من أجل إحياء التيار الوطني المقاوم ببلاد الشمال الإفريقي:الجزء الثاني

أضيف بتاريخ: 07 - 11 - 2016

نحن في حاجة اليوم إلى مفكرين أحرار وضباط أحرار وإلتحام التيار الوطني المقاوم مع الجيش والقوى الأمنية والشعب لإنقاذ تونس من براثن الإستعمار والإستحمار.
منذ حرب الإستقلال الأوّل كان شعبنا التونسي يقاوم وينتفض واستطاع تأسيس حركة مقاومة شعبية وعقائدية قدّمت الكثير من الشهداء. وعلى مدى أكثر من نصف قرن صنع التيار الوطني المقاوم نخبة مثقفة ومناضلة رفعت شعار الحركة الإصلاحية التونسية التي نشأت منذ منتصف القرن الثامن عشر ميلادي وتبنت قيم الجمهورية والتحرٌر والمقاومة وجمعت بين الأصالة والمعاصرة وتمكنت من بناء الجمهورية الأولى التي قطعت مع فترة إمتدّت من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين .
تونس في ثوبها المعاصر كانت إشتراكية وطنية ومحافظة أثّرت في محيطها المتوسّطي وساهمت في بلورة مفاهيم معاصرة للتنمية والدين والثقافة.
الشعب في تونس كان دائما متقدّما في تطلّعاته على الدولة لذلك كان ينتفض تقريبا كل عشر سنوات منذ الخمسينيات إلى بداية القرن الواحد والعشرين، أحداث الستينيات ونهاية السبعينيات وتقريبا كل فترة الثمانينيات … الخ. وآخرها إنتفاضة القرن! أحداث 2010/2011 التي أسقطت الجمهورية الأولى.
المفارقة أنّ نخبة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات التي خاضت حرب الإستقلال وبناء الدولة الوطنية كانت أشد صلابة وحماسة وجرأة ووطنية من نخب التسعينيات وبداية القرن الواحد والعشرين. ورغم وجود بعض التباينات في الآراء والأولويات، إلاّ أنّ هذه النخبة التقدمية والثورية نجحت في إنجاز تطلعّات الشعب في تلك الفترة، وأصبح لتونس مكانتها الإقليمية والقومية والدولية. مع ظهور بوادر العجز لدى رجالات الحركة الوطنية والتحوّل الليبرالي والرأسمالي المفاجئ على سيرورة البنية الإقتصادية والإجتماعية لتونس وفشل النخب الوطنية في تجديد خطابها وتشبيب أطرها العليا جاء بيان السابع من نوفمبر 1987 لينقذ ما تبقى من الجمهورية الأولى وليمنع سقوطها.
حافظ زين العابدين بن علي على صورة الدولة من خلال صرامته الأمنية ولكن فقدت الجمهورية شرعيتها وتحوّلت إلى مزرعة مافياوية تنتج فنا رديئا وثقافة مبتذلة وسماسرة تحوّلوا إلى ” رجال أعمال ” وبدأ حينها تفكيك ممتلكات الشعب وبيعها تحت عنوان الخوصصة لعائلات تتحكم إلى اليوم بالمال والإعلام والصناعة والسياحة وبالطبع بالسياسة وتوظيف الدين.
ظنّ الشعب أن بقايا اليسار والإسلاميين هم من سيستطيعون إعادة بناء الهيكل على أساس العدل والحرية والمساواة، لكن غاب عن وعيهم أن اليسار التونسي والإخوان هم نقيض للحركة الوطنية التونسية فقد تأسّسوا من خارج المنظومة الفكرية والإجتماعية التونسية، فمؤسسي جزء من اليسار الأول هم من غير التونسيين حتى وإن تدثّروا بعباءة الإتحاد العام التونسي للشغل وأيضا الإخوان فكر وعقيدة حتى و إن حاولوا لبس جبة الزيتونة الشريفة!
نخب اليوم، في جانب واسع منها، غير وطنية لا بمعنى أنها عميلة بل إنها لا تستمدّ شرعيتها من تاريخ الحركة الوطنية التونسية وبالتالي لا يهمها شكل الدولة وقوتها بل ما يهمها بالأساس هو كيف تكون الجماعة أقوى من الدولة؟ فالولاء ليس للوطن ولا للشعب بل للجماعة، فكل ما يقوي الدولة يضرّ بالجماعة.
وصول بن علي إلى الحكم كان يدلّ على وجود أزمة نخبة وأزمة تجدّد في روح الحركة الوطنية التي ذابت داخل جسم الدولة وتحوّلت إلى سلطة قامعة في نظر جيل أواسط ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. حيلة وتحيل السيد الباجي قايد السبسي جعله يوحي بأنه قادر على إحياء روح الحركة الوطنية فنجح نسبيا في التسلّل إلى قرطاج ولكنه إصطحب معه ثعلبا ماكرة ومرتبطا ظنا منه أنه سهل الترويض، فبانت حقيقة الجميع وأصبح الشعب بعد إندثار الحركة الوطنية الأم وسقوط دولتها بيد كارتالات المال الفاسد وسفارات دول عظمى وجماعات وهابية تهدّد السلم الأهلي والنسيج الإجتماعي.
التيارالوطني المقاوم حاجة وطنية ملحة لبعث روح الأمل في جسد شعب معطاء وغيور يعشق الحرية. لا يجب أن نترك عموم شعبنا في متاهات صنّاع الرأي العام والذين يسعون إلى فرض شخصيات مهتزة ومبتذلة لتمثيل تطلّعات الشعب.

عماد الدين الحمروني
7 نوفمبر 2016