت المقاومة الشعبية الباسلة من التدفق من خلالها لتنجح في تشتيت قوات العدو، وإيصال المؤن والذخيرة للقوات الجزائرية وتدعيمها بأعداد أكبر للذود عن مواقعهم وللحيلولة دون انسحابهم وترك الباب مفتوحا لليهود من جهة الجنوب.
وخلال أربعة أيام من أعظم الأيام المشرفة في تاريخ المسلمين، باتت الزيتية ساحة إلتأم فيها شمل الأمة لقتال عدوها الأبدي، فشارك الجميع في القتال، قاتل المدنيون وقاتلت المقاومة الشعبية، ورجال منظمة سيناء الذين دربتهم وسلحتهم المخابرات الحربية المصرية، وقاتل رجال الشرطة.
أما العبء الأكبر في القتال فقد وقع على كاهل الجيش دون النظر لجنسية أفراد هذا الجيش، فقد حمى الجزائريون مدخل السويس الجنوبي، في حين قامت قوات الفرقة 19 مشاة المصرية بتأمين رأس جسر الجيش الثالث شرق القناة.
ويضيف فؤاد: أذكر بعد الحرب بعض الشهادات لأبطال المقاومة الشعبية بمدينة السويس حينما أنقذوا أشقاءهم الجزائريين من المؤامرة اليهودية، فقد قال لي “عبد المنعم جمعة”: كانت أسعد لحظة في حياتي حينما نجحت في إيصال عربة »زيل« محملة بالسلاح والذخيرة والطعام والشراب لإخواننا الجزائريين، كانت طائرات العدو تحوم كالغربان في السماء، لكن العناية الإلهية أعمت أبصارهم عني، وصلت لأجد الجزائريين في حالة انتظار وترقب لهجوم العدو، كانوا لا يملكون شيئا للدفاع عن أنفسهم، لا شربة ماء ولا رغيف خبز، نفدت ذخيرتهم وخارت قواهم، ورغم ذلك آثروا الشهادة على الاستسلام، كانوا رجال معارك بحق، وكانوا أولي عزم.
المهندس “صبري الفولي” الذي كان أحد أفراد المقاومة الشعبية بالمدينة أثناء حرب أكتوبر. قال: كُلّفت أنا وسبعة عشر رجلا من المجاهدين بفتح وتأمين طريق لخمسمائة مجاهد مدربين على استخدام الآر.بي.جي والرشاشات الثقيلة بالإنضمام للقوات الجزائرية في الزيتية فوصلنا جميعا بأمان، وقبيل ذلك أمرتنا قيادة المقاومة الشعبية أوامر واضحة… الدفاع حتى الموت عن مواقع القوات الجزائرية وتقليل الخسائر البشرية في صفوفها بأي ثمن… وكانت الأوامر تقتضي أن ننضوي تحت قيادة القوات الجزائرية وتنفيذ ما يأمروننا به، فعشت أياما مجيدة تأبى الذاكرة محوها، كان الجزائريون مخلصين وأوفياء بصورة لم نعهدها عن العرب من قبل، فالانطباع الشائع لدينا أن العرب يكرهون مصر ويحقدون على المصريين، فاكتشفت أنها أكاذيب لم أكلف نفسي عناء البحث عن مروجها، والغريب أن أصدقائي الجزائريين أخبروني بأن لديهم نفس الإنطباع تقريبا، المهم أننا توزعنا على السرايا الجزائرية واتخذنا مواقع دفاعية مترقبين أي هجوم للعدو، لكن العدو ظل مختبئا كالفأر على بعد كيلومترات من مواقعنا، فكانت لدينا الفرصة لتبادل الأحاديث فتعرفت على الجزائريين بشكل أكبر، فوجدتهم سباقين للشهادة ومستعدين للموت من أجل راية الإسلام، كونت عديد الصداقات مع الجزائريين، ولازالت الاتصالات بيننا حتى الآن، بعضهم يحرص على زيارتي على الأقل مرة في العام، وبعضهم الآخر جاءوا بعائلاتهم واستقروا في مصر، وحتى اليوم نجلس في جلسات عائلية نروي لأولادنا قصص الجهاد في ميدان جمعتنا فيه البندقية وظللتنا راية لا تعترف بالحدود ولا الجنسية .

عن التركيع الصهيوني للأمن القومي الجزائري:

في الواقع إن تأميم شركات النفط كان من شأنه أن يغير مسار الحرب ويوقف العدوان، إلا أن معادلة النفط مقابل العروبة بدت أكثر ربحاً. إذ رفض وزير النفط السعودي الاقتراح واعتبره “غير منطقي وغير معقول”. مشيراً إلى أن “حياة السعوديين تعتمد على النفط ولا يمكن الموافقة على الاقتراح”. إلا أن الاجتماع انتهى بإقرار التأميم شكلياً وعلى استحياء. وما إن أعلن الرئيس جمال عبد الناصر عن مشاركة أميركا وبريطانيا في العدوان، حتى أمر الرئيس الجزائري هواري بومدين بتأميم الشركات البريطانية والأميركية النفطية العاملة في الجزائر. إلا أن بلد المليون شهيد كان البلد العربي الوحيد الذي قام بالتأميم. إلى ذلك، أرسل بومدين 47 طائرة حربية إلى مصر بناءً على طلب عبد الناصر.
وفي الصباح التالي لإرسال الطائرات، نشرت الصحف عن أقصر مقابلة ديبلوماسية. إذ استقبل الرئيس الجزائري بومدين السفير الأميركي وكان الحوار التالي:
السفير الأميركي: إن حكومة أميركا لا تنظر بعين الرضى لقرار الحكومة الجزائرية بإرسال طائرات حربية لجمال عبد الناصر.
بومدين: أولا، انتهى الزمن الذي تأمر فيه أميركا البلدان الصغيرة وهي تطيع. ثانيا، انتهت المقابلة يا سعادة السفير. ثم أمر مدير المراسم بمرافقته إلى السيارة.
يروي التاريخ الحديث أن الجزائر شكلت رأس حربة في الحروب العربية الإسرائيلية. وتكشف مذكرات القادة الذين شاركوا في تلك الحروب، عن عقيدة قتالية متجذرة ضد الاحتلال والاستعمار. في هذا السياق، يقول النقيب الراحل فراحي رمضان: “كان اختيار الجنود على أساس قاعدة «الجهاد في سبيل الله» بالدرجة الأولى. والكفاءة القتالية والشجاعة بالدرجة الثانية. كانت المهمة بالغة الصعوبة، فالغالبية أكفاء والجميع ينشد الجهاد والاستشهاد في سبيل الله”. ويضيف رمضان: “الجيش بأكمله كان يرغب في الذهاب إلى مصر”.
الميزة الثورية في الجزائر، تتكامل بانسجام بين الحكومة والجيش والمجتمع. وهي إلى هذا اليوم، تحافظ على مواقفها الرافضة لكل ما يخالف أدبيات الثورة. وكان رفضُ تصنيف جامعة الدول العربية لحزب الله إرهابياً، آخرُ تلك المواقف.
هذه المواقفُ الثابتة ليست لتمرّ كريمةً أمام الولايات المتحدة و”إسرائيل”. خاصة في ظلّ تطور الترسانة العسكرية الجزائرية. إذ تفيد آخر التقارير الأميركية أن الجزائر احتلت المركز الثاني عربياً بعد مصر ضمن التصنيف العالمي الجديد لأقوى الجيوش لسنة 2016. وفي هذا السياق كتبت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” قبل أيام مقالاً تؤكد فيه على أن “إسرائيل لا تهمل أبدا قوة الجيش الجزائري، الذي أثبت امتلاكه لترسانة قوية، خصوصاً في حرب 1973. ومن هذا التاريخ تعتبر إسرائيل الجزائر تهديداً خارقاً لا يمكن التغافل عنه، رغم المسافات التي تفصلها”. وتضيف “إن الموساد وضع الحكومة الإسرائيلية منذ سنة 2009 على أهبة استعداد دائم، بسبب التوسع الخطير للقوات البحرية الجزائرية ما يشكل خطراً على الأمن الداخلي لإسرائيل”.
اللافت أن ثمةَ جيوشٌ عربيةٌ أخرى راهن بن غوريون يوماً على انهيارها، إذ أعلن أنّ “عظمة إسرائيل” لا تكمن في قنبلتها الذرية ولا في ترسانتها العسكرية، بل في انهيار ثلاث دول هي “مصر والعراق وسوريا”.
والواضح أن عملية تفكيكِ الجيوش العربية وتدميرِها لم تعد مجرّد نظرية مؤامرة. بل إنها استراتيجيةٌ أميركية ظهرت ملامحُها الأولى مع انهيار الجيش العراقي “أقوى خامس جيش في العالم”، عقب الاحتلال الأميركي للبلاد. وتالياً مع محاولة تفكيك الجيش السوري وإضعافه من خلال الإرهاب الوافد. وآخراً مع إدخال البلدين في صراعات طائفية وعرقية. وفي هذا الإطار يقول الكاتب والمحلل الإسرائيلي عوزي بنزيمان: “إن القضاء على القوة العسكرية العراقية أزال من أمام إسرائيل تهديداً من الوزن الثقيل، وزال الخطرٌ إلا من الجبهة الشمالية، بعد أن خرجت مصر من دائرة العداء المحيطة بإسرائيل”.
وفي الإطار المصري، لا يستبعد باحثون “قيام جنرالات مصر بعمل عسكري مشترك ضد المقاومة الفلسطينية في غزة”. ويشير أحدث تقرير استخباراتي أميركي عن الجيش المصري، إلى نجاح الأخير “في احتواء حركة حماس في غزة وتقويضها”.
الواقع أن المناظير الحربية اليوم مفتّحةٌ على الجيش الجزائري، وقد نجح في إقصاء بلاده عن الإرهاب. وبدأ ببناء حاجز ترابي على طول الحدود الشرقية والجنوبية. إضافةً الى انتشار 12 ألف جندي، و60 برج مراقبة مدعمة بكاميرات حرارية متطورة، لمراقبة التحركات المشبوهة لـ “مافيا التهريب والإرهاب”. فهل ينبئ الكلام الإسرائيلي عن خطة بديلة لتدمير الجيش الجزائري؟، قد يكون الجواب في أدبيات “المحافظين الجدد”. وهم المجموعة الأكثر تطرفاً في واشنطن. والمحاربون القدامى الذين يؤمنون أن القوة العسكرية هي الأداة الأساسية لمواجهة التحديات والنزاعات وخاصة تلك التي تواجه اسرائيل .
منذ اندلاع ما سمي بـ “الربيع العربي” توصل العديد من الخبراء الاستراتيجيين على ضوء الأحداث التي شهدها العالم العربي إلى أن الهدف الرئيس من هذه الفوضى التي عمت الدول العربية هو استهداف جيوشها لإضعافها لمصلحة “اسرائيل”، فهناك استراتيجية دولية وإقليمية هدفها تقويض الجيوش العربية وإحلال الميليشيات محلها من أجل تعميم موجة الفوضى باعتبار أن هذه الجيوش هي الحامية للدولة، واستهداف تلك الجيوش يصب في الدرجة الأولى في مصلحة “اسرائيل” وما يؤكد ذلك التصريحات التي أطلقها الجنرال المتقاعد عاموس يدلن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي حالياً حيث قال إن لـ “اسرائيل” مصلحة استراتيجية في تقويض الجيوش العربية التي تشكل تهديداً لـ”اسرائيل” أو خاضت حروباً معها.
فالأحداث التي شهدتها بلدان شمال إفريقيا مؤخراً دليل على أن هناك مخططاً لاستهداف جيوش تلك البلدان وبالذات الجيش الجزائري، فهو أول جيش في الدول العربية استهدف في عملية تقويض من قبل الجماعات الإرهابية الجزائرية في تسعينات القرن الماضي، واستطاع التمسك ونجح في إحباط هذا الاستهداف بعد اضطراره لخوض معركة استمرت عقوداً من الزمن وأبقى على الدولة الجزائرية وحال دون انهيارها.
وعلى رغم هزيمة المشروع الإرهابي في الجزائر في التسعينات، ورغم اتفاق الوئام والمصالحة بقيت الجزائر تتعرض لهجمات من قبل جماعات خارج إطار المصالحة مثل الجماعات الإرهابواستخباراتية وتنظيم «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي، واستطاع الجيش الحفاظ على استقلاله ولم يستطع الفرنسيون المساس به رغم المحاولات في التدخل في مالي، حيث شنت القوات الفرنسية هجوماً على الجماعات الإرهابية في إقليم أزواد في عام 2013 وكان لهذا الصراع بعد استراتيجي يهدف إلى ضرب الجزائر كدولة تؤدي دوراً فاعلاً بمنطقة شمال افريقيا، من خلال تشتيت قدرات الجيش وقواته المسلحة بإدخالها في معارك هامشية.
الجيش الجزائري يعتبر قيمة مضافة لعرب أفريقيا،. كما وتعتبر الجزائر هي الدولة الوحيدة القادرة على تغيير الوضع في شمال أفريقيا، وجيشها الذي صنف على رأس جيوش شمال أفريقيا حسب المعهد الأميركي للدفاع الإستراتيجي والإستعلام هو الوحيد القادر على مواجهة خطر الإرهاب في المغرب العربي.
وبتعاون كل من الجزائر وسورية التي أثبت جيشها جدارته في مواجهة الإرهاب والهجمة الشرسة التي يتعرض لها، فالجبهات العديدة التي يخوضها الجيش السوري بصبر وثبات أكسبته نقاطاً في السياسة واستطاع أن يغير واقع منطقة آسيا من خلال مكافحته للارهاب الذي بات يشكل فزاعة دولية، كما اكتسب الجيش الجزائري مهارات وخبرة في مواجهة الارهاب في التسعينات من القرن الماضي الذي يتم استهدافه حالياً ليتم تمرير مشروع التفتيت المخطط للجزائر الذي كان قد حذر منه سابقاً الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة قائلاً: “ان هناك عملية مدروسة لضرب استقرار الجيش والجزائر، هذا البلد الذي سيشكل تحالفه وتعاونه مع سورية شبكة الخلاص عند العرب”.