أضيف بتاريخ: 23 - 03 - 2020
أضيف بتاريخ: 23 - 03 - 2020
* ملاحظة: الالفاظ واللغة خارج مسؤولية الشبكة.
“ناقش المعهد تفشّي فيروس كورونا وانعكاساته الدولية والإقليمية وكذلك على إسرائيل. مؤسسة الدراسات الفلسطينية نشرت ترجمة لأبرز المناقشات التي جرت بين عدد من الخبراء الإسرائيليين من أكاديميين وأمنيين في الثاني عشر من آذار/مارس الحالي.
المعركة الدولية
حلّل المشاركون في النقاش سيناريوهين عالميين أساسيين:
الأول، تفاؤلي نسبياً، (الكورونا مثل “أنفلونزا قوية”)، وبحسب هذا السيناريو خطوات مواجهة ناجعة، وربما أيضاً ارتفاع حرارة الطقس في شهري نيسان/أبريل ـ أيار/مايو، سيؤديان إلى تباطؤ كبير في وتيرة انتشار العدوى، ويمكن النجاح في احتواء الفيروس في الصين، وفي أغلبية الدول الأوروبية، وفي الولايات المتحدة. مع عودة العلاقات التجارية والاقتصادية إلى مساراتها في الربع الثاني والثالث من السنة، وكذلك انتعاش قطاعات السياحة والطيران، وسيحدث انخفاض ضئيل في معدل الناتج المحلي السنوي.
السيناريو الثاني أكثر تشاؤماً (“وباء عالمي مستمر”)، بحسب هذا السيناريو، أغلبية الدول في العالم لن تنجح في إبطاء وتيرة العدوى واحتواء الوباء على الأقل في الأشهر الستة القادمة (وعلى ما يبدو، حتى نهاية السنة). في مثل هذا الوضع، سيحدث ضرر كبير جداً في العلاقات التجارية والاقتصادية، وفي حركة الأشخاص والبضائع بين الدول. وستدخل اقتصادات العالم في حالة ركود عميق، وسيلحق ضرر بالغ بالناتج العالمي، ويمكن أن يموت عدة ملايين من الناس في شتى أنحاء العالم.
لن تؤدي الأزمة إلى حسم في التنافس بين الدول العظمى، ويبدو أن اللاعبين العالميين، في أغلبيتهم، سيخرجون متضررين. على الأقل في المدى القصير، على ما يبدو، سينكفئ اللاعبون في المنظومة الدولية على أنفسهم، وستزداد السياسات الانعزالية، وستكون مساعدة الدول الكبرى للدول التي تعاني جرّاء تفشي الكورونا محدودة جداً. هيئات راديكالية (مثل حركة اليمين المتطرف، وتنظيمات إرهابية، وأيضاً أنظمة استبدادية) في إمكانها استغلال الوضع السيء لتنشط تحت حماية الهلع.
تهديد الولاية الثانية لترامب
أكبر تهديد للاقتصاد العالمي (والإسرائيلي) سينبع من تباطؤ النمو أو النمو السلبي في الولايات المتحدة. في هذه المرحلة، ليس واضحاً ما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على معالجة الأزمة بنجاعة، وعلى السيطرة على تفشّي الفيروس. لهذه الغاية، تفرض معالجة الأزمة تغييراً جوهرياً في السلوك الذي يمتاز به الرئيس دونالد ترامب، وضمن هذا الإطار أيضاً، اعتماداً متزايداً على المستوى المهني -العلمي الذي توجد بينه وبين الرئيس ترامب هوّة من الشكوك وعدم الثقة. في جميع الأحوال، ما نشهده هو ضربة قاسية موجهة إلى نقطة ضعف ترامب في ذروة سنة انتخابات عاصفة: هبوط في الاقتصاد وأسعار البورصة اللذين كان نجاحهما سبب نجاحه كرئيس للولايات المتحدة. أزمة الكورونا يمكن أن تؤذي القاعدة المؤيدة لترامب قبيل الانتخابات، ويمكن أن تشكل تهديداً حقيقياً لاستمرار ولايته. ومثل هذا السيناريو له انعكاسات شديدة الأهمية على إسرائيل التي منحها ترامب حتى الآن تأييداً واسعاً ودعماً غير مسبوق. إذا فاز الديمقراطيون ودخل إلى البيت الأبيض رئيس ذو مواقف أكثر تحفظاً إزاء إسرائيل، من المنتظر أن يستمر التأييد لها، ويستمر هامش حريتها، لكنهما سيكونان محدودَين أكثر. وكلما أصبحت الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة أكثر عمقاً، أيضاً ستزداد معقولية المس بالمساعدة الأمنية لإسرائيل.
النموذج الصيني.. يراكم دولياً
مع عدم وجود معلومات مخالفة، يبدو أن الصين تُظهر مواجهة فاعلة للأزمة، بعد المرحلة الأولى من الكشف المتأخر والتزام الصمت. لقد أثبتت آليات الرقابة والقمع المتطورة فعاليتها، على ما يبدو، طبعاً مع الثمن الباهظ الذي تكبده الاقتصاد والحياة الخاصة.
النموذج الصيني (“الاستبدادي الرأسمالي”) يمكن أن يعجب الجماهير ويراكم شعبية، على الرغم من الصعوبات الكثيرة التي تعترض تطبيقه في دول أُخرى. أيضاً من دون تبنّي النموذج الصيني، حلُّ تعقّب المواطنين وتقليص حرية حركتهم في أثناء الأزمة تبنته دول إضافية. نظام تفشّي الفيروس ومواجهته (من الصين إلى الغرب) يمكن أن يمنح الصين تفوقاً عندما سيحدث طلب على مواردها من الاقتصادات التي تضررت، وربما سيكون من الصعب على الدول الغربية منافستها.
لقد سبق للرئيس فلاديمير بوتين أن استغل الفرصة لتمديد ولايته حتى سنة 2030. أيضاً قراره فض الشراكة مع أوبك بهدف المس بصناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة وإظهار قدرته على إيذاء الاقتصاد العالمي، يمثل استغلالاً للفرصة
تصدع الإتحاد الأوروبي
الوضع الحقيقي لتفشّي فيروس الكورونا في روسيا غير واضح، لكن يمكن أن نتوقع أن تتمسك موسكو باستراتيجيا المواجهة التي تميزها، وتشمل حرب معلومات واستغلال فرصة زمن الأزمة وتحويل الانتباه. لقد سبق للرئيس فلاديمير بوتين أن استغل الفرصة لتمديد ولايته حتى سنة 2030. أيضاً قراره فض الشراكة مع أوبك بهدف المس بصناعة الزيت الصخري في الولايات المتحدة وإظهار قدرته على إيذاء الاقتصاد العالمي، يمثل استغلالاً للفرصة.
الأزمة في أوروبا، التي يشتمل سكانها على عدد من كبار السن أكثر مما في أماكن أُخرى في العالم، يمكن أن تؤدي إلى اتساع التصدعات الموجودة في دول القارة (صراع بين يمين راديكالي ويسار اجتماعي، أزمة لاجئين)، وإلى انهيار البنى التنظيمية الضعيفة، وحتى إلى ضعف الأساس الذي يعتمد عليه الاتحاد الأوروبي نفسه ومؤسساته.
المعركة الإقليمية
حالياً، يبدو أن فرص التصعيد في الشرق الأوسط تراجعت جرّاء انشغال كل اللاعبين الإقليميين بالأزمة. بحسب التقارير الرسمية، تفشّي فيروس الكورونا في دول الشرق الأوسط محدود الحجم، باستثناء إيران. مع ذلك، من المعقول أن التقارير لا تكشف الوضع كما هو، وذروة تفشّي الفيروس في الشرق الأوسط لا تزال أمامنا. علاوة على ذلك، يمكن أن تشكل المنطقة وكراً ملائماً لانتشار خطير للفيروس بسبب الكثافة السكانية الكبيرة في جزء من المدن، وبسبب ملايين اللاجئين والنازحين في المنطقة. هذا الانتشار سيؤدي إلى أزمة إنسانية عميقة واسعة، وإلى تعميق المشكلات الأساسية التي تهدد استقرار الأنظمة.
يبدو في المدى الزمني القريب أن تأثير تفشّي الفيروس في إيران سيلجم سياسة الاستفزاز الإيرانية ويقيدها، سواء في الساحة الإقليمية أم في المجال النووي
لجم إيران
بالنسبة إلى إيران، تفشّي الكورونا أصاب النظام في واحدة من فترات الحضيض الأكثر عمقاً بالنسبة إليه. أزمة النفط المستجدة، بالإضافة إلى أوضاع اقتصادية صعبة، الثقة المتدنية كثيراً بالنظام، وإنكاره الأزمة، بالإضافة إلى طريقة تعامله الفاشلة معها – كل ذلك يعمق أزمة الثقة حياله وسط الجمهور (…).
يبدو في المدى الزمني القريب أن تأثير تفشّي الفيروس في إيران سيلجم سياسة الاستفزاز الإيرانية ويقيدها، سواء في الساحة الإقليمية أم في المجال النووي (إمكان أن تقوم إيران تحت غطاء الأزمة بتسريع تقدمها في المجال النووي موجود، وهذا ما يفرض متابعة واستعداداً، ولو أنه يبدو حتى الآن ضئيل المعقولية). في المدى الأبعد، بعد عدة أشهر، من المتوقع عودة إيران إلى سياسة الاستفزاز.
في ما يتعلق بالمواقف من المفاوضات مع الولايات المتحدة، ما دامت إيران تواجه ضائقة متصاعدة وتخسر أدوات الضغط، فإن سيناريو مجيئها إلى طاولة المحادثات من أجل التوصل إلى اتفاق نووي جديد يبدو ضئيلاً (…).
إنهيار إقتصادي للسلطة الفلسطينية
يحاولون في السلطة الفلسطينية وقطاع غزة، محاكاة طريقة مواجهة إسرائيل لتفشّي الفيروس، وفرضت السلطات قيوداً صارمة بشكل خاص في محاولة احتوائه. تجسد الأزمة أهمية سلطة فلسطينية قوية وفاعلة. ومن دون سيطرة فعالة للسلطة على الوضع، فإن تفشّي فيروس الكورونا يمكن أن ينزلق إلى إسرائيل. تشديد القيود على المعابر بين إسرائيل ومناطق السلطة (منع دخول عمال فلسطينيين وانتقال بضائع) التي ستستمر أكثر من شهرين، يمكن أن يخلق أزمة اقتصادية خطيرة تتسبب بالانهيار الاقتصادي للسلطة وفوضى خطيرة في الضفة الغربية.
لذلك من المهم أن تدفع إسرائيل قدماً بالتعاون مع السلطة الفلسطينية، ومع الدول التي عقدت معها اتفاقات سلام (مصر والأردن) من خلال تعاون علمي طبي، وتأمين معدات ومستلزمات طبية، وتنسيق أنظمة الحدود والتنقل على المعابر.
الهدوء النسبي على الحدود مع قطاع غزة في الأيام الأخيرة ناجم عن تركيز “حماس” على محاولتها منع تفشّي الفيروس، وعن التسهيلات الواسعة التي اتخذتها إسرائيل. تقليص التسهيلات أو حجم التعاون في مجال محاربة الفيروس، يمكن أن ينهي الهدوء الأمني ويزيد من معقولية حدوث تصعيد وتجدد الاضطرابات على السياج في القطاع.
إسرائيل: سيناريوهات متعددة
التضافر الخاص بإسرائيل، بين الأزمة السياسية وازدياد التحديات الأمنية ووضع بداية العجز المالي، وبين تفشي الكورونا، إشكالي جداً. أظهر النقاش أن إسرائيل يمكن أن تجد نفسها في مواجهة السيناريوهات التالية:
دولة تعاني أنفلونزا” (سيناريو متفائل): وفقاً لهذا السيناريو، ستتباطأ في الربيع (الحالي) وتيرة العدوى بصورة كبيرة، وسيصل عدد المرضى في البلد إلى المئات، وستسجَّل حالات وفاة متفرقة؛ الفيروس يجري احتواؤه أيضاً في الصين، وفي أغلبية الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة، بحيث تنحصر القيود والعزل فقط في الدول التي يتفشى فيها بصورة كبيرة؛ تعود العلاقات التجارية والاقتصادية ببطء إلى مساراتها، وينتعش قطاعا السياحة والسفر. في مثل هذا السيناريو، سيحدث انخفاض محدود، بين 0.5 إلى 1% في الناتج المحلي، ومع ذلك سيبقى النمو السنوي بمعدل نحو 2%..
دولة “منع تجول” أو “دولة مريضة”: هذان السيناريوهان منفصلان، المشترك بينهما هو أن الأزمة لن تنتهي خلال النصف القادم من السنة، والناتج المحلي سيتضرر بصورة كبيرة، وسيكون النمو السنوي سلبياً. لكن هناك فارقاً بينهما في طريقة معالجة الدولة للأزمة – من خلال مواصلة إجراءات عزل مشددة، وحتى إغلاق (كما في إيطاليا)، أو محاولة العودة إلى النشاط الاعتيادي في الاقتصاد مع مواجهة انتشار جماعي. ثمة سيناريو أكثر خطراً هو “دولة منهارة” أي فقدان السيطرة على الفيروس، الأمر الذي سيؤدي إلى انهيار الخدمات وفقدان الثقة بالحكومة والسلطات.
يمكن أن نرى في الأزمة نوعاً من “تدريب” يحاكي حالة طوارىء وطنية، ويسمح بفحص وتحقيق آليات زيادة المناعة الاجتماعية والوطنية، بواسطة استخدام مجموعات مدنية، والعمل عن بعد من خلال الانترنت، ومواجهة الأعباء في المستشفيات
الجيش الإسرائيلي وكورونا
التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي في الوضع الحالي هي:
أولاً، المحافظة على جهوزية وصحة الجنود، بصورة تسمح بتقديم رد على التحديات الأمنية؛
ثانياً، المساهمة في مساعدة الجهاز المدني الذي يبدو أنه يحتاج إلى مثل هذه المساعدة ما دامت الأزمة مستمرة؛
ثالثاً، المحافظة على الأهلية والدفع قدماً بعملية بناء القوة في الأوضاع الجديدة.
في هذا السياق، جرى الحديث عن حاجة الجيش الإسرائيلي إلى خطة متعددة السنوات لبناء القوة، لكن ثمة إجماع على الشك في توفير تمويل لتحقيق الخطة المتعددة السنوات التي بلورها رئيس الأركان أفيف كوخافي (“تنوفا”). وهذا الإدراك ناجم عن ضرورة تخصيص موارد لمجالات أُخرى (الصحة وإعادة بناء الاقتصاد).
حالة طوارىء وطنية
الطلب من المؤسسة الأمنية المشاركة في المعركة المدنية ضد تفشّي الكورونا تفرضه السمات الخاصة لإسرائيل، وهو يتطلب تغييراً في نظرة الجيش الإسرائيلي والتنظيمات الأمنية الأُخرى. مع ذلك، برز في النقاش أيضاً رأي يرى أن هذه الخطوة يمكن أن يتبين أنها خطوة خاطئة بسبب المدة الزمنية غير المعروفة لاستمرار الفيروس (التي يمكن التوقّع أنها طويلة نسبياً)، والتي سيجرى خلالها تحويل اهتمام هذه التنظيمات عن مهماتها الأساسية. يبدو أن المطلوب في هذا الشأن توازن معقد، يأخذ في الاعتبار حاجة تنظيمات الأمن إلى المحافظة على جهوزيتها الأساسية خلال تفشّي الفيروس.
بالنسبة إلى الفرص، يمكن أن نرى في الأزمة نوعاً من “تدريب” يحاكي حالة طوارىء وطنية، ويسمح بفحص وتحقيق آليات زيادة المناعة الاجتماعية والوطنية، بواسطة استخدام مجموعات مدنية، والعمل عن بعد من خلال الانترنت، ومواجهة الأعباء في المستشفيات”.