الفيلم التركي الجديد… صراع في ادلب

أضيف بتاريخ: 23 - 07 - 2017

خاص مركز الدراسات / الاعلام الحربي المركزي

بقلم : ريزان حدو

أسال الاقتتال الذي تشهده إدلب ومناطق في ريفي حلب وحماه الشمالي والغربي بين هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة” وحركة أحرار الشام حبرا كثيرا” كما يقال، في محاولة لفهم أسبابه ودوافعه وصولا لاستقراء نتائجه.
فمنهم من عزى سبب الاشتباكات لقيام حركة أحرار الشام برفع “علم الثورة” على معبر باب الهوى وتواجد العلم في اللقاءات والتصريحات الأخيرة لقائد الحركة أبو عمار العمر، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك بقوله إن هذه الاشتباكات كانت منتظرة و متوقعة بسبب خلاف في الأجندات والمشاريع بين الجانبين.
ولكن بعد ست سنوات من الاحداث في سوريا أصبحت فرضية أن الداعمين يتحكمون بكل رصاصة تطلق من حيث الزمان والمكان هي نظرية مثبتة بالدليل والبرهان ولا يمكن دحضها، والتسليم بصحة هذه النظرية المثبتة يفسر سبب الاشتباكات في إدلب.
فالداعم لهيئة تحرير الشام ولحركة أحرار الشام واحد ( تركيا و قطر) وهذا أمر يدركه السوريون والعديد من أجهزة الاستخبارات الإقليمية والدولية الفاعلة والمهتمة بالشأن السوري. ويكفي أن نذكر بأن كل الاتفاقات والتفاهمات السياسية والعسكرية او تبادل الأسرى والمختطفين سوريين أو غير سوريين يكون أحد أطرافها أحرار الشام أو جبهة النصرة، كانت أنقرة والدوحة الطرف الوسيط والضامن لهما.
وإن كان تفسير اشتباكات الغوطة الدمشقية بين فيلق الرحمن وهيئة تحرير الشام من جهة (الداعم لهما تركيا وقطر) وجيش الإسلام (المدعوم سعوديا) من جهة أخرى امرا بسيطا لا يحتاج إلى جهد كثير لنسب هذه الاشتباكات إلى أنها تصفية حسابات، وصراع أجندات بين الداعمين، فإن الأمر قد يبدو معقدا لفهم أسباب اشتباكات إدلب بين فصيلين يجمعهما داعم واحد وبالتالي أجندة واحدة وسبق أن خاضا معا معارك تحت راية واحدة.

في محاولة لفهم ما يجري في إدلب دعونا نراجع بعض الأحداث التي جرت خلال الأيام القليلة الماضية:
1- الانشقاقات المتبادلة بشكل كبير وبسرعة قياسية بين الطرفين والتي كانت أغلبها لصالح هيئة تحرير الشام تشير إلى أن الأمر كان مخطط له.
2- انشقاق حركة نور الدين الزنكي عن هيئة تحرير الشام والعودة للعمل ككيان مستقل، ذلك الانشقاق الذي مر بسلاسة وهدوء دون ضجيج أو ردات فعل من قبل قيادة تحرير الشام وكأنها تبارك هذه الخطوة مما يوحي بأن هذه الخطوة خطوة متفق عليها بين أبو محمد الجولاني القائد العسكري للهيئة والشيخ توفيق شهاب الدين زعيم ومؤسس حركة نور الدين الزنكي، في محاولة لتحييد الزنكي عن أي تهم بالإرهاب تسهيلا لدورها المستقبلي كصلة وصل بين المجتمع الدولي وإمارة إدلب وريف حلب الغربي.
3- تبادل التهم بين حركة الزنكي وفيلق الشام في التقاعس عن إرسال قوات مشتركة من الفصيلين للفصل بين مقاتلي الهيئة والأحرار لوقف الاقتتال.
4- تحييد جبل شحشبو في ريف إدلب الجنوبي لأهميته الإستراتيجية بالنسبة لجبهة ريف حماه الشمالي والغربي، وتحييد بلدة بنش كونها خط جبهة مع بلدتي كفريا والفوعة.

إن مراجعة سريعة للأحداث التي شهدتها إدلب خلال الأيام القليلة الماضية تؤكد أن هذه الاشتباكات مضبوطة وكل طرف ينفذ الدور المطلوب منه في عرض مسرحي مخرجه وضابط إيقاعه هي الاستخبارات التركية والتي لا تمانع في سقوط قتلى وجرحى من الطرفين في سبيل إنجاح العرض للوصول إلى الغاية والأهداف المرجوة و لعل أبرزها:
1- الاستخبارات التركية تدرك جيدا أن إيقاف الحرب في سوريا وفقا للمعطيات الحالية سيؤدي إلى انتقال الحرب إلى الأراضي التركية، ولذا تحرص على إطالة الحرب السورية عبر تأمين معقلا للجماعات الجهادية في جبال ريف حلب الغربي وعفرين يقيهم من الضربات الجوية المتوقعة من الطيران الروسي والسوري أو حتى طائرات التحالف الدولي، في محاولة لاستنساخ تجربة تنظيم القاعدة في أفغانستان ( جبال تورابورا ).
2- بعد تكرار المحاولات الفاشلة من فصائل درع الفرات في تحقيق أي انتصار على الوحدات الكردية المتواجدة في عفرين وريف حلب الشمالي تسعى تركيا لشد أزر فصائل درع الفرات بمقاتلي هيئة تحرير الشام ( جبهة النصرة ) على تسليمها نقاط تماس مع الوحدات الكردية وتحديدا في مناطق دورة عزة وقلعة سمعان وجبل الشيخ بركات.
3- توجيه صفعة للجهود الدولية الرامية لتوسيع منطاق خفض التوتر، كرد فعل على تهميش الدور التركي والذي تجلى في توقيع اتفاقية الجنوب السوري في العاصمة الأردنية عمان واتفاقية الغوطة الدمشقية في العاصمة المصرية القاهرة، وذلك عبر توسيع مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام في إدلب وحلب والتذرع بأن تحرير الشام منظمة مارقة راديكالية، مما يعفي تركيا من أية مسؤولية كطرف ضامن في حال رفض قيادة الهيئة أي اتفاق مستقبلي مبني على مخرجات اجتماعات الآستانة باعتبار الهيئة قاطعت الاجتماعات التي لم توجه لها الدعوة أساسا.