أربعة “معاقل” يستغلّها الإرهابيون لمحاولة إختراق الجزائر

أضيف بتاريخ: 12 - 12 - 2016

توترٌ أمني ليبي تزداد حدته يوما بعد يوم، ليعكس معه توترا أمنيا حدوديا مع الجزائر. فحدود البلدين تصل إلى ما يقارب ألف 1000 كلم. مساحة كبيرة تحاول القوى الأمنية الجزائرية التحكم فيها في ظل تضاريس ومسالك ووديان سرية خطيرة تنشط فيها المجموعات الإرهابية التي كثيرا ما تلقت ضربات قوية على يد الجيش الجزائري. هذه الجماعات وبعد أن عجزت عن التوغل وبسط سيطرتها داخل الأراضي الجزائرية، عملت على تأسيس كيان لنفسها وتحصين داخل مناطق ليبية حدودية، مستعينة بتدهور الأوضاع السياسية والأمنية داخل البلد الشقيق.
مناطق حدودية وتجمُّعات إرهابية الهدف منها التوغل أكثر بين حدود البلدان المجاورة وبسط كل تنظيم سيطرته على منطقة معينة في ظل التفاف هؤلاء على قيادة موحدة أو منطقة معينة. وهذا ما كشفته مصادر “الشروق اليومي” من داخل ليبيا في تفاصيل مثيرة ستنشر لأول مرة.

غدامس أول خطر على الجزائر:

مصادر “الشروق” من داخل الأراضي الليبية، كشفت أن أولى المناطق التي تشكل خطرا على الجزائر حاليا هي منطقة غدامس، التي تبعد بنحو 16 كلم فقط عن أول نقطة جزائرية. وحسب مصدرنا، فإن التهديد يكمن في كونها موقعا استراتيجيا مهما جغرافيا، خاصة أنها لا تبعد عن تونس بسوى مسافة 7 كلم من منطقة برج الخضراء، ما يسهِّل على تلك الجماعات الإرهابية التواصل والوصول إلى مناطق التوتر في تونس على مسافة 250 كلم، وهي كل من القصرين وتطاوين وبن قردان في الشمال ونفس المسافة نحو صفاقس وجبال الشعانبي، أما من ناحية الجزائر، فإن أقرب نقطة إليها هي منطقة ماركسان، على مسافة 7 كلم، ووادي سوف وبسكرة بمسافة تقارب 300 كلم.
هنا أشار مصدرنا إلى العلاقة القوية والحميمية والاجتماعية بين سكان مدينة غدامس الليبية وكل المدن سالفة الذكر، علاقة مصاهرة ونسب جمعت التنظيمات الإرهابية بداعمين لهم وخلايا نائمة تنشط داخل الجزائر وتونس، خاصة أن هذه المدينة الليبية حاليا تنشط خارج سيطرة أي طرف في الخارطة السياسية أو العسكرية الليبية، ما يجعل أمر التنسيق الأمني مع دول الجوار صعبا، في ظل عدم بروز أي شخصيات إجتماعية أو عسكرية يمكنها السيطرة على المنطقة لتخوّفهم من النمو الهائل للتنظيمات الإرهابية هناك، التي سيطرت بقوة السلاح عليها، الأمر الذي ساهم بشكل كبير في إنتشار وانتعاش تجارة المخدرات والهجرة غير الشرعية.

وعن أهمّ التنظيمات الإرهابية التي تنشط داخل منطقة غدامس، كشف مصدرنا أن من بينها كتيبة “الموقعون بالدم” و”الملثمون” وهما الجناح العسكري لجماعة “المرابطون”، التي تضم في صفوفها مجموعة كبيرة من أبناء المناطق الحدودية ذات الامتداد مع غدامس. أفراد كانوا وراء اختطاف والي إليزي عام 2012، أتباع هذا التنظيم الإرهابي يقول محدثنا، يملكون أراض وعقارات في غدامس ومتزوجون هناك، ومنهم من تشار إليه أصابع الاتهام في اختفاء رئيس إتحاد المهاري ببلدية الدبداب “الكوني القطاوي” المتزوج من نفس المنطقة.

تنظيم أبناء الجنوب هو الآخر موجودٌ داخل نفس المنطقة، حسب مصدرنا، تنظيم تدخَّل في النزاع الذي حدث بين قبائل التوارق والغدامسية خلال أحداث 2011، الأمر الذي أكسبه علاقات قوية مع الطرفين كونه إستطاع الحصول على وفاقهما بعد أن استلم الأسرى وأفرج عنهم.

أيضا تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الذي يقوده عبد المالك درودكال، تنظيم ينسِّق ويعمل بشكل كبير مع زعيم حركة “أنصار الدين” إياد أغ أغالي بمالي، الذي وحسب مصدرنا من ليبيا، أصبح كثير الحركة والتردد والدخول من مالي والقيام باجتماعات سرية داخل منطقة درج الليبية، حيث كان مخططهم الهجوم على منطقة غدامس وبسط السيطرة عليها وأخذ قيادتها من باقي التنظيمات، إلا أنَّ الأمر لم يلقَ القبول من قِبل قادة الطوارق العسكريين الذين اختلفوا معه في الأمر وألغوا المخطط، مخطط لا يزال إياد أغ أغالي مصرّا عليه. فحسب مصدرنا، فإن هذا الأخير يعقد منذ مدة قصيرة سلسلة من الاجتماعات والمباحثات مع بعض قادة ثورة فبراير بهدف المساعدة والسيطرة الكاملة على المنطقة.

أما مختار بن مختار، فيقول محدثنا إنه إسم ارتبط بقصة غريبة داخل منطقة غدامس، حيث يعتقد الكثير من القادة العسكريين والاجتماعيين في المنطقة أن السرّ وراء سيطرة التنظيم الإرهابي على مستشفى غدامس منذ سنة تقريبا، لمدة ست ساعات تحت حراسة مشددة ثم مغادرتهم مصحوبين بجثمان قد يكون لبن مختار وقتها، إذ منذ تلك الحادثة لم يظهر للرجل أيُّ أثر أو بيان، لتخرج القوات الأمريكية بعدها معلنة مقتله خلال إحدى ضرباتها الجوية بمنطقة أجدابيا قبل أن تتراجع بعد أيام قليلة وتعلن عدم وجوده ضمن القتلى في نفس الضربة.

منطقة غات:

منطقة غات الليبية الحدودية مع الجزائر، التي تمتدّ لتربط بين مدينة إليزي وجانت عبر منفذين صحراويين ومسالك وعرة لا توجد بها أي حياة أو تغطية هاتفية أو حتى خدمات أمنية، منطقة يقول مصدرنا إنها تتميز بصعوبة التضاريس والمناخ والوديان والمسالك الصحراوية الصعبة التي تسهّل عملية التهريب، وتمتد هذه المنطقة إلى “العوينات وتهالا البيتين” التي تعتبر خاصة بالعمليات الإرهابية، بحيث تم اكتشاف أنها كانت مكان التخطيط والانطلاق لعملية قاعدة تيقنتورين النفطية الجزائرية، التي كان الكثير من قتلاها منفذين إرهابيين يقطنون بها رفقة زوجاتهم.
أهم التنظيمات التي تنشط بمنطقة غات إلى جانب التنظيمات السابقة التي تنشط بمنطقة غدامس الحدودية، يقول مصدرنا إنه يوجد هناك تنظيمات إفريقية ذات ارتباط بشمال مالي والنيجر وحتى تنظيمات “المسينا” و”بوكو حرام” بنيجيريا، تنظيمات اتخذت بعد سقوط القذافي وتردي الوضع الأمني في ليبيا، المناطق كمراكز نفوذ لها، منها تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” الذي اتخذ من مدينة العوينات ملاذا آمنا له، يضيف مصدرنا رغم دخوله في اشتباك مرات عديدة مع الجيش الليبي أو الميليشيات المسلحة الليبية هناك، خاصة في مناطق شرق العوينات التي تعرف بمنطقة مساك ومنطقة اناي الحدودية، التي لا تبعد عن الحدود الجزائرية بسوى مسافة 12 كلم، وهي التي تعرف بمنطقة المثلث، النقطة أو المعبر الذي سلكه مختار بن مختار للوصول إلى مدينة سرت الليبية، كما أنها تعتبر نقطة عبور الأسلحة والمعدات إلى شمال مالي يقول محدثنا.

منطقة أوباري:

يقول مصدرنا إن منطقة أوباري تشكل خطرا كبيرا إذا ما قسناها بباقي المناطق سالفة الذكر، وهذا حسبه لكونها مجمع للتنظيمات الإرهابية بل والسوق الدولي لتجارتهم، فهذه المنطقة تحديدا تربط مناطق ليبيا المختلفة عبر حدود صحراوية صعبة، حيث تربط الجنوب بالغرب الليبي عبر الحمادة الحمراء، إذ يمكن الخروج من مناطق الزنتان أو مزده أو غدامس أو الجبل الغربي إلى أوباري مباشرة دون المرور بأيِّ منطقة أو الاصطدام بأيِّ دورية أو جهةٍ أمنية، فكل الطرق مسالك سرية وممرات لا يعرفها إلا المهربون والتنظيمات الإرهابية، طرق سرية تربط أيضا بمناطق الشاطئ وبني وليد وسرت مباشرة، وهي نفسها الممرات التي يسلكها ويعبُر منها تنظيم” داعش” بين مالي وسرت عبر منطقة أوباري.

أهم التنظمات التي تنشط بمنطقة أوباري حسب مصدرنا، هي كل التنظيمات الإرهابية سابقة الذكر، منها تنظيم “الموقعون بالدم” الذي ينشط بين غدامس وأوباري وله موقع لتدريب الإرهابيين في منطقة العطشان القريبة من الحدود الجزائرية، منطقة تبعد عن العوينات بنحو 220 كلم، كما تعتبر ركيزة الإمدادات والدعم ومنطقة الاستثمار وسوق الأسلحة والذخائر، خاصة أن أهم قادتها من التنظيمات الإرهابية جزائريون، وهنا كشف مصدرنا عن بعض الأسماء الجزائرية الخطيرة التي تنشط مع تلك التنظيمات الإرهابية أبرزهم يقول “عبد الله بن لكحل” من بارونات المخدرات يسيطر على سوق غدامس والشاطي وهو المسؤول الاقتصادي لبن مختار الذي يغطي الصفقات الاقتصادية وشراء السلاح من خلال تنقله عبر مختلف المناطق.
الجزائري الثاني، حسب مصدرنا من داخل ليبيا، هو “أبو منذر الجزائري”، ينحدر من منطقة الدبداب وله علاقة بأبي زيد الجزائري الذي يقيم بمدينة أوباري، ينتمي الجزائري إلى كتيبة “الموقعون بالدم” مهمته شراء الأسلحة وله خلية كبيرة تعمل لحسابه. الجزائري الثالث يقول محدثنا هو “عبد السلام طرمون” زعيم تنظيم أبناء الجنوب ينحدر من ولاية ورقلة، غير أنه يقيم حاليا في ضواحي مدينة أوباري، تنقلاته بين غدامس ودرج، حيث إن له علاقات قوية تحميه وتجلب له المقاتلين الذين يتجمّعون ويتدرّبون في معسكر شرق منطقة غات يقول محدثنا.
كما تنشط أسماء كثيرة في منطقة أوباري كان أهمها الشيخ “عثمان الطارقي” من طوارق مالي، يعتبر من أقرب الأشخاص إلى إياد اغ غالي، وقد قتل في معارك أوباري الأخيرة التي كانت بين الطوارق والتبو عام 2015-2016.
مصدرنا كشف أيضا عن الشيخ “أحمد الأنصاري” وهو من مالي أيضا ومن قبائل أفوغاس، له علاقات عائلية قوية في منطقة تمنراست الجزائرية، يُعتبر من أقوى الشخصيات الإرهابية التي لها علاقة مع بعض الشخصيات في طرابلس ومصراته، وهو الذي كان وراء سيطرة هذه الأخيرة على الحقول النفطية في الجنوب الليبي، كما يُعتبر من أهم شخصيات الصراع في الجنوب الليبي، حيث كان يقيم في قاعدة عسكرية في سبها تتبع مصراته التي تعرف بقاعدة “تمنهنت”، هنا يشير مصدرنا إلى خطورة الرجل التي تكمن في كونه صهر عبد الوهاب قائد المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية، والشقيق الوحيد لأبي ليث الليبي الذي قتلته أمريكا بغارة جوية في أفغانستان لكونه اتهم آنذاك بأنه من بين المدبرين لأحداث 11 سبتمبر.

منطقة الشاطي:

منطقة الشاطي هي الأخرى، حسب مصدرنا، تعتبر من أهم المناطق التي تشكل خطرا على الأمن الجزائري التي تنشط فيها التنظيمات الإرهابية، حيث يوجد بها طريق معبد وحيد يربط طرابلس بالجنوب الليبي ويربط سبها بالشمال والشرق والغرب، تعتبر منطقة خارجة عن سيطرة الدولة الليبية. يقول مصدرنا إنه يوجد بها كل من “أبي مصعب الحسناوي” و”أبي طلحة الحسناوي”، وهما من أخطر الشخصيات الإرهابية في الجنوب الليبي حسب المخابرات الأمريكية التي سبق أن ضربت طائراتها قبل أيام أحد مواقعهم في الشاطي ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص خمسة منهم لهم علاقة مباشرة بالجزائر وتهديد أمنها.
نفس المنطقة، حسب مصادر “الشروق”، شهدت قبل أربعة أشهر اختفاء أحد رؤوس الإرهاب التابعين لتنظيم “القاعدة” والمعروف “بالحاج عبد الله”، سفير التنظيم داخل ليبيا وأبرز قادتها ينحدر من ولاية ورقلة، اختفاؤه بقي غامضا إلى اليوم بعد أن تعرّض لكمين أصيبت على إثره زوجتُه وصهره.

كل هذه التنظيمات الإرهابية، لديها أجنداتٌ خاصة تحاول كسبها حسب مصدرنا أهمها الفرنسية وثلاث دول عربية، أجندات تتنازع على الجنوب الليبي الذي يمتد من غدامس إلى جانت إلى أدرار وبشار مرورا بتمنراست، مناطق تعتبر مفتوحة وغير مضبوطة من الجانب الليبي ودول الجوار، في ظلّ عجزٍ ليبي عن التحكُّم في الوضع أو التنسيق الأمني معها.
الشروق الجزائرية، 12 ديسمبر 2016
خولة بوجنوي. منسقة المتابعات المغاربية.