المسح الإستراتيجي للعدو الصهيوني 2017-2018

أضيف بتاريخ: 28 - 01 - 2018

– صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي الصهيوني. ترجمة مركز اللغات والترجمة بالتعاون مع مركز أطلس للدراسات. ترجمة لخلاصة التقرير الاستراتيجي السنوي لكيان العدو الذي يأتي في سياق سلسلة التقارير الاستراتيجية الصهيونية التي يصدرها المعهد بصفة دورية على مدار سنة كاملة.

“البيئة الاستراتيجية لإسرائيل”:

مركز اللغات والترجمة أبو جهاد طلعت كانون الثاني / يناير 2018

عشر محددات/ عشر تحديات/ مشاكل وتوصيات
عاموس يادلين

بعد مرور سبع سنوات على اندلاع الاضطرابات في الشرق الأوسط، وبعد سنتين من التوقيع على الاتفاق النووي بين الدول العظمى وإيران، تتضح الخطوط العامة للواقع الآخذ في التشكل في المنطقة – اللاعبون والخصومات والشراكات والجبهات وموازين القوى وسلوك الدول العظمى الكبيرة. وبعد مرور حوالي سنة على ولاية الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة الأمريكية نجد أيضاً أن خصائص هذه الإدارة قد تركت آثارها على الساحة الداخلية والساحة الدولية والشرق الأوسط. كل هذه الأمور تساعد في بلورة البيئة الاستراتيجية الراهنة لإسرائيل وبلورة فضاء البدائل الخاصة بها لجهة السياسة التي يجب أن تنتهجها من أجل تحقيق مصالحها الجوهرية. وعلى أبواب السنة السبعين لاستقلال إسرائيل، فإن ميزان الأمن القومي الخاص بها هو ميزان إيجابي ومتين جداً، إلا أنه بدأت تظهر في بيئتها المحيطة بعض التغييرات التي تنطوي على العديد من التحديات، وعلى العديد من الفرص الهامة، على حد سواء.

عاموس يادلين، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية سابقاً، ورئيس معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي منذ عام 2011

عناصر البيئة الاستراتيجية،
إسرائيل قوية ومستقرة وحدودها هادئة:

عام 2017 تم الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري في الشرق الأوسط وعلى قدرتها الردعية في وجه أعدائها، ومن بينهم تنظيمات غير حكومية ،وشبه حكومية بما في ذلك حزب الله وحماس و”داعش”، القريبة من حدودها .وهذا الردع الذي يتغذى من عبر ودروس المعارك السابقة بين هذه التنظيمات وإسرائيل، ومن ممارسة الجهوزية الإسرائيلية للعمل وجبي ثمن باهظ من خصومها، حتى لو كان ثمن ذلك هو التصعيد. هذا الردع يفسر الهدوء القائم على الحدود: أحد عشر عاماً في الشمال، وثلاثة أعوام في الجنوب. وقد اجتاز الردع الإسرائيلي الاختبار أيضاً في امتحان النشاط المتزايد ضد نقل السلاح إلى حزب الله وضد الأنفاق على الجبهة الجنوبية، حيث إن إسرائيل، وعلى خلاف الحذر الذي ميز سلوكها خلال العقد الأخير، أعلنت مسؤوليتها عن هذا النشاط. كما أن توازن القوى غير العسكري هو إيجابي أيضاً: فعلى خلفية الخراب والدمار والتحديات الاقتصادية الواضحة في محيطها، فإن الاقتصاد الإسرائيلي هو اقتصاد قوي ومستقر، ويفسح المجال أمام تحمل الأعباء والاحتياجات الأمنية، حتى أن اقتصادها تحول إلى مركز للجذب ونموذجاً يحُتذى به، وذلك بسبب الحداثة القائمة في مجالات الصناعات الدقيقة )الهايتك( والسايبر والزراعة، والريادة في التجارة والأعمال. وعلى الرغم من التأثير السلبي للسياسة التي تنتهجها إسرائيل في القضية الفلسطينية فإنها قد نجحت في الحفاظ على علاقاتها الخارجية على الساحة الدولية وتطويرها ،وخصوصاً مع الدول العظمى.

الولايات المتحدة الأمريكية في ظل إدارة ترامب:

إن إدارة الرئيس ترامب هي إدارة صديقة ومتعاطفة مع إسرائيل، وهيتتقاسم معها رؤية مشتركة حول معظم نقاط تقدير الوضع الإستراتيجي فيالشرق الأوسط. إلا أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة يواصلتآكله، كما أن مكانتها الدولية آخذة بالضعف. ويمكن هنا أن نشير بشكل إيجابي إلى جهود الولايات المتحدة الأمريكية لتقوية علاقاتها مع حلفائها الرئيسيين في المنطقة – المملكة العربية السعودية ومصر وإسرائيل، وكذلك التعامل مع إيران بوصفها العدو الرئيسي والتهديد على استقرار المنطقة الذي يجب لجمه. وكذلك للنشاط الذي مارسته ضد استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، إضافة إلى دعمها الدبلوماسي لإسرائيل في مجلس الأمن وفي المؤسسات التابعة للأمم المتحدة، واعتراف الرئيس ترامب بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
وفي مقابل ذلك فإنه من غير الواضح، إلى الآن، موقف الإدارة الأمريكية الذي يتراوح بين الميل إلى الانعزال والتركيز على المشاكل الداخلية للولايات المتحدة الأمريكية وبين الجدل حول ضرورة تعزيز قوتها العسكرية واستعدادها لاستخدام القوة المفرطة ضد خصومها في العالم .فالإدارة الأمريكية لم تبلور بعد إستراتيجية شاملة لتحقيق الأهداف التي وضعتها هي نفسها، ولم تبُدِ استعدادها للعمل بما يتجاوز الاستعداد الذي أبدته إدارة أوباما السابقة. ويتركز جل اهتمام الإدارة على الأزمة مع كوريا الشمالية، وعلى جهود سن التشريعات الجديدة، وعلى التحقيقات في قضية “روسيا غيت”، في الوقت الذي تعاني فيه مؤسساتها وهيئاتها القيادية من الضعف، وتعاني من الشغور في العديد من مفاصلها. كما أن قدرتها على إدارة العديد من القضايا المعقدة بشكل متوازٍ، ولمدة طويلة، هي قدرة محدودة. وفي الشرق الأوسط، فإن هدف السياسة )الأمريكية( الرئيسي المتمثل في القضاء على “الدولة الإسلامية” في كل من سوريا والعراق هو بات تحقيقه وشيكاً. ويبدو أنه يزداد الإغراء في واشنطن لإعلان “النصر” في هذا السياق، والتخلي عن الالتزامات المبالغ بها في المنطقة. وعلى إسرائيل أن تأخذ في حسبانها الفجوة الواسعة بين الخطاب الإيجابي في وجهة نظر الإدارة وبين النشاطين السياسي والعسكري اللذين لا يتجاوزان الحدود الدنيا. وبالإضافة إلى ذلك فإن الاستقطاب على الساحة السياسية الأمريكية الآخذ في الازدياد، والقربالمفرط لإسرائيل من الرئيس، يثيران المصاعب في طريقها لتكون قضيةالحزبين، أي قضية تهم كلا الحزبين في الولايات المتحدة الأمريكية، وتستفيدمن العلاقة معهما. كل ذلك يعزز من المخاطر عليها وذلك عندما تنقلب رحى الساحة السياسية من جديد لمصلحة الحزب الديمقراطي. ويجب التأكيد في هذا السياق أيضاً على الفجوة الآخذة في الازدياد بين إسرائيل وبين اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، الذين هم في معظمهم من المعارضين لترامب، وخصوصاً على خلفية سياسة الحكومة الإسرائيلية في قضايا الدين والدولة والمجتمع المدني. حتى أن هذه الفجوة آخذة في الاتساع وذلك بتشجيع من قبل الجهات العاملة على سحب الشرعية عن إسرائيل، وجهات معادية للسامية، التي تزداد نشاطاتها تطوراً، وتتوجه إلى جماهير مستهدَفة جديدة، وتعمل على إلحاق ضربة بعيدة المدى بمكانة إسرائيل وبالأمن الشخصي لليهود .
روسيا هي المنتصر الأكبر في الشرق الأوسط خلال السنتين الأخيرتين:
بالذات، على خلفية ضعف روسيا النسبي في المجالات الاقتصادية والعزلة السياسية بسبب ضم شبه جزيرة القرم، والحرب في أوكرانيا، استطاعت روسيا ترسيخ موقعها في الشرق الأوسط بفضل خطواتها في سوريا. فتدخلها العسكري في الحرب في سوريا، قبل حوالي عامين، على الرغم من محدوديته إلا أنه بقوة عالية، وأدى إلى تغيير وجهة المعركة. وقد تمكنت روسيا من تحقيق كل أهدافها وذلك عن طريق التدخل المحسوب في سوريا، والذي أثبت أنه يوجد، في بعض الأحيان، حل عسكري للأمور – إذا ما عرفنا كيف نستخدمه بشكل صحيح، وبتصميم. فقد تمكن الأسد، حليفها، من العودة للسيطرة على معظم الأراضي السورية، كما أن روسيا قد حققت لنفسها موقع الريادة بوصفها اللاعب السياسي الرئيسي المؤثر على الساحة السورية وعلى استقرارها، وذلك من خلال إضعاف الولايات المتحدة الأمريكية ودفعها للانسحاب. بالإضافة إلى إقامة قواعد عسكرية بحرية وجوية في الأراضي السورية تمكنها من السيطرة الاستراتيجية عليها لأجيال قادمة. وكل هذا دون أن تغرق في “مستنقع مهلك”، على النحو الذي كان الرئيس أوباما يتوقعحدوثه. وقد نجحت روسيا في الحفاظ على علاقات طيبة مع كل اللاعبين في الشرق الأوسط، حتى وإن كانت تسود بينها عداوة مريرة:

إيران والمملكة العربية السعودية ،إسرائيل والفلسطينيون، تركيا والأكراد، ومصر وقطر .

وعلى الساحة الدولية، تستفيد روسيا من الفراغ الإستراتيجي الآخذ في الاتساع والذي تتركه لها إدارة ترامب بسبب التضافر بين سياسته وبين شلل منظومات الإدارة الأمريكية، على خلفية التحقيقات حول اتصالاته مع الحكومة الروسية وتدخلها في الانتخابات الرئاسية الأخيرة. وعلاقات إسرائيل مع روسيا معقدة: فعلى المديين القصير والتكتيكي تنجح إسرائيل، عن طريق الحوار الإستراتيجي وقنوات التنسيق العملياتية، تنجح في الحافظ على حيز معين للعمل لها في سوريا بدون أي احتكاك مع القوات الروسية ،وهي تتقاسم معها المصلحة الأساسية في استقرار الساحة وإبعاد الصراعات .
ومع ذلك فإن هناك تصادماً في المصالح الجوهرية بين إسرائيل وبين روسيا التي تفسح المجال، بل وتمنح الغطاء، لتعزيز قوة إيران ووكلائها في سوريا، وهي التي تسعى إلى إضعاف الولايات المتحدة الأمريكية ونفوذها. كذلك الحال تواصل روسيا، على الساحة الدولية، دعم المواقف الفلسطينية التقليدية .
واتضح أنه لا تزال أمام من كان يأمل في أن تستخدم روسيا حق النقض )الفيتو( ضد أي قرار معادٍ لإسرائيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا تزال أمامه فترة طويلة من الانتظار.

الصين، قوة عظمى على صعيد الاقتصاد والبنى التحتية، مع حضور استراتيجي متدنٍ:

تضع الصين نفسها كلاعب رائد ومسؤول في المنظومة الاقتصادية العالمية وفي المؤسسات الدولية، في الوقت الذي يدور فيه تنافس اقتصادي واضح بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية. وينصب جل الاهتمام الصيني على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث يشتد هناك التنافس بين الدول العظمى. وفي الشرق الأوسط تعتزل الصين مهمة رسم المشهد السياسي – الأمني، وتحمّل الأعباء العسكرية والسياسية لهذا المشهد لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، في الوقت الذي تستمر فيه هي بالتركيز بشكل أساسي على الشق الاقتصادي وعلى إدارة دبلوماسية رمزية، وتكتفي بمشاركة عسكرية ضئيلة جداً في بعض المهام الدولية المتفق عليها مثل قوات حفظ السلام والعمليات ضد القراصنة. وعلى غرار السياسة الروسية في الشرق الأوسط فإن السياسية الصينية تقوم على علاقات متوازية مع كل عناصر القوة المناسبة الموجودة في المنطقة، بما في ذلك مع الصقريين من بينها مثل المملكة العربية السعودية وإيران. وكذلك تقيم الصين علاقات مع إسرائيل، بصفتها مصدراً هاماً للابتكار وللتكنولوجيا. وموقف الصين في القضايا موضع الخلاف بين إسرائيل وبين جيرانها هو موقف داعم للجانب العربي – الإسلامي، وكذلك هو الحال فيما يتعلق بأسلوب تصويتها في المؤسسات الدولية. ومع ذلك فإن هناك العديد من الخطوات التي تحمل تباشير التغيير في سياستها في المنطقة: مصالح الصين في المنطقة من خلال الاستثمارات والمشاريع وحجم العمال الصينيين، كل هذه الأمور آخذة في الاتساع والتجذر. وتنضم إليها حاجة الصين إلى موارد الطاقة، واهتمامها بطرق الملاحة. وهناك “مشروع حزام واحد” )طريق الحرير الجديد( وهو ذو بنية تحتية إستراتيجية تجسد فرصة التدخل الصيني المتعاظم في اقتصاد المنطقة وفي بناها التحتية. وتتضمن الأهداف الصينية، على النحو الذي جرى التعبير عنه مؤخراً، تحولها إلى دولة عظمى عالمية وبحرية تمتلك قوات مسلحة حديثة تمكنها من الدفاع بنفسها عن مصالحها في العالم. وإلى جانب القاعدة العسكرية الأولى التي أقيمت خارج الصين، في جيبوتي، هناك توجه للتصدير الأمني من الصين إلى الشرق الأوسط، مع التركيز على المنظومات “التخصصية” مثل الطائرات المسيرّة، وذلك بما ينسجم مع توجهات بناء قوة الجيش الصيني والصناعات العسكرية. وعليه من الممكن الافتراض أنه سيطرأ ارتفاع طفيف على مستوى النشاط الصيني السياسي في المنطقة .
في رؤية متعددة السنوات في المستقبل، سيطرأ ارتفاع في التأثير الصيني العسكري – الأمني على البيئة الاستراتيجية المحيطة بإسرائيل، حتى وإن كان ذلك وفق “الخصائص الصينية” وليس وفق الأسلوبين الروسي والأمريكي. ويوجد لإسرائيل اليوم تأثير محدود، إذا كان هناك مثل هذا التأثير أصلاً، على المواقف السياسية للصين في القضايا المتعلقة بها، وإلمام متدنٍ بسياستها بشكل عام، وفي المنطقة بشكل خاص .

إيران والقضية النووية:

على الرغم من عداء إدارة الرئيس ترامب للاتفاق النووي مع إيران، وعلى الرغم من أنها قد وصفته بأنه “أسوأ ما رأته على الإطلاق”، فإنه قد تمت المحافظة على الاتفاق خلال السنة الأخيرة من قبل جميع الأطراف. والرئيس لم يخُرج الولايات المتحدة الأمريكية منه، حتى لو أنه لم يؤكد أن إيران تنفذ بنوده أو أنه يخدم مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. وقد تم نقل اتخاذ القرار في الموضوع إلى الكونغرس، ونجحت جهات في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي أوساط حلفائها، والتي تعتقد بأن إلغاء الاتفاق سيتسبب بالضرر أكثر من الفائدة، نجحت تلك الجهات في إقناع الإدارة ببذل المحاولات لتحسينه. وفي خطابه في 13 تشرين الأول/ أكتوبر أكد الرئيس ترامب على ضرورة مواجهة سلبيات الاتفاق وفي مقدمتها: بند “غروب الشمس” الذي يرفع معظم القيود عن إيران، ونوعية الرقابة على المواقع )الإيرانية( غير المعلن عنها، وموضوع مجموعة الأسلحة وقضية الصواريخ الباليستية، وهي المواضيع التي بقيت غامضة في قرار مجلس الأمن 2231.
ومن الصعب أن نرى كيف يمكن تحسين الاتفاق بشكل أحادي الجانب، عن طريق تمرير تشريع في الكونغرس في الوقت الذي يبدو فيه أن الدول العظمى الأخرى الشريكة في الاتفاق لا تتعاون في الموضوع. وفي مثل هذه الحالة فإنه سيوضع أمام الإدارة )الأمريكية( طلب الإيفاء بوعودها، وسيظهر من جديد الضغط على الرئيس ترامب للانسحاب من الاتفاق. وإذا ما تم اتخاذ إجراءات أحادية الجانب من الكونغرس أو بناء على توجيهات من الإدارة فإن من شأن ذلك أن يضر بالاتفاق أكثر من أن يؤدي إلى تحسينه، هذا حتى في حال واصلت إيران اعتبار أن تنفيذ الاتفاق يشكل مصلحة لها. ومرحلياً فإنه لا يوجد هناك أي استعداد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أو من جانب جهات أخرى، لفترة ما بعد 10 – 15 سنة من بدء تنفيذ الاتفاق، وهي الفترة التي تنتهي بعدها القيود الرئيسية المفروضة على البرنامج النووي الإيراني، حيث سيكون بوسع إيران العودة إلى بناء وتشغيل البنى التحتية النووية بشكل مكثف، الأمر الذي سيختصر إلى درجة كبيرة زمن الاندفاعة باتجاه امتلاك سلاح نووي.

التحدي الإيراني في سوريا مع حسم المعركة في البلد:

لقد حُسمت الحرب في سوريا لصالح التحالف الذي دعم الأسد، وبذلك ازدادت قوة إيران ومؤيديها، وضعفت المعسكرات الأخرى – السنية على اختلافها. ويشكل انضمام المعسكر الإيراني إلى معسكر الإسلام السياسي السني، الذي يضم كلاً من تركيا وقطر وحركة “الاخوان المسلمين”، يشكل تطوراً إشكالياً يجب دراسته بشكل دائم. وقد سيطر الأسد من جديد على معظم الأراضي التي كان قد خسرها خلال الحرب، كما أن “داعش” قد فقدت سيطرتها على مناطقها، وضعفت حركة المعارضة للنظام إلى درجة كبيرة .
إضافة إلى ذلك فإن رد المعسكر الإيراني على معسكر الإسلام السياسي السني، بقيادة تركيا وقطر و”الاخوان المسلمين”، يزيد من مخاطر التهديد في الشمال. وهذا تطور إشكالي يجب متابعة أبعاده بشكل دائم. ومع ذلك فإن الحرب في سوريا لم تنته بعد، ومن المتوقع أن تستمر المعارك، كما أن المسيرة السياسية لرسم سوريا المستقبل ستكون طويلة ومعقدة. والتحدي الأساسي بالنسبة لإسرائيل في هذا السياق يتمثل في نية إيران الاستقرار في سوريا من ناحية البنى التحتية والعسكرية، وتهديد إسرائيل من هناك بكم وبوسائط لم تكن حاضرة في هذه الساحة إلى الآن، مع التأكيد على الميليشيات الشيعية بشكل واسع. ومع ذلك فإنه من المهم الإشارة إلى أن الإيرانيين غير موجودين “على الضفاف”، والتهديد لا يزال في مراحل تشكله الأولى، وعليه فإنه من الصواب التعامل معه بوصفه تحدياً مديداً يتطلب بناء قوة العدو في منطقة قريبة، بما يشبه بناء حزب الله في لبنان. وإضافة إلى ذلك فإن للانتشار في سوريا الكثير من القيود بالنسبة لإيران )من حيث النفقات وخطوط الإمداد الطويلة(، وهو ما سيخلق لإسرائيل مجالاً واسعاً لجمع المعلومات الاستخبارية، وأهدافاً مغرية جداً للهجوم، في منطقة عمل قريبة ومعروفة.

هزيمة “داعش” ونشوء الصورة المقبلة للجهاد العالمي:

في العام المنصرم، ضعف المحور الجهادي السلفي بشكل كبير، وذلك نتيجة للعمل الهادف المثابر الذي قام به تحالف عالمي وإقليمي للقضاء عليه .فـ “الدولة الإسلامية” قد خسرت، بشكل كامل تقريباً، معقلها الإقليمي الأساسي في كل من العراق وسوريا، على الرغم من أنه لا يزال لها، وللقاعدة، بعضالمعاقل المحدودة في الشرق الأوسط – في شبه جزيرة سيناء وفي شمالإفريقيا وفي اليمن – وكذلك خارج المنطقة. ونحن أمام النسخة الثانية من”داعش” )0.2(، بمعنى أنها عادت إلى حركة غير إقليمية، وعليه فإن الانتقالإلى قواعد جديدة، هو احتمال منطقي. وأيديولوجيتها هي أيديولوجية جذابة وخصوصاً في الأوساط المسلمة التي تشعر بالظلم وبالاضطهاد. ولخلايا “داعش”، وللأشخاص المنفردين العاملين بإيحاء منها فرصة قليلة للقيام بنشاطات إرهابية وتقويض الاستقرار سواء في الدول العربية، وسواء في مختلف دول العالم، وإلى درجة أقل في إسرائيل.

ضعف المعسكر السني المعتدل، لكن هناك بوادر لتحول هام في السعودية:

لقد فشل المعسكر السني – البراغماتي على عدة جهات: في كبح التمدد الإيراني في سوريا، حيث تم هناك، كما سبق القول، حسم المعركة لصالح التحالف الروسي – الإيراني. وفي اليمن، يواصل الحوثيون من هناك إطلاق الصواريخ باتجاه قلب المملكة العربية السعودية. وفي المعركة الدبلوماسية لقطع علاقات قطر مع إيران ومع “الإخوان المسلمين”. وفي لبنان أيضاً، حيث تزداد قوة حزب الله وإيران هناك. كما أن هزيمة “الدولة الإسلامية” في العراق يزيد من نفوذ إيران والميليشيات الشيعية. وينُظر إلى المحور الذي تقوده إيران في الشرق الأوسط على أنه هو المعسكر المنتصر – وهو التطور الذي يدفع دول المحور السني إلى استثمار أكبر للموارد في مواجهة إيران. وتقود هذا المحور المملكة العربية السعودية، التي تمر بعملية داخلية دراماتيكية على صعيد تغيير القيادة والأجيال. فولي العهد محمد بن سلمان هو الذي يدير المملكة عملياً، وهو يسيطر على مراكز القوى العسكرية، ويحارب الفساد، ويعمل على تليين المؤسسة الدينية، ويتبنى سياسة حازمة وأكثر عدائية تجاه إيران. وبوسع نجاح الخطوات الاجتماعية والاقتصادية التي يقوم بها بن سلمان ونقل إرث الحكم من يد الملك سلمان إلى يديه بدون حدوث أية قلاقل، بوسع نجاحه في ذلك أن يجعل منه “أتاتورك السعودي”، وأن يصنع نموذجاً من “الربيع العربي” غير العنيف الذي يتم تنفيذه منالأعلى إلى الأسفل. إلا أنه وفي ضوء ازدحام التحديات التي تواجهها مجتمعةفإن السيناريو الذي يمكن أن تدخل فيه المملكة العربية السعودية في فترةصعبة من عدم الاستقرار الداخلي هو سيناريو ذو احتمالات غير قليلةلحدوثه، وذو تداعيات شديدة التأثير على توازن القوى والاستقرار في الشرقالأوسط برمته.

الساحة الفلسطينية – الجمود والمصالحة وترقبّ خطة “الصفقة النهائية” الخاصة بالرئيس ترامب:

لقد امتازت السنة الأخيرة باستمرار الجمود السياسي على الساحة الإسرائيلية – الفلسطينية. وعلى الصعيد الأمني نجحت إسرائيل في مواصلة الحفاظ على موقع مريح لها، وعلى الردع والهدوء في مواجهة قطاع غزة .
كما أن عدد العمليات والمصابين كان أقل نسبياً في الضفة الغربية وداخل حدود إسرائيل، وكذلك الحفاظ على الردع النشط. وتم الحفاظ أيضاً على الهدوء حتى في ظل الحادث الذي سقط فيه الكثير من القتلى في صفوف حركة “الجهاد الإسلامي”، عندما تم تدمير النفق الخاص بها على يد الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك فإنه يجب مواصلة الأخذ في الحسبان احتمال حدوث تصعيد يخرج عن نطاق السيطرة نتيجة لوقوع أحداث على الأرض، حتى في الوقت الذي يكون فيه الطرفان غير راغبين في المواجهة .وهذه الأمور تعني أن جبهة المقاومة العسكرية ضد إسرائيل غير مجدية. كما أن الاستراتيجية التي قادها أبو مازن “لتدويل النزاع” قد تم وقفها هذه السنة ،مع تغيير الإدارات في الولايات المتحدة الأمريكية، وموقف الإدارة الحالية الحازم ضد أية محاولة لإلحاق الضرر بإسرائيل على الساحة الدولية وفي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ومن شأن فشل البديلين الرئيسيين للفلسطينيين على امتداد العقدين الأخيرين – إستراتيجية الإرهاب )المقاومة( من جهة أولى ،واستراتيجية تدويل الصراع “التسوية السلمية” من جهة أخرى – من شأن هذا الفشل أن يدفعهم إلى تبني “استراتيجية الدولة الواحدة”. وفيالوقت نفسه طرأت على الساحة الداخلية الفلسطينية تطورات يوجد لها القدرةعلى إفراز خطوات جديدة – سواء لجهة استمرار الانقسام بين الأطرافوالتصعيد، وسواء لاتجاه الدفع مجدداً إلى استئناف المسيرة السياسية. التطورالأول هو رغبة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يدرك اقترابنهاية مهمته واستبدال القيادة في منظمة التحرير الفلسطينية وفي السلطة، فيترك بصمة تاريخية تؤثر على مستقبل الفلسطينيين قبل مغادرته. وعليه فهويبدي، وعلى غير عادته، حزماً كبيراً، واستعداداً للإقدام على بعض المخاطرات. والتطور الثاني هو استبدال الزعامة في حركة حماس وحضور الزعامة المحلية، التي استوعبت الأثمان التي تدفعها الحركة على صعيد الرأي العام الفلسطيني بسبب العزلة السياسية، وعدم قدرتها على إنقاذ المواطنين من الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية في قطاع غزة. وهي تحاول ،على هذه الخلفية، الاقتراب من مصر، مع الحفاظ على علاقاتها مع إيران ،الضرورية للجناح العسكري. وقد وجدت التعبيرات عن هذه التطورات نفسها في وقف إطلاق النار من قبل حماس في قطاع غزة، وكذلك اتفاق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، الذي تم التوصل إليه في القاهرة في تشرين الأول / أكتوبر 2017. ومن الصعب القول إن الطرفين سينجحان في التوصل إلى مصالحة كاملة تتضمن الاتفاق على مصير الجناح العسكري لحركة حماس ،وانضمام حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية وإجراء الانتخابات. وأكثر من ذلك، ليس من الواضح إذا ما كان الطرفان قادرين على الحفاظ على عناصر قابلة للتطبيق أكثر من هذه التي تم الاتفاق عليها. ومع ذلك فإن احتمال تقديم مبادرة سياسية من قبل إدارة ترامب، ومحاولات تحقيق المصالحة بضغط من كل من مصر والسعودية، تدل على وجود أمل أفضل للمحافظة على الاستقرار أمام قطاع غزة، وإن الحوار بين إسرائيل وبين الحكومة في رام الله بواسطة إدارة ترامب، دون أن تكون لدى حماس القدرة على تعطيله، هو احتمال جدي. وتقف في مركز الفعل السياسي رغبة الرئيس ترامب لتحقيق “الصفقة النهائية” بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. إلا أن الطاقم برئاسة صهر الرئيس جارد كوشنير والوسيط الرئيسي جيسون غرينبلات لم يتوصل إلى أية إنجازات حتى نهاية 2017، ويبدو أن مرحلة جس النبضالخاصة بالطاقم قد انتهت. ويبدو، على هذه الخلفية، أن هناك مؤشرات لوجودشكوك في أوساط الطاقم حول احتمال إجراء مفاوضات حول الحل الدائمالذي يؤدي إلى تحقيق “الصفقة”، وهو كان يفضل أن يتم تبني أهداف أكثرتواضعاً ونهجاً رسمياً للتقدم بشكل متدرج. وبالإضافة إلى ذلك فإن الاعترافبالقدس كعاصمة لإسرائيل قد دفع إلى تبني مواقف من قبل الفلسطينيين حولوقف العملية السياسية، وحول عدم القبول بالولايات المتحدة الأمريكيةكوسيط نزيه. ولايزال السؤال مفتوحاً عما إذا كان الرئيس سيقرر الاستمرار بالتمسك بهذا الهدف الطموح، وإذا ما كان طاقمه سينشر في بداية 2018 ورقة مبادئ الاتفاق كما يراه. وفي هذه الحالة فإن إسرائيل والفلسطينيين، الذين يخشون الخطوات غير المتوقعة من رئيس متهور، والذي من غير الممكن توقع أفعاله، سيركزون على ما يبدو على ردود تهدف إلى إلقاء تهمة فشل مبادرة الرئيس على الطرف الثاني.

المجتمع الإسرائيلي: تطرف وخلافات وفساد وتقويض للمؤسسات:

وتبرز على الساحة الداخلية الإسرائيلية خلافات حول التوازن السليم بين القيم القومية – اليهودية وبين القيم الديمقراطية – الليبرالية. وهذه الخلافات تطرح أمام إسرائيل تحدي الحفاظ عليها كدولة يهودية وديمقراطية، آمنة وعادلة. ومن شأن أي تشريع عدواني يلُحق الضرر بالطابع الديمقراطي للدولة، ويضرب التوازن التقليدي والحساس بين مختلف السلطات، أو الدخول في صراع بهدف إضعاف وسائل الإعلام ومن تبقى من المدافعين عنها، من شأن كل هذه الأمور أن تفاقم من حالة الاستقطاب. كما تخلق الأصوات المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي الشعور بوجود انقسام داخلي .
وقيادة الدولة، من جانبها، لا تعمل على تخفيف هذه الخلافات، أو على تهدئة الخواطر، بل هي تضرم النار أكثر. والهجمات من قبل الجهات المتطرفة ،والحملات المنفلتة في شبكات التواصل الاجتماعي ضد رئيس الدولة، وضد الجيش الإسرائيلي والجهات الأمنية الأخرى، وكذلك الاعتراض على قرارات مختلف الجهات القضائية، على سبيل المثال ما يتعلق بقضية إطلاق النار على الفلسطيني الأعزل في الخليل، كل تلك الهجمات لا تهدأ. كما أناتجاه التوتر المتزايد بين الجمهور اليهودي وبين الأقلية العربية في الدولة لميتوقف. وقد عززت مشاركة بعض المواطنين العرب في العمليات ضدإسرائيل، على الرغم من محدودية هذه الظاهرة، عززت من صورة الأقليةالعربية كعدو في أوساط واسعة من الجمهور اليهودي. وعلى أعتاب سنة2018 فإن التقدير هو أن الأزمات السياسية الشديدة والتوترات الأساسيةستستمر في تشكيل تحدٍ لمناعة ولقوة المجتمع الإسرائيلي – بالذات في الوقتالذي نجد فيه أن موقع الدولة بالنسبة للتهديدات الخارجية أقوى من أي وقت مضى .


التحديات والمشاكل والتوصيات

لقد نجحت إسرائيل خلال العقد الأخير في مواءمة نفسها جيداً مع واقع شرق أوسطي متغير، وأن تعزز من قوتها على الصعيدين العسكري والسياسي، وأن تناور بطريقة حالت دون حدوث مواجهات قاسية أو حروب .
ولكن، مع بداية 2018 يبدو أننا نقف على أعتاب فصل جديد من الاضطرابات في الشرق الأوسط، والذي تنحسر فيه نافذة الفرص السياسية والعسكرية التي نشأت أمام إسرائيل وذلك بسبب المشاكل على الساحة الإقليمية والاتفاق النووي مع إيران. وهنا يجب أن نقدم إجابات على بعض القضايا الرئيسية التي تعالج التهديدات، على المديين المتوسط والبعيد، واستغلال الفرص، على حد سواء:

تحدي المعركة بين الحروب ضد المحور الإيراني وعلى الجبهة الشمالية:

مع انخفاض حدة المعارك الحرب في سوريا، وعلى أبواب مرحلة جديدة في ترسيخ التواجد الإيراني في المنطقة القريبة من إسرائيل، فإن التحدي الأساسي الذي بدأ يلوح أمام إسرائيل خلال السنوات القريبة هو مواجهة بناء القوة العملياتية والتكنولوجية لإيران، ولوكلائها في سوريا ولبنان، مع التركيز على مكوناتها النوعية. وقد مر نموذج العمل الخاص بإسرائيل خلال العقد الأخير ضد تنامي قوة حزب الله، مر بدون رد جدي من جانب أعدائها في الشمال. والمواجهة الإسرائيلية من الآن وصاعداً ستضطر للبروز من خلال خوض معركة تحدٍ أوسع من ذي قبل ضد عناصر القوة الثلاث الرئيسية في الشمال – إيران وحزب الله وسوريا. وسيكون لزاماً على إسرائيل الرد سواء على هيكلية منظومة بناء القوة الآخذة بالتشكل من طهران وحتى الجبهة ،وسواء على التغييرات المحتملة في سياسة استخدام القوة من قبل الأسد وإيران وحزب الله. كذلك ستكون إسرائيل مضطرة دائماً لاختبار خصائص نشاطاتها، وتحديات السيطرة على التصعيد، في الظروف الجديدة: هل وكيف ومتى وأين تتم مهاجمة الجهات الإيرانية، ووكلائها من مختلف مناطق الشرق الأوسط، وكذلك المنشآت العسكرية ومنشآت إنتاج العتاد العسكري والأصول الاستراتيجية. وستكون المشكلة المركزية: كيف تتم تسوية التوتر بين ضربتنامي قوة العدو بهدف تقليص التهديد على إسرائيل في المستقبل، وبين خطر التصعيد القريب بسبب النشاط الذي تقوم به. وبالمناسبة، سيكون مطلوباً من إسرائيل أيضاً مواجهة أعدائها لفترة زمنية طويلة وذلك عن طريق تحديد خطوط تواجدها وقواعد اللعبة في البيئة الجديدة، وخصوصاً عن طريق دمج النشاط العسكري والإعلام الإستراتيجي “الصواريخ والكلمات” سواء مقابل الجهات المعادية وسواء مقابل روسيا، بوصفها لاعباً هاماً على الساحة إلا أنه لا ينُظر إليها كعدو. وتمتلك إسرائيل رافعة هامة مقابل إيران وروسيا وهي تتمثل في قدرتها على ضرب نجاحهما في الحفاظ على الأسد واستقرار سوريا. فاستمرار بقاء النظام وإعادة إعمار سوريا على الصعيد الاقتصادي هما مصلحة روسية إيرانية والتي تستطيع إسرائيل استخدامها لمصلحتها .

تحدي “حرب الشمال الأولى” / حرب لبنان الثالثة:

لا إسرائيل ولا حزب الله معنيان بحرب أخرى بينهما. ومع ذلك فإنه يمكن للنشاط الإسرائيلي الهادف إلى ضرب تنامي قوة إيران وترسيخ موقعها في سوريا، إلى جانب تفرغ حزب الله من مهمة إنقاذ الأسد، يمكن لهذين الأمرين أن يدفعا إلى تدهور الوضع بين الأطراف والتصعيد إلى درجة تجدد حدوث “حرب الشمال الأولى”، والتي لن تكون بالضرورة مقتصرة على لبنان
“الثالثة”. ومن الصواب الافتراض أن هذه الحرب ستتوسع إلى مواجهة مع القوات الإيرانية ووكلائها في سوريا، وربما أيضاً مع قوات الجيش السوري.
ومن الممكن أن تدور هذه الحرب بموازاة معركة في مواجهة مع حماس في الجنوب. كل هذا سيحول أية مواجهة في الشمال إلى حرب أوسع من أية حرب عرفتها إسرائيل منذ عام 1973. وعليه فإن على إسرائيل أن تعمل وفق الأولويات والأسبقيات الاستراتيجية والعملياتية التي تكون مرتبطة بإدارة المعركة ضد ثلاث جهات معادية في الشمال – سوريا وحزب الله وإيران والتواجد الروسي.

كما أن على إسرائيل أن تستعد لثلاثة سيناريوهات للحرب في الشمال:
1. حرب في لبنان فقط.
2. حرب تجمع سوريا ولبنان – بما يشمل عناصر إيرانية وشيعية تعمل في لبنان –
3. حرب تشتمل أيضاً على تدخل إيراني من إيران.
وقد أوضحت إسرائيل بأن قواعد الحرب ستكون مختلفة عن تلك التي كانت سارية عام 2006، فحزب الله ولبنان هما اليوم كيان سياسي وعسكري واحد، وقواعد إدارة الحرب وانتقاء الأهداف واستخدام النيران وتحرك القوات البرية سوف يتم ملاءمتها بما ينسجم مع الصورة السياسية المتبدلة في لبنان. والحديث يدور هنا عن مواجهة يجب دراسة خصائصها بشكل معمق، والاستعداد لها من مستوى الحكومة الإسرائيلية وما دون ذلك، ومن المستوى السياسي ومروراً بالمستوى العسكري – الإستراتيجي وحتى الرد العملياتي والتكنو- تقني، إلى جانب التأقلم مع ظروف الميدان ومع الأسلحة التي تراكمت لدى العدو خلال السنوات الأخيرة: الصواريخ الباليستية ،والدفاع الجوي، والطائرات المسيرة، وصواريخ أرض – بحر، والوحدات التي ستحاول احتلال مستوطنات الشمال. وأما فيما يتعلق بسوريا، فإن الوقت لن يكون قد فات لتقديم العون للشعب السوري لإدارة مستقبله.

تحدي تعديل الاتفاق النووي مع إيران واحتواء التطلعات الإيرانية للهيمنة في الشرق الأوسط:

الحكومة الإسرائيلية موجودة في وضع نادر – حيث أن ساكن البيت الأبيض يتملك رؤية متطابقة معها للتهديد الإيراني والمشاكل الموجودة في الاتفاق النووي. ويجب هنا تحويل هذه التوافقات الأيديولوجية بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة إلى اتفاق رسمي – “اتفاق موازٍ ” حول التهديد الإيراني بمجمله، وفي مركزه تعديل الاتفاق النووي. وعلى إسرائيل أيضاً السعي إلى بلورة تفاهمات رسمية مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي ستكون متضمنه”اتفاق ثنائي موا زٍ” حول الاستراتيجية المشتركة ضد مجموعة التهديداتالإيرانية في الشرق الأوسط. ويجب أن تكون لهذه الاستراتيجية المشتركةثلاثة أهداف:
أولاً: منع إيران من الحصول على سلاح نووي أو ترسيخ نفسها عند العتبة النووية، أي على “مسافة صفر” من القنبلة النووية .
ثانياً: لجم النشاطات التخريبية الإيرانية في المنطقة ودعمها للإرهاب.
ثالثاً: العمل على ضرب الجهود المبذولة لتعزيز القوة التقليدية للجيش الإيراني، وهي القوة التي ستساعد على ترسيخ النفوذ الإيراني في المنطقة .
على إطار التفاهمات بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً أن يتطرق إلى ثلاث ركائز:
– الركيزة الأولى: هي تنظيم الرد المشترك للدولتين على التهديدات الكامنة في الاتفاق النووي على المديين القصير والطويل. ومن المهم هنا الإشارة إلى أنه على الرغم من التهديدات، فإنه من المفضل خلال السنوات القليلة القادمة أن يبقى الواقع القائم مع اتفاق لأنه أفضل من أن يكون بدون اتفاق ،وهو الأمر الذي سيمكن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من الاستعداد معاً لمواجهة التهديدات الأشد خطورة على المدى الزمني الأطول. وفي هذه المرحلة، ما لم يتم ضبط إيران متلبسة بانتهاك الاتفاق، فإنه من الصواب ألا تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بالانسحاب منه. وإذا كان لا بد من إلغاء الاتفاق فإنه من الأفضل أن يكون ذلك نتيجة لقرار إيراني وليس لقرار أمريكي. وعلى الاتفاق الموازي أن يحدد ما هي الأشياء التي يمكن اعتبارها انتهاكاً إيرانياً، وما هي الردود على السيناريوهات المختلفة للانتهاكات، وبخاصة على الاندفاعة الإيرانية باتجاه القنبلة. ومن المهم أن يضمن الاتفاق لإسرائيل قدرة مستقلة لوقف إيران إذا ما قررت العمل للحصول على قنبلة نووية خلال وقت قصير، وأن إسرائيل لن تكون مرتبطة بالردود الدولية التي تتطلب زمناً طويلاً للتنسيق والتنفيذ. وعلى الاتفاق أن يضمن تنسيق الجهد الاستخباراتي الذي يتمم الرقابة الدولية ويستطيع أن يحل محلها بعد انتهاء الاتفاق. ويجب في هذا الإطار توفير رد على تهديد انتشار السلاح النوويلدول أخرى في الشرق الأوسط .
– الركيزة الثانية: فيجب أن تشتمل على اتفاق حول مبادئ تعديل الاتفاقالنووي بحيث يوفر الردود على الاحتياجات الإسرائيلية والأمريكية: إطالة بند “الغروب” )انتهاء صلاحية القيود الرئيسية على البرنامج النووي( أو اشتراطها بتغيير سلوك إيران في المجالات غير النووية، وتحسين الرقابة الدولية على المواقع الإيرانية المشتبه بممارسة نشاطات نووية عسكرية فيها .وتبنيّ قرار جديد من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بلغة أشد وضوحاً من القرار 2231، يحظر إجراء التجارب على الصواريخ العادية والمجنحة )كروز(، القادرة على حمل رؤوس نووية. ورفع الحظر العسكري المفروض على إيران فقط بعد تغيير السياسة الإيرانية في المجالات غير النووية.
– الركيزة الثالثة: في الاتفاق يجب أن تضمن تنظيم المواجهة المشتركة للتهديدات غير النووية من جانب إيران. وعلى الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية أن تستند إلى الإدراك بأن إيران هي المسؤولة عن نشاطات وكلائها وحلفائها في المنطقة، ولذلك فإنه يجب أن يجُبى منها ثمناً باهظاً بسبب نشاطاتها التخريبية. وعليه يجب بلورة إستراتيجية العمل ضد حلفاء إيران في المنطقة رداً على الخطوات الاستراتيجية الإيرانية، وكذلك الاستفزازات التكتيكية من جانبها ومن جانب وكلائها. ويجب توسيع الجهود المضادة لإحباط الدعم الاقتصادي والعسكري من جانب إيران لحلفائها في المنطقة ،والعمل على فرض عقوبات على البنوك التي تتعامل مع التنظيمات والكيانات التي لها علاقات تجارية مع حلفاء إيران )عقوبات فرعية(. وأخيراً عمل الاستراتيجية المشتركة على دق إسفين بين روسيا وإيران، مع التأكيد على الخلافات بينهما: مستقبل الأسد وحجم التواجد العسكري الإيراني في سوريا، وكذلك تطوير التعاون في مجال الدفاع ضد تهديد الصواريخ الإيرانية.

تحدي استئناف المسيرة السياسية و”الصفقة النهائية”:

بعد سنة من التحضيرات تعتزم إدارة ترامب تقديم خطة لتحقيق السلام بين إسرائيل وبين الفلسطينيين. ولا تزال المبادئ والمعايير والتحركات لبلورةالاتفاق ملفوفة بالضباب، كما أن إعلان الرئيس في موضوع القدس يزيد منتعقيد القضية. ومن المحتمل أن تكون هناك أيضاً رغبة أمريكية في تعويضالفلسطينيين والعرب على “إعلان القدس”. ويمكن التقدير أن الحكومةالإسرائيلية، التي توجد لها علاقات عمل ممتازة مع إدارة ترامب، ستحاولالتأثير على الخطة بحيث تكون المعايير المقدمة غير مقبولة من الفلسطينيين ،وأن تنتصر في “لعبة الاتهامات”. وليس هناك خلاف على أنه إذا ما كانت المسيرة السياسية محكومة بالفشل فمن المهم ألا يتم إلقاء التهمة على إسرائيل. والأكثر أهمية هو أن يتم استغلال الظروف الاستراتيجية التي لم تكن في يوم من الأيام مريحة أكثر بالنسبة لإسرائيل مما هي عليه الآن. فقوة إسرائيل الاستراتيجية واستعداد العالم العربي للمساهمة في العملية السياسية ودرجة التعاطف من جانب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن على هذا القدر من الإيجابية لإسرائيل، وهي تشكل فرصة تاريخية يجب على إسرائيل عدم تفويتها. وصحيح أن الفرصة للتوصل إلى اتفاق دائم تتراوح بين الضعيفة والمستحيلة، لكن الخطوات المتفق عليها مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول العظمى من شأنها أن تفضي إلى إنجازات حيوية في تحديد المبادئ المستقبلية لأي اتفاق )ادخال تحسينات على المبادئ التي قدمها الرئيس كلينتون(، وفي خلق الظروف لبلورة اتفاق مستقبلي ولتنفيذه بنجاح ،وخصوصاً لجهة وقف الانزلاق الحالي باتجاه الدولة الواحدة، والتي ستكون بالضرورة غير يهودية و/أو غير ديمقراطية. ومن المهم أن تتبنى حكومة إسرائيل خطة فعالة تضمن القدرة للتوصل في المستقبل إلى اتفاق يتم في إطاره الحفاظ على الدعائم الأربعة الأساسية لوجود شعب إسرائيل في بيته القومي في أرضه: الدولة اليهودية، والديمقراطية، الآمنة والعادلة. والورقة السياسية التي ستقود إلى تحقيق هذا الهدف سيتم نشرها من قبل المعهد خلال عام 2018.
وفي موازاة الانشغال المهم للدفع باتجاه الاتفاق الشامل، فإن الواقع الراهن للساحة الفلسطينية يشكل تحدياً لجهة المصالحة الفلسطينية الداخلية وإعادة إعمار قطاع غزة – لم يتم في اتفاق المصالحة، الذي من المقرر أن يعيد السلطة الفلسطينية إلى قطاع عزة، التطرق إلى القضايا الرئيسية من وجهةالنظر الإسرائيلية – عدم قبول شروط الرباعية الدولية من قبل حركة حماسواستمرار بقاء الذراع العسكرية للحركة. والتقدير هو أن الاتفاق لن يقُلِعبسبب الخلافات في الآراء على الساحة الداخلية الفلسطينية، لذلك من الصوابالسماح له بالسير في طريق كل الاتفاقات السابقة بين السلطة وبين حماس ،دون أن تتُهم إسرائيل بالتسبب بفشله. ومع ذلك فإن قضية إعادة إعمار قطاع غزة هي قضية مطروحة على الحكومة الإسرائيلية. وهناك سببان هامان يدعمان تبنيّ سياسية مؤيدة لإعادة الإعمار: سبب إنساني تقليدي، إذ إن غالبية سكان قطاع غزة ليسوا هم المتهمين بكون حركة حماس الإرهابية قد سيطرت على القطاع وتسببت في تدهوره إلى حضن الكارثة الإنسانية. أما السبب الثاني فهو سبب نفعي – ففي الكثير من المجالات )المياه والصرف الصحي والصحة العامة والتشغيل، والشعور بعدم وجود مخارج( فإن إسرائيل غير منقطعة عن القطاع، وهي ستتأثر بشكل مباشر من الوضع المتدني فيه .والطريق لتحقيق إعادة إعمار قطاع غزة يجب أن يتم اختبارها في ظل أمرين: القدرة على الحيلولة دون حصول تعاظم كبير في قوة حركة حماس ،وذلك بسبب قدرتها على السيطرة على الأموال والموارد المخصصة لإعادة الإعمار، وكذلك الحيلولة دون تعاظم القوة السياسية لهذه الحركة الإرهابية .
وهنا أقول بكل الحذر المطلوب إن من شأن عملية إعادة إعمار صحيحة، إلى جانب دمج الغطاء السياسي القوي من قبل الدول العربية، من شأنهما أن يشكلا منصة للانطلاق باتجاه إحداث تغيير تدريجي في بنية الحكم في غزة .

تحدي تعزيز التحالف مع العالم العربي السني:

تقيم إسرائيل تعاوناً غير مسبوق مع دول عربية مجاورة من المعسكر السني البراغماتي – وتقارب المصالح والتهديدات المشتركة، المتأتية من إيران ومن الإسلام المتطرف، أدى إلى تعميق التعاون مع دول تربطها بإسرائيل اتفاقيات سلام، ومع دول الخليج أيضاً، التي لا توجد لإسرائيل معها علاقات دبلوماسية علنية. والحرب ضد عدو مشترك، إرهاب “داعش” في سيناء، والدعم الواضح جداً لنظام السيسي في مصر، وكذلك سنوات السلام الأربعين الذي تم الحفاظ عليه بحرص من قبل الطرفين، كل ذلك يشكلأرضية لاستمرار التعاون مع أكبر دولة عربية. وفي صلب التعاون بين دولالخليج والمملكة العربية السعودية يأتي التهديد الإيراني والقدراتالاستخبارية والتكنولوجية والاقتصادية الإسرائيلية. كما أن تقوية موقع محمدبن سلمان، الرجل القوي في المملكة العربية السعودية والذي يقود إلى سياسةفعالة واستعداد للإقدام على بعض المخاطرات، تفتح أمام إسرائيل مساحة أخرى مثيرة للاهتمام لخطوات إستراتيجية، ولإقامة تحالفات ولتحسين وضعها الجيو – استراتيجي. والمفتاح للانتقال من التعاون المحدود والسري إلى التعاون العلني، في إطار الاستعداد المشترك لمواجهة الأعداء المشتركين، هذا المفتاح يكمن، بطبيعة الحال، في التركيز )وليس الحل بالذات( على القضية الفلسطينية. كذلك الحال من المطلوب العمل بسرعة لتسوية الأزمة التي نشأت مع الأردن في أعقاب الحادثة التي كان متورطاً فيها حارس إسرائيلي، وإيجاد حل للقضية المختلف عليها بين الدولتين ،والتعاون في مواجهة التهديدات المشتركة وتوثيق العلاقات السياسية، إلى جانب العلاقات الأمنية. وفي هذا السياق يجب طرح مشاريع مشتركة لمصلحة الشعبين.

تحدي “داعش”:

لقد تمت هزيمة “داعش” ككيان إقليمي في كل من سوريا والعراق، وبذلك فقََدَ التنظيم سيطرته على الأرض إلا أنه لم يفقد سيطرته على المشهد الإسلامي. إذ لم تتم هزيمة البنى التحتية لـ “داعش” في كل من ليبيا وشبه جزيرة سيناء وفي أفغانستان وفي الجولان. ويمكن لهذه المناطق أن تكون هدفاً يصل إليها عناصر التنظيم من المناطق التي تم تطهيرها. ولاتزال الخلايا الإرهابية التابعة لـ “داعش” نشطة، كما أنه تتشكل بؤر أخرى وخصوصاً أن فكرة “داعش” لا تزال حية في شبكات التواصل الاجتماعي وفي المساجد التي يلقي الأئمة المتطرفون خطبهم فيها. ومع فقدان الأرضية الإقليمية لتنظيم “الدولة الإسلامية” هناك خطر من أن يحاول “داعش” إظهار وجوده عن طريق القيام بعمليات استعراضية في الشرق الأوسط، بما في ذلك في إسرائيل، وفي مختلف أنحاء العالم. وسيكون من الصواب العمل بهدفوضع حد لوجود “داعش” في جنوب هضبة الجولان وذلك في إطار ترتيباتالاستقرار في سوريا، ومواصلة دعم مصر في حربها للقضاء على “داعش”في سيناء. وبالإضافة إلى ذلك فإنه يجب عدم الافتراض، من الناحيةالاستخبارية والعملياتية، أن التنظيم لم يعد يشكل تهديداً بعد الآن.

ميزانية الأمن والنظرية الأمنية:

إن الفرصة لحدوث مواجهة على الساحة الشمالية خلال 2018 مرتفعة أكثر من أي وقت مضى خلال العقد الأخير. ومن شأن الدمج بين انتهاء الحرب في سوريا وبين التواجد الإيراني المتعاظم فيها، وكذلك الاستعداد الإسرائيلي للعمل ضد زيادة القوة النوعية والكمية لإيران وحزب الله في سوريا وفي لبنان، من شأن ذلك أن يدفع إسرائيل باتجاه صدام واسع مع حزب الله ومع القوات الإيرانية في سوريا. وهذا الاحتمال يتطلب تسريع الاستعداد لمواجهة محتملة قريبة، ودراسة وتنفيذ مشاريع مركزية ستكون مطلوبة في أية مواجهة مستقبلية مع حزب الله ومع إيران، مع كل ما يعنيه ذلك على صعيد الميزانيات المرتبطة بتعزيز الاستعداد لارتفاع التوتر الأمني، وربما التدهور إلى الحرب. وفي موازاة ذلك، وفي ضوء التغيير الحاصل في طبيعة الساحة مقارنة مع المواجهات السابقة فإنه من الصواب التسريع في وضع مفهوم استراتيجي عملياتي للمعركة، من المستوى السياسي وحتى المستوى العملياتي. وفي هذا الإطار يجب على المستويين السياسي والعسكري، على أعلى المستويات، التعجيل في مناقشة أهداف وغايات أية معركة محتملة لجهة عناصر بدايتها وإدارتها ونهايتها، وحدودها وجهودها. ومن المهم أيضاً أن يقوم الطاقم الوزاري السياسي – الأمني المصغر بالبحث والاستعداد قبل وقت طويل من المواجهة، وألا يقف في مواجهة هذه القضايا المعقدة والمصيرية للمرة الأولى خلال زمن المعركة نفسها.

الحفاظ على شرعية إسرائيل في العالم وتحسينها:

على الرغم من موقعها القوي في أوساط الحكومات فإن إسرائيل تواجه تحدياً جدياً على صعيد الشرعية في أوساط واسعة من المجتمعات في الشرق الأوسط وفي أوروبا، وحتى في إفريقيا – وهو التحدي الذي يندمج مع التوجه المقلق للعداء للسامية المتصاعد ضد اليهود لكونهم يهوداً. ويتركز في قلبمثيري الحملة ضد إسرائيل مزيج فريد بين ثلاث قوى مختلفة: الإسلامالمتطرف واليسار المفرط في الليبرالية واليمين القومي، وهي القوى التيتتقاسم هدفاً استراتيجي اً مشتركاً – ألا وهو تقويض حق إسرائيل في الوجود بذرائع مختلفة – وهي تدير ضدها حرباً “ناعمة” ـ إلا أنها فعالة. والموضوع الذي يسُتخدم كأرضية رئيسية لهذه المعركة ضد إسرائيل واليهود هو استمرار النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، والناجم حسب رأي تلك القوى من الرفض الإسرائيلي فقط، والذي تأتي نتيجة له الاتهامات ضدها باستمرار الاحتلال وبالعنصرية وبسياسة الفصل العنصري ضد الفلسطينيين ،وبالاستعمار وبقمع الأطفال، وبمصادرة حقوق الإنسان والمواطن، وبجرائم حرب وبارتكاب المجازر. وتتيح هذه المجموعة المتنوعة من ادعاءات مثيري المعركة ضد إسرائيل مخاطبة مجموعة مختلفة من المجتمعات والجماهير المستهدَفة، وربطها بالعمل ضد إسرائيل تحت شعار العمل على تنفيذ برنامج متنوعة، وكذلك لتوسيع قاعدة المعارضة لإسرائيل. ويعكس الدعم القوي نسيباً لإسرائيل، في أوساط المؤسسات السياسية، تفوقاً مؤقتاً في أوساط الفئة العمرية من كبار السن المستقرة نسبياً، في الوقت الذي تشير فيه الاستراتيجية السياسية لمثيري الحملة ضد إسرائيل تحدياً صعباً لمكانة ولأمن اليهود في أوساط تجمعات الشباب، الذين يشكلون الجيل القادم للمؤسسة الرسمية. ولا يزال الرد من جانب إسرائيل ومؤيديها، والذي قد تحسن بلا ريب خلال السنوات الأخيرة، لا يزال يعاني من عيوب في الإدارة التكتيكية جراء الافتقار إلى المهام المركزية الشاملة، ولذلك لا يستطيع الرد مجاراة وتيرة الحملة الدائرة على يد الشبكة المنافسة. وتشكل سياسة الحكومة في المجال الفلسطيني، وعلى الساحة السياسية الإسرائيلية، تحدياً هاماً يواجه مؤيدي إسرائيل، ويعمل لصالح أعدائها. ويتطلب الرد على هذا التحدي إقامة هيئة مشتركة – حكومية ومدنية، في إسرائيل وفي الخارج، من اليهود وغير اليهود، إلى جانب تحسين عناصر جمع المعلومات واستراتيجية العمل ،والتنسيق والتعاون بين الجهات الموالية لإسرائيل.

تحدي التفاهمات المحدثة مع يهود الولايات المتحدة الأمريكية:

إن التبدل الذي طرأ على ميزان القوى بين المجتمع اليهودي في إسرائيل وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وتبادل الأجيال ومعه ضعف موقع المؤسسات اليهودية، والاستقطاب السياسي في كل من الدولتين، في الوقت الذي تميل فيه غالبية يهود الولايات المتحدة الأمريكية لصالح جدول الأعمال الليبرالي، وفي الوقت الذي تبدو فيه سياسة الحكومة الإسرائيلية كسياسة قومجية متطرفة – كل ذلك يرسم خطوط الانقسام الآخذة في الاتساع بين إسرائيل وبين الجالية اليهودية الأكبر خارجها. والقرب الكبير بين حكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتنياهو وبين الرئيس ترامب، والذي يعاني هو نفسه من معارضة جماهيرية واسعة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب قرارات وتصريحات صعبة من جانب الحكومة الإسرائيلية في مواضيع الدين والدولة، وفي مقابل ذلك الصمت المثير للقلق تجاه المظاهر المعادية للسامية الآخذة بالتزايد في الولايات المتحدة الأمريكية – كل ذلك يزيد من حدة، ومن تفاقم، منظومة العلاقات الصعبة. وفي أوساط الجيل الشاب يزداد ضعف العلاقة مع إسرائيل كجزء من مكونات الهوية لليهود الشباب. ويتطور على هذه الخلفية وضع مثير للقلق، يواجه فيه اليهود صعوبات متزايدة للدفاع عن إسرائيل في وجه منتقديها. وبسبب عدم نجاحهم، بطرق أخرى، في تسوية التوتر القائم بين مفهوم هويتهم القيمَيةّ كيهود وبين السياسة الإسرائيلية، قام بعضهم بالانضمام إلى حركة سحب الشرعية عن إسرائيل. وطالما تبقى إسرائيل وفيةّ لكونها بيتاً وطنياً للشعب اليهودي، وهي ملتزمة بمستقبله وبأمنه سواء داخل حدودها أو في الشتات فإنها ستبقى ملزمة بالعمل بوتيرة عالية من أجل رأب الصدع، والتقريب بين الجاليتين اليهوديتين الأكبر في العالم من بعضهما بعضاً، وأن تدُخل مضموناً جديداً إلى منظومة العلاقات الحيوية لكل منهما. ومن المناسب أن يؤدي الحوار المنفتح والمتعاطف من جهة ،وقرارات القيادة من جهة أخرى، إلى إحياء اتفاق عام 1950 بين دافيد بن غوريون وبين يعقوب بلاوشتاين الذي كان حينها رئيس اللجنة اليهودية الأمريكية، وهو الاتفاق الذي نظم العلاقات الوثيقة بين دولة إسرائيل وبين اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، وأسس للعلاقات على قاعدة الشراكةالقوية واستعادة الصلة الحيوية بينهما.

تحدي تجديد التضامن والمصالحة الداخلية، وخطوات لتخفيف التوترات الداخلية في إسرائيل:

على القيادة السياسية في إسرائيل أن تتصرف كدولة، وهو ما يعني توفير الحماية العلنية للجميع. والحزم والمثابرة في الدفاع عن المنظومة القضائية ومؤسسات فرض القانون، وكذلك عن الجيش الإسرائيلي والجهات الأمنية .والصمت تجاه الهجمات على هذه المؤسسات، وخصوصاً دعم من يلحق الضرر بها، يساهم في تدهور إسرائيل باتجاه مستقبل غير ديمقراطي. وعليه ،فإنه يجب تقوية موقع حُماة هذه المؤسسات، من مستشارين قانونيين، ومحاكم ومراقب الدولة والمعارضة ووسائل الإعلام، وذلك من خلال إجراء نقاش موضوعي حول حجم ومضمون النقد الموجه للحكومة، وليس حول مبدأ توجيه النقد بالذات. وفي الوقت نفسه يجب إجراء نقاش قيمي، وجوهري وعام، لجهة التوازن بين القيم اليهودية وبين القيم الديمقراطية، مع الحرص على إبعاد النقاش عن الهوامش المتطرفة الفجة والصاخبة .
لذلك من المهم الاستمرار في تنفيذ البرنامج لتطوير الأقلية العربية ودمجها، والامتناع عن سن تشريعات تأتي لإلحاق الضرر بموقع هذا الجمهور، والدفع باتجاه حوار واسع بين مختلف القيادات في المجتمعين اليهودي والعربي من أجل تحديد قواعد اللعبة على الساحة السياسية – الاجتماعية بهدف التخفيف من الاستقطاب وبلورة قاعدة مشتركة لمواصلة الحياة معاً في إسرائيل.

ملخص وتعريف الاستراتيجية الشاملة

عندما تريد إسرائيل معالجة هذه المشاكل فهي تمتلك بعض المرتكزات الأساسية:
1. القوة العسكرية والاستقرار الأمني، والأداء السياسي والمناعة الاقتصادية البارزة، كل هذا يظهر على خلفية الأزمة الواضحة في دول الشرق الأوسط وفي الكثير من دول العالم .
2. منظومة علاقات متطورة مع الإدارة الأمريكية، ورئيس متعاطف ،تمتلك رؤية متطابقة معها حول معظم القضايا الاستراتيجية في الشرق الأوسط .
3. علاقات جيدة مع روسيا وحوار فعال مع قيادتها .
4. علاقات اقتصادية تنمو بسرعة مع دول عملاقة في آسيا مثل الصين والهند .
5. شرق أوسط عربي مدرك لاتساع المصالح المشتركة بين دول المنطقة وبين إسرائيل، وللمزايا الكامنة في التعاون معها، ومن هنا الانفتاح المتعاظم أمام إمكانية الحوار، وتطوير العلاقات والتعاون، وإن كان ذلك بمستوى منخفض .
إن التوصل إلى اتفاق موازٍ بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة الأمريكية حول القضية النووية الإيرانية والمعركة ضد التدخلات التخريبية وتعاظم القوة الإيرانية ووكلائها في الشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا، هو جزء من الاستراتيجية الشاملة المطلوبة على أبواب 2018. والولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك الحال العالم العربي السني البراغماتي، يتوقعون مرونة إسرائيلية وتقدماً في العملية السياسية مع الفلسطينيين. علماً أن هذه التوقعات من قبل حلفاء إسرائيل تكمن فيها مصلحة إسرائيلية من الدرجة الأولى ،ستمكنها من بلورة حدودها وطابعها. وسيكون هناك ندم يستمر لأجيال في حال اكتفت بالوضع القائم، الذي يشكل عملياً تدهوراً خطراً إلى واقع الدولة الواحدة. وستستفيد جداً من نقل الاتهامات بالمسؤولية عن الجمود السياسي إلى الملعب الفلسطيني. وهناك أمام إسرائيل نافذة فرص إستراتيجية نادرة ،والتي من الصواب استغلالها.
هذه الظروف الاستراتيجية الجيدة تدعم إسرائيل وتمكنها من استغلالها لتحقيق مصالحها وفي تحسين أمنها القومي واستقرارها الإستراتيجي .والشرط الحيوي لاستغلال هذه الظروف الخارجية هو تحصين المناعة الداخلية وفي قلبها الحكم السليم، وثقة الجمهور بالحكم، ووحدة المجتمع ،والتضامن والتوحّد حول نبوءة مشتركة للمستقبل، والتي تضم ليس فقط المقيمين في صهيون، من اليهود وغير اليهود، بل يهود العالم أيضاً. لقد كان جوهر الحنكة السياسية للزعماء الصهاينة، ولزعماء إسرائيل، القدرة على التقاط الوضع الإستراتيجي – السياسي أو العسكري المناسب، والمضي قدماً في تحقيق هدف ترسيخ “الدولة اليهودية الديمقراطية” الآمنة والعادلة والمشروعة.