قراءة في نتائج الإنتخابات التمهيدية داخل اليمين والوسط بفرنسا

أضيف بتاريخ: 30 - 11 - 2016

مساء يوم الأحد 27 نوفمبر 2016 أعلن عن فوز السيد فرانسوا فييون على منافسه في الدورة الثانية للإنتخابات التمهيدية داخل اليمين والوسط الفرنسي السيد آلن جوبي.
على مدى أكثر 18 شهرا كانت كلّ التقارير والتحاليل والبيانات والإستطلاعات تتنبّأ بفوزالسيد آلن جوبي على منافسه الأوّل الرئيس السابق السيد نيكولا ساركوزي. ماذا حصل؟ كيف خسر كلّ من ساركوزي وجوبي؟ كيف توّصل السيد فييون إلى تحقيق هذا الفوز السّاحق؟ أسئلة خاض فيها جميع المحللين من إعلاميين وسياسيين بفرنسا وخارجها هذا الأسبوع.
السيد فييون يبلغ من العمر 62 عاما، متزوّج وله خمسة أبناء. في 1981 سنة وصول اليسار إلى الحكم بفرنسا كان أصغر نائب بالبرلمان حينها ( 27 عاما) وقد تقلّد العديد من المناصب الوزارية خاصة في حكومة السيد بالادير 1993 والسيد رافارين 1995ويبقى أهم منصب تقلّده السيد فييون هو رئاسة الحكومة في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي 2007- 2012. فرانسوا فييون إذا شخصية سياسية عريقة ذات تجربة مهمة داخل الدولة ينتمي إلى اليمين الجمهوري الإجتماعي وقد تأثّر في بداية مسيرته السياسية بشخصية ديغولية بارزة هو السيد فيليب سوغين أحد أهم الوجوه اليمينية بفرنسا وصديق للرئيس السابق السيد جاك شيراك، عُرف بنزعته السيادية ونهجه الديمقراطي الإجتماعي. أيضا بعد عمله في حكومة السيد أدوارد بالادير في تسعينيات القرن الماضي تأثّر بنهجه الليبيرالي الإصلاحي وبإيمانه بالإتحاد الأوروبي ودور الشريكين الألماني والفرنسي في إنجاحه، لهذا يُعتبر السيد فييون مزيج من السيد سوغين البركانيُّ الطابع وذي النزعة السيادية والسيد بالادير صاحب الأعصاب الباردة وذي النزعة الليبيرالية والأوروبية.
شهدت فرنسا كغيرها من البلدان الأوروبية أزمة حقيقية مالية وإقتصادية وإجتماعية وتراكمت هذه الأزمة منذ تسعينيات القرن الماضي وبالتحديد منذ سقوط حائط برلين في 1991 والحرب على العراق. تعقيدات كثيرة وتعديلات جوهرية بدأت تظهر شيئا فشيئا على بنية المجتمع الفرنسي الرافض للعولمة ولنظام الأوربة وضياع الهوية والسيادة الوطنية. الطبقة الحاكمة من اليسار واليمين سقطت تحت هيمنة جماعات المصالح ومجموعات الضغط الأمريكية بالخصوص ورضخت لقرارات أصحاب الشركات الكبرى العابرة للقارات من صناعية ومالية وإعلامية وخدماتية، فوجّهت الخيارات الإقتصادية نحو نظام العولمة ونحو النيوليبيرالية. ويْعتبر الرئيس جاك شيراك آخر رئيس ديغولي حاول المحافظة على خصوصية فرنسا ونهجها الليبيرالي الإجتماعي إقتصاديا وعلى شيئ من الإستقلالية في السياسة الخارجية خاصة قبالة الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني. كلّ هذه التحوّلات المتسارعة أدّت إلى تفاقم البطالة خاصة بين الشباب، إنهيار القدرة الشرائية، إزدياد مظاهر العنصرية إزاء الأجانب وخاصة المغاربة والأفارقة وبحلول القرن 21 ومع أحداث نيويورك 2001 تصاعدت موجات الإسلاموفوبيا بأوروبا وخاصة بفرنسا وجاءت كارثة 2008 المالية لتعلن إفلاس النظام الرأسمالي المتوحّش ومنذ ذلك الإنهيار المالي سقطت كلّ الأقنعة وتغيّرت الكثير من القناعات وأزدادت الحروب والصّراعات حول الطاقة والموارد الطبيعية، وظهرت قوى إقليمية ودولية جديدة تنازع هيمنة أمريكا وأوروبا على العالم مثل روسيا والصين وإيران والبرازيل والهند، تغيّر ميزان القوى في العالم فظهرت حروب سوريا وأوكرانيا وليبيا والعراق واليمن لتعلن الإتجاه إلى قيام نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب.
كلّ هذه التحوّلات الجوهرية في الجغرافيا السياسية العالمية أدّت إلى مراجعات جدية لدى الشعوب خاصة الأمريكية والأوروبية التي تملك الوعي والقدرة على التغيير
فبدأنا نلاحظ تغيّر في الخيار السياسي الداخلي والعودة إلى مفهوم الدولة الوطنية القوية وحماية رأس المال الوطني وإحترام تاريخ وهوية الشعب وضبط الحدود ومراقبة صارمة لملف الهجرة والمهاجرين والتصدي للإرهاب “السلفي الإسلامي” وإعادة صياغة مشروع مجتمعي غير تابع لنظام العولمة. أوّل نتائج هذا التحوّل العميق داخل المجتماعات الغربية رأيناه ببريطانيا عندما صوّت البريطانيون هذا العام بأغلبية للخروج من الإتحاد الأوروبي وكانت صدمة مدوية وجاءت المفاجأة الأكبر عندما فاز السيد دولاند ترامب بالإنتخابية الرئاسية الأمريكية أمام منافسته السيدة هيلاري كيلنتون مرشّحة نظام العولمة.
تردّدات زلزال ترامب الأمريكي وصل فرنسا، ففي حين كان الكل ينتظر وصول آلان جوبي إلى رئاسة فرنسا وهو الذي يحضى بتأييد نظام العولمة، وإذا بالناخب اليميني بفرنسا يرشّح السيد فييون الذي لم يكن ينتظر وصوله أحد إلى درجة أن أهم مساعديه تركوه وذهبوا نحو السيد ساركوزي وجوبي.
نجح السيد فييون لأنه يملك مشروعا متكاملا يمثّل القطيعة مع ما عرفته فرنسا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وكما عبّر في خطاب النصر ليلة الأحد 27 نوفمبر 2016 “فرنسا في حاجة إلى الحقيقة وإلى أفعال صحيحة، أنا أمثّل القطيعة مع النظام السابق، لقد قرّرت هدمه، ” كلمات قوية وثابتة، قد يجد الكثير من الصعوبة في إقناع الناخب الفرنسي من الطبقات المتوسّطة والفقيرة والعاملة والشّابة لأنّ مشروعه الإقتصادي هو مشروع نيوليبيرالي ولكن لا بديل ربّما عن السيد فييون في أفريل القادم إلّا السيدة مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرّف بفرنسا. اليوم بفرنسا، يسار مريض بلا رأس ويمين وجد رأسه وعليه الآن بناء جسم متوازن قادر على مقاومة يمين متطرّف قوي ومتربّص. عادت الإيديولوجيا إلى الساحة السياسية وهذا من أهم إيجابيات السيد فييون فهو رجل دولة يحمل قناعات فكرية ثابتة ورؤية سياسية وطنية تبحث عن صالح فرنسا أوّلا، لذلك هو يمد يده إلى روسيا بوتين ويعلن عن قناعته بأن مقاومة الإرهاب السلفي في المنطقة والعالم لن تتم إلا بالتعاون مع سوريا الأسد والمقاومة اللبنانية وجمهورية إيران الإسلامية. معركة السيد فييون تبدأ الآن، لن تكون سهلة وسيجد الكثير من العقبات.
هل سيجد اليسار فارسه؟ من سيكون، هل هو السيد آرنو مونتبور ذي الأصول الجزائرية أم السيد مانيال فالس رئيس الحكومة الحالي من أصول إسبانية؟ ما هي حظوظ السيدة مارين لوبان؟ إنتخبات رئاسية فرنسية ستحمل الكثير من المفاجآت لفرنسا وأيضا لأصدقائها .

عماد الدين الحمروني
باريس 30 نوفمبر 2016