التقرير الدوري لمراكز الأبحاث الأمريكية

أضيف بتاريخ: 24 - 09 - 2017

نشرة دورية تصدر عن وحدة
“رصد النخب الفكرية”

في

مركز الدراسات الأميركية والعربية
                                                           

23/ أيلول – سبتمبر/‏ 2017     09/23/2017

المقدمة     
       تستمر جهود ملاحقة ومحاصرة الرئيس ترامب، قضائيا وفضائحيا، وهو يدفع الثمن عبر تآكل مساحة مناوراته وصلاحياته الدستورية. في ظل هذه الأجواء المشحونة قصد الأمم المتحدة للقاء قادة آخرين، علّه ينعم بقسط من الراحة من مآزقه الداخلية المتراكمة.
        سيتناول قسم التحليل خطاب ترامب أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، واستحداثه خطاب التهديد والوعيد لكل من كوريا الشمالية وايران، معززاً الشكوك بنواياه لانسحاب أحادي من التزامات الأتفاق النووي المبرم؛ والخيارات المتبقية له في رقعة مناورة ضيقة وتداعياتها على الساحة الدولية.

    
ملخص دراسات واصدارات مراكز الابحاث
ترامب في الأمم المتحدة
        اعتبر معهد المشروع الأميركي خطاب ترامب وادائه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأنه “واحد من أفضل ما قام به،” بخلاف المؤسسات البحثية والفكرية الأخرى. واستشهد المعهد بتقييم “شديد الإطراء والمديح” نشره أحد أقطاب المحافظين المتشددين، إيليوت آبرامز، متناولاٌ خلو الخطاب من “السردية الأميركية الثابتة في نشر الديموقراطية وحماية الحقوق الفردية؛” واستبدلها بترويج مفاهيم “السيادة والحفاظ على هيكل الدولة .. بالاتساق مع رؤيته لركائز النظام العالمي.” واستطرد المعهد بالقول أنه كان يتعين على الرئيس ترامب “تذكير جمهور المستمعين بالأسس التي أقيمت من أجلها الأمم المتحدة بغية تفادي الثغرات البنيوية التي اعترضت عصبة الأمم – أبرزها الرهان غير المبرر في القدرة التنظيمية والقيم العليا للدول على انفراد.”
http://www.aei.org/publication/trumps-un-speech-what-makes-america-first/

        اعتبر معهد كارنيغي مضمون خطاب ترامب في الأمم المتحدة بأنه “بداية تبلور رؤيته للسياسة الخارجية .. ودعم الولايات المتحدة الثابت لنشر الديموقراطية في الخارج؛ بل رمى للابتعاد عن إلزام أميركا الفاعل في تأييد نشر الديموقراطية على نطاق العالم، بخلاف ما أسسه الرئيس الأسبق رونالد ريغان والرؤساء المتعاقبين منذئذ.” واستدرك بالقول أنه وبالرغم من الأضرار التي ألحقها “الرئيس الجديد بنشر نموذج الديموقراطية الأميركية، فإن عناصرها الرئيسة لم يتم المساس بها، لا سيما بدعم المسارات الديموقراطية في دول تئن من ضغوط” تنامي المطالب الشعبية بالمشاركة وتوسيع مساحة الحريات. وأضاف معرباً عن اعتقاده بأن جذر السياسة الأميركية بدعم التوجهات الديموقراطية تعاني من ضغوط وتحديات شديدة، بيد إنه من السابق لأوانه شطب الدعم الأميركي الرئيس لنشر الديموقراطية على امتداد العالم.”
http://carnegieendowment.org/2017/09/06/democracy-promotion-under-trump-what-has-been-lost-what-remains-pub-73021

الأزمة الكورية
        استعرضت مؤسسة هاريتاج “خيارات أميركا غير المرغوبة” في تعاطيها مع كوريا الشمالية، أبرزها قناعتها بأنه “من المستبعد جداً إقدام كوريا الشمالية على الموافقة للتخلص من برامجها المتنامية في المجالات النووية والصواريخ الباليستية – أبداً.” وشككت المؤسسة في نجاعة الجهود والمحاولات الديبلوماسية لحضور بيونغ يانغ على طاولة المفاوضات “والبحث في جداول تجميد أو التخلص من برامجها النووية والصاروخية.” واستدركت بالقول ان الجهود الحالية الرامية لزيادة عزلتها الدولية تأتي بنتائج عكسية وتحثها على “التشبث بترسانتها من اسلحة الدمار الشامل .. وبوليصة تأمين على استمرارية نظامها أمام أعدائه المتصورين – كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.”
http://www.heritage.org/missile-defense/commentary/us-facing-unwelcome-facts-about-north-korea-nukes

        حث معهد كارنيغي دائرة صنع القرار السياسي على “القبول بالواقع الراهن” والتعامل مع كوريا الشمالية كدولة نووية، والإقلاع عن “الزخم الدعائي والتحريضي الرامي لحمل بيونغ يانغ التخلي عن أسلحتها النووية .. وما ينطوي عليها من ساسة الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية واليابان تبني سياسة أشد واقعية تستند الى عناصر الردع والاحتواء وآليات متعددة لإدارة الأزمة.” وشدد على أن الإقرار بذلك يمثل “الخطوة الأولى” باتجاه التوصل لحل يرضي جميع الأطراف.
http://carnegieendowment.org/2017/09/11/time-to-accept-reality-and-manage-nuclear-armed-north-korea-pub-73065

الإتفاق النووي
        إتهم معهد كاتو الرئيس ترامب التفوه “بإشارات مضللة” للعالم حول الإتفاق النووي حين قال “لا نستطيع الإلتزام بنص إتفاق إن كان سيوفر غطاءً (لإيران) المضي قدماً في برنامجها النووي .. الاتفاق بصراحة محرج للولايات المتحدة.” واعتبر ان التهديد “المبطن” في خطابه يؤشر على “نيته المعلنة بتقويض الاتفاق” في موعد المصادقة المقبل، منتصف الشهر المقبل. وعاتب المعهد الإدارة الأميركية “لإخفاقها في طرح بديل جدير بأخذه على محمل الجد .. وينبغي عليها الإدراك بأن أي خيارات سياسية خارج الإتفاق المبرم ستدفع إيران لانتاج قنبلة نووية بوتيرة أسرع.”
https://www.cato.org/publications/commentary/alternatives-iran-deal-carry-too-much-risk

معالم سياسة ترامب
        حث مركز الدرالسات الاستراتيجية والدولية الرئيس ترامب على التريث في بلورة “أولوياته في الشرق الأوسط .. والابتعاد عن التدخل في الأوضاع الداخلية” لدوله لا سيما وأن سياسة أسلافه من الرؤساء “لتحقيق سياسة استراتيجية بغض النظر عن تداعيات سياسة القمع التي غذت نزعات التطرف.” وأضاف أن مؤيدي ومناهضي سياسة ترامب الإقليميين، على السواء، يتشاطرون الرؤيا بأن “لإدارة ترامب سياسات متعددة خاصة بالشرق الأوسط دون رؤية استراتيجية ملموسة، مما يعمق المأزق لتعاون ألأفضل مع الولايات المتحدة.”
https://www.csis.org/analysis/power-and-strategy/?block4

        حذر معهد هدسون من “الافراط بالتفاؤل” لمستقبل الشرق الأوسط الذي تطور منسوب الصراعات فيه الى “سلسلة من النزاعات الحدودية ونشوب حروب أهلية بغيضة.” واستدرك بالقول ان “موازين القوى تحولت تحت وطأة حالة الفوضى، والتي قد تقود في المحصلة الى العودة لنقطة البداية في حروب متبادلة (مع إسرائيل)، لكنها سستخذ منحى السلاح النووي هذه المرة.” وأوضح ان القلق من ذاك السيناريو “دفع بإسرائيل إرسال وفود متعددة لموسكو وواشنطن” لحث الطرفين الأخذ بمصالحها بعين الإعتبار.
https://www.hudson.org/research/13880-regional-war-and-the-middle-east

الأزمة الخليجية  
        انتقد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بشدة ما أسماه التحالف العربي الذي “لا طائل منه وأضحى صيغة تدمر نفسها بنفسها .. بل اضحت صفة العربي مرادفة للتشرذم، مفككة الأداء تدمر ذاتها.” وشدد على أنه يتعين على قادة الخليج ومن والاهم الإقرار بعدم فعالية المطالبة بتشكيل “تحالفات متتالية .. التي تؤشر على فشل أداء القادة في التعاطي مع صراع بين الدول العربية لا يرسو على هدف محدد، بل تعزز آفاق عجز الأطراف على التعاون والتنسيق فيما بينها عندما يتطلب منها القيام بعمل مشترك.” واوضح ان مطالب “الفريق الرباعي المكون من البحرين ومصر والسعودية والإمارت لعزل وفرض حظر ومقاطعة لقطر” لم يؤتِ أكله بعد انقضاء “100 يوم على اصداره مطالبه العامة الثلاثة عشر …” واردف ان الرئيس ترامب “بعد إسهامه في إطلاق قرار الحظر المفروض (على قطر) بذل جهوداً حقيقية للتوسط” بين طرفي الأزمة التي “تتعمق باتهامات متبادلة لوجود كلاب مسعورة في الجامعة العربية.”
https://www.csis.org/analysis/bahrain-egypt-saudi-arabia-uae-and-qatar-100-days-pointless-arab-self-destructiveness-and

التحليل
ترامب يهدد بالإنسحاب من الاتفاق النووي
وايران تعرض صاروخاً باليستياً جديداً

        ارتباك في صميم صنع القرار السياسي الأميركي كان ماثلاً أمام قادة العالم هي خلاصة الانطباعات وردود الأفعال بعد خطاب الرئيس ترامب أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وحيرة ارتسمت على وجوه الكثيرين من حلفاء واشنطن وتوابعها في الأقليم.
        أغلبية المراقبين في واشنطن تعتقد أن خطاب ترامب تمت صياغته من أقرب مستشاريه المتطرفين، ممن لم يطالهم مقص الإقالة، ستيفن ميللر؛ طغت عليه مفردات الشطط والتشدد والمواجهة المقرون بخطاب اليمين الأميركي، وقطبه البارز من المحافظين الجدد.
لغة التصعيد والتهديد نالت كل من إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، بالدرجة الاولى، كمحطات تعزز ملامح “عقيدة ترامب؛” وكال الإتهامات التقليدية لسوريا وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ولم يأتِ بجديد في مواقف وتوجهات واشنطن نحوها. حقيقة الأمر ان مجمل تلك المواقف شكلت “عودة واعية،” وربما اضطرارية، لقوائم الخطاب السياسي للحزب الجمهوري للسياسة الخارجية وتشعباتها.
        ارتسمت على محيا الوفود الأجنبية الزائرة علامات الحيرة، كما نقلتها كاميرات شبكات التلفزة المتعددة، لمواقف ومفردات غاضبة وقاسية أعتقدوا أنها ذهبت أدراج الرياح مع غياب الرئيس الأسبق جورج بوش الإبن، ليس فيما يتعلق بالسياسة الخارجية لأمريكا فحسب، بل لإصرار واشنطن على ادراج بند “اصلاح هيكل الأمم المتحدة” وفق وصفتها الطبية، الذي لا يحظى بإجماع، كمنصة إنطلاق لتطويع القرار الأممي لمصلحتها.
        الخطاب الأول لترامب في الأمم المتحدة استمر لنحو 41 دقيقة، كان يرمي استنهاض جمهوره الأميركي بمفردات صيغت بعناية كبيرة: الإسراف في الحديث حول “منافع السيادة ومشاعر القومية والوطنية؛” وتدشين “عقيدة ترامب” الجديدة وعمادها تسديد أميركا ضربات وقائية لخصومها متى شاءت وتقديم تعهدات “لحرمان الدول المعادية والمارقة من اقتناء أسلحة دمار شامل.”
كما مر ترامب على محطات بارزة لتبرير ما كان يصبو إليه من حشد دعم دولي بقيادته. في البداية أعاد التذكير بأهمية قيادة واشنطن للنظام العالمي الراهن وصونها “للسلام والأمن العالميين” استناداَ إلى قوتها العسكرية. فضلاً عن “ترداد” السردية الرسمية بأن “الدول والنظم الاستبدادية تشكل تهديدا للقيم الأميركية؛” زاعماً بقوة أن بلاده “لم تطلب او تسعى للتوسع” على حساب أراضي الغير عقب الحرب العالمية الثانية.
        أما ملامسة ترامب للقانون الدولي بـ “احترام سيادة الدول،” بصرف النظر عن دحض إدعائه بسهولة، فقد لقي ترحيباً كبيراً وحاراً بين أوساط المحافظين و”الليبراليين الجدد” على السواء، لما ينطوي عليه من تبرئة غير مباشرة لخطط الغزو والعدوان لأسلافه. وما لبث ترامب أن انقلب على الفكرة عينها محبذاً “التدخل في إيران وكوريا الشمالية.”
        وسرعان ما لجأ ترامب لإرضاء غروره ومؤيديه بإعلانه توصله لقرار حول مصير الإتفاق النووي، لكنه يرجيء الإفصاح عنه لدواعي داخلية صرفة. وفي ذات السياق شن أشرس هجوم على رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، وتهديده “بتدمير بلاده بالكامل.”
البعض فسّر تصرف ترامب عند هذه المحطة بأنه كان يفي بوعوده الانتخابية للحفاظ على تماسك قاعدة مؤيديه؛ بل “تجسيد لتوجهات الثنائي (العقلانية نسبيا) نيكي هايلي وهيربرت ماكماستر السياسية،” المندوبة الدائمة في الأمم المتحدة ومستشار الأمن القومي، على التوالي.
يشار الى أن المندوبة هايلي أوضحت لجمهور معهد المشروع الأميركي، 5 أيلول الجاري، ان الإدارة الأميركية ستتخذ موقفاً حيادياً فيما يخص إحالة مصير الإتفاق الى الكونغرس – الذي سيتعين عليه اتخاذ إجراءات بمقاطعة مؤسسات تجارية “غير أميركية” لتعاملها مع إيران وما ينطوي على ذلك من معارضة شديدة من دول الإتحاد الاوروبي.
        عند مرور ترامب على الملف النووي سلطت بعض المحطات المرئية كاميراتها على “رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو” لتنقل ردة فعله مغتبطاً ومصفقاً بحماس، استرعت انتباه المراقبين والسياسيين على السواء كدليل على “تنسيق” وثيق بين الطرفين حول هذه المسألة بالذات.
        ما لم تلتفت إليه الكاميرات في سباقها الإعلامي هو ردة فعل مستشارة ترامب، كيلي آن كونوي، وهي جالسة ضمن الوفد الأميركي، لذكره مصطلح “سنضع حداً للتطرف الإسلامي الراديكالي،” إذ لجأت سريعاً الى “تويتر” قائلة “ها قد نطق بها،” لطمأنة فريق المشككين باتهام ترامب أنه “يتحاشى” ربط الإسلام بالتطرف.
فريق الغاء الإتفاق
        قبل توجه ترامب لمقر الأمم المتحدة إنبرى ما يربو على “70 مسؤولاً اوروبياً” بتقديم مذكرة يناشدون فيها الكونغرس والرئيس ترامب معاً “المصادقة على التزام إيران ببنود الإتفاق،” وفق ما رصدته يومية لوس أنجليس تايمز، 18 أيلول الجاري؛ وحثهما على “قبول أسرع طريق” مضمون لمنع انتشار الأسلحة النووية. وحذرت المذكرة الجانب الأميركي بأن “خيار عدم المصادقة سيضر بمصداقية الولايات المتحدة مع أوروبا.”
        من هي القوى والشخصيات المتضررة من الاتفاق النووي، سؤال بدأ يلمس جواباً حقيقياً قياساً مع المحرمات الأميركية السائدة بعدم التطرق “للعامل الاسرائيلي” ونفوذه في صياغة السياسة الخارجية الأميركية.
        انفردت يومية بوسطن غلوب من بين المؤسسات الإعلامية التقليدية بتوجيه سهام انتقاداتها الى “كلٍ من إسرائيل والسعودية” لتسخيرهما نفوذهما القوي لدى ترامب وترجيح كفة إلغاء الإتفاق من جانب واحد. وقالت إن “سلوكهما المتهور سيسفر عن إغرائنا بشن حرب على إيران استناداً لمصالحهما الضيقة.” (20 أيلول).
        تزامن تقرير الصحيفة أعلاه مع اتهام ضابط وكالة الإستخبارات المركزية السابق، فيليب جيرالدي، بنشره مقال لا تخطئه العين، 19 أيلول، حمل عنوان يهود أميركا يدفعونها للحرب، وتسميته لشخصيات لعبت أدواراً بارزة في “تحريض” إدارة الرئيس بوش على غزو واحتلال العراق، منها: ديفيد فروم، كندي المولد وكاتب خطابات الرئيس بوش الإبن؛ ماكس بوت، روسي المولد ويشغل منصباً رفيعاً في مجلس العلاقات الخارجية المرموق؛ ويليام كريستول، مؤسس ومحرر أسبوعية ويكلي ستاندرد المحافظة؛ بريت ستيفنز المعلق السابق في يومية وول ستريت جورنال وعضو صفحة الرأي في يومية  نيويورك تايمز.
        الفريق الرباعي المتشدد أعلاه أخفق في كافة المحاور التي تسلمها في عهد بوش الأبن، بل “كل فرد من أفراده يضمر كراهية شديدة للإتفاق النووي مع إيران، فضلاً عن سعيهم الحثيث للتحريض بشن هجوم عسكري على إيران.”
        جيرالدي، ضابط الإستخبارات السابق، لم يشأ حصر طاقم غلاة المتشددين بالاسماء الأربعة أعلاه، مضيفاً إليها عينة من أبرز أقطاب المحافظين الجدد، غالبيتهم من “اليهود،” والمؤسسات الفكرية والبحثية المرتبطة بذاك التيار؛ وخص بالذكر ديفيد ويرمسر، سويسري المولد، لخطورة نفوذه داخل المؤسسة الأميركية، إذ خدم كضابط استخبارات في سلاح البحرية الأميركية، وبعد خروجه عمل مستشاراً لشؤون الشرق الأوسط لدى نائب الرئيس الأسبق، ديك تشيني.
        واستطرد جيرالدي بالقول أنه على قناعة صارمة بأن حملات التحريض والتشدد ضد إيران مصدرها “اسرائيل ويهود أميركا .. بل إن معظم مشاعر الغضب في الكونغرس من إيران تأتي من تحريض المصدر عينه.”
        المذكرة الأوروبية سالفة الذكر حذرت الولايات المتحدة بشدة من أن “القيام بعمل أحادي الجانب من شأنه تعريض الإتفاق للخطر وسيكون خطأً جسيماً.” بالمقابل، حثت الأطراف الدولية الأخرى الموقعة على الإتفاق بذل ما تستطيع من جهود “لحماية الإتفاق في حال قررت الولايات المتحدة التراجع عنه ومناشدتها بالسبل العلنية والخاصة بأنها تغامر في الإضرار بمكانتها بين الدول إن لجأت لإعادة فرض عقوبات على إيران.”
مغامرة أم تلاعب ترامب
        معارضة ترامب للإتفاق النووي، من حيث المبدأ، قلّص مساحة المناورة لديه بوضعه نفسه أمام خيارين: تجديد الموافقة بالاتفاق وما ينطوي عليه من تعزيز لدور مؤسسة الرئاسة في إدارة الشؤون الخارجية؛ او السير بعكس الركب مما يتطلب منه التنازل عن صلاحيات الرئاسة بإحالة المسألة وقراراتها الى الكونغرس، لاتخاذ قراره في مدة زمنية أقصاها 60 يوماً.
        مهدت يومية واشنطن بوست لخيار المصادقة بالقول إن الإتفاق النووي مع ايران، المبرم عام 2015، شديد الشبه بالإتفاق الذي تم التفاوض عليه مع كوريا الشمالية عام 1994 فيما يخص “ولادته وتكوينه، ومبادئه والمعارضة السياسية التي واجهها” آنذاك.
وذكّرت الرئيس ترامب “بالأخطاء التي ارتكبتها إدارة الرئيس جورج بوش الإبن .. ووقوفها متفرجة أمام تجربة بيونغ يانغ النووية التي أجرتها عام 2006؛” وحثته على عدم تكرار التجربة التي ستفضي إلى عودة إيران بقوة ونشاط لإنتاج سلاح نووي دون قيود؛ بينما وافق البلدان على دخول المفتشين الدوليين لمنشآتهما النووية.
واستطردت بأن برنامجي البلدين مختلفين في العناصر والمكونات، إذ أن البرنامج الكوري الشمالي “يستند الى عنصر البلوتونيوم، بينما محور البرنامج الإيراني هو في تخصيب اليورانيوم باستخدام أجهزة الطرد المركزي.”
يتعين على الرئيس ترامب الإدراك أن بؤرة المسألة الشائكة في الملف النووي ليست التحقق من التزام الطرف الآخر، كما يشاع، بل وقوف قادة حزبه الجمهوري في الكونغرس “بقوة ضد تنفيذ الولايات المتحدة التزاماتها المنصوص عليها مع كوريا الشمالية” وإفشال الإتفاق المبرم معها عام 1994 “طمعاً في نزعة الثأر بالابقاء على عزلة بيونغ يانغ دولياً،” وفق تفسير الصحيفة.
عودة سريعة الى سجل إدارة الرئيس بوش الإبن تعيد للأذهان إعترافها الصريح والواضح في سعيها لإفشال الإتفاق، عن سبق إصرار وترصد. نائب وزير الخارجية آنذاك، جون بولتون، ممثلاً للفريق المعارض للإتفاق أوضح في مذكراته المنشورة بأنه وأقرانه كانوا يتطلعون لاستغلال الفرصة المناسبة للإطاحة به “وتمزيق إطار الإتفاق إرباً.”
تجدر الإشارة الى أن الرئيس ترامب “صادق مرتين” على التزام إيران بنصوص الإتفاق، وها هو يتحين الفرصة للإنقضاض عليه، مكرراً “خطيئة” بولتون السابقة، بخلاف تقارير الوكالة الدولية للطاقة النووية التي لا تنسجم مع ادعاءات الإدارة ومؤيديها.
القائد الأعلى الأسبق لحلف الناتو، ويسلي كلارك، وما يمثله من امتدادات ونفوذ كبير داخل المؤسسة العسكرية والاستخباراتية حذر الرئيس ترامب بشدة من قرع طبول الحرب مع إيران أو كوريا الشمالية، أو كلتيهما معاً، في مقابلة متلفزة لشبكة أم أس إن بي سي، 22 أيلول الجاري. وذكّره بأن سلفه جورج بوش الإبن سار على ذات المنهج التدميري الراهن، في حالة العراق، وبدء “بإطلاقه الأوصاف الرديئة، للحط من قدر وإذلال الخصم .. (كما أن) الزخم الإعلامي الراهن يؤسس لشن حرب غير ضرورية. إن أحداً ما يتشوق لإشعال فتيل الحرب.”
على الرغم من سلسلة تحذيرات تُنذر الإدارة بعدم الوقوع في الهاوية، فإنها تقف عاجزة عن تحقيق إجماع داخلي بشأن اتخاذ قرار شن الحرب على أي من البلدين، خاصة لما نشر قبل أيام معدودة من “خطأ المراهنة” على ما تحتويه ترسانتها من نظم دفاعية ضد الصواريخ  إذ باتت “عاجزة عن التصدي وإسقاط الصواريخ الباليستية،” كما أقر بذلك أحد كبار الخبراء في الأسلحة النووية.
أما فيما يخص إيران فالمسألة تتخذ أبعاداً شديدة التعقيد للولايات المتحدة لخشيتها من تعرض ربيبتها “إسرائيل” لوابل من الصواريخ التي ليس بوسع بطاريات الباتريوت الأميركية ومشتقاتها التصدي لها، ناهيك عن فعالية إسقاطها قبل بلوغها أهدافها. أما التداعيات الجيوسياسية في الإقليم فهي مرشحة لتعريض الوجود الأميركي برمته للخطر؛ وتبقى مغامرة غير محسوبة العواقب رغم حماسة “المحافظين الجدد .. بلادنا ليست بحاجة لشن حرب على إيران لأن إسرائيل ترغب بذلك والفرح الغامر ليهود أميركا الأقوياء تلبية ذلك،” كما خلص الضابط السابق جيرالدي.