القوى الاستعمارية وسياسة التخلص من الخصوم: مادورو ليس الأول ولن يكون الأخير

أضيف بتاريخ: 05 - 08 - 2018

ليست محاولة إغتيال الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو البارحة الأولى ولن تكون الأخيرة. هي أحد الحلقات القذرة المتواصلة التي دأبت عليها القوى الكولونيالية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وصندوق النقد الدولي وغايتها كسر إرادة الشعوب العصية والرافضة للهيمنة لتركيعها بعد أن عجزت عن اختراقها من الداخل. هذه العملية هي تواصل لمسار تاريخي انطلق عبر استهداف إرادة الشعوب الحرة خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية والتي كانت تارة عبر استهداف الزعامات الوطنية اما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر تسخير عملائها لتنفيذ هذه المهام القذرة منذ إنطلاق الحرب الباردة وموجة استقلال المستعمرات، حيث بدأت في افريقيا مع باتريس لوممبا في الزايير سنة 1961 وكانت بتنفيذ من الاستعمار البلجيكي الذي نصب مكانه جوزيف كاسافوبو. وتواصلت مع سيلفيانوس أولمبيو في الطوغو سنة 1963 وتوماس سانكارا في فولتا العليا بوركينا فاسو حاليا في 1987 والتي وقفت ورائها فرنسا وعميلها بليز كامباوري، إضافة إلى محاولة التخلص من جمال عبد الناصر في مصر أثناء أحداث المنشية عام 1956 ومعمر القدافي في مناسبات متعددة وعبر التدخل في دول أخرى على غرار جيبوتي وافريقيا الوسطى ورواندا والموزمبيق وجزر القمور لزعزعة استقرار هذه الأقطار وتنصيب أنظمة موالية لها لتسهيل تنفيذ أجنداتها وخدمة مصالحها.

أما في أمريكا الجنوبية فلم تكن علاقة الولايات المتحدة خاصة بالأنظمة اليسارية علاقة ودية يوماً، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك لتكون علاقة تصادمية مع بعض هذه الدول في أحيان كثيرة نظرا لتمسك قيادات هذه الأقطار بمعاداة الجارة الشمالية وأول ضحايا هذه الانقلابات الناجحة كان ما واجهه رئيس تشيلي سلفادور أليندي عام 1973 من انقلاب دموي أدى إلى الإطاحة به بتخطيط ودعم أميريكيين أفضى إلى تنصيب الدكتاتور الموالي لأمريكا أوغستو بينوشي. في كوبا، دخل رمز الثورة الكوبية فيدل كاسترو كتاب غينيس للأرقام القياسية بتعرضه ل 638 محاولة إغتيال باءت كلها بالفشل واتهمت وكالة الاستخبارات الأميركية “سي اي ايه” بالوقوف وراء معظمها. في بنما تدخلت أمريكا عسكريا سنة 1989 لإسقاط إيمانويل نوريقا وتنصيب قيريرمو أوندرارا مكانه، وهكذا في بلدان أخرى حاولت اسقاط خصومها على طول القارة.

في فنزويلا كان الرئيس السابق هوغو شافيز خصماً لدوداً لواشنطن، وجه لها انتقادات لاذعة واتهمها بالتخطيط لاجتياح بلاده والتجسس عليها والوقوف وراء محاولة الانقلاب عليه عام 2002. اما خليفة شافيز، نيكولاس مادورو، فقد ورث عنه الموقف من أميركا وفي عهده كشفت كاراكاس أن عدداً من المعارضين اليمينين يعملون مع الولايات المتحدة عبر منظمات مدنية للتخطيط لحراك في البلاد آخرها محاولة الاغتيال التي تعرض لها البارحة والتي قد تكون وراءها الولايات المتحدة الأمريكية أو المخابرات الكولومبية المرتبطة بالكيان الصهيوني حسب أولى الترجيحات في انتظار إستكمال الأبحاث.

كما لم تختلف علاقة بوليفيا بأميركا عن جيرانها كثيراً، فالرئيس إيفو موراليس اتهم أجهزة الاستخبارات الأميركية بالتجسس إلكترونياً على السلطات البوليفية، وبسبب مزاعم مشابهة عن قيام وكالة الأمن القومي الأميركي بالتجسس عليها، ألغت رئيسة البرازيل السابقة ديلما روسيف زيارتها للولايات المتحدة عام 2013. وبلهجة أكثر حدة وجهت رئيسة الأرجنيتن كريستينا فرنانديز دي كيرشنر اتهامات مبطنة لواشنطن بالتخطيط لإسقاط حكومتها واغتيالها، هذا وحاولت أمريكا التدخل مباشرة في نيكاراغوا لإسقاط إيمانويل اورتيغا خاصة بعد نجاح الثورة السندينية في 1978 لكنه سرعان ما عاد للسلطة بالانتخاب.

كل هذا إضافة إلى اغتيال عديد الزعامات في آسيا والمنطقة العربية على غرار الملك فيصل في السعودية ومحاولات اغتيال البعض الآخر على غرار صدام حسين في العراق وحافظ الأسد ونجله بشار في سوريا وأحمدي نجاد في إيران وحتى بعض الزعامات في الهند وباكستان وأوروبا الشرقية، وتتم هذه الاغتيالات عبر الاستهداف المباشر وغير المباشر وذلك بدعم عملائها في هذه الأقطار لزعزعة الإستقرار السياسي متى لم تجد من يحقق أهدافها ويستجيب لسياستها.

هكذا هي الديمقراطية الاستعمارية، تتحول إلى مجازر متى اصطدمت بوعي والتفاف شعبي حول زعيم أو قائد رفض الخضوع وأصر على العناد واختار مصلحة شعبه على مصالح الغرب.

محمد ذويب