رصد مراكز الأبحاث: استطلاع المركز اليورشليمي الصهيوني يؤكد عبثية قمة الجامعة العربية

أضيف بتاريخ: 29 - 03 - 2017

29 مارس 2017
بقلم: إسماعيل مهرة
أطلس للدراسات

السياسات الإسرائيلية والخطاب السياسي الرسمي والممارسات على الأرض، وانهيار وتفكك ما يسمى بـ “معسكر السلام” الإسرائيلي وتخليه عن تبني حل الدولتين وتبنيه للخطاب اليميني، ومخرجات الانتخابات العامة الأخيرة ومؤشرات مخرجاتها المقبلة؛ لا تترك مجالًا لأن نفهم غير ما بتنا على قناعة راسخة – منذ فترة طويلة – بأن لعبة مفاوضات التسوية وصلت إلى منتهاها، ولم يعد بالإمكان المراهنة عليها لأن تصل إلى أي تقدم بالنسبة للفلسطينيين أو أن تتخلى عن وظيفتها باستخدامها كمظلة لفرض المزيد من الأمر الواقع الاستيطاني أو أن نغير قناعتنا بأن المشروع الوحيد لصانع القرار الإسرائيلي هو مشروع القضاء على ممكنات إقامة الدولة الفلسطينية. ودرجة الوضوح في الرؤية تعدت تعزز الاحتمالات والتقدير الذي يعتمد على ميل بياني لم يكتسب لونه القوي بعد، فالرؤية وصلت إلى أعلى مستويات الحسم والثقة التي يجب أن تؤدي إلى سياسات أخرى تقطع مع ما كان وتدشن لمرحلة جديدة.

استطلاع شركة “مدغام” لصالح “المركز اليوروشليمي للشؤون العامة والسياسية” برئاسة السياسي والمفاوض السابق د. دوري غولد، يؤكد ما بات مؤكدًا ومعروفًا من انزياح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، في كل ما يتعلق ليس فقط بالصراع مع الفلسطينيين؛ بل وما يتعلق بميوله الاجتماعية والثقافية والدينية، فقد جاء في الاستطلاع انخفاض تدريجي سجل في استعداد الجمهور اليهودي في إسرائيل للموافقة على الانسحاب في إطار اتفاق يتضمن إقامة دولة فلسطينية.

وحسب الاستطلاع، بينما في العام 2015 كان معدل المستطلعين الذين وافقوا على ذلك بلغ 60%، فقد هبط المعطى هذا الشهر إلى 36% فقط. كما يتبين أيضًا من آخر المعطيات بان 10% فقط من المستطلعين يؤيدون تسليم المسجد الأقصى للفلسطينيين، أغلبية ساحقة من 83% المئة تعارض ذلك.79 % من المستطلعين أجابوا بأنهم معنيون بالإبقاء على القدس موحدة، مقابل 15% لا يولون لذلك أهمية.

كما فحص الاستطلاع الموقف من غور الأردن، وفي هذا السياق أجاب 81% من المستطلعين بأنه في كل اتفاق من المهم أن تبقي إسرائيل على السيادة في غور الأردن، 8% فقط اعتقدوا بأن الأمر غير مهم، 69% من المستطلعين أشاروا إلى أنهم لا يؤمنون بأنه يمكن الثقة بقوة دولية ترابط في الغور، وهي الإمكانية التي طرحت على البحث في الماضي.

المجتمع الإسرائيلي – الذي صار بكليته يمينًا شعبويًا دينيًا وفاشيًا – هو نتاج السياسات والأيديولوجيات اليمينية لقادة اليمين، ولكنه في نفس الوقت تحول إلى سبب لغياب أي نقاش جدي وصريح ومسؤول داخل المؤسسة الرسمية، وصار سببًا لحالة الهوس الشعبوي اليميني، التي تصيب معظم السياسيين في إسرائيل الذين يتطلعون لكسب أصوات الكتلة الأكبر من بين المصوتين. ولأن نظام الحكم برلماني يعتمد على تشكيل ائتلاف من الكثير من الأحزاب، بما يمنح بعضها الفيتو على بقاء الائتلاف، والدورات الانتخابية قصيرة جدًا، وتكاد تكون دورية كل سنتين؛ فإن هذا الأمر لا يجعل من الممكن سوى تبني خطاب تصعيدي والدخول في ماراثون تنافسي في التطرف والتصعيد من قبل السياسيين والأحزاب لضمان بقائهم السياسي، وفي أحسن الأحوال العمل على استمرار الوضع القادم. وقد بات طريق السياسيين للحصول على رضى المصوتين – بحسب الكاتب نيتع احيتوف – يستوجب الحرص على:

أولًا: وسم فلسطينيي الـ 48 والقائمة المشتركة كطابور خامس، وتوجيه الاتهامات الشديدة لهم وكرههم، وعدم أنسنة العربي، والتعبير عن غضبهم، مع إشارات العنصرية الخفية للعرب، ليلاحظ مصوتي اليمين أن لديهم الكراهية المتقدة مثلهم بالضبط.

ثانيًا: التحدث باللغة الدينية، والحديث لا يدور عن لغة الحريديين المقدسة، بل إلقاء تعبيرات قبلية وانفعالية عن اليهودية وإظهار التأثر العميق في المراسيم اليهودية، لا سيما التي تتحدث عن الشعب اليهودي. ومثال على ذلك من صفحة أردان في الفيسبوك “اليوم سأقرأ من التوراة مع الجنود ورجال الشرطة الذين يقومون بحراسة الحرم الابراهيمي التابع لنا، ويتذكرون دائمًا من يساعدهم من أعلى. أنا متأثر جدًا”.

ثالثًا: الهجوم على اليساريين بالعنف اللفظي، وشتم منظمات حقوق الانسان “الديمقراطية للضعفاء، وحقوق الانسان هي لأعداء إسرائيل”.

رابعًا: الهجوم على وسائل الإعلام وعلى مؤسسات الثقافة والقضاء.

وتشخيصًا للمأزق الذي تعيشه إسرائيل – من وجهة نظر كاتب يساري – فقد كتب يارون لندن أن الأفضل لإسرائيل بقاء نتنياهو، حيث ان بديله المفترض يائير لبيد لا يختلف عنه سوى بقلة التجربة وانعدام المهنية. وبحسب لندن فإنه لن يفعل شيئًا سوى أن يحبنا بكل قلبه بصفتنا شعبه، وبين الحين والآخر سيشن هجومًا على كارهي شعبه من الزعبيين و”نحطم الصمت” والـ “بي دي اس”، وسيستمر في تملق مصوتي اليمين.

ومع ذلك، ثمة نخبة كبيرة متحررة من التملق للمصوتين، ولم يعد لديها طموح بإشغال وظائف كبيرة، تدأب على ان تظهر قلقها من سيرورة السياسات الإسرائيلية، وتحاول أن تقرع الجرس محذرة من كارثة تجاوز خطوط عدم القدرة على العودة، وقد كان رئيس “الموساد” السابق تمير باردو واحدًا من هذه النخبة، ومثله مثل الكثير من زملائه في النخبة الأمنية بعد انتهاء وظائفهم؛ فقد حذر في خطاب قدمه في كلية “نتانيا”، في ذكرى وفاة رئيس “الموساد” السابق مئير دغان، من أن الخطر الوجودي على إسرائيل ليس في حزب الله أو إيران، بل في استمرار الاحتلال، ولكن سرعان ما انبرى للتصدي لخطابه ودحضه الكثير من كتاب اليمين.

النخبة الإسرائيلية التي نسمع صوتها بين الحين والآخر في مراكز الأبحاث أو في الندوات واللقاءات الخطابية لم تعد منذ وقت ذات تأثير كبير على صناعة الرأي والسياسات في إسرائيل، ففي إسرائيل وبلغتهم فإن “ذنب الكلب التكتيكي يهز جسم الكلب الاستراتيجي”، وفي لحظات ما فإن القائد الكاريزماتي قد يطور استراتيجية وينفذها دون أن تخضع لأي نقاش داخل الدوائر المهنية والمسؤولة، وأبرز مثال على ذلك تبني شارون لخطة الانفصال عن قطاع غزة، التي فاجأ الجميع بها، وعارضها أو تحفظ عليها معظم من كانوا في المناصب المهنية العليا ذات الصلة.

نتنياهو – الذي يثق بأن لا بديل للمعسكر اليميني عنه، وأن تشكيل الحكومة بات حكرًا على هذا المعسكر – يتسلى بالمغامرة بالانتخابات المبكرة، واثقًا من أن شيئًا لن يغير مجرى السياسات الإسرائيلية ولا اتجاهات المصوتين، لا تلك الجلبة التي تجري في قمة العقبة ولا حوارات غرينبلات ولا غمغمات ترامب عن الصفقة، وأن إسرائيل القوية ذات النفوذ الدولي والإقليمي المتزايد هي التي ستمتلك دومًا مفاتيح القرار، وأن ظروف السلطة الفلسطينية وظروف الشعب الفلسطيني والحالة العربية تمنحه فقط المزيد من الثقة بامتلاك إسرائيل لناصية القرار، وأن عامل الوقت – إذا لم تطرأ متغيرات مفاجئة، وهي بالنسبة لنتنياهو مستبعدة – يعمل لصالح مشروعه، مشروع القضاء على ممكنات إقامة الدولة الفلسطينية.

الأمر الذي بات يشعر كتاب اليسار الإسرائيليين بحالة من اليأس من قدرة المجتمع الإسرائيلي الذاتية على التغيير، ما جعلهم يستنتجون أن المجتمع الإسرائيلي لن يغير توجهاته إلا في حال حدوث تدهور شديد في الوضع الأمني مترافقًا مع أزمة اقتصادية قوية أو تبني الغرب لمواقف صارمة ضد إسرائيل، بما في ذلك فرض عقوبات.

بيد ان مؤشرات مخرجات قمة العقبة تذهب في الاتجاه المغاير، اتجاه يعزز تمسك إسرائيل بعنجهيتها، ويفتح شهيتها على ممارسة المزيد من الضغط للحصول على المزيد من التنازلات، وهذا ما لا يفهمه العرب أو ربما يفهمونه ولكنهم يتصرفون كمن لا حول لهم ولا قوة سوى المحافظة على بقاء أنظمتهم.