أضيف بتاريخ: 08 - 05 - 2021
أضيف بتاريخ: 08 - 05 - 2021
أثبتت الأحداث والوقائع والتجارب التاريخية منذ أن بدأت أفواج الغزاة الصهاينة تطأ أرض فلسطين أن الإستكلاب على الاستيلاء على القدس وإخضاعها نهائياً لمآرب المشروع الصهيوني على أرض فلسطين وبدعم من الانتداب البريطاني (الاحتلال الاستعماري) كان هدفاً استراتيجياً مرتبطاً بالمشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني على أرض فلسطين كلها.
لقد تعرضت القدس لحرب منذ مطلع القرن العشرين ولم تتوقف حتى اليوم ومشهد الحرب هذه تختصر الحرب على فلسطين كلها. إنه مشهد الاستيطان والتهويد والقمع والتنكيل وتدنيس المقدسات والعمل على الاستيلاء التدريجي عن الأقصى بدأً بحائط البراق… إنه مشهد الاقتلاع والتهجير والترحيل السري… إنه مشهد العبث والتدمير للتراث الإسلامي والحضارة الإسلامية على مدى العصور التي تحكيه هذه المدينة المقدسة.
لقد تواصلت الحرب وتواصل العدوان منذ عام 1967 والحديث يطول عن ممارسات وجرائم الاحتلال في القدس. في نهاية العقد الماضي أطل الرئيس الأمريكي ترامب بغطرسة وعدوانية واستكبار ورعونة بسياسته وأهدافه التي ضمنها ما عرف بصفقة القرن. كانت القدس محور هذه الصفقة ومن هنا جاءت المصادقة الأمريكية على اعتبار القدس عاصمة للكيان الغاصب ونقل سفارة أمريكا إليها. وصفقة القرن هذه هي مخطط تصفوي لقضية فلسطين بجوانبه المتعددة، لكن نجاح هذه الصفقة يتحدد على ضوء نجاح المخطط بالقدس أولاً (ولا يتحدد ببيانات الرفض والادانه والاستنكار) فإذا ما نجح في القدس يجري استكمال المخطط في باقي أرجاء الضفة الغربية من ناحية. ويجري وضع شبكة أمان لهذا النجاح (الفوز) بالاختراق الصهيوني لعدد من البلدان العربية لتكون هذه البلدان مرتعاً لهم ويكونوا أسياداً عليها.
الأكيد أن الصهاينة، رواد الحركة الصهيونية وكل تلامذتهم من بعدهم في المؤسسة السياسية والعسكرية والأمنية في الكيان الغاصب يعرفون حق المعرفة أهمية القدس ومكانتها في مشروعهم الاستعماري الاستيطاني لذلك لم يتوانوا يوماً عن الدفع بأقصى المخططات والمشاريع في إطار عملية التهويد والاستيطان وهم لا يقفوا عند أي قرارات أو قوانين دولية تحول بينهم وبين تحقيق هذا الهدف. لكن البعض من أبناء جلدتنا فلسطينيين وعرباً ذهبوا لحديث الحلول والتسويات حديث المدينة المفتوحة للديانات وكأن الأمر يتعلق بالعبادات وحديث مدينة السلام لبني البشر إلى آخر هذه المعزوفات التي وضعت القدس في مهب الريح وفتحت الباب لتصفية قضية فلسطين.
على ضوء ذلك يتوجب النظر إلى مشهدين في القدس. مشهد الحرب والعدوان عليها ومشهد المقاومة والصمود والمرابطة والتصدي وهو ليس حديث العهد. فقد بدأ منذ أن وطأت أقدام الصهاينة أرض فلسطين منذ العشرينبات من القرن الماضي وأهل القدس يواصلون النضال ويتصدون لوعد بلفور والهجرة ومخططات الاستيلاء على الأقصى. لقد كانت هبة البراق عام 1929 في القدس دفاعاً عنها وعن الأقصى تلك الهبة التي أشعلت فلسطين كلها. كل المعارك النوعية في تلك الفترة كانت في القدس. معركة القسطل كانت في القدس، معركة رأس العين كانت في القدس، تفجيرات حي القطمون التي أوقعت الخسائر في جنود الاحتلال البريطاني كانت في القدس. ومنذ عام 1967 تواصلت المقاومة بالصدور العارية واللحم الحي، اندلعت الهبات في القدس، انتفاضة الأقصى اندلعت في القدس. وكان أهل القدس هم خط الدفاع الأول عن فلسطين وكانت المعادلة تقول أن كل نجاح في القدس يحققه الصهاينة يوازيه نجاح آخر على أرض فلسطين وكل نجاح للصهاينة يوازيه نجاح واختراق على يد أولي الأمر في بلادنا والقابضين على السلطة والثروة والسلاح ليوظفوها لتحقيق المشروع الاستعماري الاستيطاني في بلادنا.
ما نشهده اليوم في القدس هو في إطار عملية الصراع المتواصلة ضد الاستيطان المتوحش ومخططات التهجير وطرد أصحاب الأرض من أراضيهم وديارهم كما يجري في الشيخ جراح. ومشهد المقاومة الذي بات يقلق العدو ويتخوف منه ويشحذ كل أمكانياته لإخضاعه. وهنا لا بد من وقفة أمام الأسئلة الحائرة عما اذا كان ما يجري في القدس بمثابة هبة أو انتفاضة. أو إذا كان ممكنا ان يتطور إلى هذا النموذج.
إن اختصار النماذج الكفاحية النوعية في نموذجين هما الهبة أو الانتفاضة أمرٌ غير صائب، فالمقاومة الشعبية تحمل نماذج عديدة كل منها هام وحاسم. وأهميته في كونه جاء كما هو في مكوناته، بأسبابه، بعوامل إندلاعه، بأهدافه. والخطأ في الحكم عليه بمقياس الهبة والانتفاضة لأن الأمر ليس رغبة ذاتية وليس قراراً بيد أحد، خاصة وان السؤال لكل أصحاب الدعوات للهبة والانتفاضة: كيف يمكن اليوم لحراك الغضب والسخط على العدو أن يكون هبة أو انتفاضة وأزمة العمل الوطني الفلسطيني تتفاقم، والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة في انكفاء مهما علت التصريحات أو كانت بلاغة البيانات أو الخطابات في ظل انشغال الجميع في انتخابات طال أمدها جعلت من القدس صندوق اقتراع لتسييد مؤسسات ليس بوسعها حماية القدس، حماية عروبتها، حماية حضارتها وليس بوسعها أن تفرض السيادة عليها.
ولكن الأمر الآخر والهام الذي يجب أن يشغل الفكر هو في الحفاظ على هذا النموذج من المقاومة وقراءة طبيعة هذه المقاومة عما اذا كانت فعل احتجاج أو اعتراض أو فعل مقاومة هي في المضمون حرب وتكون في إطار إستراتيجية وتكتيك حرب الشعب، حرب التحرير الشعبية. المقاومة الشعبية السلمية المطلبية الاحتجاجية الاعتراضية يستفيد منها كثيرون في ساحتنا سلطويون وساعين للسلطة أم مقاومة المشروع الصهيوني على أرض فلسطين عبر نموذج حرب الشعب ولهذا إستراتيجيته وتكتيكه ولهذا أدواته وبنيته ولهذا طريق ودرب آخر ليست متوفرة معالمه حتى الآن وأي دفع به دون وضوح يكون كمن أدخل شعبه في متاهة الله أعلم كيف يمكن الخروج منها.
نعيد الأمر للقدس، للمقدسيين، لحراكهم الهائل، لغضبهم وسخطهم. لتصديهم، لبطولاتهم. فهذا يربك العدو، هذا يخيفه، هذا يحرك الضمائر النائمة. هذا يحدث هزات وهزات فربما يصحو النائمون. هذا يصفع ويصفع وجوه الحكام الذين سالموا العدو وصالحوه وعاهدوه ووقعوا الاتفاقات معه ليزيد وجوههم قبحاً وسوادا. الصهاينة وقوى الغرب الإستعماري يدركون تماماً أن القدس إما أن تكون مفتاح نجاحهم ونصرهم أو تكون مقتلهم. فهل يمكن أن يكون هذا مفتاح نضال وطني مشترك وجبهة مقاومة وطنية متحدة تزلزل الأرض من تحت أقدام الغزاة وترسم الطريق ليشهد شعبنا وامتنا والعالم كله يوم رحيلهم عن كل أرض فلسطين؟
أبو فاخر / أمين السر المساعد لحركة فتح الانتفاضة.