مسيرة العودة: استخلاصات وتوصيات

أضيف بتاريخ: 09 - 04 - 2018

– مركز دراسات الأمن القومي الصهيوني-

09 أفريل 2018
عاموس يدلين

“بعد الجمعتيْن العاصفتيْن في منطقة الجدار الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة في أعقاب “أحداث العودة” التي قادتها حماس وشكلت تحديًا لإسرائيل؛ أعلن الطرفان عن انتصارهما.

حماس تبث الشعور بالانتصار، حيث أعربت عن ارتياحها الكبير بعودتها – من منظورها – إلى قيادة الكفاح الفلسطيني، ووجدت استراتيجية فاعلة لتحدي إسرائيل دون إشعال جولة عسكرية أخرى (على الأقل إلى الآن)، ونصّبت نفسها كتنظيم رائد للاحتجاجات المدنية غير المسلحة وغير العنيفة، وأعادت الاهتمام الإقليمي والعالمي إلى الضائقة في غزة، وحوّلت عدم رضا سكان قطاع غزة إلى أحداث الجدار، وقدّمت أبا مازن على أنه غير ذي صلة وقلّصت قدرته على مضاعفة العقوبات على غزة، وكذلك أثارت انتقادات العالم لإسرائيل بسبب الاستخدام المفرط للقوة العسكرية، وسيما بسبب “الحصار” المضروب على غزة بشكل عام.

في المقابل، كذلك في المنظومة الأمنية والسياسية في إسرائيل ساد الشعور بالنصر: منع اختراق الجدار وتدفق الجماهير الفلسطينية إلى أرض إسرائيل، وكذلك منع تهديد خطير على البلدات الإسرائيلية في منطقة “غلاف غزة”، ومنع الاحتكاك الكبير بين القوات العسكرية والمتظاهرين الفلسطينيين، وربما حتى مجزرة جماعية، تقديم استجابة تشغيلية فاعلة ورادعة لمحاولة تحدي السيادة الإسرائيلية من خلال الإرهاب بغطاء من “مسيرة الجماهير”، وإحباط محاولات نصب عبوات على الجدار وإطلاق النار من خارجه. لم يقع قتلى بين صفوف الإسرائيليين، لا مدنيين ولا جنود، وفي بلدات الغلاف احتفل بعيد الفصح دون ازعاج.

مع ذلك، كلا الطرفين دفعا أثمانًا ليست بسيطة: حماس دفعت ثمنًا باهظًا بالخسائر في الأرواح من أوساط المتظاهرين، وكذلك من صفوف الجناح العسكري، حيث ورغم تطرف ووحشية التنظيم “الإرهابي” فرض عليه قصر حجم الاحتجاجات والاحتكاك العسكري والمدني على الجدار. من الناحية التشغيلية حماس فشلت مرتين؛ فلم تنجح في تقديم عرض مظاهرة غير عنيفة، وجميع الأعمال “الإرهابية” التي حاولت القيام بها تحت غطاء المظاهرة “البريئة” لم تنجح. إضافة إلى ذلك (ومن دون محاولة التنبؤ بشأن ما يمكن ان يحدث على ساحة الجدار في أيام الجمع القادمة)، بين الجمعتيْن اللتيْن حدثت فيهما المظاهرات، طرأ انخفاض سواء على حجم المشاركين في الأحداث من الجانب الفلسطيني أو على حجم المصابين في أوساط هؤلاء نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلي؛ هذا الانخفاض من شأنه أن يشهد على فاعلية الردع من جانب إسرائيل، وكذلك على تغيير أنماط العمل لدى الطرفين.

إسرائيل كذلك دفعت ثمنًا؛ إذ أنها بالفعل تعرضت لانتقادات دولية شديدة لم تسمع مثلها منذ زمن طويل، القضية الفلسطينية عادت ولو مؤقتًا إلى جدول أعمال العالم، ولولا وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل لكانت لجنة تحقيق أممية الآن في طريقها للتحقيق في الأحداث. مرة أخرى ثبت ضعف إسرائيل الأساسي وعزلتها في ساحة الامم المتحدة، وسيما فيما يخص القضية الفلسطينية، كذلك سمعت انتقادات داخلية أساسها الشك بخصوص قواعد إطلاق النار والاستخدام القانوني المناسب للقوة والأدوات المبررة لوقف المتظاهرين الفلسطينيين الذين تحدوا السيادة الإسرائيلية بمحاولتهم المساس بالجدار.

عندما يكون المقصود مواجهة غير متكافئة إلى هذا الحد، كلا الطرفين – اللذان يحاولان تحقيق أهداف متعارضة – يستطيعان زعم الانتصار لأنهما يجريان مناورات متقابلة: إسرائيل (بشكل خاص، وعلى المستوى المادي) دافعت عن أرضها السيادية، وحماس (على المستوى التوعوي – السياسي، وفي عالم الصور والمنظومات التوعوية المكثفة والإعلام الجماهيري، بما في ذلك الفيك نيوز) يُحتمل ان الشعور بالنصر لدى الطرفين يقود في الأسابيع القادمة إلى تصعيد المواجهات على حدود قطاع غزة، وربما حتى خارج الحدود. إذ ان الطرفين يواجهان التحدي الكامن في نسج إنجازاتهما من الاحتكاك إلى الآن في نسيج تحقيق أغراضهما بعيدة المدى. بالنسبة لإسرائيل الأهداف هي استمرار السعي لإضعاف حماس وعزلها، وكذلك تقليص العلاقة بينها وبين القطاع، أما بالنسبة لحماس فالأهداف هي تخفيف الحصار عن القطاع، والسعي إلى احتلال القيادة الفلسطينية يوم يترك محمود عباس منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية. ولأن التقدير ان ليس إسرائيل من بادرت بالأحداث في منطقة الجدار، فالكرة موجودة في ملعب حماس التي تحاول ان تخترق الحدود، وبعبارة أخرى: عندما يكون التوازن من منظورها إيجابيًا فلن يكون مفاجئًا إذا دفعت باتجاه استمرار التظاهرات وتطوير أنماط الاحتكاك والتلويح بها كإنجازات توعوية وسياسية.

ماذا على إسرائيل أن تفعل؟

فيما يلي سبعة مبادئ لتحسين مواجهة حماس وأحداث الجدار:

أولًا: يجب تأطير الوضع كما هو، على إسرائيل أن تؤكد وتكرر تأكيدها على حقيقة أنها الطرف الشرعي في المواجهة، فهي تدافع عن حدود دولية معروفة (حدود العام 67، الخط الأخضر، الذي عقدت عليه بعد ان انسحبت من كل شبر من قطاع غزة وفككت جميع المستوطنات التي كانت في المنطقة). رفع لواء مسيرة “العودة” إلى داخل الحدود الإسرائيلية، وحيث رفع علم عليه الصليب المعقوف بين أعلام فلسطين التي رفعها المتظاهرون؛ من شأنه ان يساعد إسرائيل في التأكيد على ان هدف حماس السياسي هو القضاء على إسرائيل في كل الحدود. أسلوبها هذه المرة هو الاجتياح الشعبي الواسع لأرض إسرائيل بغطاء من “المظاهرات الشعبية غير المسلحة”، والتي رأس حربتها رجال الجناح العسكري الحمساوي، أي “المخربين”.

ثانيًا: على إسرائيل ان توضح مدى قانونية وتناسب استخدامها للرصاص الحي، يجب التأكيد على ان التناسب يُقاس أمام إنجاز المهمة والضرر الذي استخدمت لمنعه: الدفاع عن حدود الدولة وسيادتها ومنع الإرهاب، وكرد على مخطط الهجوم المشترك الذي تقوم به حماس (اختراق جماعي فلسطيني، ومن بينهم “مخربين”، إلى داخل أرض إسرائيل وبلداتها). في المقابل على إسرائيل أن تجري تحقيقًا مهنيًا وحثيثًا في مجمل الأحداث، بما فيها تلك التي يبدو أنها لا تتماشى مع أوامر إطلاق النار، بعض التفاسير ستشير على ما يبدو إلى الصعوبة النابعة من تزاحم المتظاهرين وديناميكا المظاهرة واندماج “المخربين” بين المدنيين، والتمويه المتعمد لنشطاء “الإرهاب” بين صفوف المتظاهرين المدنيين، إلى جانب محدودية الرؤية التي أوجدها الفلسطينيون من خلال إشعال إطارات السيارات. جزء آخر يمكن أن يثمر عبر تحسين أنماط استخدام القوة ومناسبتها مع التحدي التشغيلي المتطور، من خلال تقليص دفع الثمن بحياة الإنسان والإنجازات التي تحققها حماس. ربما تظهر أيضًا حالات تبرر التعامل مع الأوامر في الأعطاب التنفيذية أو الخرق البارز لأوامر إطلاق النار.

ثالثًا: الجيش الإسرائيلي يجب أن يوسّع ويحسّن إنجازاته بتوثيق أنشطته في ظل محاولات تنفيذ عمليات إطلاق النار ونصب العبوات والمساس بالجدار وتعريض حياة الجنود للخطر. قليلًا ما قدم للجمهور بهذا الخصوص وللرأي العام الدولي فيلم ملخص ومعد جيدًا وبموثوقية للإعلام المعني بشكل خاص، فالصورة تساوي ألف كلمة، والفيلم يساوي ألف صورة.

رابعًا: من المهم إبلاغ الدول العربية التي تقيم علاقات جيدة مع إسرائيل (مصر والأردن والعربية السعودية) بخصوص الحقائق التي توازن الرسائل المنقولة في الإعلام العربي، والتي تدعم حماس. على إسرائيل ان تحاول إثارة ضغط لاجم لحماس من قبل العالم العربي السني البراغماتي، من أجل ثنيها عن مواصلة قيادة المظاهرات العنيفة ومحاولات اختراق الجدار.

خامسًا: بين إسرائيل وحماس تدور منافسة في التعلم، فالمواجهة التي دارت في الأسبوع الأول لا تشبه تلك التي دارت في الجولة الثانية، وذلك من حيث تصرف الطرفين. على أساس تحليل أحداث الجمعة الثانية وإنجازاتها وأثمانها، يجب تحسين الاستعداد للجولة القادمة، بما في ذلك الأدوات القتالية وطريقة استخدام القوة. كذلك من الضروري جمع المعلومات الاستخبارية التي توضح نوايا حماس وطرق العمل المختلفة والجديدة التي تعدها قبيل الجمعة القادمة، وكذلك قبيل الموعد المعد ليكون ذروة المظاهرة على امتداد الجدار، الـ 15 من مايو.

سادسًا: إسرائيل يجب ان تستعد لتوسيع المواجهة ونقلها إلى مستويات أكثر عنفًا، إلى حد مواجهة أخرى في غزة (على مستوى “الرصاص المصبوب” و”عامود السحاب” و”الجرف الصامد”). الاستعداد لـ “حرب تشبه الأسبوع السابق” والتركيز على الجدار فقط يمكن ان يضرب اليقظة والاستعداد لمواجهة من نوع مختلف تمامًا، والتي ستتميز بالمفاجأة التشغيلية التي يُحتمل ان حماس تجهز لها. كما أنه من المهم الاستعداد لإمكانية ان تنزلق “أعمال الشغب” إلى الضفة الغربية وتنتشر في المنطقة المسيطر عليها من قبل السلطة الفلسطينية، وربما أيضًا في الداخل الإسرائيلي.

وأخيرًا: وبينما ما تزال إسرائيل تركز على التحدي المباشر للتظاهرات على الجدار الحدودي بينها وبين القطاع، عليها ان تستمر وتعمل على القضية الأساسية الملقاة على بابها بهذا الخصوص: الضائقة المتزايدة في غزة، وانهيار البنى التحتية في المنطقة، ستصعّب على إسرائيل مواصلة إدارة الوضع فيها بتكلفة سياسية وعسكرية واقتصادية أقل نسبيًا. بعد منتصف مايو سيأتي شهر رمضان وصيف حار آخر، النجاحات المؤقتة في تخفيف التحدي التي تضعه حماس وضائقة غزة لن يفككا القنبلة الموقوتة الاجتماعية الاقتصادية العسكرية التي تتكتك في القطاع.

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها.