“دولتان ونصف لثلاثة شعوب”

أضيف بتاريخ: 04 - 09 - 2018

الخطة التي تم انتشالها من المخزن. 04 أيلول / سبتمبر 2018. موقع واللا العبري. بقلم: أمير أورن.

“الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية هي علبة كفتة سقطت من وجبات ميدان الجيش الإسرائيلي ونُسيت في زاوية غرفة في مكتب رئيس الحكومة، حتى أصبحت لذيذة في لحظة جوع شديد وغياب طعام آخر متوفر.

منذ 2002 كانت إقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل، بظروف معينة، هي الهدف المعلن للسياسات الأمريكية، رغم أن الأمر لم يتم تحديده هكذا في عملية أوسلو، طوال فترة بيل كلينتون كان يُفهم أن هذا بديل ممكن، في نهاية فترة الاختبار وبالانتقال لتسوية دائمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، لكن لم يتم تقديم وعد بأن تتحول السلطة الفلسطينية إلى دولة. جاء جورج بوش الابن وبعد عملية “الدرع الواقي” كان أول رئيس، وجمهوري محبوب بالنسبة “لليكود” أيضًا، وصوت لصالح إقامة دولة فلسطينية.

رؤساء حكومة إسرائيل حينذاك أرئيل شارون، ايهود أولمرت، وكذلك بنيامين نتنياهو في بداية ولايته المتجددة (خطاب بار إيلان)، تكيفوا مع الواقع الدبلوماسي المختلف. في منتصف سنوات التسعينات أيضًا، حين تطلع نتنياهو للفوز بالانتخابات على اسحاق رابين، قال في السفارة الأمريكية بتل أبيب أنه لا يعارض من حيث المبدأ فكرة دولة فلسطينية، لكن مقابل ثلاثة شروط: تحرير الاقتصاد الإسرائيلي من الأعباء الثقيلة مثل “الهستدروت”، وصول السكان الإسرائيليين لثماني مليون، وتواجد عسكري في وادي الأردن.

كان مفترضًا أن يحرص على الشرط الأول حينها كرئيس حكومة ووزير مالية، الثاني تحقق فعليًا، والثالث يطرح دائمًا كمطلب إسرائيلي صارم في المفاوضات. ووفقًا لذلك، يبدو أنه لا يوجد أي عائق حقيقي من جهة نتنياهو لإقامة دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.

ومع ذلك، كما أفشل المستوطنون برئاسة موشيه فيغلين كل خطوة لاعتدال نتنياهو في تلك الفترة في بداية رئاسة باراك أوباما وتجميد الاستيطان؛ كذلك لا جدوى سياسية من موافقة حالية لنتنياهو على دولة فلسطينية، ليس حين يكون صراع “الليكود” مع نفتالي بينت، وحين يتم إقالة أو إسكات كل الأصوات المعتدلة، نسبيًا، داخل الحزب الحاكم.

للبقاء في الجانب الآمن، يضيف نتنياهو من وقت لآخر شروط مسبقة أو باسمها الكامل “بلا شروط مسبقة”، مثل أن يطلب من أبو مازن الاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي. إن لم يعترف فلن يتحدثوا معه، لن يتحدثوا تعني ألا يتفقوا، لا يتفقوا تعني لا يتنازلوا؛ وفي غضون ذلك، يستمر الاحتفال.

المشكلة ليست في رام الله، بل في واشنطن

فرضية العمل هي أن “الإرهاب سيختفي” أو سيقتصر على أبعاد محتملة، بجهد كبير من الجيش الإسرائيلي و”الشاباك” وبالتعاون مع أجهزة الأمن الفلسطينية، وأبو مازن سيتذمر، لكنه سيوقف التوتر بين غياب أفق سياسي وبين استمرار التنسيق الأمني.

المشكلة لا تكمن برام الله، بل بواشنطن، لأن هناك لاعب أناني وغير متوقع يعمل هناك، قد يقلب القارب بأكمله نتيجة لهواه المفاجئ بالسعي لتأمين الانتخابات. لا ينبغي الاستخفاف بقوة وعود كهذه: رابين وافق على عملية أوسلو، على مضض، وذلك لأنه التزم بانتخابات 1992 بأن يحقق إنجازًا سياسيًا في غضون عام، والإنجاز الذي كان يتوق له مع سوريا، تعرقل. ايهود باراك أخرج الجيش من لبنان، رغم القلق من أنه بذلك يشجع ياسر عرفات على فتح طوفان العنف، لأن باراك وضع لنفسه جدولًا زمنيًا صارمًا.

دونالد ترامب يريد تسوية إسرائيلية فلسطينية، صفقة ستُسجل بالطابو باسمه؛ وها هو بعد عام ونصف لم يقترب من اتفاق بين نتنياهو وأبي مازن منذ يوم أدائه اليمين. لقد تجنب ترامب التنكر وراء الوسيط النزيه وأعطى أبا مازن صفعتين، واحدة على كل خد، في أكثر قضيتيْن صعوبة في نقاط الخلاف الأربعة (التي تشمل الحدود والأمن): القدس واللاجئين. الآن جاء دور الفلسطينيين لتلقي الملاطفة، لا بالمال، بل دولة. بقيت فقط مسألة صغيرة، كيف يمكن صنع ذلك بدون مواجهة رفض إسرائيلي؟

هنا يأتي أمر الكونفدرالية مع الأردن، صيغة تسمح لنتنياهو بالادعاء بأنه لا يوافق على دولة فلسطينية مستقلة، بل فقط سيطرة الأردن، دولة تقيم علاقات سلام مع إسرائيل وكذلك تعاون عسكري واستخباراتي، بالشؤون الخارجية والأمن. في الضفة الغربية، أبو مازن سيكون فقط رئيس بلدية الضفة، مسؤول عن الضرائب، الترخيص ومياه الصرف الصحي، بدون المستوطنات والطرق.

هذا حل جديد ومبتكر، نتاج نهاية يونيو 1967. لقد تلاشى حين تم ردع حكومة اشكول، غولدا، رابين، بيغن، شامير وبيرس من إعادة الضفة لحكم الملك حسين ولعبوا بأشكال مختلفة من ” الحكم الذاتي”. بعد 20 عامًا على حرب الأيام الستة فهم حسين التلميح، رأى أن إسرائيل متيمة بمنظمة التحرير الفلسطينية، العدو المشترك للأردن وإسرائيل، لكنها الممثل المعتمد للفلسطينيين بعيون الدول العربية، وتوقف عن مضايقة هذين الزوج بتحسين علاقاتهما. برعاية أوسلو، كان حسين محررًا بما يكفي من الضغوطات ووقع مع إسرائيل على اتفاق السلام الثاني، بعد مصر، وكان له شريك مثالي لذلك: إنه رابين.

حينها، وقعت كارثة وتلتها مأساة، مقتل رابين وانتخاب نتنياهو “الرجل الذي كان حسين ببساطة غير قادر على تقبله، لم يثق به، اعتقد بأنه مشكوك في أمره، رأى أنه يمثل في السياسة الداخلية بإسرائيل عاملًا معارضًا لمصالح السلام واستقرار الأردن. بقي بعيدًا عن الاحتكاك به قدر المستطاع” قال ويسلي ايجان، السفير الأمريكي في عمان لعام 1994-1998.”