غاز الشرق الأوسط

أضيف بتاريخ: 26 - 02 - 2018

-مركز يروشلايم للشؤون العامة-

بقلم: تسيفي مزال – السفير الإسرائيلي السابق في مصر

يمتلك الشرق الأوسط قدرات يمكن أن تحوله خلال عدة سنوات لمركز تجاري عالمي في الغاز. الاتفاق الذي تم توقيعه مؤخرًا بين شركات شركة “نوبل انيرجي” ومجموعة “ديليك” الإسرائيلية وبين شركة “دولفين” المصرية لتصدير 64 مليار متر مكعب غاز بمبلغ 15 مليار دولار من إسرائيل لمصر على مدى 10 سنوات، يبدو أنه الخطوة الأولى في هذا الطريق.

حسب دراسة لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن احتياطي الغاز المدفون في الشرق الأوسط يصل لـ 325 تريليون قدم مكعب (9,2 ترليون متر مكعب)، أكثر من الاحتياطات المثبتة للولايات المتحدة؛ لكن الصراعات بين دول المنطقة هي ما قد يعطل عمليات البحث واستخراج الغاز.

وعلى أية حال، فإن اتفاق تصدير الغاز من إسرائيل لمصر يحقق مصالح كلا الطرفين، إسرائيل معنية بتصدير الغاز للدول المجاورة واستغلال ميزة القرب الجغرافي من ناحية قلة تكلفة نقل الغاز، ومصر لديها مصلحة بشراء الغاز من إسرائيل، من أجل سد الفجوة بالعرض الذاتي، في انتظار تطوير حقل “ظهر” الكبير والتصدير.

حقل “ظهر” بدأ بتوريد الغاز قبل عدة أسابيع، لكن سيصل لمرحلة إنتاج كلي فقط في نهاية عام 2019، ومصر ستغطي كامل احتياجاتها من مصادرها على ما يبدو بداية عام 2022. مع ذلك، استخراج الغاز الموجود شرق المتوسط يتطلب تعاون جميع الدول من أجل تحقيق أقصى استفادة. تطوير خزان الغاز المصري “ظهر” واكتشاف احتياطات أخرى في المنطقة فعليًا يمكن أن يحولها لمركز مهم لتجارة الغاز.

هناك عدة احتمالات قائمة، من بينها إقامة مصانع إضافية لاستخراج غاز مسال. مسؤولون إسرائيليون اقترحوا بناء مصانع من هذا النوع في قبرص، لنقل الغاز الاسرائيلي هناك من خلال أنابيب، وتصديره بصورة سائلة في سفن – جنبًا إلى جنب مع غاز قبرص – للزبائن في أنحاء العالم.

في الوقت نفسه، هناك احتمال آخر قد يحقق مصالح كل دول المنطقة، ألا وهو تدفق الغاز الاسرائيلي والقبرصي لأوروبا الغربية، التي تتزايد احتياجاتها وتسعى لتنويع مصادرها وتقليل اعتمادها على روسيا. في ديسمبر 2017 وقعت إسرائيل، قبرص، اليونان وإيطاليا على مذكرة تفاهم حول بناء أنبوب غاز لأوروبا، الحديث هنا عن خطة بإقامة خط أنابيب بطول 2100 كيلو متر في أعماق البحر المتوسط، وبناؤه بتكلفة 6.7 مليار دولار. حتى هذه المرحلة هناك دراسات وأبحاث حول الخطة، والموضوع ما زال قائمًا؛ سيكون لمصر مصلحة بالانضمام لهذه الخطة، بحيث تسمح لها بضمان تصدير الغاز لفترة طويلة لزبون واحد ثابت، سيساهم في استقرارها اقتصاديًا.

غير أن العلاقات المتوترة بين عدة دول في المنطقة هي ما تعطل هذه الخطة، فقد وقعت قبرص على اتفاقات لتحديد الحدود البحرية مع مصر في 2003، لبنان في 2007، ومع إسرائيل في 2013. من ناحية أخرى، تركيا – التي احتلت شمال قبرص في 1974 – تحفظت على هذه الاتفاقات، وهدّدت بمنع الحفر في حال لم تشارك شمال قبرص في البحث، الانتاج وإيرادات الغاز.

لبنان أيضًا تحفظت على الاتفاق بين قبرص وإسرائيل، ولم توافق على التوقيع على الاتفاق مع إسرائيل، فلم يكن أمام إسرائيل سوى خيار ترسيم الحدود البحرية بينهما من جانب واحد حسب المعايير الدولية المقبولة، بدأت بالبحث عن الغاز وانتقلت لإنتاجه؛ وبذلك أظهرت استعدادها العملي في المنطقة. لكن مؤخرًا أعلنت لبنان – يبدو تحت ضغط حزب الله – أنها صاحبة الملكية لـ 900 كيلومتر من المنطقة، وأنها جزء من مياهها الاقتصادية.

كما ان مصر لم توقع على الاتفاق على الحدود البحرية مع إسرائيل، والمشكلة هي استيائها من الاتفاق بينها وبين قبرص. إسرائيل والسلطة الفلسطينية لديهما خلافات أيضًا حول الحدود البحرية.

منطقة الشرق الأوسط لديها إمكانيات اقتصادية ضخمة في مجال الغاز، الذي قد يساهم في استقرار اقتصادي لدول المنطقة بشرط أن تترك الخلافات جانبًا وتعمل هذه الدول من أجل رفاه شعوبها. لكن في هذه المرحلة، تتزايد الخلافات السياسية والطائفية، ولا يمكن توقع إمكانية تجاوزها أو تخطيها، ما سيجبر كل دولة على السير في طريقها من أجل إيجاد حل تحقيقًا لمصالحها.

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها.