“سوريا: خطوط إسرائيلية حمراء أمام المواقع الإيرانية”

أضيف بتاريخ: 22 - 11 - 2017

مركز دراسات الأمن القومي
أودي ديكل وتسفي مغين

في الأسبوع الماضي عقدت صفقة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن وقف إطلاق النار وإقامة مناطق تهدئة (عدم تصعيد) في الجنوب السوري. تتضمن التفاهمات بين القوتين العظميين السماح بانتشار القوات الإيرانية والمليشيات التي تسيطر عليها إيران في المنطقة القائمة بالنطاق الحدودي في هضبة الجولان، والتي أعلنت إسرائيل أنها لن توافق على التواجد الإيراني فيها. هذه هي المرة الثانية في منتصف العام المنصرم التي يتم الاتفاق فيها على صفقة بين القوتين العظميين بشأن مستقبل الجنوب السوري في الظاهر من وراء ظهر إسرائيل.

على هامش قمة APEC (مؤتمر التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ)، والتي انعقدت مؤخرًا في فيتنام، أعلنت كل من الولايات المتحدة وروسيا أنهما توصلتا إلى تفاهمات مع الأردن فيما يخص ترتيب منطقة التهدئة في الجنوب السوري طوال ستة أشهر مع إمكانية التمديد. مسؤول أمريكي أوضح ان هذه التفاهمات تضمنت إبعاد القوات الإيرانية وحزب الله والميليشيات الشيعية عن الحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان على مسافة 7 كم (على منحدرات جبل الشيخ باتجاه دمشق) وحتى 20 كم (وسط وجنوب هضبة الجولان)، كذلك تتضمن التفاهمات تأشيرًا على الخريطة لمنطقة عازلة مساحتها 5 كم بين قوات الثوار السوريين وبين القوات الإيرانية وحزب الله. وزير الإعلام الأردني محمد المومني أوضح ان المقاتلين غير السوريين – بمن فيهم رجال الميليشيات الإيرانية وميليشيات شيعية أخرى تعمل لصالح نظام بشار الأسد – لن يكون بإمكانهم العمل في الجنوب السوري، وفي مرحلة أكثر تقدمًا سيضطرون أيضًا إلى الخروج من الدولة.

خلال جولة المحادثات السابقة بين الولايات المتحدة وروسيا، والتي جرت في عمان (يوليو 2017)، عملت إسرائيل من وراء الكواليس، وطالبت بإبعاد القوات الإيرانية ووكلائها إلى مسافة تبلغ حتى 60 كم عن الحدود وإيجاد منطقة عازلة حتى سويداء (جبل الدروز) من الشرق وحتى دمشق من الشمال. الطلب الإسرائيلي استجيب له جزئيًا حينها، ودار الحديث حول إبعاد القوات الإيرانية لمسافة 20 – 30 كم عن الحدود الإسرائيلية. في جولتي المحادثات لم تحظَ مسألة التواجد الإيراني في سوريا عمومًا – بما في ذلك إقامة قواعد برية وبحرية وجوية إيرانية وبنى تحتية لإنتاج وتخزين الوسائل القتالية المتطورة – بأي اهتمام.

مسؤولون إسرائيليون أبدوا امتعاضهم في المقابل في ردهم على التقارير الواردة بشأن التفاهمات بين روسيا والولايات المتحدة في مسألة الجنوب السوري، وحسب قولهم فإن الاتفاق صيغ في خطوط عامة للغاية، وأكدوا على ان إسرائيل تعارض أي تواجد إيراني عسكري في سوريا بغض النظر عن مكانه. كما حذر متحدثون إسرائيليون من انه رغم تحسين الاتفاق إلى حد ما التفاهمات السابقة بين روسيا والولايات المتحدة، إلا أنه ما يزال لا يستجيب للمصالح الأمنية الإسرائيلية في سوريا. من هنا فإن إسرائيل ليست ملزمة به وأنها ستواصل إبقاء الخطوط الحمراء التي حددتها؛ هكذا أجمل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو القول “أوضحت لأصدقائنا في واشنطن وموسكو أننا سنتحرك في سوريا – بما في ذلك الجنوب السوري – بما يتناسب مع فهمنا واحتياجاتنا الأمنية. سياسة إسرائيل الأمنية تمثل الجمع الصحيح بين الصلابة والمسؤولية”.

الرد الروسي لم يتأخر؛ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف صرح بأن الاتفاق لا يتضمن وعدًا روسيًا بالانسحاب الإيراني أو انسحاب القوات الموالية لإيران من سوريا، وأن التواجد الإيراني في سوريا هو تواجد شرعي لأنها استدعيت من قبل نظام الحكم الرسمي والشرعي في سوريا، أريد من التصريح الروسي تهدئة حليفتها إيران والتوضيح بأن روسيا تهتم بمصالحها.

من منظور عام في قلب السياسة الروسية فهم بأن حكم الأسد يقف في مهب الريح، وأنه لن يصمد دون الدعم الإيراني العسكري وحزب الله والميليشيات الشيعية التي تتلقى الأوامر من إيران؛ فهؤلاء يقومون بالعمل القذر على الأرض لصالح الأسد، وكذلك لصالح روسيا. من جهة إيران فدورها المستقبلي في سوريا واضح: الأسد أو أي قائد علوي سيرثه سيحكم سوريا فقط في حال الارتباط التام بها، في مسألة هوية القائد والبناء السلطوي تسود خلافات بين الحلفاء، فإيران تقاتل من أجل إبقاء الأسد في الحكم، وهذا أمر لا يمكن ان ننسبه إلى روسيا التي كانت مستعدة لإزاحته عن سدة الحكم في حال وجود بديل مفضل. بخصوص تصميم بناء نظام الحكم، تقدر روسيا بأن بناءً فيدراليًا في سوريا هو الأمر الأكثر قابلية للتطبيق، بينما إيران معنية بحكم مركزي علوي قوي يخضع لسلطانها.

السياسة الروسية في الشرق الأوسط يقودها أيضًا الاهتمام بدفع العلاقات مع دول أخرى في المنطقة، وعلى رأسها تركيا والعربية السعودية والأردن وإسرائيل، وليس صدفة ان هذه الدول لم تكن سعيدة بإعلان وزير الخارجية الروسي بشأن التوجه لإخراج القوات الإيرانية والميليشيات المدعومة من قبل إيران من سوريا. من هنا، فإن هذا التصريح من ناحية روسيا أريد منه خدمة مصلحة أهميتها تفوق الرغبة بمجرد تهدئة مخاوف عواصم مختلفة في الشرق الأوسط. يحتمل ان روسيا معنية بوضع تحدٍ أمام الولايات المتحدة من خلال قضية موقف إيران في سوريا من أجل ممارسة الضغط على واشنطن في قضايا أخرى مطروحة على جدول الأعمال بينهما، ويحتمل أيضًا ان موسكو – التي تميل إلى اعتماد نظرية المؤامرة في الأحداث – تفسر التعقيدات السياسية التي تمر بها العربية السعودية ولبنان كعملية موجهة من قبل واشنطن مضمونها المساس بمكانة روسيا في الشرق الأوسط.

على خلاف روسيا وإيران، ليس للولايات المتحدة في ظل حكم ترامب استراتيجية متبلورة فيما يخص الوضع الحالي في سوريا ومستقبل الدولة. المهمة الأساسية في سوريا كما حددها الرئيس ترامب مثل سلفه الرئيس باراك أوباما هي القضاء على “الدولة الإسلامية”، المهمة توشك ان تتم، لكن ليس هناك قرار بالنسبة لطريقة السيطرة أو نقل المناطق التي حررت من قبضتها، وكذلك الامر أيضًا بالنسبة لمسألة توقيت إخلاء الولايات المتحدة الآلاف من جنودها المتواجدين في المناطق المحررة. رغم فهم واشنطن (والتي انعكست بشكل واضح في خطاب ترامب حول الاتفاق النووي في أكتوبر 2017) ان إيران هي عامل رئيسي في عدم الاستقرار في المنطقة؛ فليس هناك برنامج أمريكي محدد تجاه التواجد الإيراني في سوريا. يصعب التوقع ان تدخل الولايات المتحدة في مغامرة عسكرية باسم محاربة التواجد الإيراني في سوريا على ضوء العبر المؤلمة في العراق وأفغانستان.

رغم ان الطريق إلى انتهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في سوريا ما تزال طويلة، لكن يبدو ان إيران هي المنتصر الأكبر. الولايات المتحدة وروسيا قدمتا لها على طبق من فضة السيطرة والنفوذ في سوريا، وفي هذه المرحلة لا ترغبان بمواجهتها، الآن هي تعمل بهدف إحكام قبضتها في سوريا على المدى الزمني البعيد من خلال إقامة قواعد ومعسكرات لوكلائها وبنى لإنتاج وتحزين الوسائل القتالية؛ بل ان إيران في الفترة الأخيرة شرعت في تجنيد مواطنين سوريين، وسيما الشيعة منهم، في الميليشيا الجديدة التي تقيمها على نمط حزب الله، هذه القوة قد تنضم إلى الجيش السوري وتخضع للرئيس الأسد، وبالتالي يموه إلى حد ما انتسابها لإيران التي من جانبها تستطيع الحفاظ على البؤرة الشيعية المقاتلة في سوريا وتطويرها، حتى في حال سيناريو ترتيب مستقبلي يتضمن إخلاء القوات الأجنبية عن أرض الدولة. هدف آخر لإيران هو تحدي إسرائيل في هضبة الجولان بعيدًا عن المواقع النووية في أراضيها ومن خلال وكلاء، وليس من خلال القوات الإيرانية النظامية.

إسرائيل – التي حرصت أن تجلس فوق الحائط وألا تتدخل فيما يدور في سوريا منذ العام 2011 – تحركت فقط في حال تشكل عليها تهديدًا حقيقيًا، النتيجة هي غياب النفوذ الإسرائيلي في الحرب الحالية على تصميم وجهة سوريا وإهمال الساحة لصالح تعزز النفوذ الإيراني وتواجدها في سوريا. فقط عندما فهمت إسرائيل بأنها غطت في نومها خلال نوبة الحراسة أفاقت ووضعت الخطوط الحمراء التي يستلزم تجاوزها ردًا عسكريًا. الخطوط الحمراء لا تعبر فقط عن مسافة مادية جغرافية من الحدود، وإنما مجموعة من الشروط المادية والقدرات العسكرية المتطورة والنوعية وظروف التمركز الإيراني، وسيما من خلال وكلائها في الجنوب السوري التي يعتبر تجمعهم تهديدًا تجاه إسرائيل وسيتوجب عملية عسكرية مضادة.

عليه، فالغموض في تحديد الخطوط الحمراء دون تفصيلها من شأنه ان يمكن إسرائيل مرونة ما في الرد. تمتلك إسرائيل خيارين اثنين؛ أولهما: تقديم موقف واضح بشأن ما تتضمنه الخطوط الحمراء، على سبيل المثال: بنى إيرانية لإنتاج وتركيب وتخزين الوسائل القتالية في جميع أنحاء سوريا، والتي مفادها بالفعل تهديد حقيقي لإسرائيل والتواجد الإيراني في سوريا، الذي سيكون من الصعب فيما بعد استئصاله. وثانيهما: الإبقاء على الغموض وتحديد الخطوط الحمراء من خلال الأفعال لا الأقوال، بمعنى استخدام القوة العسكرية بما يتناسب وتقديرها للتهديد. في هذا الوضع لا تتعهد إسرائيل مسبقًا بخصوص تحركها وتخلق مستوى عالي من عدم التأكد في الجانب الإيراني. في المقابل فهذا الغموض قد يحفز إيران لمحاولة وقياس الرد الإسرائيلي من خلال اتخاذ خطوات تدريجية ومتتالية مغزاها عملية تحتمل التصعيد الذي يكون من الصعب التحكم بمستوياته.

يبدو انه اقترب اليوم الذي يكون مطلوبًا من إسرائيل فيه ان تشمر عن ساعديها وتلطخ يديها بما يدور في سوريا إذا ارادت ان تكبح جماح تأثير وتواجد إيران في هذا البلد. إسرائيل لديها القوة المحتملة لتدمير المشروع الروسي – الإيراني في سوريا وأن تصيب بشدة مساند نظام الأسد. عليها ان تلوح بهذه الورقة، لكن الاحتفاظ بها لوضع تتعقد فيه الأمور أو حين لم يكبح زخم السيطرة الإيرانية في سوريا. على إسرائيل ان تظهر الإصرار في المطالبة بإبعاد القوات الإيرانية والميليشيات الشيعية الخاضعة لسيطرتها عن هضبة الجولان، وكذلك منع إقامة بنى عسكرية إيرانية في سوريا تدعم تقوية نظام الأسد وكذلك تسربها إلى الساحة اللبنانية. الولايات المتحدة وروسيا بالتأكيد لن تقوما بالعمل نيابة عن إسرائيل، رغم ان الرئيس ترامب سيعطي إسرائيل الضوء الاخضر لتتحرك حسب فهمها بكل قوة تختارها؛ إلا انه لن يفرش لها بالضرورة شبكة أمنية في حال التورط، لذلك عليها ان تكون مستعدة ان تتحرك وتتجهز للتصعيد وأن تعد بشكل صحيح لانعكاسات تحركها.

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها.