خاص/ سوريا. الباحث مهند ديب. “كيان الإحتلال” بين متاهات السياسة وخرائط النار!

أضيف بتاريخ: 17 - 03 - 2017

منذ تنفيذ كيان الإحتلال ما سمّي بعملية “أوركارد” في العام 2007، والتي قيل أنها استهدفت مفاعلاً نووياً سورياً كان قيد الاكتمال، لم يجرؤ “كيان الإحتلال الإسرائيلي” على الدخول بذراعه النارية إلا مع بداية العام الثاني من أحداث ما سمّي “الربيع العربي” و”الثورة السورية”، حيث كان ذلك في الشهر الأول من العام 2013 عندما قامت طائراته بشن عدة غارات على مركز الأبحاث العلمية في منطقة جمرايا، تلاها تصعيد ترجم في العديد من الغارات، والتي جاء أكثرها في العام 2014 حيث بلغ عددها أربعة عشر غارة، ليأتي الردّ االسوري الأوّل في يوم الأحد الموافق لـ 27/9/2016، عندما اعترضت منظومة الدفاع الجوي السوري بصواريخ “سام” المقاتلات “الإسرائيلية” بالقرب من مرتفعات الجولان، إذ لم تكن سوريا قد استخدمت منظومة دفاعها الجوي على أي من الغارات “الإسرائيلية” السابقة، علماً أنها استخدمتها في إسقاطها للطائرة الحربية التركية في 22/6/2012 في ريف اللاذقية، وفي صبيحة اليوم 17/3/2017 تقوم أربع طائرات “إسرائيلية” باختراق المجال الجوي السوري على الحدود اللبنانية، لتتصدى لها قواتنا المسلحة بإسقاط طائرة وإصابة أخرى مما أجبر البقية على الفرار.
على وقع العديد من الغارات “الإسرائيلية” السابقة الذكر والتي قوبل أكثرها بالصمت السوري، كثرت التحليلات والتأويلات إما عن عدم القدرة العسكرية السورية في التصدي لها، أو مباركتها من قبل الحليف الروسي، إذ كانت في أغلبها تتعاطى مع الحدث في حدود ظاهره من خلال ردّه وإسقاطه على المعادلة التقليدية السابقة التي حكمت قواعد الإشتراك مع كيان الإحتلال، وذلك دون الأخذ بعين الإعتبار أبعاد (العمق الإستراتيجي) الذي كانت قد شكلته القيادة السورية منذ بداية العدوان عليها، والذي اقتضته طبيعة العدوان ذاته في ماهيته وأدواته وغاياته وأهدافه.

بدأ تشكيل هذا العمق مع دخول “حزب الله” إلى سورية، الذي رأى فيه البعض حاجة ميدانية صرفة ستؤول لاحقاً إلى تبعات سياسية سلبية، باعتباره يمثل أهدافاً حيّة لكيان العدو “الإسرائيلي” داخل الأراضي السورية هذا من جهة، وسيضفي على الحاصل على مستوى الداخل السوري بعداً “طائفياً” لـ “الحرب الأهلية” _كما أرادوا تصديرها_ من جهة أخرى، إلا أنه ومع بداية هذا الدخول الذي تاه عن أهدافه الاستراتيجية البعض، كانت قد بدأت تشكيل معالم تحالف إقليمي_دولي صاعد على مستوى المنطقة، والذي أخذ شكل حضوره النهائي مع دعوة الرئيس الأسد القوات الروسية للمشاركة في العمليات العسكرية ضد الإرهاب الدولي داخل الأراضي السورية في 30/9/2015.

نعتقد أن المصالح الإستراتيجية العليا، التي اقتضاها وفرضها تشكيل هذا العمق الذي رسم خطوط وأبعاد الخرائط الميدانية والسياسية، لم يكن ليسمح لسورية في التعامل مع تلك الغارات في حدود ما تقتضيه مصلحتها القطرية أو الإقليمية الضيّقة _عسكرياً أو سياسياً_ إنما ما حصل هو العكس تماما، إذ كانت تسير باتجاه دفع “كيان الاحتلال” للدخول منفرداً على الخارطة الصاعدة، وعزله تماماً عن الفضاء السياسي لمحور العدوان، والذي كان قد بدأ تدمير أدواته وتقويض أهدافه، وهو ما دفع “بنيامين نيتنياهو” للزحف إلى موسكو لبحث تنامي خطر كل من الدولة السورية و”حزب الله” على هامش دخول القوات الروسية.

أما اليوم وبعد هذا التطور الأوّل من نوعه في إبراز منظومة الردع السوري في وجه “كيان الإحتلال”، وسط ارتباك سياسي عسكري إعلامي “إسرائيلي”، يمكننا القول أن المناورة والمشاغلة الروسية على محور “كيان الاحتلال” قد وصلت حدودها الدنيا، ذات المناورة والمشاغلة التي أدارتها مع المحور “التركي” دخولاً من حلب وصولاً إلى “الأستانة” وعزل “تركيا” من ثم إضعافها واحتوائها، وإذا كانت القيادة السورية قد جعلت من حلب مقبرة للمشروع العثماني الاردوغاني التركي، نعتقد خلال المرحلة القادمة، ستجعل من جبهة الجنوب السوري مقبرة لجميع الأحلام الصهوينية “الإسرائيلية”!