النموذج الصيني في الاصلاحات الاشتراكية ومقاومة الفساد ذبابا ونمورا

أضيف بتاريخ: 18 - 10 - 2017

ينطلق اليوم 18 أكتوبر 2017 المؤتمر 19للحزب الشيوعي الصيني تحت عنوان عريض حسبما فهمنا من العدد 86 لنشرة الصين بعيون عربية هو مستقبل الصين والعالم. المؤتمر الذي ينعقد في بيكين استثنائي بكل المقاييس على ما رشح من معلومات من وكالة الأنباء الصينية شينخوا ومختلف وسائل الإعلام الصينية الناطقة باللغة العربية.
إن أكثر ما لفتنا على مراحل إعداد هذا المؤتمر هو حث الرئيس الصيني شي على فهم عميق للماركسية على اعتبار ان جمهورية الصين الشعبية بصدد التقدم خطوة خطوة وأقرب فاقرب إلى الأهداف المئوية التي رسمتها في المؤتمر السابق. يحضرنا هنا حديث الأمين العام للحزب الرئيس شي  جينبينغ  سنة 2013 حول إنتقال الصين من دولة نامية إلى دولة عظمى ومحاربة الفساد في الإدارة وفي الحكم في الحزب وفي الدولة من القمة إلى القاعدة بما يشمل الذباب الصغير والنمور أي القيادات العليا، بما يتناغم مع الطبيعة الوطنية الصارمة والصلبة للصين بعد 96 سنة على تأسيس الحزب طبقا لما أوردته صحيفة الشعب العريقة.
ترتكز العقيدة الاستراتيجية للصينيين كما هو مكتوب في مطار عاصمتهم بالارتقاء إلى درجة المساهمة في حكم العالم سنة 2035. ولقد توضحت تلك العقيدة الاستراتيجية أكثر في خطاب الرئيس الصيني الأخير في الأمم المتحدة عندما أوضح نضال الصين من أجل عالم متوازن مبني على الشراكة متعدد القطبيات يقاوم الهيمنة على الشعوب والدول. وكما هو معروف، تحتل الصين المرتبة الأولى عالميا من حيث عدد السكان وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم وثالث دولة بالمساحة وهي بلد عضو قار وله حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي. فضلا عن ذلك كله، للصين أكبر مشروع اقتصادي في هذا القرن هو مشروع مبادرة الحزام والطريق الذي انضمت إليه حتى الآن 60 دولة. هي دولة صاحبة حضور كبير مضاد للعولمة المتوحشة والامبريالية العالمية ومؤسس لعدة مبادرات تشكل بديلا قويا للبنوك الدولية والمجالس الاقتصادية الكبرى في العالم ومنها آسيان وتشانغهاي وبريكس… ونوجز كل ذلك في البنك الآسيوي للتنمية دون أن نذهب بداهة نحو الأوهام الايديولوجية المثالية. هي تعاني من تهديدات كبرى أمريكية بالأساس في افريقيا وفي الشرق الأوسط وفي بحر الصين الجنوبي والشرقي…الخ.  وهي محاصرة بعديد النزاعات والتوترات الدولية والإقليمية على حدودها وعلى الحدود الدولية وتنشر الألغام في طريقها في كل مكان حيث انها العدو الأول الذي خلقته الولايات المتحدة لنفسها. بالمقابل تعمل بجد يثير الاعجاب بخطط علمية عملية على مزيد التطور والجذب ومزيد الارتقاء بمناطقها الغربية إلى مستوى الشرقية وتحافظ على تطلعاتها العالمية السلمية وتصعدها بديبلوماسية ناعمة وذكية وهادئة تعاونية غير استتباعية وغير ناهبة. ولعل أكبر تجليات ذلك عقيدتها الدفاعية العسكرية وغير العسكرية ونوعية دفاعها وتحالفاتها وشراكاتها.
تؤمن الصين الشعبية بمبدأ العدالة النسبية وبعدم ترك مجال للفجوات الإنمائية، وعلى هذا الأساس تحوكم ادارتها للشؤون الحيوية لمليار و300 ألف نسمة.  وهكذا تسير على مبادىء الاشتراكية بخصائص صينية وتعد من أول دول العالم من حيث القضاء على الفساد. ومن أفضل دول العالم من حيث الوجهة الاقتصادية والشراكات الاستراتيجية بل تملك سياسة خاصة ونظرة خاصة للدول الافريقية وللدول العربية حسبما أكده لنا عدة مرات باحثون كبار من لبنان وسوريا وإيران، نظرة أساسها الاحترام والمصداقية ومد اليد لتعاون سليم متكافىء وسيادي حر واختياري.
نورد هنا مقتطفا مهما جدا للرئيس الصيني حول إضفاء الطابع الصيني على الماركسية كفلسفة حكم واقتصاد وكعلم قيادة وتخطيط وكاستراتيجية جيوسياسية وجيواقتصادية. يقول: “اذا انحرفنا عن الماركسية أو تخلينا عنها، فسوف يفقد حزبنا روحه واتجاهه. وفيما يتعلق بالقضية الأساسية الخاصة بالتمسك بالدور التوجيهي للماركسية، يجب أن نحافظ دائما على عزم ثابت وألا نتردد في ذلك في أي وقت وتحت أي ظروف”. هذا ويدعو إلى بإتمام الإصلاحات الكبرى الخاصة بالاشتراكية الصينية التي يسميها بعض المفكرين مثل طوني ناغري شيوعية رأس مال، ومزيد دراسة الرأسمالية المعاصرة جوهرا وانماطا.
يتمثل الهدف المءوي الأول للصين في تحقيق مجتمع رغيد من جميع النواحي بحلول سنة 2020.  فيما يتمثل الهدف الثاني في بلوغ دولة اشتراكية حديثة وقوية ومزدهرة وديمقراطية ومتطورة ومتناغمة بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين بالتزامن مع مئوية تأسيس جمهورية الصين الشعبية. ويقوم النهج الشامل للتقدم الاقتصادي والايكولوجي على الإصلاح الشامل والحكومة الصارمة من حيث خفض الطاقة الفائضة وازالة النفايات والتلوث ومحاربة الفقر علاوة على الإصلاحات القضائية والضريبية والعسكرية والتعليمية. ومن أجل ذلك تأسست الاكاديمية الصينية للحكومة. وتم إلغاء سلطة التفويض الإداري وخفضها إلى الأجهزة الدنيا لتبسيط الحكم وتعميمه على المقاطعات ذاتية الحكم وعلى كل الشرائح وخاصة أعضاء الحزب الذين يقدرون ب 90 مليون.
نورد فيما يلي ما جاء في النشرة الأخيرة للصين بعيون عربية التي ذكرناها في البداية مضافا إليها وكالة يونيوز للانباء:

“استبق الحزب الشيوعي الحاكم في الصين انعقاد مؤتمره الـ 19 بالإعلان عن معاقبة 1.343.000 مسؤول متورط في قضايا فساد خلال السنوات الخمس الماضية. وقالت هيئة مكافحة الفساد بالحزب إن هذا العدد من المسؤولين عوقب في قضايا تتعلق بالفساد وسوء استخدام السلطة منذ انعقاد المؤتمر الوطني الـ 18 للحزب الشيوعي عام 2012 حتى نهاية جويلية الماضي. وأوضحت أن من بين المعاقبين 648 ألف مسؤول على مستوى القرى والبلديات، ونحو 38 من كبار المسؤولين بالوزارات والدوائر الحكومية. وذكرت الهيئة أنها تلقت 1.31 مليون شكوى بقضايا تتعلق بالرشاوى والفساد منذ مطلع العام الحالي، وأنها فتحت 260 ألف قضية، وما زالت تحقق في العديد منها”.
هذا وأصدرت السلطات أحكاما بالسجن المؤبد على كل من الرئيس السابق للمكتب الوطني للإحصاء وانغ باوان، ورئيس الحزب السابق في لويانغ بمقاطعة خنان تشن شو فنغ، وعمدة نينغ بو السابق بمقاطعة تشجيانغ ولو زي وي، وقد أدين هؤلاء بتلقي رشاوى تتجاوز قيمتها مئة مليون يوان (17.6 مليون دولار). وأقر الرئيس السابق للمكتب الوطني للإحصاء بتلقي رشى بقيمة 153 مليون يوان، وجرد من كافة مناصبه وحقوقه السياسية، وتمت مصادرة جميع أصوله الشخصية وسلمت للدولة. وعزل الحزب الشيوعي الصيني يوم 15 جويلية الماضي، سون جنغ تساي سكرتير الحزب بمدينة تشونغ تشينغ وعضو المكتب السياسي، وأخضعه للتحقيق في قضايا تتعلق بالفساد وانتهاك قواعد الانضباط. وفي أفريل الماضي كانت الهيئة العليا للرقابة والانضباط أعلنت أنه تمت معاقبة 85 ألف مسؤول خلال الربع الأول من العام الحالي، في إطار حملة لمكافحة الفساد أطلقها الرئيس شي جين بينغ عام 2013. هذا ويُذكر أن 415 ألفا تم سجنهم ومعاقبتهم في الصين العام الماضي، وذلك بسبب انتهاك قواعد الانضباط في الحزب وسوء استخدام السلطة.
وننهي هذا المقال بالإشارة إلى ان الحزب الشيوعي الصيني كان قد حدد المهالك الأربع أو مؤشرات التدهور الأربعة على انها الشكلية والبيروقراطية واللهث وراء المتعة والتبذير. هذا وسيبحث الحزب أيضا إلى جانب السياسات والأهداف موضوع تعديل دستوره نحو مزيد من الانضباط والفعالية.
صلاح الداودي