الذاكرة الفلسطينية الحية تطارد الصهاينة وتؤرقهم

أضيف بتاريخ: 25 - 01 - 2018

– عبد اللطيف الحناشي-

تعددت القوانين العنصرية التي سنها الكنيست الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذين تشبّثوا بالبقاء في ارضهم التاريخية ومن بين تلك القوانين ذاك الذي عُرف ب”قانون النكبة”، فبموجبه مُنع على الفلسطينيين في الداخل إحياء ذكرى نكبة شعبهم سنة 1948. كما جرّم القانون كل من يمارس ذلك ومنع كلّ مؤسسة فلسطينية تحصل على تمويل حكومي من تنظيم، أو تمويل نشاطات لإحياء تلك الذكرى أو تمويل نشاطات تدعو إلى “التنكر لوجود دولة إسرائيل كدولة للشعب اليهودي، أو التنكر لطابعها الديمقراطي.
كما تم منع تداول كتاب مدرسي خاص بتلاميذ المدارس الابتدائية الفلسطينية لتواتر مصطلح النكبة في متنه لتوصيف “حرب الاستقلال الإسرائيلية” في 1948، حسب الرواية الصهيونية. وبالرغم من أن هذه القوانين والإجراءات الإسرائيلية الجديدة لا تمثل حدثا فارقا، في حدّ ذاتها، بل تتطابق وجوهر الإيديولوجية الصهيونية وممارساتها تجاه الشعب الفلسطيني ككل وخاصة سكان 48 وهي إجراءات تتماهى مع الإيديولوجية الصهيونية التي تمثل حلقة من الحلقات التاريخية للفكر الاستعماري، كما بيّن ذلك المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد.

نظرية التفوق العرقي:

تتمثل الفكرة الأساسية للفلسفة الاستعمارية في نظرية التفوق العرقي والتعامل مع الشعوب غير الأوروبية على أساس أنها كائنات أدنى دون مرتبة البشر، لذلك برّرت تلك الأطراف سيطرتها وممارساتها تحت شعار نشر الحضارة والتمدّن وتعمير الأرض التي يفتقد سكانها الأصليون للثقافة والتاريخ.
أما الصيغة الصهيونية الكولونيالية فتعتمد على شعار “فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”، وعلى خلفية ذلك قامت العصابات الصهيونية بارتكاب العديد من المجازر “دير ياسين، قبية كفر قاسم، والسموع. . ” وإشاعة الخوف والهلع في صفوف السكان الفلسطينيين الأصليين وأجبرتهم على الرحيل وترك بيوتهم وأرضهم ومتاعهم مما دفع بالمؤرخين الإسرائيليين الجدد إلى الإقرار بأن ما حدث هو تطهير عرقي مورس ضد الفلسطينيين. غير أن العصابات الصهيونية، وبعد ذلك دولة إسرائيل، لم تفلحا في اقتلاع جزء هام من الشعب الفلسطيني الذي تشبث بأرضه وصمد رغم كل محاولات القمع والترهيب والترغيب، وظلت هذه الأقلية القومية تعيش في إطار دولة الاحتلال متحدية كل الصعوبات والعراقيل، ومع مرور الزمن تزايد وعي أفراد تلك الأقلية التي نظمت ذاتها في هياكل وجمعيات وأحزاب خاصة بها وانخرطت في الحياة السياسية وتزايد دورها الاجتماعي والثقافي والسياسي مع تنامي حجمها الديمغرافي الذي أرهق مخيلة الدوائر الصهيونية التي أصبحت على قناعة بأن تلك الأقلية تمثل الخطر الأكبر والحقيقي على مستقبل إسرائيل.
ومما أصاب هؤلاء بالذهول ليس صمود تلك الأقلية والحفاظ على ذاكرتها الوطنية والقومية وحسب بل إصرارها على التفاعل الإيجابي مع مآسي بقية الفلسطينيين في الضفة الغربية والقطاع واللاجئين في الشتات بأشكال التضامن المختلفة وانطلاق عدة مبادرات من بين صفوفها تعمّمت في مناطق الشتات الفلسطيني كإحياء يوم الأرض أو إحياء ذكرى النكبة، مما ساعد على الإبقاء على ذاكرة الشعب الفلسطيني حيّة يستمدّ منها الشرعية وإرادة الحياة.

سلاح التاريخ:

غير أن ما زاد الأمر تعقيدا وإزعاجا بالنسبة إلى إسرائيل والحركة الصهيونية ككلّ هو أن سلاح التاريخ لم يعد حكرا عليهما بل إن الفلسطينيين وظفوه بدورهم من أجل قضيتهم. لقد وظّفت الصهيونية التاريخ واعتبرته كأحد أهم الأسلحة لتحقيق مشروعها السياسي المتمثل في خلق أمة وبناء دولة استنادا إلى تاريخ الجماعات اليهودية بأبعاده الدينية والواقعية والأسطورية، تماما مثلما استندت إلى المحرقة “الهولوكوست” التي تعرّض لها جزء من اليهود في ألمانيا. وتحرص الدوائر الصهيونية على تضخيم وقائع تلك الجريمة التي ارتكبت في حقّ اليهود وتبذل كل الوسائل والإمكانيات من أجل “شحن ذاكرة العالم” بتفاصيلها سواء بالكلمة المكتوبة أو بالصورة وغيرها من الوسائل كما تعمل من أجل استمرار صورة الضحية. وتلاحق إسرائيل كلّ من يحاول من المؤرخين مراجعة الرواية الإسرائيلية والتشكيك في تفاصيلها أو من البعض من وقائعها.
أما الذين يشكّكون في المحرقة فيحاربون ويحاصرون بل ويحاكمون مثل ما حصل مع روجيه غارودي، ونورمان فنكلشتاين “المؤرخ وعالم الاجتماع الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة نيويورك، واليهودي سليل أسرة ناجية من المحرقة” حاليا، وروث بتينا بيرن “المؤرخة الكندية، والباحثة المسؤولة عن ملفات الجرائم بحقّ الإنسانية في وزارة العدل الكندية”.
لقد أفلحت إسرائيل والدوائر الصهيونية المرتبطة بها قبل سنتين، وبعد تواتر المراجعات العلمية التاريخية في الغرب حول “المحرقة” من دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة باستصدار قرار لإحياء ذكرى محرقة اليهود “الجلسة العامة رقم 42 بتاريخ 1 نوفمبر 2005 كما أصدرت قرارا آخر يجرّم “إنكار محرقة اليهود” “الجلسة 85 بتاريخ 26 جانفي 2007” وتبني أو قُلْ فرض مؤسسة الأمم المتحدة يوما دوليا سنويا لإحياء ذكرى ضحايا محرقة اليهود وذلك يوم 27 جانفي من كل عام. وبذلك اعتقدت الصهيونية، بأنها تمكنت من فرض روايتها حول تاريخ المحرقة على المؤرخين والباحثين وتجريم كل من يعاكس فهمها وتفسيرها للوثائق والحقائق!!.