رصد مراكز الأبحاث: مركز دراسات الأمن القومي: حزب الله ولبنان

أضيف بتاريخ: 28 - 02 - 2017

حزب الله ولبنان اثنان ولكنهما في الحقيقة واحد

28 فيفري 2017
آساف أوريون

في الـ 12 من فبراير، وبمناسبة زيارته للقاهرة، قدم الرئيس اللبناني ميشيل عون لقاءات للأهرام المصرية ووسائل إعلام أخرى، تطرق في إطارها إلى سلاح حزب الله وموقع التنظيم في الدولة اللبنانية.

“حزب الله هو جزء كبير من الشعب اللبناني. طالما استمرت إسرائيل في احتلال الأرض وطمعت بموارد لبنان الطبيعية، وطالما ظل الجيش اللبناني لا يملك القوة الكافية لمواجهة إسرائيل؛ هذا السلاح (الذي يملكه حزب الله) ضروري لكونه يتمم أعمال الجيش ولا يتناقض معها. سلاح حزب الله لا يتناقض ومشروع الدولة، وإنما هو جزء رئيسي في الدفاع عن لبنان”، هذه الأقوال بالإضافة إلى كونها غير مفاجئة، لخروجها من فم رئيس يدين بتعيينه لإيران وحزب الله؛ فإنها تستحضر عدة جوانب أساسية في علاقات التنظيم الشيعي والدولة في لبنان، وتحمل في طياتها مغازي استراتيجية لأمن إسرائيل.

قرار مجلس الأمن 1701، الذي اتخذ عند انتهاء حرب لبنان الثانية، اعتبر الحكومة اللبنانية وجيشها مسؤوليْن عن تنفيذ القرار، وأشار إلى هجوم حزب الله على إسرائيل في الـ 12 من يوليو 2006 على انه الحدث الذي أشعل العمليات الحربية، ودعا الحكومة اللبنانية وبمساعدة من اليونيفيل “إلى تأسيس منطقة خالية من المسلحين والممتلكات والأدوات القتالية التي لا تعود ملكيتها للحكومة اللبنانية أو اليونيفيل ما بين الخط الأزرق ونهر الليطاني”، وتطبيق القرارات السابقة التي تطالب بـ “تجريد جميع المجموعات المسلحة في لبنان من سلاحها، ومواصلة قرار الحكومة اللبنانية الصادر في الـ 27 من يوليو 2006 بأن لا يكون في لبنان سلاح أو صلاحيات، عدا عن سلاح وصلاحيات الدولة اللبنانية”. صيغة القرار ميّزت بين الدولة وحكومتها كجهتين شرعيتين في المجتمع الدولي وبين حزب الله كتنظيم شبه رسمي مسلح لا يخضع سلاحه للحكومة ويخرق قوانين الأمم المتحدة والاتفاقات السياسية وقرارات حكومته.

في السنوات التي انقضت من حينها، معلومٌ ان التنظيم الشيعي وبمساعدة من إيران ارتفع في أبعاده وقوته على الدولة التي ترعرع فيها وعلى جيشها، وألقى ظلال تهديداته على الحكومة اللبنانية، بما في ذلك استخدام قوته العسكرية ضدها في مايو 2008، حيد نظام مراقبة الجيش اللبناني واليونيفيل في الجنوب اللبناني وأفرغ دعوات نزع سلاح الجنوب من محتواها وسلحه بشكل واسع وأنشأ بنية عسكرية واسعة النطاق في جميع أنحاء لبنان وصمم سياسة خارجية وأمنية مستقلة مصدرها طهران، مثل قيامه للقتال في سوريا، وانضم إلى الحكومة وعمق نفوذه في الجيش، ومؤخرًا أتم خطواته بتعيين الرئيس عون بعد سنوات شل فيها عملية التعيين. أقوال الرئيس الواردة أعلاه تمثل بالتالي شهادة موافقة رسمية وحكومية لموقف حزب الله المعروف وفقًا لحكومة لبنان الرسمية، وإنجازًا شعبيًا وسياسيًا بالنسبة للتنظيم الذي توجت جهوده في سوريا بنجاح نسبي في هذه المرحلة.

بيد انه إلى جانب إنجاز حزب الله تجسد الأقوال أيضًا أثمانًا وانعكاسات سلبية على التنظيم نفسه وعلى لبنان كدولة. بالنسبة لإسرائيل يعتبر التصريح إزاحة للستار وتمزيقًا للشاشة رسميًا عن الواقع اللبناني المعروف والمعلوم، والذي اعتادت الأعراف الدبلوماسية الغربية على طمسها، عندما يعلن الرئيس اللبناني صراحة ان حزب الله – وهو التنظيم الإرهابي المعروف في الكثير من الدول – هو جزء رسمي من الدفاع عن لبنان، فإنه يلغي التمييز الاضطراري ابتداء بين الدولة السيادية في الظاهر وبين جيش حزب الله الذي هو في الحقيقة ذراع إيران في لبنان. هكذا يتحمل الرئيس اللبناني رسميًا مسؤولية جميع أعمال حزب الله، بما في ذلك أعماله ضد إسرائيل، وعن الآثار التي ستنبع من ذلك على مجمل مواطني لبنان وأراضيها، ذلك رغم ان الحكومة اللبنانية ليس لها قدرة حقيقية على السيطرة على قرارات التنظيم وسياساته.

في الخطاب المهني، وحتى في الخطاب الشعبي في إسرائيل وخارجها، يدور منذ حوالي عقد حوار بشأن مواجهة محتملة أخرى بين إسرائيل وحزب الله، وحول الطريقة التي من الصواب ان تتعامل بها إسرائيل مع الحكومة اللبنانية وجيشها وبناها التحتية في مواجهة كهذه. عدا عن المستوى التنفيذي الذي تخصصه أهداف وطرق عمل عسكرية، يركز النقاش الاستراتيجي على مستويين: المستوى التبريري ومستوى الجدوى. على مستوى الشرعية والتبرير تحسم أقوال الرئيس اللبناني في الواقع النقاش لصالح القائلين بأن لبنان كله يتحمل مسؤولية أعمال حزب الله، حيث ان حكومته تعطي الأهلية لقدراته العسكرية بشكل يبرر مهاجمتها بشكل موسع من قبل إسرائيل. على مستوى الجدوى والغرض تبدو الصورة أكثر تعقيدًا ومرتبطة – بالإضافة إلى اعتبارات الجدوى العسكرية خلال القتال – أيضًا بالوزن المنسوب إلى تقدير الآثار التي تليها؛ من يؤيدون هجوما موسعًا على “دولة لبنان” يفترضون أن جعل الدولة اللبنانية كلها تدفع الثمن سيزيد الردع العام ورغبة وعناصر قوة أخرى في لبنان في كبح جماح حزب الله عن مهاجمة إسرائيل في المستقبل بعد ان يتضرروا هم ويدفعوا ثمنًا باهظًا بسبب سياساته، هذا الدرس سيكون أيضًا نصب أعين عناصر قوة أخرى في المنطقة وسيسهم في الردع في المنطقة واستبعاد مواجهات أخرى، المتحفظون من ذلك يولون أهمية أكبر لقدرة الجهات العاملة على الاستقرار بعد الحرب، مثل القوات غير الشيعية التي يسمح بقاؤها غير متضررة بلجم حزب الله بفاعلية أكبر، بل والعمل ضد العناصر الإرهابية الراديكالية الأخرى، في هذه الرؤية من الصواب أيضًا الحد من الإضرار بالجيش اللبناني كجهة تنفيذية فاعلة ورسمية على حد سواء بعد الحرب طالما امتنع عن التعرض لجهود الجيش الإسرائيلي خلال الحرب. اعتبار آخر وهو تأثير الدمار الكبير على علاقات إسرائيل مع دول المعسكر السني البراغماتي، والذي له صلات كثيرة مع السكان السنيين في لبنان، وذلك ان إسرائيل تتطلع إلى التعاون الإقليمي الموسع مع هذه الدول.

تبرير مهاجمة بنى لبنان التحتية لا يثير خلافًا حقيقيًا طالما أنها تستخدم لتحقيق جهود حزب الله الحربية ودعمها، عدا عن ذلك وعلى مستوى الفائدة تختلف الحجج بين من يقفون إلى جانب مهاجمة البنى التحتية اللبنانية من أجل تدفيعها ثمنًا رادعًا ودفع القوى العظمى إلى التدخل من أجل إنهاء القتال وبين من يزعمون ان الضرر الذي سيلحق بلبنان على أية حال عند مهاجمة أهداف حزب الله، وأنه من الأفضل الامتناع عن توسيع الخراب والدمار في لبنان كما في سوريا، سيوفر تربة خصبة لظواهر من عدم السيطرة والعنف والتطرف. بين هذين الاثنين هناك من يؤيدون مهاجمة بنى لبنان التحتية فقط كجزاء رادع في وجه محاولة المساس بالبنى التحتية الإسرائيلية، ولكن في ضوء التصريحات المتبادلة على مدار سنوات من المفترض ان البنى القومية في كلا الطرفين ستهاجم يومًا ما لأن المسدس وضع على الطاولة في المعركة الأولى. في الحقيقة انه وفي الـ 16 من فبراير، وفي خطابه المسجل بمناسبة يوم تأبين القادة الشهداء (راغب حرب وموسوي وعماد مغنية) هدد أمين عام حزب الله حسن نصر الله بقدرة تنظيمه على إصابة حاويات الأمونيا في أي مكان تنقل إليه، وكذلك أيضًا مفاعل ديمونا، وبالتالي سيحول – على حد قوله – سلاح إسرائيل النووي من تهديد على المنطقة إلى تهديد عليها.

على ضوء ما وصف أعلاه وإنجازه السياسي في أقوال الرئيس عون، تجدر الإشارة إلى البعد التناقضي في المحطات على طريق هيمنة حزب الله في لبنان، نجاحاته في بداية طريقه قامت على أساس حرب العصابات الصغيرة والاندماج بين السكان، الأمر الذي جعل من الصعب تعقبه وإصابته بشكل مقصود ومركز، والتي على ضوء حجمها المقلص نسبيًا حظيت بردود محدودة فيما بعد، وبمساعدة إيرانية واسعة عمّق ووسّع استعداداته العسكرية في أوساط القرى الشيعية، والتي هي قاعدة قوته الاجتماعية والسياسية، ومن أوساطها ينحدر نشطاؤه ومقاتلوه، عندما كبر ليصبح نظامًا عسكريًا واسع النطاق ولديه بنى ثابتة ولديه نظام تحكم منتظم أصبح هو التهديد العسكري الأكثر أهمية على إسرائيل في محيطها، وهكذا بلغ نقطة التحول الفارقة: وضعه على رأس جدول أعمال استعدادات الجيش الإسرائيلي للحرب، وتوجيه موارد رئيسية للجمع وبناء قوة ضده في الأوقات الاعتيادية، تعليق المعضلة التي ستواجه قادة إسرائيل بين وجوب الهجوم الموسع على أهدافه العسكرية قبل ان يسبب أضرارًا فادحة لإسرائيل وبين تفضيل تقليص الأضرار العرضية والبيئية في المناطق المأهولة بالسكان التي أقيمت فيها هذه الأهداف، وفي نهاية الأمر الفهم بأن حزب الله يمكنه بالفعل ان يؤلم إسرائيل ويضربها أكثر من الماضي، لكنه سيجد صعوبة في ترجمة ذلك إلى إنجازات سياسية حقيقية، حيث ان مناطق عيش الطائفة الشيعية التي حولها إلى مواقع عسكرية من شأنها ان تتحول إلى أنقاض. على ضوء أقوال الرئيس اللبناني الذي تعيّن بفضل حزب الله، والذي استمر أيضًا وهدد (18 فبراير 2017) إسرائيل بـ “رد مناسب على أي محاولة للمساس بلبنان وسيادتها”؛ من الممكن ان هذا الخراب الزائد يكون أيضًا مصير أجزاء أوسع في لبنان التي حكومتها ولغير صالحهم وفرت طابعًا رسميًا لتنظيم إرهابي ترعرع في لبنان وأصبح أكبر من مقاسها وخرق حدودها.

هذا في حين انه يزيد قوته العسكرية والتنظيمية إلى ان وصل حزب الله بالتدريج إلى حد الإفراط بتمدد رؤيته الاستراتيجية وفقد عقاراته السابقة واحدًا تلو الآخر: ميزة صغره السرية وخفة تنظيم العصابات ومكانته كمدافع عن لبنان على جبهة مقاومة إسرائيل التي استبدلها في ميادين الحرب السورية وحرية التحرك التنفيذي امام إسرائيل التي تمتع بها لغاية العام 2006، الدرع البشري من سكان الطائفة الشيعية الذي يحمي عقاراته العسكرية وواجهة الحكومة اللبنانية الشرعية الخداعة كغطاء لخروقاته وموقعه المستقل في لبنان، وأخيرًا التجزئة التطبيقية ما بين الواقع على الأرض المعروفة لمن يشتغلون على الحقائق وبين الواقع الافتراضي الذي يقوم على أساسه الخطاب الدبلوماسي الدولي في موضوع لبنان، لكن الواقع له قوائمه الخاصة في تسجيل التجزئة وتحطيم عوالم الخيال والأراجيف، أقوال الرئيس اللبناني هي الشرخ الأول.

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة باب المغاربة