حرب “إسرائيل” الصغيرة: الحرب تحت الحرب. هل ينطبق الردع الاستراتيجي الروسي على “إسرائيل”؟

أضيف بتاريخ: 03 - 03 - 2018

يتجلى السعي الصهيوني لتقسيم الوطن العربي أكثر ما يتجلى في وثيقة كيفونيم التي أصدرتها المنظمة الصهيونية العالمية سنة 1982 وتناولت فيها استراتيجية الكيان الإسرائيلي التقسيمية في سوريا وفي ليبيا وفي غير مكان. إن أهم ما يحضرنا في روح هذه الوثيقة كلما اشتدت درجة التوتر والعدوان على سوريا وارتفعت درجة التهديدات بحرب شاملة ومباشرة ما بعد نظرية الحرب ما بين الحروب، هو معنى الحرب تحت الحرب أي الحرب والحرب دائرة وليس مجرد ضربة هناك أو هناك بين فينة وأخرى في وجود الحرب وفي عدم وجودها وليس الحرب بعد الحرب أي بعد انتهاء الحرب الحالية على سوريا، في سوريا. إننا نقصد بالذات حرب الإعمار أو حرب البنى التحتية. ولا نقصد هنا التنافس والتصادم على المصالح والنفوذ ولا نقصد بالبنى التحتية حصرا البنى الاقتصادية والعمرانية بل البنى العسكرية الاستراتيجية للمقاومة ولحلفاء سوريا من الدول التي لا تحسب حتى الآن ضمن محور المقاومة، روسيا تحديدا. إلا أن أمرا مستجدا يجعلنا نرى ان الكيان الإسرائيلي الذي يقلق من كل شيء، يقلق أكثر وبأكثر وضوح من روسيا هذه المرة. وبالمقابل تقلق روسيا أكثر من أي وقت مضى من الكيان الإسرائيلي. اما من جانب الكيان فمجرد متابعة ما يقوله الاعلام العبري منذ مدة عن روسيا توجسا وتشكيكا يكفي لاثبات مدى هذا القلق وعدم الثقة وتحميل روسيا مسؤولية صمود سوريا وانتصار محورها حتى الآن. اما إذا تعلق الأمر بقلق روسيا من الكيان فهو أكثر وضوحا وأكثر رسمية وأكثر أهمية خاصة بهذه الصيغة من ظهوره العلني في هذا التوقيت ومن الكرملين وعلى لسان زاخاروفا التي أشارت إلى العثور على أسلحة إسرائيلية في أكثر من مكان. حين نربط ما بين الهجوم على قاعدة حميميم الروسية في سوريا وإسقاط الطائرة الروسية سو 25 في إدلب وحوادث أخرى، بقطع النظر عن الملابسات والفاعلين، فإن ذلك تحذير غير مسبوق بل هو اتهام مباشر بعرقلة تحرير سوريا من الإرهاب والاحتلال الأميركي وعرقلة لروسيا بالذات صاحبة الوجود المشروع في سوريا بدعوة من دمشق. هاهنا، دون ثرثرة، نشرع جديا في ترجيح كون روسيا تتمسك بمحور المقاومة أكثر فأكثر، بل وتختاره إلى حد متطور قياسا إلى السنوات المنقضية وعلى حساب الكيان الإسرائيلي. يشعر هذا الأخير حسب تقديرات أجهزة أمنه القومي أنه يمشي وحيدا في الألغام حيال سوريا وإيران وحزب الله وان أميركا لا تقوم بما يجب وان روسيا تغمض العين وتؤازر حلفائها الذين يعتبرهم هذا الكيان تهديدا وجوديا، في حين تشعر روسيا انها المستهدف الأكبر من كل ما يجري في سوريا منذ سبع سنوات. وان ما تقوم به أميركا ومن معها لمصلحتها ومصلحة الكيان هو تهديد استراتيجي لها وللحلفاء وعلى رقعة عابرة للقارات بعناوين حرب الغاز وحرب البحار وحرب القارات وغيره من عناوين. في الواقع، لا يقلق الكيان الإسرائيلي فقط من علاقة روسيا بمحور المقاومة بل أيضا من علاقتها بتركيا ومن علاقتها بمصر ومن علاقتها بالجزائر وبليبيا ومن علاقتها بفنزويلا ومن سائر علاقاتها الاوراسية. وبالتالي تقلق روسيا منطقيا من سائر علاقات الكيان في كل مكان.
يبدو لنا ان الكيان بدأ يتعود هذه السنوات من خلال العدوان المتكرر والاغتيالات ودفع العصابات الارهابية، بالنظر إلى سوريا على انها بيئة حرب. ويبدو لنا أيضا ان العلاقة التاريخية الكبيرة التي تجمع الروس بسوريا ورهاناتهم الكبيرة على كسب أهم المعارك الاستراتيجية البحرية والبرية انطلاقا من سوريا بالذات، يجعلهم ينظرون إلى سوريا كارض ملاحم أو كبيئة ملاحم هم جزء وجودي ركين منها. الحضارة تشي بذلك والروح أيضا. الدم الروسي يشهد على ذلك وروايات ملاحم الميدان على ألسنة الروس أنفسهم. هي بكل المقاييس حرب استراتيجية وجودية يرى محور المقاومة ان الأولوية فيها في الوقت الراهن هي إخراج أميركا من سوريا والعراق في أفق تحرير سوريا بالضرورة وافشال الحرب الصهيوهابية والكونية النفسية والاعلامية في تصوير سوريا كوحش قاتل حينا وتصوير روسيا كوحش مستعمر أحيانا. لا نظن أن أولوية الروس شىء آخر. الحرب الهجينة موجودة وحرب الفضاء دائرة وشعور أميركا بإهانة روسية عميقة منذ انتخاب ترامب وقصة تدخل روسيا تزيد الزيت على النار وغضب ونار الكيان من روسيا يكبر ويكبر، والعكس صحيح.
هكذا يصبح قلب سؤالنا ما يلي: ماهي المسافة الفعلية التي تفصل أهداف روسيا عن أهداف محور المقاومة سوى وضع “إسرائيل” بين قوسين؟ أليست روسيا تحاصر إسرائيل من لبنان بالاتفاق مع الدولة اللبنانية ومن سوريا مع الدولة السورية ومن الدور الروسي القادم لا محالة في الموضوع الفلسطيني ومن قلق روسيا مما يجري في اليمن، وربما في العراق وحكما مع حلفاء روسيا وخاصة إيران والصين في آسيا وفي افريقيا؟  أليس استعراض بوتين الأخير لسلاح الردع الإستراتيجي قولا حاسما صارما واضحا ان السلاح الروسي هو في الأخير سلاح القطب الجديد الصاعد جوا وبحرا وبرا وبالتكامل والتلاحم وتقاسم الأدوار؟ هي بالمحصلة حرب جيوستراتيجية كبرى قد تزال فيها الخطوط الحمر وقد تستعمل فيها كل الأسلحة. ورغم ان أهم ما في أمرنا كمحور مقاومة هو معركة القدس الكبرى، يبدو ان حروب إسرائيل المتبقية قبل الزوال، حروب أو حرب صغيرة جدا وأصغر رغم الدماء التي قد تسبل كثيرا وطويلا.

صلاح الداودي. للميادين نت.