أميركا تهرب إلى الصين والحريق قادم إلى السعودية

أضيف بتاريخ: 08 - 04 - 2018

– محمد صادق الحسيني-

كل الدلائل والقرائن والاشارات القادمة من واشنطن تفيد بان الرئيس ترامب قرر مغادرة الميدان السوري باسرع وقت ممكن مهرولاً باتجاه الصين وكل ما عدا ذلك هو الاشاعات ايتها الناطقة باسم البنتاجون …!
لقد تم قهر جنرالات البنتاغون على اسوار دمشق وتخوم الغوطة وسيتم طرد وزير الحرب الامريكي بسرعة عقاباً له على تسببه بهذه الهزيمة النكراء لجيش الامبراطورية المفلس والمكسور الجناح …!
والاجتماع العاصف الذي جرى بين ترامب وجنرالاته في ليلة اتخاذ هذا القرار يشكل واحداً من تلك القرائن والشواهد القاتلة…!
انه من جديد موسم الهجرة الامريكية الى بحر الصين ، لكنه ايضا موسم تجديد التآمر والحشد الاستراتيجي ضد الكتلة الاوراسيوية التي عمادها الصين وروسيا وايران ، وتحديداً من موقع افغانستان التي ستكون المحطة الجديدة لتجميع بقايا ارهابيي داعش واخواتها المهربين من سورية والعراق ومرة اخرى بمساعدة المراوغ والمحتال اردوغان وقطر وهذه المرة بمشاركة البشير السوداني الذي انصم للجوقة و تبرع ليكون السمسار الجديد لدى تاجر البيت الابيض بتقديم نحو مئتي الف جواز سوداني لتهريب نفايات الحرب الكونية على سورية وبتمويل قطري الى افغانسان وشمال افريقيا…!
انها امريكا التي لم تتغير ولن تتغير سياساتها التي تنبع من طبيعتها العدوانية الاستعمارية ولكنها التي تبدل من خياراتها باستمرار…!
فبعد مسلسل الهزائم الذي لحق بالولايات المتحده الاميركيه في كل حروبها ومشاريعها الاستعماريه ، الحديثة منذ بداية القرن وحتى الان سواء في العراق او افغانستان او سورية او اليمن او على صعيد المشروع النووي الإيراني السلمي ، فإنها تحاول دمج عدة عناصر سياسية واقتصادية ومالية جديدة في خططها العدوانيه الراميه الى استعادة هيمنتها المتزعزعة ، كقطب أوحد ، على مقدرات العالم واعادة عقارب الساعه الى الوراء ، اَي الى ما كانت عليه في تسعينيات القرن الماضي وبداية القرن الحالي.
وبين اهم العناصر الجديده التي زجت بها الولايات المتحده في ميدان المواجهه الجديدة والشاملة هذه وعلى صعيد العالمي فهي التاليه :
١)عنصر النفط والغاز ، كمصدر للطاقة وبالتالي كمحرك أساسي للنمو الاقتصادي ، ومحاولات محاربة الصين وروسيا ، من خلال اليات معينه سنأتي على ذكرها لاحقا ، كسلاح لا ينحصر تاثيره في قطاع الطاقة فقط .
٢)الاجراءات الحمائية ( اَي حماية المنتجات الاميركيه من منافسة نفس المنتجات لها والمستوردة من دول اجنبيه ) وخاصة تلك المتعلقة بالحديد والصلب والألمنيوم المستورد من الصين وروسيا ، وهي إجراءات لم تقتصر على الصين وروسيا بل طالت في بعض تفاصيلها دولا أوروبية ايضا على الرغم من انها تتناقض تماما مع أنظمة منظمة التجاره العالمية ومع مبدأ المنافسه الراسماليه المرة التى تواصل الولايات المتحده التغني بها عندما يكون ذلك في مصلحتها .
٣)قيام الولايات المتحده باتخاذ سلسلة من الاجراءات ذات الطبيعه الماليه المعقدة والتي ادت الى رفع أسعار النفط في الاسواق الدوليه وذلك بهدف تحسين ظروف انتاج وتسويق النفط الصخري الاميركي المرتفع الكلفة في الانتاج.وهو ما سنأتي على تفاصيله ايضاً .

وهذا يعنى ان الولايات المتحده قد شرعت بتنفيذ هجوم تجاري اقتصادي ، مساند لتحركاتها العسكريه وعمليات الحشد الاستراتيجي التي تواصل القيام بها ضد روسيا والصين وإيران كما ذكرنا آنفاً ، اَي نقل المواجهه الشامله بين القوى الدوليه الى مستوى غير مسبوق.

فبعد فشل المشاريع الامريكيه في إلحاق اكبر الضرر بالاقتصاد الروسي عبر السيطره على احتياطيات الغاز في تركمنستان وإيران والعراق وتنفيذ مشروع انابيب للغاز من تلك البلدان مرورا بقطر ودمج إنتاجها من الغاز الطبيعي في هذا المشروع وضخ هذا الغاز الى أوروبا عبر الاراضي السوريه ، وذلك بهدف توجيه ضربة لسوق الغاز الروسي في أوروبا وبالتالي تدمير الاقتصاد الروسي والدوله الروسيه تمهيدا للسيطرة عليها وعلى خيراتها( عبر الحرب الكونية على سورية )
وهو ما وأده في مهده وفاء الدولة السوريه والرئيس بشار الأسد لأصدقاء سورية بمواكبة ثبات الدولة الايرانيه وفشل مؤامرة الولايات المتحدة ضدها في العام ٢٠٠٩ ، تلك المؤامره التي كانت تهدف الى اسقاط نظام الجمهوريه الاسلامية في ايران ، نقول ان رفض الدولة السوريه ورئيسها لتلك المؤامره ضد روسيا وفشل ذلك المشروع لجأت الولايات المتحده في حينها الى تنفيذ خطة جديدة ضد روسيا وفنزويلا وإيران وذلك من خلال التامر مع السعوديه في اغراق الاسواق الدوليه بالنفط الذي وصل انتاج السعودية منه ، عند بدء تلك الحمله الى اربعة عشر مليون برميل يوميا ، مما جعل أسعار النفط تهبط الى اقل من ثلاثين دولارا للبرميل .

اما الهدف الاستراتيجي الاميركي من وراء محاولات السيطره على مصادر الطاقة ، ومنها مصادر الطاقة الروسيه طبعا ، فلم يكن هدفا تجاريا او اقتصاديا محضا بل تعدى ذلك الى مستوى استعادة وتكريس الهيمنه على مقدرات العالم كما كان عليه الوضع بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

كما لجأت الولايات المتحده ، وفِي ظل هجومها الاقتصادي المساند لتحركاتها العسكريه العدوانيه ، ضد كل من الصين وروسيا وإيران ، وفِي خطوة تتعارض مع كل الاعراف والاتفاقيات الدوليه ، الى فرض ضرائب إضافية على العديد من المواد الصناعية المستوردة من الدول المذكوره اعلاه ودول اخرى وذلك في محاولة لوقف نمو اقتصاديات هذه الدول ، وبشكل خاص الاقتصاد الصيني الذي يشكل منافسا خطرا جدا للاقتصاد الاميركي .

وفِي إطار محاولاتها الراميه الى السيطرة على مصادر الطاقة واسواقها في العالم فقد نجحت الولايات المتحده في رفع إنتاجها من النفط الصخري الخام وباسعار منافسه ، حيث وصل الانتاج السنوي العام للنفط في الولايات المتحده الى عشرة ملايين وثمانية وثلاثين الف برميل يوميا ( ١٠،٠٣٨ م/ب/ي / ) ، علما انه سيصل الى اكثر من احد عشر مليون برميل يوميا مع نهاية هذا العام ، وبالتالي يصبح انتاج الولايات المتحده اكثر من انتاج السعوديه ، فيما سيصل الانتاج الاميركي الى اكثر بقليل من الانتاج الروسي في العام ٢٠١٩ ، حسب محلل الشؤون النفطية في مؤسسة IHS Markit ( Energy Information Administration )في لندن ، السيد سبينشر ويلش Spencher Welch .
وفِي الوقت ذاته يؤكد محللو الشؤون النفطية في بنك غولدن ساكس Golden Sax الاميركي ان أسعار النفط ستصل الى مستوى ( ٨٢،٥ $ ) اثنان وثمانون دولارا ونصف الدولار، خلال الستة أشهر القادمة من هذا العام . بينما يرى السيد سبينشر ويلش Spencher Welch ان الأسعار ستستقر في حدود ٦٠ دولارا للبرميل خلال الفترة القادمة ولمدة طويله .وهو ما يعني زيادة حوالي ١٥٪؜ على سعر النفط الحالي مما يعزز وصول الولايات المتحده الى وضعية اكبر منتج للنفط في العالم في العام القادم .
وهذا ما سيتيح المجال لزيادة عدد منصات الحفر لإنتاج النفط الصخري في الولايات المتحده والذي سيزداد بمعدل مليون واربعمائة الف برميل يوميا حسب السيد ارتوم ابراموف Artum Abramov ، مدير شركة تحليل المعلومات النفطية النرويجية ريستاد اينيرجي Rystad Energy ، وبالتالي تشديد قبضة الولايات المتحده الاميركيه على أسواق النفط في العالم مما يؤثر بشكل سلبي على منتجي النفط الآخرين وكذلك الامر على المستهلكين .
وهو ما دفع تلك الدول وعلى رأسها الصين باتخاذ سلسلة إجراءات مضاده وبشكل فوري أهمها :
فرض رسوم جمركية في حدود ٢٥٪؜ على ١٢٨ منتج اميركي يتم استيرادها الى السوق الصينيه .
هجوم شامل على الدولار الاميركي وذلك من خلال اعلان الصين قبل عدة ايّام عن اقامة منصتها الخاصه بتجارة النفط والتي سيتم عبرها تغطية ثمن جميع مشتريات النفط الصينيه باليوان الصيني ( العمله الصينيه ) مما يعتبر ضربة كبرى للدولار الاميركي الذي تتم ٩٩٪؜ من عمليات بيع النفط في العالم على قاعدته حاليا.
تلك العمليات التي يبلغ حجمها المالي اربعة عشر ترليون دولار .
إذن الخطوه الصينيه هذه تقوض دور الدولار في كونه عملة احتياطيه للكثير من الدول وكذلك كونه العمله الأكثر تداولا في تغطية قيمة الصفقات التجاريه في العالم من نفط وغيره.وبذلك تكون الصين قد وجهت ضربة كبرى للمشروع الاميركي في مجال الحرب الاقتصاديه / التجاريه عليها.خاصة وان عددا من الدول ، من بينها روسيا وإيران ، ستبدأ التعامل مع الصين في تعاملاتها التجاريه على قاعدة العمله الصينيه.

ولكن هذه الاجراءات ، ورغم أهميتها ، لا يمكن ان تضع حدا لمشاكل الصين في مجال الحصول على الطاقة وبالتالي ضمان خط بياني تصاعدي لنمو اقتصادها الوطني ، خاصة وأنها تعتمد الى حد بعيد على استيراد النفط السعودي

.

اذ تقف السعوديه ، التي تصدر للصين مليونان وستة وثمانين الف برميل نفط يوميا ، في المرتبه الثانيه ، بعد روسيا التي تحتل المرتبة الاولى وتصدر مليونان وخمسة وتسعين الف برميل يوميا الى الصين

.

وبالنظر الى أهمية روسيا والسعوديه ، كمصادر طاقه للاقتصاد الصيني ، فان كلا من الصين والولايات المتحده تتخذان ما يلزم من الاجراءات الضروريه

لانجاح خطط المواجهه لكل منهما .

فمن اجل ضمان استمرار تدفق النفط السعودي الى الصين قامت شركتي بترو تشاينا PetroChina وشركة Sinopec بالتعاون مع مؤسسة مختصه من الحكومه الصينيه ، حسب ما أوردته وكالة رويترز بتاريخ ١٧/١٠/٢٠١٧ ، بتقديم عرض للحكومة السعوديه للاستحواذ على نسبة الخمسه في المائه من اسهم أرامكو التي تريد السعوديه طرحها في البورصه مستقبلا ، مقابل مائة مليار دولار ودون انتظار طرح اسهم الشركه في البورصات الدوليه .كما تضمن العرض تأكيدا من الطرف الصيني بالاستعداد لشراء نسبة تزيد على الخمسه في المائه اذا ما وافقت الحكومة السعودية على ذلك . ولا زالت الحكومه السعوديه لم تتخذ قرارا بهذا الشأن حتى الان .

ويبدو ان السبب في ذلك هي تدخلات وضغوط امريكيه لمنع إتمام

هذه الصفقه لانها تتعارض مع استراتيجية واشنطن الراميه الى السيطرة على مصادر الطاقة

في العالم كي تتمكن من التحكم في نمو الاقتصاد الصيني الذي تعتبره بمثابة تهديد كبير للمصالح الاميركيه ، ليس فقط الاقتصاديه وإنما العسكرية والسياسية ايضا

من هنا ، وكون السعوديه تحتل المرتبة الثانيه في مصادر الطاقة

بالنسبة للصين ، وفِي ظروف المواجهة الاقتصادية المستعرة الان ، بين الصين وحلفائها من جهة والولايات المتحده واتباعها من جهة اخرى ، والتي هي اقرب الى الحرب البارده منها الى حرب تجارية محدودة

ومع احتمالات تطورها الى مزيد من التصعيد العسكري بين المعسكرين ، عبر مواصلة الولايات المتحده لعمليات الحشد الاستراتيجي في مواجهة كلا من الصين وروسيا ، برا وبحرا وجوًا وعبر الوسائل الارهابيه المعروفة

وبمسمياتها المختلفه والتي تقوم وزارة الحرب الاميركيه ووكالة المخابرات المركزيه بنقل فلولها ( التنظيمات الارهابيه ) وبالتعاون مع قطر ودول عربيه واقليميه اخرى الى جوار روسيا والصين كما ذكرنا ….

نقول انه ومع احتمال التصعيد العسكري بين الطرفين فانه سيُصبِح من غير المسموح للسعوديه ان تبقى مصدرا رئيسيا للطاقة في الصين مما سيستدعي إجراءات أمريكية محددة لضمان وقف تصدير النفط السعودي الى الاسواق الصينيه .

ولاجل تحقيق نجاح هذه المواجهة فان ادارة ترامب ستطلب من السعوديه :

التوقف عن بيع النفط للصين مما سيتسبب بخسائر هائلة للسعوديه وذلك بسبب انعدام إمكانيات تصدير نفطها الى الاسواق الاوروبيه التي ستكون مرتبطه بعقود استيراد نفط اميركي .
القيام بتجفيف مصدر النفط السعودي الى الصين وذلك من خلال زعزعة الاستقرار الداخلي السعودي ، سواء عبر اثارة الصراعات داخل عائلة ال سعود او من خلال ركوب موجة ” الإصلاحات والتحديث ” التي يقودها محمد بن سلمان وذلك عبر تطويرها او اخذها باتجاه ” ثورة ثقافية ” لأحداث فوضى شامله في البلاد يتم تحويلها الى حرب اهليه بتمويل محلي ، عبر ثروات أفراد عائلة ال سعود ، او تمويل إقليمي عبر مصادر ماليه لدول خليجية اخرى سيتم استخدامها لتحقيق هذا الهدف .

وهذا يعني في هذه الحاله قرارا أمريكيا

باسقاط الدوله السعودية

والتخلي عنها ، تماما كما تخلت الولايات المتحده عن شاه ايران في سبعينيات القرن الماضي وعن حسني مبارك عام ٢٠١١ . علما ان لدى الولايات المتحده الكثير من الأسباب

والوسائل اللازمه لشيطنة حكام ال سعود وتوجيه التهم لهم والتي سيكون أولها

تهم الاٍرهاب عبر تحريك قانون جاستا الاميركي الخاص بالارهاب .

بناء على ما تقدم فمن غير المستبعد أبدا

ان تنطلق موجة تحركات شعبية ” ديموقراطية ” في السعوديه قريبا ليتم تحويلها شيئا فشيئا الى معارضة مسلحه ،تطالب برحيل محمد بن سلمان هذه المرة وليس برحيل الرئيس الأسد كما كانت الحال عليه في السنوات السبع الماضية ..!

والمعارضة هذه ستكون من الطراز الاميركي “المعتدل” والتي ستكون مهمتها الاستمرار في الفوضى الدمويه في نجد والحجاز الى اجل غير مسمى…تنفيذا للمخططات الاميركيه .

وهو ما يعني تفكك دولة ال سعود واندثارها الى الأبد وبسرعة قياسيه وذلك لعدم وجود لا من يأسف لزوالها ولا من له مصلحة في الدفاع عن هذه الدوله وفسادها وخياناتها التي ارتكبتها منذ تأسيسها .

انه عصر ما بعد انتصار محور المقاومة وصعود انجم طهران ودمشق وحارة حريك وافول انجم الغربان السود من اعراب وعثمانيين جدد وبدء تحلل قوة دوية الكيان الصهيوني وتدحرجها الى هاوية السقوط المدوي….!
في هذا الاطار فقط يمكن فهم الانتصار الاستراتيجي العظيم الذي ينتظر اليمن على قبيلة آل سعود الآيلة الى الانقراض ، وكذلك التراجع الاقتصادي الحاد جدا الذي ينتظر الاقتصاد التركي في العام المقبل ، وتراجع اسهم العقيدة الصهيونية داخل النظام والمجتمع الصهيونيين في تل ابيب…!