رصاصاتها أصابت نتنياهو تيريزا هلسة: مناضلة من طراز خاص

أضيف بتاريخ: 30 - 03 - 2020

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
30-3-2020

اشتهرت الثورة الفلسطينية المعاصرة في حقبة سبعينيات القرن الماضي بعمليات خطف الطائرات واقتحام المطارات للفت أنظار العالم للقضية الفلسطينية وعدالتها، وهموم الشعب الفلسطيني ومعاناته، وسعيا لتحرير الأسرى والمعتقلين من سجون الاحتلال الإسرائيلي. ولم تكن المناضلة “تيريزا هلسة”، وحدها بين نساء فلسطين والعرب من شاركت في هذا الفعل البطولي. فالتاريخ الفلسطيني المقاوم يحفظ أسماء مناضلات قبلها وبعدها، فكانت فتاة استثنائية ومناضلة من طراز خاص.

تيريزا هلسة. هي مناضلة عربية أردنية، وواحدة من الفدائيات اللواتي انتمين للثورة الفلسطينية، ومارست الكفاح المسلح من خلال حركة “فتح” وهي في عمر 17 ربيعا، وشاركت في عملية خطف طائرة عام1972، ورصاصاتها أصابت “بنيامين نتانياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي وكادت أن تقتله في العملية. واعتقلت وأمضت في السجن الإسرائيلي أكثر من عقد من الزمن، فسجلت تاريخا ناصعاً.

ولم تكن “تيريزا” مجرد فتاة شاركت في الكفاح المسلح وخطف الطائرات فقط، أو أسيرة محررة ومناضلة مميزة بأدائها فحسب، وانما شكّلت طوال سني حياتها حالة نضالية متقدمة وعكست اصالة التاريخ وعمق العلاقة والروابط التاريخية بين الشعبين الشقيقين الأردني والفلسطيني، وكانت مثالاً للمرأة العربية الأردنية الفلسطينية التي عملت وتعمل من أجل فلسطين، فغدت أيقونة النضال الفلسطيني والقومي العربي ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ولدت “تيريزا” في البلدة القديمة في مدينة عكا شمال فلسطين عام1955، لعائلة أردنية مسيحية، حيث قدم والدها اسحق هلسة، وهو أردني الأصل، من مدينة الكرك الأردنية الى فلسطين عام1946 وتزوج من الفلسطينية (نادية حنا) من قرية الرامة في عكا واستقر به الحال مع أسرته هناك، فنشأت “تيريزا” وترتبت وترعرعت في شوارع وأزقة مدينة عكا وتعلمت ودرست في مدارسها.

وفي العام1970 أعلن الاحتلال عن اعتقال مجموعة من الفدائيين في عرض البحر تنتمي الى حركة “فتح”، والتي عُرفت لاحقا بـ “مجموعة عكا”، حيث استشهد أحد اعضائها ومنعت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عائلته من رؤية جثته قبل الدفن لمنع كشف فظاعة التعذيب الذي تعرض له، حيث روت لاحقا أن هذه الحادثة وغيرها من الأحداث المشابهة ذات العلاقة بإهانة الاحتلال للفلسطينيين وقتل الأبرياء منهم، مثلّت نقطة مفصلية في قرارها. إضافة إلى تأثرها بالعمليات الفدائية الفلسطينية ضد الاحتلال والتي ازدادت مطلع السبعينيات.

وفي العام 1971 غادرت الأراضي الفلسطينية دون علم عائلتها وهربت من عكا إلى مرجعيون في الجنوب اللبناني، برفقة شابة زميلة لها في الدراسة كي تلتحق بالفصائل الفلسطينية وتُمارس المقاومة من خلالها.
اختارت حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” وانضويت تحت لوائها وانخرطت في صفوفها وتدربت في معسكراتها، وهي في ريعان شبابها وانخرطت في مجموعة أيلول الأسود، وتدربت على السلاح ومارست قناعاتها وجسدت موقفها بأن للنساء حق في المقاومة، فكانت مثالا للمرأة المناضلة، ولم تكن تعلم تلك الفتاة التي انضمت إلى الكفاح المسلح وهي بعمر السابعة عشر ربيعا، أنها ستكون يوماً أيقونة للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وأنها ستكون المرأة التي كادت يوماً ما أن تقتل رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو.

وفي الثامن من أيار/مايو 1972، كانت “تيريزا” واحدة من بين أربع فدائيين شاركوا في اختطاف طائرة “سابينا” البلجيكية في رحلتها رقم (572) التي كان على متها (140) اسرائيليا، وكانت متجهة الى مطار اللد في قلب فلسطين المحتلة. تلك العملية الفدائية التي خطط لها وأشرف عليها الشهيد أبو يوسف النجار، وكان الهدف من وراء العملية هو احتجاز ركاب الطائرة كرهائن ومبادلتهم بأسرى أردنيين وفلسطينيين يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وبعد هبوط الطائرة في مطار اللد، قامت فرقة اسرائيلية مختصة تخفت بقناع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، باقتحام الطائرة لتحرير الرهائن دون تلبية مطالب الفدائيين، مما أدى الى اشتباك مسلح بين الفدائيين الذين رفضوا الاستسلام والقوة الإسرائيلية، وقد انتهى الاشتباك بإصابة عدد من الإسرائيليين بينهم أحد ضباط القوة الخاصة وهو “بنيامين نتانياهو” رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، والذي أصيب برصاصة في الكتف، فيما أصيبت “تيريزا” وتم اعتقالها مع زميلتها “ريما عيسى” واستشهاد الفدائيين الآخرين على طه وزكريا الأطرش.

نقلت “تيريزا هلسة” وهي مصابة الى مستشفى “تل هشومير” وبرغم حالتها الصحية المتدهورة إلا أنهم عاملوها بقسوة واستمروا في التحقيق معها والضغط عليها، وبعد مدة زمنية قضتها في المستشفى تم نقلها الى قسم التحقيق في سجن “نفي ترستا” الإسرائيلي ومكثت هناك لأسابيع عديدة تعرضت خلالها لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي والمعاملة القاسية، وبعدها نقلت الى السجن، وبعد أربعة شهور اصدرت احدى المحاكم الإسرائيلية العسكرية بحقها حكما بالسجن المؤبد مرتين وأربعين سنة، قضت منها 11 سنة ونصف.

وخلال فترة سجنها، لم تستسلم للواقع المرير واستثمرت وقتها بالقراءة والتعلم وزيادة المعرفة وتعليم الأسيرات الاخريات اللغة العبرية، حتى حانت لحظة الإفراج برغم حكم المؤبد، حين نجحت حركة “فتح” في اتمام أضخم صفقة تبادل اسرى بتاريخ 23 تشرين ثاني/نوفمبر1983، وتمكنت في اطارها من الافراج عن آلاف الأسرى والأسيرات وكان من بينهم الأسيرة “تيريزا هلسة” والتي تم ابعادها الى خارج الأراضي الفلسطينية، واستقر بها الحال في العاصمة الأردنية.

تزوجت في العاصمة الأردنية (عمان) بعد تحررها من سجون الاحتلال الاسرائيلي واستقرت مع زوجها وأولادها الثلاثة، واستمرت في نضالها وواصلت عطائها لأجل الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة وهي تحمل فلسطين في قلبها ووجدانها، فأخلصت وأعطت بلا حدود، وتولت رئاسة رابطة شؤون جرحى الثورة الفلسطينية، فعملت لأجلهم ولأجل الأسرى بتفاني لا محدود، الى أن توفيت في 28 آذار/مارس عام2020 بعد صراع مع مرض السرطان عن عمر يناهز65 عاما قضتها في خدمة الشعبين الفلسطيني والأردني وقضايا الأمة العربية، تاركة ارثا نضاليا وتاريخا ناصعا.

تعازينا الحارة لأسرتها وعائلتها وللشعبين الأردني والفلسطيني، ونسأل الله عز وجل أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته وأن يلهم أهلها ومحبيها الصبر والسلوان.

تيريزا هلسة، ارقدي بسلام، واسمك سيبقى محفورا في التاريخ وذاكرة الأجيال.