العنف السياسي واستنهاص الفاشية في أميركا

أضيف بتاريخ: 04 - 11 - 2018

التقرير الدوري لمراكز الابحاث الاميركية

نشرة دورية تصدر عن وحدة
“رصد النخب الفكرية”
في
مركز الدراسات الأميركية والعربية
Center for American and Arab Studies

3/ تشرين الثاني – نوفمبر/‏ 2018 11/03/2018

المقدمة
تترقب واشنطن، رسمياً وشعبياً، نتائج الانتخابات التشريعية (النصفية) ولبعض حكام الولايات على أحر من الجمر، نظراً لاستشراء مشاعر العداء وتجذر الانقسامات في المجتمع، عمودياً وأفقياً، نتيجة الترويج الرسمي من قبل الرئيس ترامب والحزب الجمهوري لسياسات اقصائية لقطاعات شعبية وازنة.
ولا يزال الجدل الحاد يميز المشهد السياسي في بعد السياسات الخارجية على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال الخاشقجي، واصطفاف الرئيس ترامب وما يمثله من امتدادات إلى جانب “الرواية الرسمية السعودية” بتناقضاتها والتي لم تعد تقنع الكثيرين؛ وما سيترتب عليها من تعديلات في بوصلة السياسة الأميركية في الإقليم.
تصاعد ظاهرة العنف السياسي في الولايات المتحدة سيكون محط اهتمام قسم التحليل للتقرب من حقيقتها إن كانت ظاهرة شعبية عفوية مؤقتة ضلت طريقها أم محطة في سياق أبعد وأشمل للأزمات المزمنة للنظام الرأسمالي والتي قد تتضمن نشوب عصيانات مدنية، في أدنى تجلياتها.

ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث

تداعيات مقتل الخاشقجي
في سياق إدانة عملية الاغتيال اعتبرت مؤسسة هاريتاج ان السمة العامة لكل من شارك او تورط فيها “كان سوء الأداء، ان لم يكن مخزياً،” موضحة أن الرئيس ترامب “اتخذ موقفاً ارضى به الطرفين: مع وضد السعوديين؛ بينما تظاهرت تركيا بحرصها على الضحية في حين لا زالت تعتقل الصحفيين والأعلى عدداً من اي بلد آخر.” ولم يسلم شخص الخاشقجي من انتقاد المؤسسة نظراً “لعلاقته مع (تنظيم) الإخوان المسلمين والتي تجاوزت غزل الصبا، لا سيما لمطالبته القيادة السعودية العام الماضي البدء بالتعاون معهم .. لكن ذلك لا يبرر قرار اغتياله.”
https://www.heritage.org/middle-east/commentary/what-not-do-about-khashoggi

العلاقات الأميركية السعودية، وفق معهد كاتو، كانت تمر بأزمة قبل فترة طويلة من اغتيال الخاشقجي والتي “شكلت علامة فاصلة بينهما.” وأوضح ان النخب السياسية الأميركية انتهزت فرصة الاغتيال لتعيد الانظار إلى “حقيقة النظام السعودي الذي لا يختلف اداؤه عن اي من الممارسات الدموية لنظم ديكتاتورية في الشرق الأوسط، بعد تجاهلها الطويل لذلك واعتباره صديقا وشريكاً” للولايات المتحدة. وأشار المعهد إلى ترجمة حالة الغضب بين النخب الإعلامية والفكرية عبر “إعادة بعض مراكز الأبحاث التبرعات السعودية التي تلقتها احتجاجاً.” وشخّص المعهد حالة عدم الرضى الأميركي الراهنة عن التحالف مع النظام السعودي “كعلاقة زوجية فاشلة .. فمصالح البلدين متباينة، وتهور السياسة الخارجية للسعودية ترك بصماته على مسقبل العلاقة.”
https://www.cato.org/publications/commentary/us-saudi-alliance-was-trouble-long-jamal-khashoggis-death

من بين أكبر المسفيدين من “الأموال السعودية،” برز مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ليلقي في خطابه ظلالاً من الشك حول “التقارير الإعلامية المنقحة وتفاصيلها المروعة.. الصادرة عن الاستخبارات التركية” لما جرى داخل جدران القنصلية السعودية في اسطانبول، موضحاً أن ما تم تداوله للآن لم يأثِ على ذكر ما قد توصله اليه المحققون من دلائل. واضاف محذراً أن “بعض ما نوعم معرفته راهنا من تفاصيل سيتنين لنا لاحقاً يعد صحته .. لا سيما وان عناصر الجريمة ممثلة بالنية المبيتة والهدف ستكون من أصعب القضايا لاطلاق حكم الجزم بشأنها.”
https://www.csis.org/analysis/implications-khashoggis-death-saudi-arabia

ندد معهد كارنيغي بجريمة اغتيال جمال الخاشقجي بعد طول انتظار لصدور تصريح رسمي سعودي حول الأمر والذي أتى لينكر معرفته لمصيره في البدء “مما أثار غضب الولايات المتحدة” التي استغلت الحادثة “لتوجيه نقد لاذع ومباشر لقيادة المملكة .. ولجوء ولي العهد لاحقاً لطرح إمكانية اجراء تحقيقات بقيادة وإشراف بلاده بالتعاون مع الحكومة التركية.” كما سخر المعهد من “نشر وكالة الأنباء السعودية الرسمية تصريحاً (لأحد المسؤولين) يحذر فيه من تطبيق عقوبات دولية على السعودية مما سيقود إلى تفعيل اجراءات عقابية رداً عليها.” وأوضح المعهد أن “التهديد لم يكن موجهاً للولايات المتحدة فحسب، بل للسعوديين في الداخل والخارج.”
https://carnegieendowment.org/2018/10/19/what-does-saudi-response-to-khashoggi-scandal-mean-pub-77539

ركز معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على التحولات البنيوية منذ تولي الملك سلمان العرش في اتخاذ القرار على إذ كانت “تصدر القرارات بناء على توفر إجماع داخل اوساط العائلة الحاكمة المختلفة، واختيار الحاكم عبر مفاضلة توفر الخبرة وكبر السن.” موضحاً أن صعود الملك سلمان للعرش، مطلع عام 2015، أطاح بتلك الصيغة لصالح نجله محمد بن سلمان. واضاف أن ما عبر عنه الأخير من “طموح لتحديث الاقتصاد والمجتمع والخطاب الديني .. لم يواكبه بخطوات عملية لتخفيف القيود على النشاطات السياسية المفروضة على السعوديين العاديين؛ بل لجأ لتقليص نفوذ العائلة الحاكمة بشكل كبير، وتهميش الآف الأمراء.”
https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/view/what-does-khashoggis-murder-tell-us-about-the-saudi-power-structure

في سياق مماثل، حث معهد واشنطن صناع القرار الأميركي بضرورة “معاقبة” السعودية لمسؤوليتها عن عملية الاغتيال، قراراً وتنفيذاً “والخطأ الفاحش الناجم عن سياستها لإسكات المنشقين أو المنتقدين،” ومعرباً عن اعتقاده بأن يشكل “مقتله فرصة هامة لمستقبل السعودية أكبر بكثير مما كان يتوخى من مقالاته في صحيفة واشنطن بوست.” وأوضح أن سياسة الاستخفاف من قبل ولي العهد وتضارب وعوده وطموحاته مع اجراءاته اليومية لكم الأفواه “تستدعي اتخاذ اجراءات عقابية وتدفيعه ثمن سلوكياته.”
https://thehill.com/opinion/international/413886-trump-administration-must-impose-a-price-on-saudi-arabia-but-with-a
أفغانستان
حذر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية من تجاوب الولايات المتحدة مع الدعوات المستمرة، داخلياً وخارجياً، لسحب قواتها العسكرية من أفغانستان “بحجة تدهور الأوضاع الأمنية هناك.” وأوضح أن انسحاب القوات الأميركية “كثمرة تسوية تفاوضية مع حركة طالبان .. ينطوي عليها مخاطر جدية، أبرزها عودة النشاطات الإرهابية وتدهور الحقوق الإنسانية – بما فيها حقوق المرأة ـ نتيجة انتصار طالبان.”
https://www.csis.org/analysis/us-strategy-afghanistan-perils-withdrawal

التحليل

العنف السياسي واستنهاض الفاشية في أميركا
خلال بضعة ايام متوالية عاشت الولايات المتحدة، رسمياً وشعبياً، حالة فريدة من القلق والاضطراب وفقدان التوازن، على خلفية سلسلة طرود متفجرة أرسلت لعدد من الشخصيات والمؤسسات “المناهضة” لسياسات الرئيس ترامب، تم اعتراضها والقاء القبض على ما يعتقد أنه الفاعل؛ أتبعها حادث إطلاق النار داخل كنيس يهودي في مدينة بيتسبيرغ، بولاية بنسلفانيا، من قبل “مواطن أميركي أبيض” مشبع بالعنصرية والكراهية، وفق الرواية الرسمية.
تمر البلاد أيضاً بحالة استقطاب “غير مسبوقة منذ عدة عقود” بمطالبة الحزبين مؤيديهما من الناخبين بأوسع مشاركة في جولة الانتخابات التشريعية (النصفية) وبعض مناصب حكام الولايات: الحزب الجمهوري أرخى العنان للرئيس ترامب للمشاركة في الحملات الانتخابية مطلقاً وعوده وتهديداته في اتجاهات متعددة؛ والحزب الديموقراطي لا يزال خطابه حبيس هواجسه العدائية لروسيا علها تنقذ إخفاقاته السياسية في التصدي الفاعل لسياسات الرئيس ترامب. أما جمهور الناخبين فيمضي لحشد وتنظيم معارضته للسياسات الإقصائية متوعداً بمعاقبة قاسية للطبقة الحاكمة في صناديق الاقتراع.
تموضع حالة الاستقطاب والانقسام تكسب بعداً إضافياً في مناخ الانتخابات، وتطرح أسئلة مشروعة حول توقيت أحداث العنف وإراقة الدماء “لخدمة أجندة تشديد القبضة الأمنية.” أنظار المؤسسة الرسمية تذهب كما هي العادة إلى إبعاد شبهة “العنف السياسي” أو “الإرهاب السياسي” عن الفاعلين خاصة، لا سيما وأن حادث الكنيس اليهودي قام به “أميركي أبيض” لم يصنف رسمياً كإرهابي.
بيد أن الجمهور الأميركي، بشكل عام، أرسل رسالة مدوية لصناع القرار حول حقيقة الخطر والتهديد القائم، وضاق ذرعاً بعد تعرض زبائن مطعم محلي في فلوريدا لحادث اطلاق نار دون مقدمات.
وكشفت يومية بوليتيكو، نشرة محسوبة على تيار يمين الوسط الأميركي، عن نتائج استطلاع رأي فور وقوع الحادثتين المشار اليهما جاء فيه أن “58% من الناخبين اعتبروا ما جرى بأنه عنف سياسي،” توزعت النسبة على ذوي الميول للحزبين الديموقراطي والجمهوري، وحمّلت أغلبية من الناخبين “56% منهم المسؤولية للرئيس ترامب،” لاستنهاضه خطاب العداء والإقصاء وانقسام المجتمع وخرق الاتفاقيات الدولية مما عاد بالعزلة على الولايات المتحدة.
النائبة عن الحزب الديموقراطي، ماكسين ووترز، والتي كانت أحد اهداف الطرود المتفجرة، حفزت جمهور مؤيديها على “مواجهة أي مسؤول من الإدارة قد يرتاد مطعماً أو متجراً أو محطة وقود، ومحاصرته بحلقة من مؤيدين يتواجدون في المكان وإبلاغه رسالة مفادها أنه غير مرحب به في اي مكان بعد الآن.” أما الرئيس ترامب فقد أشاد بتوجيه نائب عن الحزب الجمهوري لكمة مباشرة لصحافي معتبراً التصرف نموذجاً “يمثلني.”
المؤسسة الإعلامية الأكبر، شبكة سي أن أن للتلفزة، التي يكن لها الرئيس ترامب عداءً لا يضمره بل يردده في كل مناسبة وبدونها، علقت في أحدى نشراتها الإخبارية على احداث العنف السياسي بالقول إن “الرجل الأبيض” المدجج بالسلاح يشكل أكبر تهديد إرهابي على الولايات المتحدة، ووجهت النقد للجهات الرسمية لعدم “فرضها حظراً على الرجل الأبيض” المسلح.
رجالات المؤسسة الأمنية الأميركية أيضا يحملون مسؤولية التدهور الأمني لخطاب الرئيس ترامب الشعبوي والمفرط في السطحية.
استضاف معهد الأمن القومي التابع لكلية الحقوق في جامعة جورج مايسون، بضواحي العاصمة واشنطن، جلسة حوارية مطلع الشهر الجاري حول “التهديدات والتحديات أمام المؤسسات الديموقراطية،” شارك فيها المدير السابق للاستخبارات الوطنية، جيمس كلابر، ومدير السي آي ايه الأسبق، مايكل هايدن. كلابر كأن أحد أهداف الطرود المتفجرة.
كلابر حمل الرئيس ترامب المسؤولية المباشرة عن تنامي احداث العنف “نظرا لأن مفردات خطابه لها دور مباشر في تجسيد نزعة التطرف .. وهي ليست بعيدة عما خبرته في التعامل مع تنظيمات مشابهة كداعش، الذي أتقن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتجنيد عناصره،” في إشارة واضحة لمواقع التواصل التي تروج للخطاب العنصري والشعارات النازية في الداخل الأميركي.
وأضاف ساخراً من الرئيس ترامب “..استمرار العبقري المتزن في استنهاض نزعات من شأنها تأييد هذا النمط من التصرف، تقود إلى أننا مقبلون على تلقي مزيد من ذلك، وانا مقتنع بما أقول.”
هايدن في مداخلته شاطر زميله كلابر واستنتاجاته التي ذهب إليها في “.. تطابق مطالب المتشددين مع خطاب ينسجه رئيس الولايات المتحدة.”
الفاشية ليست تهمة
الدوائر الرسمية والمسؤولين الأميركيين شديدوا الحرص على نفي وجود ظاهرة الفاشية في المجتمع، بخلاف بعض النخب والمفكرين البارزين.
وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، مادلين اولبرايت، اصدرت كتاباً منتصف الصيف الماضي بعنوان مثير ومباشر الفاشية: تحذير، باللغتين الانكليزية والألمانية في وقت واحد، استعرضت فيه مراحل صعود الظاهرة وأفولها في اوروبا في القرن العشرين، كتيار سياسي مؤثر يتمتع بدعم شعبي داخل عدد من الدول الغربية بما فيها “بريطانيا والولايات المتحدة نفسها؛” محذرة من عودة الحركة الفاشية لسابق عهدها، وأنه “.. ليس هناك ما يمنع تدحرج الأمور مجدداً إلى تلك الهوة المظلمة.” ووصفت الرئيس ترامب وما يمثله بأنه “أول رئيس معادٍ للديموقراطية في التاريخ الأميركي بأكمله.”
تحذيرات اولبرايت وآخرين لها ما يدعمها من وقائع حية في مجمل الدول الغربية أبرزها “الانقسامات وحالات الاستقطاب .. وتفاوت الفرص والمنافع الاقتصادية دون أفق لتقليصها حتى على المدى المتوسط.” وشددت في تحذيرها على صعود “السياسيين الشعبويين إلى مواقع السلطة” وخطابهم المؤثر “عبر التلاعب والخداع” وتوجيه الأنظار نحو “عدو متخيل” دون التقدم بحلول حقيقية للأزمات البنيوية.
لهجة التحذير المشار إليها أخذت بعين الاعتبار صعود رمز “ومبشر الفاشية” في الإدارة الأميركية، ستيف بانون، الذي احتفظ بلقب “مستشار رئاسي للشؤون الإستراتيجية؛” ومضى لنشر افكاره في اوروبا، بعد اعفائه من منصبه في البيت الأبيض، عبر مؤسسة سياسية وفكرية، أسماها “الحركة،” ترمي لإطلاق ثورة شعبوية يمينية حاضنتها الاحزاب اليمينية الراديكالية، لتشجيع اليمين المتطرف في اوروبا الوصول إلى مراكز السلطة، كانت أولى ثمارها صعود رئيس وزراء يميني في ايطاليا، جوزيبي كونتي.
تجدر الإشارة إلى الدور المحوري لبانون في توجيه وصقل خطب الرئيس ترامب واستحداث “عدو” ما في كل مناسبة، أبرزها خطاب التنصيب، يناير 2017، الذي تضمن مفردات “الفاشية الإسلامية .. والإسلام الراديكالي.” واستطراداً، توجه بانون للنشاط في اوروبا يرمي لتحقيق جملة من الاهداف منها “محاربة الوجود الإسلامي،” واستنهاض موجة العداء الطائفي أثمر في إعادة انتخاب رئيس يميني متطرف للمجر، فيكتور اوربان.
التحذير من صعود الفاشية الأميركية تناوله الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، بول كروغمان، في مقال نشره في يومية نيويورك تايمز، منتصف أيلول 2018، قائلا “..أن الحزب الجمهوري على أتم الجهوزية ليتحول إلى نسخة أميركية عن حزب (العدالة والقانون) البولندي الحاكم، مستغلاً نفوذه السياسي” الواسع. وأوضح أن الولايات المتحدة في نسختها السياسية الراهنة “.. تعاني من نفس الأعراض العنصرية البيضاء التي تجتاح العالم، والذي استطاع تدمير الديموقراطية في دول غربية أخرى، ونحن قريبون من نقطة اللاعودة.”
التحذير جاء أيضاً على لسان أحد أبرز “مفكري” المحافظين الجدد من اليمين الأميركي، روبرت كاغان، في غمرة حملات الانتخابات الرئاسية الماضية قائلاً “.. الحركات الفاشية لا تتجسد في فراغ ما لم تتوفر لها ايديولوجية متماسكة .. الفاشية لا تنجح (بالبرامج) السياسية فحسب، بل في التفافها حول رجل قوي، باستطاعته التغلب على أي تهديد دون الاضطرار إلى شرح كيف يتم ذلك.” (واشنطن بوست، 18 أيار/مايو 2016)
لعل السؤال المنطقي عند هذا المفصل يتمحور حول مدى “تجاوب” وتناغم مرشحي الانتخابات النصفية مع الخطاب الفاشي. في زمن وفرة المعلومات وآليات التدقيق الفوري لا يستعصى على المرء استكشاف تصريحات متعددة لمرشحين “عن الحزب الجمهوري” تفوح منها العنصرية وتمجد “العنصر الأبيض.”
أحدهم مرشح لمقعد نيابي عن ولاية كارولينا الشمالية، راسل ووكر، أعلن أنه “لا ضير في أن يكون المرء عنصريا.” (الوكالة الفرنسية، 30 تموز/يوليو 2018). ولعل ما يضاعف منسوب القلق حضور المرشح الجمهوري عن ولاية ويسكونسن، بول نيلن، والذي من المتوقع أن يتسلم منصب رئيس مجلس النواب خلفاً لسلفه المتقاعد عن الولاية عينها، بول رايان، في حال احتفظ الحزب الجمهوري بأغلبية مقاعد مجلس النواب.
نيلن يصنفوه مؤيدوه ومناوئيه على السواء بأنه ركن موثوق لتيار اليمين المتطرف – اليمين البديل، ينتظر ممارسة دوره القيادي ليمنح امتيازات عالية “للقوميين البيض” وتعيينهم في مناصب سياسية وثقافية حساسة. المرشح الجمهوري لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية فرجينيا، كوري ستيوارت، أثنى على زميله نيلن ووصفه بأنه “أحد ابطالي الشخصيين.” تزامن تقييم توجهات (نيلن) العنصرية مع ارتفاع معدل حوادث استدعاء الشرطة من قبل “اميركيين بيض .. يشتكون فيها من حضور أفراد ذوي بشرة داكنة” وهم يقومون بأداء اعمال اعتيادية، أدت في إحدى المناسبات إلى اقتياد الشرطة لشابين أسودين مكبلين بالسلاسل من داخل مقهى “ستاربكس” كان يجلسان فيه بوضعية عادية.
هل الفاشية حتمية؟
علماء الاجتماع الأميركي مولعون بنظرية “ستراس – هاو العابرة للأجيال” لتعقب الازمات والتكهن بالمستقبل؛ والتي ترتكز على فرضية أن التاريخ البشري يتحرك وفق أربع “حقبات متتالية” تشكل دائرة كاملة من التطور. ما يهمنا في هذا الشأن “الحلقة الرابعة،” والتي توصف بحقبة الأزمات من خصائصها انتشار “.. الفوضى السياسية، الانقسام، التآكل الاجتماعي والاقتصادي” مما يحفز فئات المجتمع الأميركي على التغول والتطرف. اما نهاية “الأزمة” لن تتأتى إلا بعد نشوب نزاع شامل يؤدي بالأميركيين إلى التوحد “اضطراريا” وبناء مستقبل أفضل
حالة الانقسام الحادة والتطرف المنتشرة في مناخ الانتخابات “النصفية” لها ما يبررها وفق النظرية أعلاه. فالمتشددون على جانبي التجاذب السياسي سيرفضون بقوة نتائج الانتخابات، خاصة وان الاتهامات بالتزوير لاحت بوادرها منذ الساعات الاولى لتطبيق “التصويت المبكر،” في عدد من الدوائر الانتخابية. وكلما كانت النتائج النهائية متقاربة بين الفريقين ستتعزز فرص اندلاع العنف والاقصاء تحصد ضحايا جدد من كافة الفئات الاجتماعية والتوجهات السياسية.
ما يزيد منسوب القلق على المستقبل أيضا رصد التوجهات السياسية للقوات العسكرية، لفريقين من المؤيدين والمناهضين للرئيس ترامب. وأوضحت نشرة تختص بالشؤون العسكرية ميليتاري تايمز، الشهر الماضي، وفق استطلاع للرأي أجرته بأن قوات سلاح البحرية، المارينز، هي الأشد ميلاً لتأييد الرئيس ترامب؛ بالمقابل كان سلاح الجو هو الأشد عداء له. بالاضافة لذلك، جاءت النتائج لصالح ترامب بنسبة عالية من قبل المجندين الرجال على نقيض مناهضة المجندات من النساء.
تلك الاجواء المشحونة والمشبعة بالتطرف لا تنبيء بمستقبل يسوده السلم الأهلي، خاصة عند الأخذ بعين الاعتبار تباعد الفوارق الطبقية بين اصحاب رؤوس الأموال والمصرفيين وبين معظم الفئات الشعبية الأخرى.
التاريخ البشري القريب يحذرنا من تجذر الفاشية كمثيلاتها من “وقائع جسيمة وشخصيات تاريخية تظهر مرتين .. الاولى كمأساة والثانية كمهزلة.”