فرنسا بين الليبرالية الاجرامية (ماكرون) والتطرف العنصري (لوبان). (لماذا يريد ماكرون الاطاحة بالأسد؟ )

أضيف بتاريخ: 27 - 04 - 2017

عاشت فرنسا في الآونة الأخيرة أسوأ الحملات الانتخابية الرئاسية في تاريخ الجمهورية الخامسة، تدني مستوى النقاش السياس، لينحصر بالمشادات الكلامية بين المرشحين، سياسية كانت أم شخصية.

دخلت سورية بنداً أساسياً في خطابات المرشحين الفرنسيين لرئاسة الجمهورية، علماً أن الانتخابات الرئاسية هي موضوع فرنسي داخلي.

لكن المرشحين، كما سائر حكام فرنسا حصروا كل مبادئ السياسة الخارجية الفرنسية بأزمة سورية، ما يؤكد مرة أخرى انقياد فرنسا وراء سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في العالم. حتى في قضية داخلية كالانتخابات الرئاسية، لن يخرج المرشحون الفرنسيون بموضوع السياسة الخارجية عن الخط الذي رسمه لهم المحور الصهيوني العالمي منذ بعض السنين.

فإن كانت سورية تتصدر الأولية في سياسة فرنسا الخارجية، فماذا عن السياسة الخارجية الفرنسية من الحرب في اليمن، ليبيا، و العراق؟، ماذا عن معاناة شعب البحرين، والعلاقة مع روسيا و الصين؟

فرزت انتخابات الدورة الأولى، مرشحَين منتميَين إلى مشروعين مختلفين تماماً:
أمنويل ماكرون، الابن الروحي للرئيس الحالي فرانسوا هولاند، والذي سيتابع حتماً سياسته التي برهنت عن فشل ذريع، وخفّة في التعامل السياسي وقيادة فرنسا. صرح بالامس نيته بتكملة الحرب بسورية للإطاحة بالرئيس بشار_الأسد، و انه سيتدخل في سوريا تحت راية الأمم_المتحدة أو دونها، في عدم موافقتها. فهذا التهور، و انعدام الرؤية السياسية و الميدانية، يدل على ماكرون خاضع لجهة ما و هو ليس الا ناطقها الرسمي.

أما مارين لوبين فهي ليس لها أية خبرة في الحكم، ولو أنها هي ووالدها قضيا حياتيهما في المعترك السياسي الفرنسي، لكنها تؤكد منذ وقت إرادتها بالتمام و ربما التعامل مع الحكومة السورية و الرئيس بشار الأسد لمحاربة الإرهاب، كمان تريد التقرب من روسيا.

فإن فاز ماكرون، أو لوبين، فالاثنان لا يستطيعان تحقيق ما يطمحان له. و الوعود ستبقى حبر على ورق كالعهدين السابقين، فأمنويل ماكرون المدعوم من الرأسمالية العالمية المتصهنية، لن يكون إلا بإمرتها، وخاضعاً لها، اما بالنسبة لمارين لوبين، فكل القوى السياسية و الاقتصادية والاجتماعية ستتكاتف ضدها خصوصا في الانتخابات البرلمانية المقبلة، و التي سيمنعها من الحصول على الأكثرية النيابية.

السيدة لوبين، تعد بأشياء مثل الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي كانت فرنسا من أول مؤسسيه، وإيقاف التعامل باليورو، مع أن كل البلدان حولها يتعاملون باليورو. فهل لدى السيدة لوبين القدرة لجعل الفرنك الفرنسي القديم أقوى من اليورو؟ كم سيكلف هذا التحول الاقتصاد الفرنسي المنهار منذ عدة عقود؟

ما هي قدرة المرشحة مارين لوبين في عصر العولمة على إعادة حدود فرنسا إلى ما كانت عليه قبل إنشاء الاتحاد_الأوربي؟

ففرنسا ليست بعظمة الولايات المتحدة الأمريكية، وليست بقوة ودهاء روسيا، وليست مهيمنة على القارة الأوربية، لكي تحدد من تلقاء نفسها الأشياء، ضاربة بعرض الحائط كل تطورات العالم من حولها.

في الوقت الحاضر العراك السياسي، سيحتدم أكثر فأكثر مع الأيام، بعبور مارين لوبين إلى الدورة الثانية سينعدم كليا لتنحصر كل الاهتمامات والجهود، كما هي حال وسائل الإعلام، التي ستكون مسخّرة لمحاربة مارين لوبين، لمنعها من الوصول إلى سدّة الرئاسة.

كل هذه التداعيات، ستترك أثراً جسيماً على الحياة السياسية الفرنسية، ما سيشكل تحولات كبيرة، وقد تكون خطيرة على مستقبل فرنسا، إذا أخذنا بعين الاعتبار ما يجري في العالم وخصوصاً في الشرق الأوسط، وترتد نتائجه يوماً بيوم على أوروبا عامة وفرنسا خاصة.

الكاتب والمحلل السياسي الفرنسي:
أنطوان شاربنتيي