أضيف بتاريخ: 20 - 12 - 2019
أضيف بتاريخ: 20 - 12 - 2019
نقصد هنا باقتصاد الرئيس الثالوث السحري شعب/مشاريع شعب/ سيلان أموال. ثم ننوه ان هذا التقدير التالي للأمور ينسحب أيضا على أي حكومة مادامت ليست حكومة طليعة وطنيين منحازين لسيادة الوطن والشعب وعلى أي برلمان لا يفرز تحالفا اجتماعيا هو تحالف قوى الشعب وعلى أي رئيس لا يكون قيادة وطنية ريادية ويكون حاملا استراتيجيا لمشروع تحرر وطني قيد الإنجاز مهما كان نظام الحكم بشقيه السياسي والانتخابي ومهما يكن قياس فشله من نجاحه.
وبصرف النظر عن الاختصاصات أو الصلاحيات وبقطع النظر عما اذا كان كلام الرئيس في سيدي بوزيد إعادة لذكرى قديمة في المكان والزمان وعما إذا كان مباشرا أو بثا تجريبيا أو خطابا مفكرا فيه أو مجرد تنفيس ذاتي، أمام واقع الإمكانيات والمقدرات، اللهم بعض المعالجات لتحسين الخدمات الصحية والتعليمية على سبيل الذكر، تتنازع واقع الحال بلا شك انحرافات اقتصادوية شعبوية شتى.
يهيمن على هذه الانحرافات المصطنعة بفعل التبعية ونظرية التنمية التابعة ولا شك رأس المال المدول الذي بات معولما مندمجا في بعض الدول ومعلوما وهامشيا في دول أخرى. ولا يعاني بلدنا في واقع الحال تبعية اقتصادية متعددة الاتجاهات وإنما أيضا تبعية فكرية مركبة وتضخما للتهافت الشعبوي المكثف، وكله باسم الشعب.
يوجد أمر آخر مقلق جدا إلى جانب ما يسمى التضخم الجامعي والاكسبارتوقراطي والإعلامي المخصص للتمارين السهلة وهي التحليل والنقد للبيانات الاقتصادية والمؤشرات والميزانيات…الخ وهو التضخم الشعبوي. غير أن هذا التوجه المسهب المفرط يستهدف في العادة المدارس والنماذج الاقتصادية الكبرى اما لبث ياس حاصل أو لاصطناع أمل مبني على الوهم.
يعزز هذه الحقيقة في ظننا أيضا رهط من الايديولوجيات المزيفة للوعي العام وللرأي العام الاجتماعي دون أي تدقيق أو تمحيص وخاصة ايديولوجيا الشعب وايديولوجيا التنمية
دون أي إثارة في الأوساط المعنية للحالات الخصوصية التي تكون فيها التبعية عائقا حقيقيا أمام التنمية أو بالأحرى الإنماء ومتى تكون التنمية التابعة نفسها عائقا أمام الإنماء الفعلي ودون تنبيه أيضا لكيفية الانتقال الشعبي إلى مرحلة يكون فيها الشعب قاطرة للتطور ولا إشارة إلى متي يكون مصدر التعطيل الاكبر أمام تحالف قواه لتحقيق مسؤولية تنمية قوى الإنتاج وبالتالي تخطيط وتنفيذ مهمات الإنقاذ الوطني الشامل في إطار مشروع وطني شعبي واضح المعالم ومتكامل الأركان.
هاهنا وجب توضيح ما يلي: أولا لا يمكن البتة ضمن هذا النظام الاقتصادي السائد في تونس اليوم ولا ضمن شروط النمط التنموي الحالي، لا يمكن الفصل مطلقا بين الرأسمالية والدولة. وهنا لا نعلم لماذا يتم التغافل عن هذا العامل وكيف تحل صعوباته وتناقضاته. وثانيا لن يتسنى لاحد البتة تجاوز استحالة الربط بين الدولة وبرجوازيتها الوطنية اذا جاز لنا تسمية أصحاب رأس المال المحلي من ملاك ومستثمرين وغيرهما برجوازية وطنية ولذلك نبسط لنقول رأس المال الخاص والدولة الوطنية. وثالثا حقيقة استحالة الفصل ما بين هذه الدولة الوطنية والتخطيط المركزي الموجه. ورابعا استحالة تغييب الدولة دون وضعها مباشرة في اليوم التالي تحت وصاية الاستعمار حتى إذا كان هذا التخلي وضعا للشعب وجها لوجه أمام استحالة النهوض دون العناية حقيقة بدور الدولة المباشر دون التخاذل ليلة واحدة.
اننا عندما نذكر بهذه الابجدبات، وكما اسلفنا لا يتعلق الأمر هنا فقط برئيس الجمهورية، نستصرخ الكفاءات من أبناء الشعب ومن المؤمنين بالوطن بابعاده الفكرية والعقائدية العميقة ان يهبوا للتصحيح قبل فوات الاوان. ونعرض هنا مبدئيا ما هو معروف حد البداهة وهو السيطرة على خمسة عوامل وتفيد كلها السيطرة على التراكم قبل الانتقال الكيفي وهي أولا إعادة تكوين قوى العمل وتحقيق الاكتفاء والتوازن. وثانيا السيطرة على تمركز الفائض المالي واستقلاليته النسبية عن المال الأجنبي. وثالثا السيطرة على السوق المحلية التي تخصص للإنتاج الوطني وتحقيق المنافسة الدولية المحدودة. ورابعا السيطرة على الموارد الطبيعية واستخدامها. وخامسا السيطرة على التكنولوجيا الضرورية وإعادة تشكيلها.
ما يعني بالأساس الخروج من وضع نصف ديمقراطية/لا تنمية ومن وضع خطاب الديمقراطية الليبرالية الجديدة وفخ جدلية العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني في ظل نظام راسمالي مشوه وفاسد وتابع وغير مكتمل وما بعد مجرد الاعتراف بالحقوق والمرور إلى تحقيقها ما يتطلب أولا نظرة للعلاقة ما بين الفاعلين في واقعنا وثانيا التفريق الانتقالي ما بين الدولة الجديدة والطبقات الجديدة. وإذا لم يتسنى ذلك يصبح خطاب الحقيقة الثورية لا حقيقة الواقع الاكراهي هو الأولوية. وترجمة ذلك اما الثورة واما الانتحار الجماعي. هذا لأن آليات النظام الاقتصادي يمكن أن تكون عوامل مساعدة كما يمكن أن تكون عوامل تفجير لا تواجه التحديات وإنما تتحمس للانهيار. وان تبلور أي مشروع اما يكون تبلورا وطنيا بمركزية دور الدولة واما بمبادرات شعبية أو معا ولكن بفارق نوعي بين الحالة الثورية والحالة غير الثورية.
أحيانا وهذا الغالب على هذا العصر يصبح مشروع البرجوازية الوطنية مستحيلا وفي نفس الاستحالة يقع مشروع الهيجان الشعبي بلا أفق ثوري واضح ويضيع الاستثناء حتى في ظرف استثنائي.
ونسأل نهاية هل يمكن لاقتصاد منحسر ومنهك مثل الاقتصاد التونسي أن يتكيف مع واقع الصعوبات الداخلية والاملاءات الخارجية بتوقيتها؟ وهل يمكنه فك الارتباط التدريجي حقا دون تناقضات ودون تصادمات وفي توقيت معقول بتوقيت الانتظارات الشعبية؟ وهل يتم ذلك دون أحزاب ثورية ودون طليعة ثورية ودون قوى الشعب المتحالفة؟ وهل يمكن افتراض حالة بين حالتين أي تنمية من خلال التكيف أم انه علينا الانكباب على إبداع لم نره بعد!
صلاح الداودي.