أضيف بتاريخ: 02 - 12 - 2020
أضيف بتاريخ: 02 - 12 - 2020
– عبد الكريم الشابي –
ملخص المقال:
العدالة التوزيعية والتمسك بالديمقراطية كوسيلة للمقاومة الشعبية.
عاشت جمهورية بوليفيا على وقع حدثيين على غاية من الأهمية خلال سنة واحدة. حيث استيقظ البوليفيون في شهر نوفمبر من سنة 2019 على وقع انقلاب ناعم من فصيلة “ربيع بوليفي” تم من خلال اختلاق مظاهرات مناهضة للعملية الانتخابية الجارية واتهام الرئيس ايفو موراليس وحزبه “الحركة من أجل الاشتراكية” بالفساد وسوء التصرف في موارد الدولة وتزوير الانتخابات. على إثر هذه المزاعم، تحركت الجوقة العالمية لحقوق الانسان لمطالبة الرئيس المنتخب للتخلي عن السلطة. ما ذكرنا بمأساة ليست بعيدة العهد في دول عربية تكاد اليوم تكون دولا فاشلة. وعلى اثر أعمال الشغب ومحاولة اغتيال الرئيس وقمع أنصاره وتقتيلهم في الشوارع، اضطر الأخير إلى الاستقالة واللجوء إلى المكسيك ومن ثم إلى الأرجنتين.
في أكتوبر 2020، أعادت الصناديق تصويب ما اقترف الانقلابيون اليمينيون حلفاء الإمبراطورية الأمريكية الذين سارعوا إلى قطع العلاقات مع بلدان مثل فنزويلا وكوبا وايران واعادة العلاقات مع كيان العدو الصهيوني في خطوة ديبلوماسية تترجم حقيقة الهدف من الانقلاب. وبعد التمسك الشعبي بتنظيم الانتخابات وافشال مناورات السلطة اليمينية لمحاولة التأجيل والتعطيل اختار البوليفيون اعادة انتخاب الحركة من أجل الاشتراكية بنسبة 55.6 بالمائة مقابل 52 بالمائة فقط في نتائج الانتخابات السابقة الملغاة.
إن السؤال: ما الذي جعل هذه الجمهورية الجنوبية تقارع الامبراطورية وأدواتها في المنطقة وفي العالم؟ يتطلب إجابة تكمن في ثنائية قوية: إيمان الجماهير بامكانية التغيير عبر الوسائل الديمقراطية وتحقيق المساواة السياسية أمام الديمقراطية والإيمان بالعدالة الاجتماعية، بل بالمساواة الاجتماعية.
إذا عدنا لفترة حكم ايفو موراليس و”الحركة من أجل الاشتراكية” والتي امتدت إلى 13 سنة، توجب علينا التذكير بالقفزة المسجلة في مجال التنمية وادماج المجتمعات المحلية والعدالة التوزيعية وابتكار نموذج تنموي محلي يعتد به حتى من طرف المناوئين مثل البنك الدولي. وللتذكير أيضا فإن الرئيس المنتخب حديثا لويس آرسي هو ذاته وزير الاقتصاد في حكومة موراليس وهو مهندس هذه القفزة التمنوية. هذا علاوة على ما يحيل عليه مجرد الاسم الكامل لهذه الجمهورية “دولة بوليفا متعددة القوميات”، وهذا الاعتراف بالتعددية الثقافية والقومية جاء به دستور 2009 في دولة كان السكان الأصليون فيها هم الأكثر فقرا من أمثالهم الجنوبيين بالرغم من أنهم يمثلون الأغلبية ب 70 بالمائة من نسبة السكان.
لقد ساعد عامل الإنتماء الرئيس موراليس، كونه أحد أبناء السكان الأصليين، ساعده على المضي قدما في الإصلاحات عبر تأميم الثروات والالتزام بالاعتراف بالتنوع الثقافي والتركيز على العدالة التوزيعية وفي مقدمتها الصحة والتعليم. وهذا ما دفع هذه الشعوب إلى التنظم في نقابات والانخراط في الحياة السياسية بالرغم من أن بعض المستفيدين أداروا ظهرهم لمسار التغيير في بداية الانقلاب. ومع ذلك سرعان ما استدركوا بأن أحسوا خطر انهيار النموذج والعودة لمربع الليبرالية والأزمات المتتالية (2000-2005) والاقتراض من صندوق النقد الدولي رغم بحار الموارد الطبيعية التي تجري تحت الأرض البوليفية. ومن هذه الموارد النادرة نجد أكبر مخزون في العالم من مادة الليثيوم المعروفة في الاستخدامات التكنولوجية، فهي المادة الأكثر حفاظا على الطاقة وتستخدم في صناعة البطاريات، بطاريات الحواسيب والهواتف الذكية وخاصة السيارات الكهربائية « النظيفة » والتي سيبلغ عددها حوالي 260 مليون سيارة ببلوغ سنة 2040 حسب التقديرات. وبالفعل يمكن أن نقول بأن هذا المعدن الذي تتمتع بوليفيا بالمخزون الأعلى منه عالميا هو بديل طاقي مهم. وهنا نذكر بحديث ايلون موسك، الملياردير الجنوب افريقي الشهير صاحب شركة تيسلا المنتج الأول لهذه السيارات، فعندما سجلت أسهم شركته ارتفاعا مفاجئا تزامنا مع الانقلاب في بوليفيا وعلى اثر انتقادات وجهت إلى سياسات الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أنها تنفذ انقلابا من أجل مصالح الشركة متعددة الجنسيات، أجاب الرجل الثري بكل وقاحة إجرامية: “سوف ننقلب على كل من نريد، عليكم معرفة ذلك والعمل به” في تغريدة من أكثر التغريدات صلفا وارهابا اقتصاديا وسياسيا.
في المحصلة، هذه إضاءة مختصرة عن تجربة بوليفيا الدولة الفقيرة ودولة التنوع الثقافي. إنها جمهورية من جمهوريات الجنوب العالمي المقارع للنظرة الأحادية الكلبية للامبراطورية تجاه مصائر البشر على الأرض. وما أردنا الاضاءة على هذه الأحداث إلا لسببين: الأول للرد على ما يشبه “الاحتفاء” باسقاط موراليس في 2019 عبر احدى الفضائيات التونسية دون أي تحليل ولا أي مبرر موضوعي ولا حتى العودة لتصحيح هذا الوضع في 2020. والثاني للتفكر، ألم نكن لعقود أقل فقرا من بوليفيا، ولسنا بنفس التعدد العرقي والثقافي ولسنا أمام معضلة “الحديقة الخلفية للامبراطورية”، فما الذي يمنعنا إذن من أن نتقدم نحو العدالة التوزيعية ونحقق للشعب ديمقراطية لا تطيح بها الانقلابات ولا تعطلها التبعية وهي السبب الرئيسي للتخلف والسقوط والإرهاب والفساد!