حول التعديل الحكوموي: “التكنوقراط أكبر قطاع الطرق” والحزبيون “موظفو أزمات”

أضيف بتاريخ: 23 - 08 - 2017

سواء قال ذلك ادواردو غاليانو منذ سبعينيات القرن الماضي أو قاله آخر اقتصادي متبن لرؤية نزع الاستعمار وتحرير طاقات الشعوب وبناء دول الاقتصاديات المقاومة، لا دليل على وجاهة ذلك سوى النماذج: دول البريكس من جهة والدول الأكثر اجتماعية ونجاح اقتصادي وسياسي شامل مهما كان تنسببنا وهي العشر الأول في العالم، ونعني السويد واستراليا وفلندا ونيوزيلاندا وايسلاندا والدنمارك وكندا وهولندا والنتائج…، على سبيل استلهام تفصيل هنا او هناك يساعد على النهوض وليس على سبيل المقارنة العمياء. اما إذا أردنا المقارنة بتقارير صندوق النقد الدولي في بنية الاستعمار الجماعي للمغرب العربي، فتقول ان المغرب وموريتانيا، بمقاييسهم هم عبيده الذين يحكموننا، أفضل من الجزائر وتونس.

لا شك ان كل حكومات تونس ما بعد 2011 تعمل تحت غطاء التوجيه الاستعماري للصناديق الدولية وللدول الراعية للانتقال بإسم الاصلاحات – المفاسد الكبرى. وتخضع صراحة لشروط هذا الانتقال (الحق الذي يخفي مزيدا من التبعية) بما في ذلك مقاومة الفساد (الحق الذي يخفي مزيد ترسيخ سلطة أحزاب الإدارة السياسية لمصالح رأس المال المدار من طرف خلايا النهب المحلي والاجنبي وهو وجهة مرسومة أمريكيا منذ 2003 تأتي بعد تغيير الأنظمة مهما كانت صيغة التغيير).

لا خلاف الآن أيضا حول وهم توقع تغيير النظام الإقتصادي بدل مجرد الترقيعات بكل صيغ التبديل والتحوير والاسقاط وإعادة التركيب حيث لا تصويب ولا تطوير ولا مجرد إنتقال في الدرجة على الأقل دون قصد تغيير في الطبيعة. وفوق ذلك لا واقعية في تأمل أي هيكلية بديلة عن التشكيلات والصيغ البالية الائتلافية و غير الائتلافية التي تقوم على وضع موظفين اسميين في مكاتب وزارية تفرع شؤون الحكم إلى اقتسام شكلي لقطاعات الإقتصاد والأمن والبيئة والرياضة…الخ.

لا ضرورة هنا للتذكير بالمؤشرات الاقتصادية فوق السلبية المتعلقة بالأساس بالارتهان شبه الارادي في جزء منه لإرادة وخطط واستراتيجيات الاستعمار والخلل العميق الناجم عن ذلك في الخيارات الاقتصادية الكبرى وبالتالي في إدارة الشؤون الاقتصادية والسياسات المالية. ولن نضيق هنا شيئا بتعديد آثار كل ذلك على قيمة الصرف واحتياطي العملة والتضخم والعجز الميزاني وتفاقم المديونية والترقيم السيادي (وبعض مؤسساته متهمة بالتحيل الدولي وفي حقها أمام القضاء قضايا تهم فساد لأنها بنت النظام الدولي الفاسد المتوحش)…الخ. وبناء عليه الأموال السائبة وسوء التصرف في المقدرات والممتلكات الجماعية المشاركة والعته الجيواقتصادي الذي يعكس تبعية جيوسياسية وعدمية جيواستراتيجية وشراء للاستعمار بدم التونسيين تجلى أكثر ما تجلى في تخيير وزير البيئة رؤية أوروبية شمالية مطبقة على وكيل جنوبي في شمال افريقيا بدل رؤية استراتيجية تدريجية مغاربية اتجاهها الشرق الكبير وافريقيا تنويعا دون تخل عن العلاقات القديمة وقفز على الصعوبات المكبلة الحالية المرتبطة بالاستعمار.

ليس علينا الآن التذكير بما رددناه لوقت طويل حول البدائل والمعالجات الحينية والإستراتيجية لأنها لا تطرح الآن واقعيا في إطار التغيير الحكومي المنتظر مهما كان اسمه وما سيأتي به، وليس علينا إعادة تحليل المسار الذي أوصلنا هذا الحد من التازم والتازيم والفشل والتخبط. ومع ذلك لا نرى أي أفق للتقدم دون استفتاء الشعب على الخيارات الاقتصادية والمالية الكبرى والحؤول دون مواصلة الشعوذة باسم التكنوقراط وباسم الحزبيين معا بل لا امل في الإنقاذ الاقتصادي في الحد الأدنى وحتى في إطار نفس النمط الحالي دون اختيار لوزراء عالمين عارفين من أصحاب الادمغة والخبرة والالتزام السياسي والأخلاقي بحكم التجربة والمواقف بالخط الوطني الاستقلالي الشعبي النازع نحو الإنماء والتطوير.
هذه هي إعادة الإعمار السياسي المأمول .

صلاح الداودي