أضيف بتاريخ: 03 - 06 - 2020
أضيف بتاريخ: 03 - 06 - 2020
من ليبيا سيأتي الجديد دوما. ومن تونس يحق لنا الأمل، بل إنه محكوم علينا بالمقاومة من أجل تحقيق الأمل.
لا حلول اقتصادية واجتماعية دون سيادة أمنية وعسكرية. هذا تحديدا ما نريده. ولا حلول وطنية سيادية دون مقاومة جيوسياسية على أسس وطنية ووحدوية ومقاومة شاملة واستراتيجية وهذا بالتحديد ما نرمي إليه بيد واحدة تدرك تشابك الاستراتيجيات المضادة والخرائط المضادة التي يعمل عليها العدو لتغيير الوضع الاستراتيجي لتونس وليبيا وأبعد منهما، تغييره عربيا وافريقيا وإقليميا ودوليا.
بين حكومة موالاة ومعارضة بالوكالة وفي واقع نظام حكم متعدد التبعيات وعديم القيادة الوطنية وصفري الاقتدار على إنقاذ البلد، يصبح كل الجدل القائم في الواقع الموازي المصغر عبئا على تونس. وتصبح مشاهد الصراع بالوكالة المصدرة نحو الخارج مجلبة لكل نزوات وغزوات محورين ممثلين لسياسة الإرهاب والتبعية والتجويع والتطبيع وهما المحور الاخواني ومن معه والمحور الوهابي ومن معه. وكل منهما مرتبط برعاة الفوضى الدولية المكثفة في المركب الصهيو-أميركي الذي لا تخرج سياسة الاتحاد الأوروبي بدوره عنها.
لا تعدو القضية المتنازع حولها هذه الأيام والتي طفت على السطح أكثر من غيرها، لا تعدو أن تكون أكثر من ذريعة وسياق لاغراق البلد نحو متاهة المنصات على الطريقة السورية والتي أصبحت أمرا واقعا في ليبيا ولم تكن تونس معفية من المشاركة في تخريب ليبيا وتهجير وتذبيح شعبها بل لعبت دورا بارزا في ذلك إلى جانب العدو الأطلسي والعدو الخليجي بحقائق ووقائع لا تقبل اللبس والتشكيك. وللتاريخ، لا توجد أي كتلة برلمانية على الإطلاق صادقة صدقا فعليا وواعية وعيا فعليا بأهمية هذه القضية الليبية، وحتى الذين صححوا مواقفهم رويدا رويدا بعد سنة 2011 بسنوات متفاوتة لم يقطعوا حتى هذا اليوم من سنة 2020 مع سياسة اللعب على الحبال والتعاطي مع الشأن الوطني بأسلوب انفصامي محض وهم يعلمون انه لا سياسة وطنية ثورية وشعبية بسياسات استعمارية وبسياسات خارجية معادية لشعوب الجوار بل لشعوب الحال لا شعوب الجغرافيا وتابع بعضها مهادن آخر حتى يومنا هذا لمحور الإرهاب والتبعية والتجويع والتطبيع الذي ذكرنا.
انه لا يمكن لعاقل على وجه الأرض أن يتصور هؤلاء قادرين على المساهمة الفعالة والصحيحة في تخفيف سفك الدماء في ليبيا وتحجيم التدخل الأجنبي فيها والتدرج رويدا رويدا نحو الحل بالمقاومة الشعبية والمسلحة ضد كل عدو خارجي أو بالتنازلات الكبرى والتفاهم السياسي المحلي والمرحلي شرط اخراح كل عدو مشخص في الذين مدوا اياديهم الاثمة لقتل الاخوة الليبيين ومدوها للنهب والتقسيم، لا يمكن تصورهم على هذا الطريق وهم غارقون في التبعية التي عممت الفساد والانتهازية والعجز في مستوى تبني مشاريع ورؤى وطنية بديلة خاصة في الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية غير الممكنة دون حد متقدم من السيادة الأمنية والعسكرية.
لا نريد أن نطيل الكلام ونجعله ثرثرة ولا نريد أن نمططه ونجعله جمعا لمعدلات ونسب وأرقام وتصريحات وتخمينات… الخ. ولذلك نوجز في القول بأن ما نراه من اختصامات سلطوية موجهة ووصولية مضمرة جوهريا نتيجة العجز عن الإمساك بزمام الحكم من جهة وعلى فرض سياسات أخرى من جهة أخرى، وما نراه من لغو يومي حول النظام السياسي والنظام الانتخابي والاصطفاف ما وراء الحدود وخطابات البرلمان والحكومة وخطابات الثكنات والرئاسة لا يقوم على شيء يبنى عليه ولن يؤدي إلى شيء يبنى عليه. هذا عدا عن الظواهر الاحتجاجية الجديدة والأسماء والوجوه الغريبة التي ملئت الفراغ الذي تركه من افنوا أعمارهم في النضال وخرجوا أو تراجعوا نتيجة أخطاء قاتلة أو نتيجة وعي شعبي مدمر أو مهما يكن من أمور ثالوث التبعية والإرهاب والفساد بثالوث المال والسلاح والإعلام.
لقد جعل نظام الحكم الحالي من البلد حلبة موالين ووكلاء وظواهر نزلت بأدوات وفي سياقات لا يسيطر عليها الشعب بغالبيته ولا تسيطر عليها الدولة بطبيعتها وبمن فيها وما فيها وهذا النظام يجب أن يرحل برمته وعلى أيادي الأحرار الشرفاء المضحين وان استوجب الأمر مزيدا من الفرز الحاد جدا داخلهم لسد أبواب التخريب باسم الهوية أو باسم الحرية وباسم الزعيم أو باسم جبهة المقاومة الجيوسياسية.
ليس من المهم أبدا اقتراح لائحة أخرى من الخطط والأشكال والاليات والبرامج فلقد قمنا بذلك نحن وغيرنا أكثر من مرة وإنما المهم أكثر من التخطيط والتنفيذ، صدمة الوجود.
يا سادة، تونس وشعب تونس في مرحلة تهديد استراتيجي دقيق جدا؛ تونس وشعب تونس، إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن تهديد الوجود على غرار التصفية السياسية الداخلية وعلى غرار تصفية الوطن الليبي دولة وجغرافية، تهديد قائم بالقوة.
إننا لا نميل الآن إلى استعراض نظري مطول حول من وكيف يعملون على جعل تونس حديقة خلفية أو مجرد ثقب خلفي في باب خلفي ولا شك أن المقاومة الجيوسياسية هي مقاومة حتى الموت على الوجود والبوصلة والثوابت والمقدرات والوجهة والمصير. غير اننا في العاجل القريب ونحن ندعي كوننا جنودك يا وطن ودمانا حدودك وعقيدتنا نداك ومدانا أرواحنا وفداك نرى انه بات من الضروري على الذين ياخذون الأمور على محمل الجد أن يفعلوا كل ما بوسعهم دون تأخير لإلغاء اتفاقية العميل الاستراتيجي مع حلف الناتو ولاقرار قانون يمنع العمل الأجنبي الأمني والعسكري والاستخباري داخل وعلى الحدود التونسية مع تعريفه تعريفا دقيقا يأخذ بعين الاعتبار كل ما هو غير تقليدي في هذا الصدد ويضع حدودا دقيقة لأي تعاون أو تبادل أو تنسيق غير عدائي ضمن رؤية واضحة ومحينة للعقيدة الأمنية والعسكرية الاستراتيجية للبلاد التونسية.
لا شك أن ذلك يتطلب مقولة “حدد عدوك” ويردفها باطروحة “فعل سيادتك واحم بلادك” تحمي شعبك وامتك وتنشد لوطنك: “رفرف علوك”.
صلاح الداودي