رصد مراكز الأبحاث: فريق ترامب ما بعد حلب

أضيف بتاريخ: 17 - 12 - 2016

نظرة فاحصة على ترشيحات الرئيس المنتخب لبعض المناصب الرئيسة تدل على جملة معطيات، منها ايلاءه الاولوية للقيادات العسكرية المتقاعدة واستقطاب كبار الاثرياء وما يجمعها من تباينات في الرؤى والقناعات المختلفة، وما سيرافق ذلك من تسخير نفوذها والتأثير في بلورة وصياغة القرار السياسي الاخير للرئيس المقبل.
منصب وزير الخارجية: الاعراف والتقاليد السائدة، قبل ترامب، كانت تستقطب المرشح لمنصب الوزير من داخل المؤسسة شريطة امتلاكه لخبرة وافية في مجال الاستراتيجية والسياسة الخارجية. التحولات الداخلية التي طرأت على المشهد السياسي الاميركي برمته، منذ عام 2001، ابرزت اولوية منصب مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي واهميته القصوى في بلورة وصياغة سياسات الرئيس الاميركي.
تباينت آلية تعامل الرؤساء الاميركيين مع وزراء خارجيتهم بصورة ملحوظة. الرئيس اوباما، على سبيل المثال، اعتمد بشكل كبير على خبرة وحنكة وزير خارجيته جون كيري، بينما طبع البعض الآخر تعامله مع الوزير بازدراء – الرئيس نيكسون، الذي اعتمد على قنوات منفصلة في تعاملاته الديبلومسية عبر مستشاره للأمن القومي كيسنجر، واحال الوزير ويليام روجرز الى مرتبة ادنى واقصاه عن التوجهات السياسية الهامة آنذاك: الانفتاح على الصين ومفاوضات معاهدة الحد من الاسلحة الاستراتيجية – سالت مع الاتحاد السوفياتي.
في ضوء ما تقدم من عرض لأهم المناصب، مايك فلين لمنصب مستشار للأمن القومي وريكس تيلرسون لمنصب وزير الخارجية، بالامكان القول ان الدعم الملموس الذي حظي به تيلرسون من قيادات نافذة في الحزب الجمهوري، وزيري الخارجية والدفاع الاسبقين – جيم بيكر وروبرت غيتس، تؤشر بمجموعها على تولي الوزير المرشح المهام الديبلوماسية المعتادة وكذلك الاضطلاع بدور هام في المفاوضات الاقتصادية.
منصب مستشار الأمن القومي: مرجع وولاء مستشار الأمن القومي مرهون بالرئيس الاميركي نفسه، ويستثنى المرشح من قيد الحاجة لموافقة مجلس الشيوخ عليه. ونظرا لطبيعة المهام الملقاة على عاتقه كمستشار خاص للرئيس، باستطاعته التأثير المباشر في صياغة وبلورة مسائل تتعلق بشؤون الأمن القومي، بمستوى اعلى من منصب وزير الخارجية عينه.
وعليه، فالمنتظر من المرشح للمنصب، الجنرال مايك فلين، لعب دور هام ومؤثر في اتخاذ القرارات المتعلقة بالأمن القومي بشكل عام؛ واستحداث مشاعر العداء للعقيدة الاسلامية التي يعتبرها “مثل السرطان.”
منصب وزير الدفاع: بخلاف التقاليد والاعراف المتبعة في معظم الدول الصناعية، فان وزير الدفاع الاميركي ليس هو من يقدم المشورة العسكرية للرئيس، بل رئيس هيئة الاركان.
تربع وزير الدفاع في منصبه يخوله التحكم بالهياكل والمراتب العسكرية المختلفة، وتحديد الاولويات المستقبلية التي يجري وفقها صرف الميزانيات المخصصة. على سبيل المثال، وزير الدفاع في عهد الرئيس اوباما ركز انظار المؤسسة العسكرية على تطوير قدرات القوات الخاصة، وايلاء القوات التقليدية مرتبة ادنى.
في الحالة الراهنة، من الثابت ان الوزير المرشح، الجنرال جيمس ماتيس، سيساهم بدور كبير في صياغة الاستراتيجية العسكرية استنادا الى خبرته المهنية الطويلة، مع تركيز الجهود على صيانة الهياكل العسكرية وتوفير الاسلحة الضرورية وتحفيزها لتنفيذ الاوامر الرئاسية كأولوية.
وزير الأمن الوطني: استحدثت الوزارة في عهد ولاية الرئيس السابق جورج بوش، في اعقاب الهواجس الأمنية واحداث ايلول 2001؛ ولا زال هيكلها القيادي يتلمس طريقه بصعوبة نظرا لضخامة العاملين في الوزارة وتقاعسها عن تفعيل جهود التنسيق مع الاجهزة الأمنية الاخرى، كما كان مقرر لها. لكن الوزارة تحتل موقعا متقدما ومؤثرا في بلورة الاجراءات الأمنية، لا سيما النقاط الحدودية والمطارات ووسائل النقل الاخرى. ونظرا لطبيعة مهامها في “حماية” حدود الدولة، المشتركة مع المكسيك بشكل ادق، يتنظر منها ان تشكل خط الدفاع الاول في مواجهة موجات الهجرة والمهاجرين، سواء للذين يمتلكون وثائق رسمية او يفتقدونها، علاوة على التيقن من هويات الداخلين ومدى ارتباطهم بالتنظيمات الارهابية.

التعاطي الرسمي المقبل:

يتوصل المرء بقليل من الجهد والعناء الى تحديد القضايا الدولية “المركزية” التي تواجه ادارة ترامب، والتي تشكل أس الخلاف مع الوضع الراهن لناحية تعريف “خطورتها” واولوية التعامل معها؛ وهي: ايران؛ سوريا وتنظيم داعش؛ روسيا؛ الصين؛ ودور الولايات المتحدة المقبل على الصعيد العالمي برمته.

سوريا:

نظرا لأهمية سوريا في الاستراتيجية الكونية الاميركية، فمن المرجح ان يحظى مستشار الرئيس للأمن القومي بمهام متقدمة في هذا الشأن، وربما ستكون له الكلمة الفصل. لكن ترامب، من جانبه، سيصغي جيدا لوزيري الدفاع والأمن الوطني انطلاقا من خدمتهما العسكرية في الشرق الاوسط لتعزيز توجهاته وقراراته في نهاية المطاف.
عند حضور ملف داعش، يشار الى دور الجنرال فلين في ديمومة تحذيراته من التهديد الذي يمثله التنظيم؛ بل ان اسرافه في التحذير هو ما ادى الى اقالته من منصبه مبكرا. ونقل الصحافي المميز، سيمور هيرش، عن فلين قوله ان الاخير “اكد لي بأن وكالة (الاستخبارات الدفاعية) دأبت على ارسال سيل من التحذيرات السرية (للمراجع العليا) .. حول التداعيات الخطيرة المرتقبة بعد الاطاحة (بالرئيس) الاسد.”
واضاف فلين ان جهاز الاستخبارات تحت امرته اصدر عدة تقارير استخباراتية الطابع توضح الدور المركزي للمجموعات الاسلامية المتشددة وتحكمها في المشهد السوري؛ مما اثار حفيظة البيت الابيض الذي رمى لترويج روايته الخاصة حول سوريا، ودفع فلين الثمن غاليا باقصائه عن موقع القيادة.
فيما يتعلق بالسياسة المرتقبة للتعامل مع تنظيم داعش، سيحافظ وزير الدفاع المقبل على دور مميز في شن الحرب عليه. يشار الى ان الجنرال ماتيس طالب عام 2012 صناع القرار بتقديم اسلحة متطورة للمجموعات المسلحة في سوريا، لاعتقاده ان ذلك سيقتص من نفوذ ايران وحلفائها في سوريا؛ وايضا ناشد التعامل بحذر مع حلفاء الولايات المتحدة في الاقليم معتبرا ان احدى الاولويات الاميركية تكمن في تعزيز العلاقات مع حلفائها العرب بغية الحاق الهزيمة بتنظيم داعش. علاوة على ذلك، حذر ماتيس من ان تركيز الجهود الاميركية لمحاربة داعش ستأتي على حساب “التهديد” الاشمل من ايران.
على الرغم من عدم انخراط وزارة الأمن الوطني مباشرة في جهود مكافحة داعش، الا ان المرشح لمنصب الوزير عبر عن ضيق ذرعه مما اعتبره تفادي الحكومة الاميركية الاقرار بانخراط “بعض” القوات الاميركية في العمليات القتالية في الشرق الاوسط، سعيا للحفاظ على صدقية وعود الرئيس اوباما بأنه لن يتخذ قرارا من شأنه دخول القوات الاميركية البرية المعركة.
الوزير المرشح للمنصب، جون كيلي، شدد على ان تفادي الادارة الاقرار بالأمر الواقع – انخراط قوات اميركية مباشرة “ينتقص من التضحيات التي يواجهها اولئك، خاصة في حال مقتلهم، عند القول انه لا يوجد قوات على الارض.”
مركز الدراسات الأمريكية والعربية