باريس وشبكات الفساد الخفية في الجزائر.. من سيجرأ على محاربتها؟

أضيف بتاريخ: 10 - 08 - 2019

الدكتور بلهول نسيم
(الخبير الامني عضو الهيئة العلمية لشبكة باب المغاربة).

بعيدا عن أزقة محاربة أجنحة الفساد في الجزائر، تبقى أوكار التلاعب بمقدرات الدولة في منأى عن ضربات الأمن والعدالة.. الأمر هو أكبر من مجرد فتيل يفكك هنا وهناك.. هي خطوط حمراء لا يمكن استوعابها إلا من خلال العودة إلى كتاب “مارك أندفيلد – Marc Endvield”: “المتلاعب الكبير – Le Grand Manipulateur”. وكتاب آخر هو بنفس القدر من الأهمية، والأمر يتعلق بمؤلف: “فرنسا أفريقيا: العمليات السرية وقضايا الدول – “Francafrique: Operations Secrètes et Affaires d’Etats” للكاتبين: “باسكال إيرولت وجان بيار – Pascal Airault et Jean Pierre” حيث نجد تتمة مهمة لأفكار الكاتبين المرتبطة بتأسيس هرم الفساد في الجزائر في كتاب آخر موسوم ب: “من فرنسا أفريقيا إلى مافيا أفريقيا – De La Francafrique a La Mafiafrique”. والذي كشف فيه الستار عن أوكار الفساد في العديد من دول شمال أفريقيا: إذ يعتبر “المحفل الكبير الوطني الفرنسي” و”محفل الشرق الكبير الفرنسي” وبناتيهما الخفيتين: (نوادي الروتاري ونوادي الليونز)، أحد أهم معاقل الفساد في دول مثل تونس ( كانت ليلى بن علي رئيسة الروتاري بتونس، والتي من خلالها نسجت خيوط الفساد ومافيا عائلة الطرابلسي بدعم من الإيليزيه ومحفل الشرق الكبير الفرنسي). وليس المثال المصري ببعيد (من خلال تأثير والنفوذ الرهيب الذي لعبته سوزان مبارك رئيسة نادي الليونز بالقاهرة والتي استفادت من دعم شقيقها الجنرال منير ثابت).
أما بخصوص الجزائر.. فقصة إمبراطورية الفساد تمتد إلى سنوات ما قبل حكم آل بوتفليقة.. أي انطلاقا من ذلك الترابط المصلحي بين يهود الجزائر وبوابتها “اليهودي لعربي بلخير” من جهة، وقصر الإيليزيه الذي أسس من خلال لجنة العلاقات الجزائرية – الفرنسية (التي أسسها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران في ثمانينيات القرن الماضي) لسلسلة من التصفيات الجسدية – بسواعد جزائرية – راح ضحيتها أب الديمقراطية في الجزائر، الراحل قاصدي مرباح وخيرة من أبناء هذا الوطن هذا الوطن، وهذا تقويضا لذلك المجهود الجبار الذي قامت به “لجنة مستقبل الجزائر” التي أسسها الراحل قاصدي مرباح تحت بطانة أكاديمية وطنية راقية (على غرار كل من الراحلين: البروفيسور جيلالي اليابس ومحمد بوخبزة وغيرهما كثير).. تقارير هذه اللجنة لحد الآن لم يطلع عليها الجزائريون كونها أشارت بصراحة أن سبب الفساد في الجزائر هو جنرالات فرنسا (القوة المحلية الثالثة) التي نخرت الإقتصاد الوطني وأنهكوا موارده المالية، في إطار ثراء فاحش أساء إلى سمعة الجيش الوطني الشعبي.. علما أن الأغلبية منهم ينتمون إلى نوادي الروتاري في الجزائر.. مثلهم مثل بقية رجال الأعمال في الجزائر (علي حداد هو عضو نشط في نادي الروتاري بغليزان). وهم الذين ساهموا في تأسيس شبكات رهيبة لما يعرف ب: “المافيا السياسية المالية”.. فلقد عرفت كيف تنسج خيوطها وذلك من خلال جمعية رؤساء الأعمال الجزائرية – الفرنسية “أغورا”، والتي يترأسها كريم زريبي، حيث شارك في وقت سابق إلى جانب 500 شخصية وطنية نافذة في اجتماع ب: “فيلا لي أوليفيي” وهذا بعد دعوة موجهة إليهم من طرف السفير الفرنسي “درينكور”.. علما أن السفارة الفرنسية ساهمت بدرجة كبيرة في التنسيق بين شبكات المصالح ومافيا السياسة ورجال المال والأعمال الجزائريين والفرنسيين، وهذا تحت إشراف كل من “برنارد غيميي” رئيس المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي، ورجل المخابرات الفرنسية “بارجولي”.
لقاءات.. محافل.. طقوس الفساد أسست لإمبراطورية موازية وراءها شخصيات الظل التي حظيت بحماية حكومات أويحي البائسة. ويعتبر “ألكسندر الجوهري” وهو رجل أعمال ثلاثي الجنسية: فرنسية – جزائرية – غابونية، ويعد أحد أهم الشخصيات التي استقبلت لمرات عديدة من طرف الرئيس الفرنسي ماكرون في الجزائر، هذا على الرغم من كون هنالك مذكرة توقيف دولية ضده، نظرا لتورطه في تمويل الحملة الإنتخابية الرئاسية لنيكولا ساركوزي بأموال ليبية.. ألكسندر هو أحد الذين قاموا بنهب المال الليبي بعد سقوط نظام القذافي ليلوذ بعدها بالفرار إلى الجزائر العاصمة.. مستفيدا من مزايا الحماية المقدمة له في هذا البلد.
إطلالة بسيطة على كتاب: “جمهورية الحقائب – La République des Mallettes ” لصاحبه “بيير بيان – Pierre piean “، لنكتشف مدى أهمية تلك اللقاءات التي كانت تنظم في “محفل لير دو سالومون”، والتي جمعت كلا من رجال المخابرات الفرنسية من جهة وشخصيات جزائرية هامة على غرار الراحل العربي بلخير وألكسندر الجوهري، من جهة أخرى. علما أن هذا الأخير تم استقدامة من طرف الجنرال بلخير، وكان أحد أهم المتعاملين والشركاء الأساسيين لمنتدى علي حداد الخاص برؤساء الأعمال.
فندق الأوراسي.. يعتبر أحد أهم أوكار الفساد في الجزائر إلى حد الآونة.. وكيف لا وهو الذي كان ولا يزال حاضنة مهمة للعديد من صفقات الظل التي نسجتها قوائم من ضيوف فرنسا في الجزائر (وهذا بعد عملية التحقيق التي تطال قوائم المدعوين من طرف مصالح الإيليزيه، وكأن الأوراسي فندق من الفنادق المتواجدة على الأراضي الفرنسية). كل ذلك، في إطار تأطير مغلق من طرف “محفل فرسان الأمل” لورشات النهب المفتوحة، وتحت توجيهات أحد أعمدة الدبلوماسية الفرنسية، والأمر يتعلق ب”موريس غوردو مونتاني”، والذي استقبل، هو كذلك، في العديد من المرات وبنفس الفندق أحد أركان الفساد في فرنسا والجزائر “ألكسندر بن علة”. وهو الذي رافق في العديد من المرات ماكرون إلى الجزائر – على غرار زيارة الرئيس الفرنسي المؤرخة يومي 13 و14 فيفري 2017م، أي عندما كان مرشحا للرئاسيات الفرنسية. وقد استقبله آنذاك كلا من رئيس الحكومة السابق عبد المالك سلال، ووزراء على غرار كل من بن غبريت، رمطان لعمامرة وعبد السلام بوشوارب. ويعتبر “عيسى توازي” المنظم الأساسي لرحلات ماكرون إلى الجزائر، وهو إبن حركي، ومدير شركة التأمين “أكسا”، وأحد أهم ممولي الحملة الإنتخابية الرئاسية لماكرون. بالمناسبة مدير موقع “TSA” هو ابن عمه “لونيس غماش”، وهو أحد الأصدقاء والمقربين من “موريس غوردو مونتاني”.
مافيا أوليغارشية انطلقت من لعربي بلخير وصولا إلى علي حداد أحد المقربين من شقيق الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة (السعيد بوتفليقة)، والذي حظي بدعم رهيب من طرف الإيليزيه، وذلك من خلال تحركات ألكسندر جوهري.. المهم لقاءات عديدة نظمت سابقا بين كل من الرئيس الفرنسي ماكرون وفرانسوا توازيي وكذا رجل أعمال آخر هو “إسعاد ربراب”.
أكثر شخصيات الظل التي حظيت بالسرية والتكتم عنها، وذلك في إطار تأمين إمبراطورية الفساد في الجزائر هو “حسن حداد”، رئيس الصندوق الوطني للإستثمار المسيطر على كل من البنك الوطني الجزائري والبنك الجزائري للتجارة الخارجية. هذا الأخير (أي البنك الجزائري للتجارة الخارجية) متواجد في مدينة زوريخ بسويسرا، وهو البنك التاريخي للنظام الجزائري لأكثر من 35 سنة، بقي أمرا سريا ولمدة طويلة. مثلما هو الأمر بالنسبة إلى قضية تمديد أحد بنود اتفاقيات إيفيان المتعلق بالإستهلاك المجاني لفرنسا للغاز الجزائري الذي كان من المفروض أن تنتهي مدته سنة 2013م. غير أن إمبراطورية آل بوتفليقة مددت البند لصالح باريس وهذا لغاية سنة 2020م، وهو ما يفسر حرص رأس هرم الفساد في الجزائر على المناورة على حساب مطالب الحراك الشعبي من أجل ربح الكثير من الوقت حتى تنقضي تلك المدة، وتفي بالتزاماتها أمام باريس.
بين هذا وذلك، يبقى منتدى “إختر فرنسا – Choose French Forum” أهم محطة من محطات استمرار مسلسل الفساد في الجزائر.. نحن أمام مؤسسات حظيت بمصاهرة الدم والمصلحة.. أبطالها هم شخصيات نافذة استفادت من مزايا الظل ولمدة طويلة– على سبيل الذكر، الجنرال الراحل العماري سماعين ومدير المخابرات الفرنسية السابق “إيف بوني” كانا ولمدة طويلة صديقين حميمين، وأحد أهم مخرجات تلك العلاقة هو تأسيس ابنتيهما لشركة موحدة من خلال قروض خيالية منحت لهما من طرف البنوك الجزائرية -.. تفريخ لأجيال جديدة من الفساد لطخت أيديها بعهد فرانكو جزائري وقسم بالمحافل السرية وتحت دين قديم يسمى خلية فرنسا أفريقيا.. فبعد محاكمة ذيول باريس وجسد الفساد بالجزائر من يجرأ الآن على محاسبة فرنسا رأس الفساد؟!!