رصد مراكز الأبحاث: إسرائيل في ظل “الصفحة الجديدة” بالعلاقات المصرية الحمساوية

أضيف بتاريخ: 18 - 02 - 2017

مركز دراسات الأمن القومي
شلومو بروم وأوفير فينتر

من دون مراسم إحتفالات رسمية، وبعيدًا عن عيون الإعلام، توصلت كلٌ من مصر وحماس بداية العام 2017 إلى سلسلة من التفاهمات الأمنية والسياسية والإقتصادية، الهدف منها أن تستخدم كقاعدة لتحسين العلاقات بينهما.

وفد حماس برئاسة إسماعيل هنية وأعضاء المكتب السياسي موسى أبو مرزوق وروحي مشتهى قام، نهاية يناير، بزيارة استمرت عدة أيام في القاهرة، التقى خلالها جهات أمنية مصرية على رأسها رئيس المخابرات المصرية. وفد حماس الأمني، والذي تضمن ممثلًا رفيعًا عن ذراعها العسكرية (كتائب عز الدين القسام)، خرج في زيارة أخرى بداية فبراير. زيارة الوفود الرسمية كانت ذروة ازدهار غير رسمي جرت خلال أكتوبر/ نوفمبر 2016، وتضمنت زيارات قام بها
إعلاميون وأكاديميون ورجال أعمال من غزة.

حسب تقارير صحفية فقد قبل الوفد السياسي بمطالب القاهرة بشأن كبح تهريب سلاح المقاتلين في المنطقة الحدودية بين غزة وسيناء، ومنع إستخدام عناصر الجهاد المتطرفين في غزة كقاعدة لإعداد الهجمات ضد قوات الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء. في الإعلان الذي نشرته حماس، وجاء فيه أنها تؤكد على “عدم التدخل في الشؤون الداخلية لمصر”، دليل على التزامها بعدم الوقوف إلى جانب أي طرف في الصراع بين نظام السيسي والحركة الأم (الإخوان المسلمين). المحادثات بين الطرفين تناولت أيضًا قائمة من المطالب التي نقلتها مصر إلى حماس، وترتيب منظومة متفق عليها لفتح معبر رفح، وتوسيع العلاقات التجارية بين مصر وغزة، ووقف الهجمات الإعلامية، والتوسط المصري بين حماس وإسرائيل وبين حماس وفتح.

التقاء المصالح المتبادلة

منذ يوليو 2013، عندما عزل الجيش المصري الرئيس المحسوب على الإخوان المسلمين محمد مرسي، ساد التوتر الشديد بين حماس والنظام المصري، ولم تجر أي لقاءات على مستويات رفيعة بين الطرفين. حماس وجدت صعوبة في الحفاظ على العلاقات مع مصر بسبب هويتها التنظيمية كفرع فلسطيني للإخوان المسلمين والارتباطات الفكرية والعملانية بين عناصر من الحركة وبين الإخوان المسلمين في مصر والمجموعات السلفية الجهادية في شبه جزيرة سيناء. مصر من جهتها اعتبرت الحركة “ذراعًا عسكرية غير رسمية” للإخوان المسلمين في مصر، واتهمتها بمساعدة الإرهاب في الدولة، بما في ذلك المشاركة في الإعتداء الذي وقع في يوليو 2015 على النائب العام المصري هشام بركات. التحول الواضح في الفترة الأخيرة بالعلاقات بين مصر وحماس هو عمل ناتج عن التقاء المصالح المتبادلة بين الطرفين في مجمل المجالات.

على المستوى الأمني: مصر اعترفت بإيجابية التعاون مع حماس من أجل تحقيق الحسم في الصراع ضد وكيلة “الدولة الإسلامية” في سيناء، والتي تستخدم غزة قاعدة للتدريبات ومصدرًا ذا وجهين لتهريب الوسائل القتالية والمقاتلين والجرحى. حماس من جانبها معنية أيضًا بمنع الإتصالات بين جهات سلفية جهادية تسعى لتقويض حكمها في القطاع وبين شركائهم الأيديولوجيين في سيناء.

على المستوى السياسي: مصر معنية بتثبيت موقفها كجهة إقليمية مهيمنة في قطاع غزة، قادرة على توحيد الصف الفلسطيني وتمهيد الأرض أمام تجدد العملية السلمية، ومن منظور القاهرة من الأفضل دراسة إمكانية التوصل إلى تفاهمات ثنائية مع حماس بدلًا من خوض صراع ناتجه صفري ضد الحركة من شأنه أن يدفعها إلى أحضان الخصوم الإقليميين مثل تركيا وقطر وإيران، واعتبار دورها كجهة تخريبية داعمة للإخوان المسلمين في مصر وتمثل عقبة في وجه إتفاق سياسي مع إسرائيل، كما إن مصر معنية بوضع نفسها كوسيط مقبول في محادثات المصالحة الفلسطينية الداخلية بين حماس وفتح، وفي حالات الأزمة وصفقات الأسرى المستقبلية بين حماس وإسرائيل، فمن وجهة نظرها هذه الأدوار سترفع من مكانتها الإقليمية والدولية كمرساة للاستقرار في الشرق الأوسط، وتوفر لها أوراق كبيرة القيمة أمام النظام الأمريكي الجديد. بالنسبة لحماس محاولاتها لتجاوز مصر بمساعدة رعاة إقليميين آخرين عادت إلى الآن بكفي حنين، ذلك أن نقل المساعدات إلى القطاع مرتبط بالتعاون المصري، كما أن هؤلاء الرعاة لم يثبتوا أنفسهم كوسطاء فاعلين بينها وبين إسرائيل يمكن استخدامهم بديلًا لمصر.

جانب سياسي آخر في مشهد التقارب بين الجانبين يتعلق بالأزمة التي نشبت في الشهرين الأخيرين بين القاهرة ورام الله، إثر تدفئة العلاقات بين السلطة الفلسطينية وكل من قطر وتركيا، وعدم إستعداد محمود عباس لضم محمد دحلان المقرب من مصر إلى قيادة منظمة التحرير. كذلك الأمر أيضًا من جهة حماس؛ فتحالف المصالح بينها وبين دحلان – الذي يستخدم كمعارض لقيادة عباس في السلطة الفلسطينية – يعتبر أساسًا مريحًا للتحدث إلى مصر.

على المستوى الإقتصادي: تبدي مصر انفتاحًا كبيرًا مقارنة مع الماضي لتوسيع العلاقات التجارية مع قطاع غزة، الخطوة التي تساعد على رفاه السكان القبليين في سيناء، الذين تضرروا في أعقاب إغلاق أنفاق التهريب مع غزة، تنظيم حركة التجارة الشرعية من خلال معبر رفح سيسهم في تخفيف الضائقة الإقتصادية في الجانب المصري، وسيساعد في تسخير المواطنين، إلى جانب النظام، في الصراع ضد وكيلة “الدولة الإسلامية” في سيناء. في المقابل حماس أيضًا لها مصلحة إقتصادية في تحسن العلاقات مع مصر، كون المعبر الحدودي القانوني في رفح المخرج الوحيد لقطاع غزة إلى العالم الخارجي الذي لا تسيطر عليه إسرائيل، وأكثر من ذلك بعد الضربة التي تلقتها منظومة أنفاق التهريب التي استخدمتها حماس لأهداف إقتصادية أيضًا ومدنية.

على المستوى الشعبي: تأمل مصر بأن تحسين العلاقات مع حماس سيحسن شرعية النظام المصري في الرأي العام الداخلي المصري والرأي العام العربي، ترتيب نظام فتح معبر رفح سيسحب البساط من تحت أقدام من يتهمون مصر بالتعاون مع إسرائيل في الحصار على غزة وإدارة ظهرها للأزمات الإنسانية التي تعصف بالفلسطينيين. بالنسبة لحماس أيضًا تحسن العلاقات مع مصر وفتح المعبر ستحتسب إنجازًا تستطيع أن تلوح به أمام الرأي العام الداخلي.

التفاهمات المتبلورة بين مصر وحماس تمتد قوتها من المصالح المشتركة ومن روافع الضغط وموازين الردع المتبادلة، كما أنها تعبر عن براغماتية سياسية تناسب الفترة الزمنية الراهنة، لكن لا يمكن أن تفسر في هذه المرحلة على أنها تغيير عميق واستراتيجي عند أيّ من الطرفين: تليين الموقف المصري تجاه حماس لا يضعف شوكة الحرب التي يخوضها النظام ضد الإخوان المسلمين، وبنفس المنطق استجابة حماس لجزء من المطالب المصرية الأمنية لا تعتبر انسحابًا عن التزامها المبدئي من حربها ضد إسرائيل وعن مبادئ الأيديولوجيا الإخوانية. إضافة إلى ذلك ما يزال يسري بين الطرفين حد كبير من التشكك والاشتباه وعدم الثقة، وضع هذه العلاقات يعبر عنه الإستخدام الإعلامي الرائج في مصر لمصطلح “التطبيع” في وصف التقارب مع حماس، المصطلح الذي يعكس – كما في الحالة المصرية الإسرائيلية – الشكل المتكيف والمتحفظ الذي يرافق أي تقدم في العلاقات بين الجانبين؛ هذا التشكك المصري قد يتعزز إذا ما أو عندما تجد حماس صعوبة في إرضاء مصر في مجالات مثل تسليم النشطاء الجهاديين.

اختبار للعلاقات الإستراتيجية بين إسرائيل ومصر

من المنظور الإسرائيلي التحول في العلاقات المصرية الحمساوية يعتبر اختبارًا مهمًا للتنسيق الأمني الذي ازدهر في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ومصر على خلفية مواجهتهما المشتركة لتحديات الإرهاب في سيناء وغزة، في إطار هذا التنسيق يجب على إسرائيل أن تتأكد من أن التفاهمات الأمنية المتبلورة بين مصر وحماس لن توفر لحماس مدخلًا “شرعيًا” لتهريب السلاح من خلال غض مصر طرفها بشكل علني أو غير علني عن تعزز قوة الإعدادات ضد إسرائيل، من أجل منع تكرار عدم الكفاءة التي ميزت محاربة نظام مبارك للأنفاق التهريبية. المطلوب من إسرائيل أن توضح للقاهرة الفشل البنيوي – الخطير أيضًا من جهة مصر – والكامن في أي ترتيب يقدم لحماس تسهيلات على حساب أمن دولة إسرائيل، ولا يتطرق إلى محاربة الإرهاب في سيناء وغزة ككل متكامل.

في ذات الوقت، إذا وافقت التفاهمات بين مصر وحماس إحتياجات إسرائيل الأمنية فإن من شأنها أن تخدم مصالحها من عدة نواحٍ؛ أولًا: تخفيف الضائقة الإنسانية عن قطاع غزة التي يمكن أن تتدحرج على مداخل إسرائيل، والتي من شأن استمرارها أن يستخدم وقودًا لاندلاع جولة عسكرية جديدة مع حماس. ثانيًا: قلقلة العلاقات المتبادلة بين حماس والعناصر السلفية الجهادية في سيناء، الذين يمثلون تهديدًا محتملًا على أمن إسرائيل وعقبة أمام جهود مصر لتحقيق الإستقرار الأمني الداخلي وإنعاش وضعها الإقتصادي. ثالثًا: تعزيز علاقات ارتباط حماس بمصر ستضعف حوافز الحركة في التوجه نحو المواجهة العسكرية مع إسرائيل، وتعزز مكانة مصر كوسيط فاعل قادر على الإنهاء السريع للأزمات المستقبلية الناشئة بين إسرائيل وحماس.

وإجمالًا، موقف إسرائيل فيما يخص التفاهمات بين مصر وحماس يجب أن يحكم عليها، أولًا وقبل كل شيء من جودة النظام الأمني الذي تبلور في إطارها، عدا عن ذلك ستحسن كل من إسرائيل والقاهرة صنعًا لو أنهما استغلتا هذه الساعة لإجراء حوار استراتيجي يكون هدفه بلورة تفاهمات بعيدة المدى بشأن مستقبل قطاع غزة بهدف تصميم واقع جديد يخدم مصالح البلدين. الضائقة متعددة المستويات التي تعيشها حماس في الوقت الحالي في الداخل والخارج تسمح لإسرائيل ولمصر بشحذ الخيار الماثل أمام الحركة بين البراغماتية السياسية لقاء إعمار اقتصادي من طرف واحد وبين التمسك بالكفاح المسلح الذي يعني تعميق عزل القطاع من الجهة الأخرى. وأكثر من ذلك يجب الحرص قدر ما أمكن على أن المزايا الإقتصادية المعطاة للقطاع لن تؤدي إلى تعزيز موقف حماس بطريقة غير مراقبة – وتعزيز البديل الإسلامي الذي تمثله – على حساب حركة فتح وتوجيهها بشكل مركز ومدروس ومنظم لتحسين حياة السكان الغزيين.

أطلس للدراسات الإسرائيلية

ملاحظة: الآراء والألفاظ الواردة في المقال تعبّر عن صاحبها، ولا تعبّر بالضرورة عن رأي شبكة باب المغاربة للدراسات الاستراتيجية.