السلطة التي أفشلت الدولة…

أضيف بتاريخ: 30 - 07 - 2020

كم مرة قبل انتخابات 2011 كتبنا ان الانتقال لم يحصل ولن يحصل قبل استيفاء التأسيس الشامل على أسس وطنية وسيادية وكم مرة قبل انتخابات 2014 وإلى اليوم، واليوم أيضا نؤكد على نفس الشيء وبمقتضى الواقع نفسه، بل الواقع الذي أصبح أشد خطرا، نؤكد على انه لن يحصل أي انتقال إلى الديمقراطية المعمقة والمتقدمة إلا على أساس قاعدي موسع شامل للاغلبية الإجتماعية المتنوعة المنتجة والمعطلة والتي تحمل على أكتافها مسؤولية وتضحيات تأمين قوت الشعب وبقائه ومصيره في كل الموارد والملكيات والمقدرات ومواطن العمل الحيوية والاستراتيجية والقادرة على أن تكون قوة إنتاج وتنمية مستقلة وتطوير للبلد، هذه السلطة يجب أن تحجب وترحل بخط سير وطني وسيادي بالضرورة وبسياسات وبرامج وطنية وسيادية بالضرورة.

اليوم أيضا ومثلما فعلنا طيلة الأشهر والاسابيع الماضية نشدد على أن كل الأمر يدور حول السلطة والثروة والمصير وان كل خزعبلات السحب والسحب المضاد وسحب السحب ومضاد المضاد كلها ألاعيب سلطات فاشلة ومتناحرة فيما بينها ولا هم لها أبدا في مصلحة غالبية الشعب ولا في مصلحة الوطن ولا دولته.

لقد أفشلت السلطة الدولة ولقد أهدرت السلطة الثروة ولقد رهنت السلطة المصير في قلب الهاوية. كل حقائق الاقتصاد تؤكد ذلك وكل مجالات حياة المجتمع تثبت ذلك وكل وقائع الخيانة الوطنية السياسية تثبت ذلك. حتى الذين كانت لهم بدائل بعد 2011 خسروا هذه البدائل لأن السلطة أفشلت الدولة ولأن الدولة أهدرت الثروة ولأن الثروة رهنت القرار والمصير. وبعد 2014 ضاق هامش البدائل أكثر فأكثر إلا من خارج السلطة وبعد 2019 انعدمت البدائل إلا بحجب هذه السلطة القائمة التي سدت كل شيء ولم يتبقى إلا ما طرحناه قبل يومين كخارطة طريق.

ولذا ومرة أخرى، لم يعد هنالك أي سلطة ليتم التكالب عليها. ولا حل أوحد إلا بإعادة إنتاج سلطة شعبية وفق خارطة الطريق المذكورة وبشكل شعبي ولصالح الشعب وليس معادية للشعب وبشكل وطني محافظ على الوطن وليس معاديا للوطن وبشكل سيادي خادم للبلاد والعباد لا بشكل خادم لرعاة التبعية والإرهاب والفساد والتجويع والتطبيع.

لن يتغير شيء ما لم نضغط جميعا من أجل الانتقال إلى مرحلة أخرى. لن يتغير شيء في الوقت الحاضر لا برلمانيا ولا حكوميا ولا رئاسيا. نرجو لبلدنا السلامة من كل دم أعمى، ويجب قبل أن تأتي أي حكومة جديدة أن نكون قد قمنا بواجبنا في الدفع نحو الإتجاه الصحيح والبوصلة السليمة.

إننا نتابع هرولة مجاميع الشعبوية العنجهية المتنامية والمتنوعة وكل تموجات التعجرف الشعبوي المريض بمتلازمة السلطة، نراها كلها تدفع إلى أوهام معارك لا تعرف ولا تملك مفاتيحها ولا تعرف ولا تملك نهاياتها، بل إنها تصوب الهواء على الهواء. فلا ذلك من فن الحرب ولا حتى من فن الهراء. الكل يهذي هذيانه والعزاء في بيت الشعب. ورغم العزاء لن يتغير شيء إلا بالانتقال إلى مرحلة أخرى عنوانها السيادة الخارجية والداخلية. الخارجية بغلق الباب على مخالب العدوان الخارجي والداخلية بإبعاد الوكيل الداخلي على أيادي غالبية الشعب.

المتخاصمون، وبعد أن فشل كل منهم في الإستئثار بدم الشعب بعد أن كانوا حلفاء تحت عناوين مختلفة سيضحون بالشعب مرة أخرى دون إكتراث. وفي النهاية لن يصبح أي منهم وكيلا حصريا ينوب عن جزء ميكروسكوبي من الشعب ثم يطلق إلى الخلف عليه.

هكذا تبدأ وتنتهي كل كوارث تحطيم الأوطان من طرف الغوغاء السائبة في صفوف متوهمي السلطة بإسم الشعب وفي صفوف فئات من الشعب بينما لم يتأسس حتى الآن شيء يكون هو مصدر قراره وفي قلب قراره وفي راحة وعيه وحر خياره وإرادته بشروط معرفة كل ذلك بآليات ديمقراطية ناضجة في العقول، وهذا دور نخب التحرر والسيادة والمقاومة ليس إلا.

اصلاح الداودي