تحولات الميدان السوري ورقصة اردوغان على حبال موسكو وطهران

أضيف بتاريخ: 15 - 09 - 2017

– محمد صادق الحسيني –

لم يتحول بعد الى حمل وديع وهو الذي يخفي الكثير من اوراقه في ظهر الغيب الامريكي ..!
لكنه يبقى صاحب رقصة الهيلي هوب الشهيرة منذ انقلاب المشهدين الاقليمي والدولي على مشروعه الحلم باعادة انتاج عثمانية جديدة ..!
وحتى يكتب الله له امرا كان مفعولا فان خطوط سياسته الخارجية العريضة هي التالية :
اولا : كما كان هدف السياسه الخارجيه التركيه ، عند بداية مرحلة الفوضى الصهيواميركيه في المنطقة العربيه ، يتمثل في مشروعهم القاضي الى تحويل تركيا الى دولة اقليميه ذات تأثير استراتيجي في السياسات الدولية ، فان الهدف لا يزال هو نفسه ولم يطرأ عليه اي تغيير جوهري وما تغير هو الوسائل والأدوات ،التي يعتقد الساسه الأتراك وعلى رأسهم الثعلب المراوغ اردوغان انها تحقق لهم اهدافهم بشكل افضل .
اي ان جوهر السياسه التركيه لا يزال على حاله.
ثانيا : اما السبب الرئيسي في ما نشهده من تحولات اضطراريه في السياسة الخارجيه التركيه إنما يعود الى قناعة اردوغان بوصول مشروع سيده الاميركي ، في المنطقه العربيه بشكل عام وفي سورية بشكل خاص ، ليس فقط الى طريق مسدود وإنما الى الانهيار الشامل نتيجة لانجازات محور المقاومه البطولية في مواجهته.
ثالثا : توصل اردوغان وحزبه الى قناعة مفادها الى ان الاستمرار في سياسة المواجهه المفتوحة مع محور المقاومه المنتصر تكتيكيا واستراتيجيا لن تقود الى أية نتيجة ولا تحمل اي فرص لتكريس دور تركيا كدولة محورية في خدمة مصالح الدول الاستعماريه وحلفها العدواني المسمى بالناتو ، خاصة بعد توقيع الاتفاق النووي الايراني والانتصارات الواسعه التي حققتها قوات الحلف على مدار العامين الماضيين .
رابعا : ومن بين الأسباب التي أدت الى ما نشهده في المتغيرات المتلاحقة في سياسة تركيا الخارجيه هي الهزائم المتلاحقة والسريعة التي يشهدها داعش في الميدان العراقي والسوري بشكل لافت وشروع الدوائر الصهيواميركيه في في تنفيذ مشروعها الجديد لاستنزاف محور المقاومه ومعه روسيا وذلك من خلال نقل المعركة مع الظهير القوي للحلف اي الى حدود الجمهوريه الاسلامية الايرانيه وذلك من خلال إقامة كيان معادي لحلف المقاومة وصديق للعدو الصهيوني في كردستان العراق وشبه دولة في شمال سورية ما سيشكل عملياً تهديداً وجودياً للدولة التركية .
خامسا : كما ان من بين الأسباب ، التي قادت الساسه الأتراك الى احداث المتغيرات التي نلاحظها في سياستها الخارجية ، الخلافات التي تشهد تصاعدا مستمرا بين الاتحاد الاوروبي وتركيا واستحالة حصول اي تقدم في موضوع انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي وكذلك الموقف الاميركي الداعم لاكراد الشمال السوري حتى وان اعلن خلاف ذلك.
اي خشية تركيا من تحول شمال العراق وسورية الى قاعدة تدريب وامداد وتزويد لقوات حزب العمال الكردستاني التي تقاتل الجيش التركي منذ عقود وتعتبرها انقرة التحدي الاكبر .
سادسا : وفي ظل العوامل المشار اليها أعلاه وفي ظل التعاظم المستمر للدور الايراني في المنطقة والعالم ، ذلك الدور ، الذي يعتبره اردوغان ثاني اكبر منافس لدور تركيا بعد الدور الروسي ، وغير ذلك من العوامل فقد اتجهت السياسات التركيه الى البحث عن سبل لفك العزلة التي بدأت تعاني منها ، خاصة في السنتين الحاليّه والماضيه. اذ قام الرئيس التركي بإعادة ربط ما قطعه من علاقات مع روسيا وأرسل رئيس وزراءه الى بغداد وأبدى مرونة كبيرة في التعامل مع موضوع الوجود العسكري التركي في شمال العراق كما بدا التنسيق مع كل من روسيا وإيران في الموضوع السوري باتجاه الموافقه على السيناريوهات الروسيه الايرانيه المتعلقه بالحل في سورية رغم كونها متطابقه مع توجهات الدوله السوريه ورئيسها الذي بقي صامداً بوجه كل مشاريع الحرب العالمية المتوحشة ضد محور المقاومه منذ العام ٢٠١١.
سابعا : وضمن محاولات الرئيس التركي الراميه الى إيجاد دور سياسي اضافي لتركيا في التعامل مع أزمات المنطقه اقدم على خطوة لتعزيز الانطباع لدى الجهات المعنيه ، الروسيه والايرانية والامريكيه والاوروبيه ، بان تركيا تتخذ خطوات ذات بعد استراتيجي ستقودها الى الانفكاك من عبوديتها لحلف الناتو من خلال التوجه شرقا سياسيا وعسكريا.
من هنا كانت خطوة قيامها بتوقيع اتفاقية شراء عدد من بطاريات الصواريخ المضاده للطائرات من طراز آس ٤٠٠ كما حاولت الحصول على امتياز لإنتاج هذا السلاح في تركيا غير ان الحكومة الروسيه رفضت هذا الاقتراح لأسباب عديدة .
ثامنا : في هذه الاثناء فان متابعين جديين يعتقدون بان الظروف الموضوعيه والذاتية لأردوغان ولتركيا كدوله لا تساعد على حدوث تغييرات جذريه في الاستراتيجيه التركيه . وذلك لان الوضعين السياسي والاقتصادي للدولة التركية لا يسمحان لأردوغان بفك ارتباطه بالغرب والتوجه شرقا بشكل قاطع وفاضح . وهذا ما يعرفه الرئيس التركي جيدا .
وعليه فإننا نرى في صفقة الاس ٤٠٠ ليس اكثر من مناورة نجح اردوغان من خلالها في الحصول على سلاح روسي متطور لن يستعمل قطعا في إسقاط الطائرات الامريكيه او الاسرائيليه وإنما في إسقاط الطائرات الايرانيه او منعها من احداث تفوق نوعي عليه في حال حدوث اي نزاع مسلح مع جارته اللدودة في المستقبل. آخذين بعين الاعتبار بان تركيا ترى في ايران منافسا خطرا في المنطقة العربيه على الرغم من حالة الاستقطاب والعداء التي تفتعلها الانظمه العربيه العميله ضد ايران والتي تفرح انقرة البتة
.ومما يؤكد هذه المعلومات هو قرار اردوغان بعدم دمج منظومات الاس ٤٠٠ في أنظمة الدفاع الجوي التابعة لحلف الناتو في تركيا . اي الاحتفاظ بحق استخدام هذه الانظمه للدولة التركيه فقط. ما يعني ان هذه الخطوه ليست الا جزءا من الاستعدادات الأردوغانية لأي مواجهة مع ايران.
تاسعا : لذلك فإننا نقول ان التوجهات الجديده في سياسات اردوغان تجاه الازمه السوريه ، والتي من بينها توافقه مع الجانب الروسي والايراني على إيجاد صيغة مناسبه لحل مشكلة أدلب وإخراج القوات التركيه من الشمال السوري ، عند نقطة ما في مسار معالجة الازمه السوريه ، وتسليم كافة مناطق الشمال للجيش السوري ، ليست سوى إجراءات اضطر للموافقة عليها لابعاد خطر ارتدادات هزيمة داعش على الداخل التركي . وبالتالي هي ليست نتيجة تغير استراتيجي في الاهداف التركيه.
سيستمر اردوغان في المناورة حتى يتأكد من مدى عمق التغير في السياسه الخارجيه الاميركيه وفيما اذاكانت هجرة المغامر الامريكي الى بحرالصين ماضية قدما وان الاهتمام الاميركي ب”الشرق الاوسط “سيتراجع بالفعل مما يعزز الدور الروسي في هذا الجزء من العالم ام لا ؟
فاذا ما تاكدت حقيقة الرحيل الاميركي شرقا فان سياسات اردوغان قد تشهد اعادة تقييم استراتيجي بهدف وضع الأسس لتعميق شراكة تركيا مع دول الحلف المعادي للاستعمار من خلال منظمة شنغهاي للتعاون ومن خلال تعميق التنسيق العسكري مع روسيا في عدة محطات.
وعندها سنرى اذا ما كان سيد البيت الأبيض سيتحمل اردوغان او سيقرر التخلص منه واستبداله بمن هو اقدر على صيانة الامانة – الناتو.