رسالة من الدكتور بشار الجعفري مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة

أضيف بتاريخ: 06 - 01 - 2017

أحبائي أبناء بلادي الأعزاء أينما كُنتُم، في الداخل والمهجر والشتات. أقف على أعتاب عام جديد من سنوات عصارة الألم ولواعج الحزن وسياط الوجع لأقطف معكم باقة تفاؤل وأمل ولننثر سوية عبق ورودها ورحيق أزهارها فوق ربوع الديار من فوق قمة حكيمنا السرمدي قاسيون . الدرس الذي حريٌ بِنَا أن نتعلمه هو أن لانرتدي ثياب الغير عندما نبرد ، وأن الحرة لاتأكل بثدييها ، وأن لانتفرج على منظر هتك أعراضنا كمن لايعنيه مايجري ، وأن لانستجدي رحمة الغرباء على أنفسنا ونحن نظن أن الغريب هو ” جمعية خيرية ” لاهمّ للقائمين عليها إلاّ التخفيف من آلام وأوجاع ومحنة السوريين. إن من يأسف لعدم قيام البعض بقصف بلاده وقتل شعبه ليس منّا…إن من يدفعه الحقد إلى زيارة العدو الاسرائيلي والتبرع له بالجولان المحتل ليس منّا…إن من يضع يده بيد المحتل الاسرائيلي ويتعالج في مشافيه ليس منّا….إن من يظن بالأعراب خيراً -خلاف ماأوصانا به قرآننا الكريم – ليس منّا….إن من يرى أن إصلاح أمور بلادنا من فساد ومحاباة ومحسوبيات يتم بالعمالة لقوى الشر وبتدمير مكتسبات سوريا المتراكمة على مدى آلاف السنين ليس منّا…..إن من يرى أن المعارضة كفعل تبرر التحالف مع الشيطان ضد وطنه ليس منّا….إن من يتجول في العواصم بحثاً عن مشترٍ لكرامة أمته ليس منّا…..إن من يقصف مدن بلاده بالقذائف ويستدعي الكيماوي ويسبي نساء شعبه ليس منّا…..زنوبيا حزينة على مملكتها ، والمعري عاد لتصويب ” لزومياته ” بعد مضي ألف عامٍ عَلى كتابته لها وإدراكه أنه لالزوم لما لايلزم …يوسف العظمة ينظر بدهشة بالغة إلى بطاح أرض ميسلون غير مصدقٍ لما يجري من عبث ….أبطال الاستقلال يزيحون بعيونهم عن مشهد انتحاري لاناقة لهم فيه ولاجمل….نزار قباني يتلوى في مثواه ويكسر ريشة شعره وتهاجر روحه إلى غربة أشد من ظلمات القبر … المطران كبوتشي معتكف في صومعته يصلي بألمٍ مابعده ألم كي تأتي المعجزة الإلهية وينجلي الكابوس إلى غير رجعة….صدقي المقت يرفع بيده شعار النصر من سجنه وهو يرنو إلى الجموع باحثاً عن أذينة وخنساءٍ ومعتصم وسيف الدولة وصلاح الدين ومتنبي …..نحن لانملك سوريا ، هي التي تملكنا …سوريا تراث وليس ” ثروة ” يبيعها البعض في عواصم الدعارة السياسية ويساوم عليها في فنادق المؤتمرات والمؤمرات وفي بازارات السمسرة الرخيصة على أبواب الأعراب والمستعربين والعربان…٣٣ حضارة عظيمة تراكمت فوق بعضها البعض منذ آلاف السنين في رحم هذه الأم التي أنجبت الملايين من الأبناء البررة ولم يصيبها العقم أبداً…إلى أن جاءنا التكفير والمرتزقة وزعران ” الجهاد ” وسفهاء القول والقوم من عتاة الجاهلية وسدنة معبد أبو سفيان وأبو جهل وأبو لهب يحملون معهم سقط المتاع وكراهية النسب….إن إدخال زناة الليل إلى مخادعنا ليس ثورة ، واستجلاب زنادقة العار إلى بيوتنا ليس رجولة ، ونبش قبور العلماء وقطع رؤوس الفلاسفة ليس بطولة….الاٍرهاب لاعذر له ونظرات عالم الآثار خالد الأسعد ستلاحق قاتليه وتلعنهم أينما كانوا وحيثما رحلوا….
نحن لانملك حق الاجتهاد في معرض النص ..لاأحد منّا يملك حق التصرف بما لايملك …فسوريا ليست مزاراً نضع عليه باقات المزايدات أو ضريحاً لأحد الأولياء نزوره استشفاعاً به لدى رب العالمين ….بلادنا ليست متحفاً أو صنم أو وثن ….بلادنا عشق وريحان وياسمين وعنب ورمان …. بلادنا فيها أنبياء وأولياء وقديسين وصالحين وشرفاء ….متى كان تجار الأحزان وسماسرة الحروب وسدنة معبد الحقد منظمة خيرية تحمل الخير والأمان والسلام ؟
سوريا ليست للبيع …ليست للرهن ….ليست للطامعين…وليست لبائعي الأوهام وجلادّي الذات…العام الجديد يجب أن يكون سورياً بامتياز يعود فيه السوريون جميعاً إلى ذواتهم ليميزوا بين الغث والسمين ويزرعوا الأمل والابتسامة على وجوه الأطفال ممن يبحثون عن إجابات بسيطة لمشهد مذهل لدى كبارهم المشتتين بين تفسيرات الهوى وشروحات المنجّمين. الحل سوري -سوري وبقيادة سورية وبدون أي تدخل خارجي …العدو والصديق وصلا إلى هذا الاستنتاج بعد خمس سنوات عجاف ، فمتى يصل السوريون أنفسهم إلى هذا الاجماع؟
تحياتي لكل مؤمن بسوريا الحياة …سوريا الأمان…..مواساتي لكل من فقد عزيزاً …الرحمة لكل الشهداء من عسكريين ومدنيين والشفاء العاجل لكل مصابٍ وجريح وكل عام وسوريتنا بمليون خير وخير…