تأمل في دماء المحرر الشرق أوسطي، المحارب النبيل وسيد الميادين الشهيد قاسم سليماني: تنتهي الحرب مع أمريكا متى انتهت أمريكا كقوة حرب

أضيف بتاريخ: 05 - 01 - 2020

فيما يلي نحاول فهم معاني “الانتقام الاستراتيجي” ونتيجته الحتمية سقوط عصر الصفقات بالمفهوم الترامبي.

نهدف في هذه الورقة الملخصة إلى إطلاق بعض المبادئ العامة لإنهاء أميركا كقوة حرب أي كدولة حرب وكدور حرب ووظائف حرب. قد يبدو ان ما نحن بصدده يحتاج كتلة إقليمية كبيرة أو قارية أو عالمية وهذا صحيح، غير اننا هنا بصدد الفكر وبصدد التفكير في الأساس الفكري الشامل للرد العسكري على العدوان العسكري الإرهابي الصهيو-اميركي المتمثل في استهداف الشهيدين سليماني والمهندس ورفاقهما.

مازالت أميركا كما هو معلوم حتى الآن، وذلك واضح في عقيدتها الأمنية والعسكرية الاستراتيجية، مازالت تؤمن بأن الحرب تصنع السلام وأنه عليها أن تمارس الحرب لتحقيق السلام. ومازالت تعتبر أن الحرب والحرب المطلقة والحرب الشاملة والحرب المحدودة… والحرب مفهوما وكل حرب هي المقام الأعلى للاستراتيجيا والحرب في تراجم الممارسة الأمريكية تقوم على السلاح وتنهض على التدمير وتتاسس على الهيمنة والاحتلال وتشرع لنفسها الإرهاب وسائر الجرائم.

نحن لسنا في حاجة أصلا في هذا المقام إلى رواية الحروب الأمريكية كمؤرخي حرب أو كمؤرخي أحداث. ولا أحد من من العقلاء في هذا العالم يستطيع إنكار كون أميركا قوة حرب وهي تقدم نفسها إلى العالم على هذه الهيئة وتتصرف على هذا الأساس. بينما في مقابل ذلك تقوم العقيدة السياسية الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية على الفكر لا على السلاح وتستخدم السلاح للمقاومة الدفاعية وليس للاحتلال. وبلغة أخرى مختصرة، لدى إيران رسالة خاصة إنسانية هي لسان وبيان حضارة المقاومة. تلك رابطتها الداخلية والخارجية وتلك فلسفتها الرسالية. انها قوة مقاومة، مقاومة قوة الحرب. وهي تخوض الحروب بفكر مقاومة ولا تذهب إلى الحروب لبسط النفوذ والقوة الاغتصابية على الآخرين.

ولهذا كان الشهيد قاسم سليماني بطلا قوميا حاملا لرسالة حضارية خالدة وهي عقيدة راسخة ولذلك تحديدا تمت جريمة اغتياله بصفته محاربا نبيلا ومحررا شرق اوسطي ولا أدل على ذلك من جغرافية مراسم تشييع جثمانه الطاهر حيث أتى من دمشق ومر على بغداد في إتجاه طهران مرورا بكل الأماكن المقدسة وبشكل غير مسبوق.

هذا التشييع المهيب بحد ذاته هجوم مضاد. والشهيد سليماني بطبعه وكما هو معروف عنه مؤمن كبير بمقولة احسن وسيلة للدفاع هي الهجوم، ناهيك عن اعتبار ان أقل الخسائر تقع على إيران في عقيدة حرس الثورة مهما كان العدو ومهما كان العدوان وان كل الإقليم هو بمثابة وصية مقدسة تستحق الدفاع والتضحية للمحافظة عليها من العراق إلى مصر ودمشق وبيروت وصنعاء… لا سيما وان الثورات الاجتماعية كما كان يرى دوما قائد قوة القدس هي دائما عوامل إيجابية مساعدة.

تبرز من خلال ذكريات وخواطر الشهيد قاسم سليماني ميزة لامعة شديدة الخصوصية اذا لم تتوفر في الجندي لا يمكن أن يكون محاربا ولا يمكنه ان يكون محررا وهي ميزة النبل. نحن نرى ذلك أيضا في دمه حيث نكاد نقول ان أقسى واكسح هجوم استراتيجي على أميركا هو استشهاد قاسم سليماني. ونكاد نقول، اذا لم يكن قدرا، وهو قدر، فهو استدراج استراتيجي.

ومن هنا فصاعدا ستعجز مراكز دراسات الحرب الأمريكية على إقناع نفسها والعالم بعقيدة حربية قابلة للتسويق. وسينتهي التفاخر بالأفول وستبدو اغلب المعارك معارك ظاهرية تبدو وكانها واقعية. وتكون المعركة الكبرى ذات العمق الشامل لما يظهر وما لا يظهر وما يجمع السياسة بالعسكر ويجمع التكتيكي بالاستراتيجي، ستكون معركة إنهاء أميركا كقوة حرب.

يعني إنهاء أمريكا كقوة حرب ما يلي:

إنهاء أميركا الحربية أو أميركا-الحرب
إنهاء حروب أمريكا
تغيير طبيعة أميركا
إخراج أمريكا من الحروب
تغيير سلوك امريكا
إنهاء سياسة الحرب أو تغيير سياسة أمريكا الحربية
إنهاء حكم ترامب
إنهاء حكم نتنياهو
إنهاء العمالة في الخليج ونقله إلى خليج مقاوم
توسيل الأمريكان الهروب.

هذا الانهاء يتطلب حتما:

نزع قوة الحرب الأمريكية وخاصة سلاح الجو
تعطيل قرار الحرب وخاصة قرار الرئيس
تعطيل أدوات الحرب وخاصة القواعد
تفليس مصادر تمويل ميزانيات الحرب وتجارة الحرب وخاصة الخزان الخليجي
تحييد السلاح وإضعاف قيمته في سوق السلاح واخراجه من الخدمة وخاصة منظومات الدفاع الجوي.

لقد صدق ابن خلدون حينما اعتبر ان من علامات أفول الدول وانهيارها أن تصاب حروبها بلعنة رد الاعتبار وأن تترهل نخب جيوشها عن الإبداع وتقع في التكرار. صدق وانطبق ذلك انطباقا تاما على أميركا، من أفغانستان والعراق إلى سوريا واليمن إلى فنزويلا وإيران…الخ. هذا دون أن نحصي مباشرة عدد الاغتيالات ومحاولات الاغتيال التي نفذتها والانقلابات ومحاولات الانقلاب التي أشرفت عليها.

عندما تصبح أميركا دولة لاحربية، وقتها فقط ينتهي صراعنا معها وينتهي دورها إلى جانب كيان العدو الصهيوني وغيره، وهي معركة واحدة ومتوسطة الأمد وللغالبية الساحقة من القوى الكبرى في العالم مصلحة في لعب دور فيها ولكل شعوب الأرض كل المصلحة الكبرى.

صلاح الداودي