أضيف بتاريخ: 05 - 12 - 2016
أضيف بتاريخ: 05 - 12 - 2016
في الحرب كما في السياسة، لا تكفي صحة القضية التي تناضل من أجلها إذا لم تقنع الناس بصحتها، فكم من قضية باطلة ساندها الناس واصطفوا وراء مروجها لحسن ترويجه لها. فلا يكفي أن تكون على حق للنجاح دون أن تمتلك تلك (الأداة من أدوات) القوة الناعمة التي تسمى “التواصل الجماهيري” (إشراك الجمهور في الإعلام ). فإذا نجحت في الدعاية لمشروعك فان جزءا كبيرا من النصر قد تحقق إذن لك.
ولعل سبب نجاح المقاومة في تموز 2006 عائد بالدرجة الأولى إلى مزاوجة الإستعداد العسكري أي القوة الخشنة مع القوة الناعمة، (ونحن هنا نأخذ مفهوم القوة الناعمة بمعناها العام وليس بالمعاني الدقيقة حصرا )، المتمثلة في خطابات السيد “حسن نصر الله” من خلال تحويل رأس المال الرمزي إلى فعل تاريخي أي إبراز صدق المقاومة وقضيتها مقابل كذب العدو وبطلان مشروعه. كما لم تكتفي المقاومة بهذا الخطاب بل أبدعت شعاراتا- حقائق جديدة لعل أبرز عناوينها أن “العدو أوهن من بيت العنكبوت” وأرست على الأرض مفاهيما جديدة في الصراع العربي – الصهيوني منها: “المقاومة بدل التفاوض والمساومة”و “زيف قوة العدو الصهيوني” و “انتهاء ثقافة الاستسلام و الإنهزام” و “تطايق الفكر والخطاب مع الممارسة” مما فتح بابا واسعا من ممارسة الحروب النفسية أصبح يفرض على كيان العدو متابعة إعلام المقاومة وأخذ تهديداتها بجدية لم تكن معتادة من ذي قبل.
والواقع يثبت الآن صوابية هذه الإستراتيجية الإعلامية بالنظر الى هلع العدو من تهديدات السيد حسن نصر الله بضرب حاويات الامونيا في حيفا مثلا والذي جعل العدو الصهيوني يجري اجتماعات دورية من أجل نقلها إلى مكان آخر، كان آخرها الأسبوع الفارط بطلب من حزب “مستقبلنا” ورئيس بلدية حيفا وهذا دليل على مدى تأثير الحرب النفسية في إرباك العدو والتأثير في المزاج العام.
وعلى سبيل المثال، أكد بحث علمي أجري في كلية “تل حاي” في شمال فلسطين المحتلة أن 80٪ من الصهاينة يثقون بالسيد حسن نصر الله. وقد نقلت صحيفة “يديعوت احرونوت” عن ضابط صهيوني أن كبار الجنرالات في حرب تموز كانوا يترقبون تعاطي حزب الله مع ما يجري في القطاع و قراءة السيد “حسن نصر الله” لما يجري، وهذا بالطبع ليس شيئا جديدا. كذلك ذكر نائب رئيس وزراء العدو خلال الحرب إن حزب الله أدار معارك نفسية ناجحة رغم اختلال موازين القوى بين الطرفين، ولذلك بالذات نحن نؤكد على هذا الموضوع.
هذا دليل على قدرة المقاومة على إستثمار الإعلام في معركتها والترويج لمظاهر قوتها وضعف عدوها. بالمقابل، إستطاع الإعلام المعادي مثلا صناعة مفاهيمه ومصطلحاته كتسمية “الربيع العربي” على سبيل المثال، وهي بالمناسبة أسم من أسماء مكاتب فرق الإدارة الأمريكية العاملة على منطقتنا، لا للحصر إضافة إلى حملات من قبيل حلب تحترق… إلخ.
لم بكف الإعلام المعادي عن محاولات هز وتشويه صورة المقاومة في وجدان المواطن العربي تارة عن طريق إتهامها بخدمة أجندات إقليمية وتارة بإلباسها زيا طائفيا كذبه واقع إلتفاف عدة طوائف وأحزاب علمانية حولها، علما وأنها، أي الطائفية، عنوان من عناوين الكيان الصهيوني وتكتيك قديم من تكتيكاته يعمل عليه منذ عدة سنين وهو دائم الإقرار في مؤتمرات هرتزيليا وثابت من ثوابت سياسة العدو وأعوانه.
ونتيجة لفشل سياسة عزل المقاومة طائفيا، لجأ المحور المعادي إلى التلويح بورقة هدم مقام السيدة زينب في دمشق كما فعل بمقامات أخرى سابقا في العراق، وهاجم المقام عدة مرات وكتب عليه شعارات مسيئة من نوع السبي وغيره من أجل إثارة جمهور المقاومة وجره الى رد فعل طائفي لم ينجح رغم استشهاد شباب المقاومة دفاعا عن المقام. لكن تعاطي محور المقاومة كان ذكيا إذ أكد على أن الذهاب إلى دمشق سياسي وامني ووجودي وتعهد بالحفاظ على سلامة المقام وهدأ من روع الشارع. كما دأب السيد “حسن نصرالله” في خطاباته على إبراز طبيعة الصراع الدولي الذي يجري في المجال العربي دون إنجرار إلى الطائفية أو إستخدام السلاح في الداخل مما أثار حفيظة المحور المعادي وخصوصا شقه الخليجي الذي استعمل كل الوسائل القذرة وفشل فيها جميعا بما في ذلك إسقاط إعلام المقاومة من الأقمار .
في مقال أصدرته الإعلامية والكاتبة “زينب عقيل”، ذكرت أن الإعلام الخليجي يرتكز على ثالوث إعلامي خطير يرتكز:
على الكذب أي ذكر إحداث غير موجودة، وعلى التضليل وعلى الخداع، وإلى ذلك نضيف مسألة رابعة قد تتفرع عن الثالثة وهي تعويم القضايا الرئيسية. و كمثال على ذلك، حصر الصراع الرئيسي في رواية “الديمقراطية و الاستبداد” أو الحديث عن “ثورة الشعب السوري ضد طاغية” دون ذكر أن من يقوم بالمعارك هم من جنسيات مختلفة إذ يذكر معهد فيريل مثلا بأن عدد المقاتلين الأجانب الذين دخلوا وخرجوا إلى ومن الأراضي السورية يقترب من 360 ألف إرهابي. إضافة الى ذلك، يركز الإعلام الخليجي على جملة من النقاط أهمها:
1) تفعيل خطاب المظلومية الذي يؤثر في الشخصية القاعدية للمواطن العربي وذلك راجع – حسب المفكر هشام جعيط – إلى الشعور بالخيبة التي عرفها المواطن في أوطاننا بعد فشل المشاريع التحررية، وفشل دول ما بعد “الإستقلال” في تحقيق الحد الأدنى الرفاهي للمجتمع و الانكسارت الحياتية الدائمة.
2) حشو هذا الخطاب الإعلامي بمضامين طائفية ومذهبية تشيطن الآخر وتصوره بمظهر المتامر. وقد اتضح أن بعض المواطنين تفاعلوا وتلقوا هذا الخطاب بشكل إيجابي مما سمح حينها بتزييف صراع المحاور الدولية في سوريا وتحويله على حرب دينية في الظاهر. كما استهدف هذا الخطاب تقليص شعبية السيد “حسن نصرالله” ودوره في أذهان المواطن العربي من قائد للأمة العربية والإسلامية إلى زعيم لطائفة معينة فقط.
غير أن هذه الإستراتيجية الإعلامية الخليجية تعرضت للفشل في سوريا بعد بروز “زيف مقولة الثورة” و “انكشاف الإرهاب” المدعم محليا ودوليا إضافة إلى الكشف عن الترابط العضوي بين ما يسمى بالثوار وأكثر الأنظمة رجعية في العالم. وثالثا، انكشاف طبيعة المعركة التي تمثلت غاياتها في إعادة هندسة الجغرافيا العربية وأبعادها الجيوسياسية. ورابعا، تجمع الأعداء في نفس الخانة وانكشاف مصالحهم المشتركة.
لقد ثبت أن الحروب المعاصرة هي حروب إعلامية بامتياز. أهم ركن فيها هو العمل على التعريف بالقضية وتوضيح طبيعة الصراع. ومن ينجح في هذه المهمة يكون قد سار على الطريق الصحيح وهذا ما أتقنه محور المقاومة من خلال إرسال رسائل خاصة وصور معينة ومن خلال إعلامه الحربي الذي يتمتع بكفاءة عالية بينت طبيعة المعركة العسكرية والإستراتيجية وسائر إعلامه الإخباري والسياسي التثقيفي الذي بين أبعاد المعركة فكريا واقتصاديا وسياسيا وحضاريا. وما عرض القصير الأخير الذي قام به حزب الله كرسالة وصورة إلا دليلا على ذلك، مما ترك الخبراء الصهاينة يعتبرون إن القصير قاعدة إمداد أساسية للحزب وأن الحرب القادمة لن تكون محصورة في جنوب لبنان بل إن الجبهات ستفتح من البقاع و جبال القلمون إضافة إلى الجولان المحتل.
حسان المبروكي