ترامب يؤكد الثوابت الإستراتيجية الأمريكية ويتجه لتجرع كأس السم الأكبر

أضيف بتاريخ: 02 - 06 - 2017

محمد صادق الحسيني

عندما ينظر المرء الى الضجيج الإعلامي وما يرافقه من تصريحات للمسؤولين الأمريكيين ، التي تبدو متناقضة وعصية على الفهم ، يتهيأ للمرء ان إدارة ترامب الجديده تعاني من تخبط في خطابها السياسي ورؤيتها الاستراتيجيه عموما وتلك المتعلقة بالشرق الاوسط وبمنطق الأزمات الاخرى في العالم ، ابتداء بازمة القرن واوكرانيا ،مرورا بموضوع الاتفاق النووي مع ايران ،وصولا الى الغطرسه التي يمارسها الوحش الامبريالي الأميركي في منطقة شبه الجزيره الكوريه وبحر الصين الجنوبي.
ولكن حقيقة الامر ، اي جوهر السياسه الاميركيه المتعلقة بمناطق التوتر المشار اليها أعلاه ، هي ان الاستراتيجيه الامريكيه لم يطرأ عليها اي تغير على الإطلاق . اذ ان ثوابت السياسه الخارجيه الامريكيه التي كانت متبعة من قبل الادارات الامريكيه السابقه لا زالت على حالها تماما. علما ان هذه الثوابت او الأهداف الاستراتيجيه ( معنى الهدف الاستراتيجي هو : الهدف النهائي لكامل مسرح العمليات في كل أنحاء ميدان الصراع او الحرب والذي هو في هذه الحاله العالم بأسره ….. اي الهدف الذي يؤدي تحقيقه الى السيطرة الكامله على مسرح العمليات … اي النصر على العدو ) نقول ان تلك الأهداف تتمثل في ما يلي :
اولا : الحفاظ على امن القاعده العسكريه الامبرياليه المقامه على ارض فلسطين والمسماة اسرائيل ، كونها احدى اهم ادوات الاستعمار القديم والجديد في تفتيت العالم العربي والاسلامي وهدر امكانياته ومنعه من التطور والتنمية وبالتالي منعه من التحول الى كتلة دولية ولاعب أساسي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا .
ثانيا : السيطره على منابع النفط والغاز في المنطقه الممتدة من سواحل البحر الأبيض المتوسط الشرقية وصولا الى حدود الصين الغربيه . وذلك ليس لضمان تدفق النفط الى الدول الغربيه واستمرار نهب ثروات الدول المنتجه لهاتين المادتين الهامتين استراتيجيا ( اي على صعيد كامل مسرح العمليات الدولي ) وإنما لاستعمال مصادر الطاقه المذكوره في الصراع الدولي الحالي وفي صراع الولايات المتحدة القادم مع الصين. اذ ان الولايات المتحدة بشكل خاص والدول الغربيه بشكل عام تخشى من التطور الاقتصادي الهائل الذي تحققه الصين خاصة بِعد ان وصل حجم اقتصادها الى حجم الاقتصاد الأميركي مما يجعل من الصين ألقوه الاقتصاديه الاولى على صعيد العالم والتي لا يمكن منافستها على المستوى التجاري وذلك للعديد من الأسباب التي لا مجال لمعالجتها هنا .
ثالثا : المحافظة على التحالف السياسي والعسكري مع الدول العربيه الرجعية والعميله للاستعمار وذلك للحفاظ على القواعد الاميركيه والغربية الاخرى الموجودة في تلك الدول منذ خمسينيات القرن الماضي …. وخاصة في السعوديه وجنوب اليمن قبل التحرير وكذلك في ما اصبح يعرف بدولة الإمارات العربيه المتحدة قبل ان ” تستقل ” عن التاج البريطاني سنة ١٩٧١. تلك القواعد التي عادت الى مستوى نشاطها في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لا بل انها وسعت كثيرا من هذا النشاط بحيث أصبحت تستعمل للعدوان المباشر وشن الهجمات البريه والبحرية وأجوائه على العديد من الدول العربيه كما حصل في غزو العراق وفي حرب تموز ٢٠٠٦ ضد لبنان ، حيث قامت قيادة المنطقه الوسطى في الجيش الأميركي ( المسؤوله عن منطقة الشرق الاوسط ) بتزويد الجيش الاسرائيلي بكميات كبيره من الاسلحه والذخائر ، خاصة صواريخ الجو ارض ، المخزنه في قواعد الجيش الأميركي في العراق ( قبل الانسحاب الأميركي من العراق طبعا )والسعوديه وقطر وصولا الى الهجمات الاميركيه الجويه والبحرية المستمرة ضد اليمن حتى قبل بدء العدوان الأميركي السعودي الواسع على هذا البلد العربي الصامد والمنتصر باْذن الله.
وليس آخراً العدوان الأميركي على الشعب الليبي ومقدراته جوا وبحرا انطلاقا من القواعد الاميركيه إياها والتي تواصل عدوانها على سيادة الدوله السوريه برا وجوًا وبحرا وتمعن تقتيلا في مواطني قلعة العروبه الصامده سورية.
كل هذا خدمة لمصالح الولايات المتحدة والدول الغربيه الاستعماريه الانيه وكذلك كحلقة في عمليات التطويق الاستراتيجي للصين من خلال تثبيت قواعدهم العسكريه في عموم منطقة غرب اسيا وصولا الى حدود الصين الغربيه والشمالية الغربيه وذلك في إطار الاستعدادات للمواجهة مع الصين مستقبلا. فمن المعروف ان الطبيعة الامبرياليه العدوانيه للولايات المتحدة والدول الغربيه الاخرى لا يمكنها ان تبحث وسائل للتعاون المشترك في حل المعضلات الدوليه عن طريق الحوار والتفاهم وإنما تبحث دائماً عن حجج وأعذار لشن مزيد من الحروب التي تخدم طبيعتهم الجامحة نحو السيطره على الشعوب وإخضاعها …
اذاً ، هذه هي الاستراتيجيه الامريكيه الجديده القديمه ذات الثوابت غير القابله للتغيير، بينما ادوات تحقيق هذه الاستراتيجيه هي التي تتغير ويتم تطويعها كي تلائم كل مرحلة من مراحل الصراع سواء في “الشرق الاوسط” او على صعيد العالم. اي ان التغيير الذي طرأ على السياسات الاميركيه قد اقتصر على تعديلات على الأساليب والأدوات المستخدمة في تحقيق الأهداف الاستراتيجيه الامريكيه. وقد شملت هذه التعديلات المناحي التاليه :
١) التحول من الدخول في حروب واسعة ومكلفة جدا ، على الصعيدين البشري والمالي ، وغير مضمونة النجاح كما حصل في حربي أفغانستان والعراق ، الى ضربات عسكريه محدودة جوية او بحرية او باستخدام القوات الخاصه والقوات المحمولة جوا للقيام بعمليات خاطفه في ارض العدو او خلف خطوط العدو.
اي ان الولايات المتحدة لن تقوم بإرسال عشرات آلاف الجنود الأمريكيين الى اي مكان في العالم بعد اليوم بل ستعتمد الأسلوب الموضح أعلاه.
٢)ا لاعتماد على القوى المحلية العميله للإمساك بالأرض تحت قيادة امريكيه وبغض النظر عما اذا كانت هذه القوى العميله ” دولا ” كالسعودية ومشيخات الخليج والأردن ام ميليشيات محليه كداعش والنصرة ومسمياتها الاخرى الى جانب ما يطلق عليه جيش سورية الجديد وجيش الجنوب وغيره من التسميات المشبوهه السائرة في مشاريع فرض السيطره على الوطن العربي.
٣) فتنمة الحرب ، اي زيادة استعار الحرب بين مكونات المجتمعات العربيه كما فعلت الولايات المتحدة في فيتنام ، اي تسليح فئات لتحارب فئات اخرى في مختلف الدول العربيه وهذا ما بدأته الولايات المتحدة عندما أوجدت داعش والنصرة في العراق ثم في سورية وبقية الدول العربيه وهذا هو هدفها الحالي من وراء عمليات التسليح والتدريب لقوى عشائرية بعينها في سورية والعراق وبالتعاون مع الاردن ودون التنسيق لا مع الحكومةالسوريه ولا مع الحكومة العراقيه …
ولكن على الرغم من كل المؤامرات التي تقوم بها الولايات المتحدة بالتعاون مع أذنابها المحليين من صهاينة وعثمانيين جدد ورجعية عربيه الا ان كل مشاريعهم هذه محكومة بالفشل المحتوم وذلك للاسباب التاليه :
– تماسك وصمود محور المقاومه الأسطوري وكذلك ثبات الموقف الروسي الداعم لسورية والعراق في مواجهة مشاريع الهيمنه والإخضاع القسري.
– محدودية المقدرة العسكريه الامريكيه في ميادين القتال ما يؤدي الى محدودية الدور الأميركي في عملية الصراع السياسي.اذ ان الهزيمة او الهزائم المتلاحقة التي لحقت بعصابات الاٍرهاب التابعة للولايات المتحدة واذنابها الإقليميين من داعش الى النصرة الى اخر قائمة مسميات تنظيمات الجريمه والتخريب قد وصلت الى حد ان الادارة الامريكيه الجديده قد وجدت نفسها مضطرة للتدخل الصاروخي في الميدان السوري على أمل ان تحافظ على دور لها في العمليه السياسية السوريه التي لا بد ان تتم بعد إلحاق الهزيمة الكامله بقوى الاٍرهاب العميله والدول والقوى العميله للارهاب في الوطن العربي.
– الوجود العسكري الروسي الكثيف والفاعل في الميدان السوري.
– وكذلك الدعم الإيراني المتعدد الوجوه للدولة والجيش السوري وما لإيران من وجود فاعل على الارض وما لتضحيات القيادة الايرانيه والعسكريين الإيرانيين وشهدائهم .
– اي ان الأميركي ورغم عنترياته وألعابه الناريه من توماهوك الى غيره ، والتي لا تخيف الأسود وإنما تعبر عن ارتفاع الياس والقنوط الذي يصيبه نتيجة قناعته بفشل مشاريعه الشرق أوسطيه الاخرى ، نقول انه رغم ذلك مضطر للحوار ليس مع روسيا فقط وإنما مع ايران ايضا ولو بشكل غير مباشر عندما يحين الوقت وتأزف الساعه لاسدال الستار على حقبة العصابات المسلحه في كل من سورية والعراق. وهذا يعني ان سورية وحلفائها ،وعلى عكس الوحش الراسمالي الامبريالي الأميركي ، لن يكون لديهم مانعا من التوصل الى تفاهم مع العالم الجديد ينظم علاقات الحلفاء معه على أساس احترام أنظمة القانون الدولي احتراما كاملا.
من هنا فان الادارة الاميركيه ليست في وضع تفرض فيه شروطا لتحقيق تسويات تخدم مصالحها، لا في “الشرق الاوسط “ولا في اي من ميادين الصراع على المستوى الكوني ، لأسباب عديده لا مجال لمعالجتها في هذا الإطار.
لذلك فان خياراتها محدودة وتنحصر في الاحتمالات التاليه :
ا ) الإقرار بالهزيمة النهائية ورفع يدها عن منطقتنا العربية والاسلامية التي تسميها الشرق الاوسط، وذلك تمشيا مع الحقائق التي تحكم ميادين الصراع والتي تقول بوضوح ان من يمسك الارض هم ليسوا الولايات المتحدة وعملائها واذنابها وإنما ابطال محور المقاومه من جيش سوريه الى الوحدات العسكرية الايرانيه الى جانب ابطال حزب الله والقوى تلرديفة الاخرى ومساعدة الحليف ل الروسي اللامحدودة وعلى كل الصعد .
ب) استمرار التذرع بمحاربة داعش والمضي قدما في عمليات التمشيط المذهبي والتعبئة المقيته ضد ايران الشقيقه والتى تواصل دعمها للقضايا العربيه ، وعلى رأسها القضيه الفلسطينيه ، ومنذ انتصار الثورة الاسلاميه في ايران في العام ١٩٧٩
– وفي ظل موازين القوى المحلية والإقليمية والدولية الحاليّه في كافة ميادين الصراع وفي ظل عجز المحور الأميركي عن حسم اي من الصراعات الدائره منذ سنين نتيجة لعجز أدواته عن إلحاق الهزيمه بمعسكر المقاومه ونتيجة لمراكمة امكانيات محور المقاومه من علمية الى عسكرية الى غير ذلك وبشكل يصعب تخيله فان إدارة ترامب لن تكون قادرة على إلغاء الاتفاق النووي مع ايران ولا على تعليق العمل به خاصة وان ترامب يؤمن بنظرية الصفقه بمعنى انه سيواصل العمل بنظام الاتفاق النووي مع بعض التعديلات اذا كان رفع العقوبات ( كنتيجة للالتزام الولايات المتحدة بالاتفاق ) او تعليق العمل بها كليا او جزئيا سيعود بالفائدة على الولايات المتحدة . وما صفقة البوينغ التي وقعت حديثا مع ايران الا مثالا على حجم الفائدة التي ستجنيها الولايات المتحدة من وراء الاتفاق.
– وعليه فلا مفر لإدارة ترامب الجديدة من العودة الى سياسة الإدارات الاميركيه القديمه ، والأكثر حنكة في إدارة الصراعات الدوليه ، والتي مؤداها ان من الضروري التعاون مع العدو لتحقيق الانتصار على العدو الأكثر خطوره. فاذا ما أراد ترامب القضاء على العدو الأكثر خطوره على مصالح الولايات المتحدة ، الا وهو داعش ، فعليه ان يتخذ العبره من تحالف الاداره الامريكيه في أربعينيات القرن الماضي مع الاتحاد السوفييتي في سبيل تحقيق النصر على المانيا النازيه .اي انه لا بد من تحالفه مع روسيا وإيران وسورية في سبيل القضاء على داعش والتفاهم مع ألقوى المنتصرة ( حلف المقاومه ) على ضمان مصالح معينه للولايات المتحدة في الوطن العربي.
وكما يقول المثل : ما الذي يجبرك على تجرع المر …
الا الأمر منه؟