أضيف بتاريخ: 19 - 12 - 2019
أضيف بتاريخ: 19 - 12 - 2019
يتطلب هذا العنوان شرحا أوليا ثم تفكيكا وتاصيلا ودعوة.
يريد الشعب ما يريد في حالتين اثنتين. أولا الحالة الثورية التي قد تنقلب إلى ثورة سلبية وثانيا الحالة السلبية غير الثورية أو حالة الخضوع والتي قد تنقلب إلى حالة انقلابية أو نصف انقلابية، مع ان الفارق النوعي طفيف وعائم غائم. هذا هو أساس النقاش الايديولوجي المركب وغير العلمي حتى هذه اللحظة بين دعاة الثورة ودعاة الانقلاب بينما الحقيقة عصيان اجتماعي تم الانقلاب عليه، أو لنقل حركة ثورية منقلب عليها موضوعية التعطيل في البداية ثم ذاتية التعطيل في النهاية. يريد الشعب (يفعل الشعب ما يريد) ليست الشعب يريد (ما يريد الشعب ان يفعل) حالة استثناية في الحالتين وفي الحالتين حالة طارئة في البدء وحالة طوارىء في المنتهى. وما بين الشعب المريد لقيس سعيد ك(تحصيل حاصل انتخابي) وبين الشعب الذي يريد (ثورة ودولة ومجتمعا كايجاب غير متحقق أو كقوة فاعلة ينقصها الفعل المنجز من حيث تنفيذ المهمات وتحقيق الأهداف) والشعب الذي يريد كلحظة أو كحدث وكوضع عادي دائم فرق كبير. هو يريد دائما وأبدا وعلى الإطلاق وهذا أمر آخر غير الارادة الشعبية المنظمة ضمن سياق الديمقراطية المدنية وبمعادلات والتي هي بدورها غير حالة الطبيعة الخيالية والقانون الطبيعي الخيالي الذي ينقلب إلى قانون القوة صيغة مهذبة لحقيقة البقاء للاقوى.
يرتاب العندليب شيء والعندليب المريب شيء آخر. فقد يرتاب العندليب في الحدائق الغناء (بالتشديد على حرف النون) من عدة عوامل مريبة في الطبيعة، وقد يصبح العندليب مريبا اذا بالغ في الارتياب من نفسه في حالات غير طبيعية. ان عبارة مريب في العنوان ليست سلبية الا بالقدر الذي يتم به التأويل سلبا. واما بالنسبة إلينا فلا تتعدى معنى أو إمكانية معنى أن يكون الرئيس قيس سعيد في حالة تشاؤم ثوري أو أيضا في حالة ارتياب لاسلطوي من حالة السلطة التي ورط فيها نفسه، ما يفسر الأساس الصوفي للسلطة عنده.
يتمثل الأساس الصوفي للسلطة (لا سلبية في عبارة صوفي وإنما في علاقاتها بالسلطة)، يتمثل في أمرين اثنين: اولا في الاعتبار الاطلاقي المعياري للشعب في ذاته لا الشعب في تركيبته التقنية الاجتماعية وفي مفهومه السياسي وفي مكانته القانونية وفي مقامه الدستوري وفي جيله الحقوقي وفي طبيعته وماهيته وجوهره إنسانيا وفكريا واخلاقيا وروحيا… وفي ملكاته كلها وفي أفعاله كلها. وثانيا في الاعتبار الاطلاقي المعياري للقانون في ذاته لا شكله ولا في مضمونه ووضعه وواقعه وتطبيقيته وعلاقته بالقوة وعلاقة القانون بالحق وعلاقة الحق بالعدالة… وهكذا؛ لا الحق في ذاته ولا العدل في ذاته ولا العنف في ذاته ولا الحق القضائي ولا الحق الدستوري… وهكذا.
من هنا، يكون الرئيس قيس سعيد في لبس ايديولوجي خطير ما بين الحالة الثورية والحالة القانونية وما بين الاستثناء والقاعدة وما بين حالة الطوارئ والحالة العادية وما بين المشرع الشارع… وهكذا. والناس والشعب والجماهير… وهكذا. والسلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية والشعبية… وهكذا.
ليس هذا المقام مقام استحضار كون اللغة مؤامرة وانشقاق وكون اللغة خائنة ووفية وكون السيد الرئيس يدرك الفوارق بين يستطيع ويريد ويقرر ويرغب ويقدر وينجز وان في القوة والاقتدار والسلطة والحكم أيضا فوارق جمة وعوالم شتى. هو يستطيع أن يستحضر في مقامات أخرى مونتانيو. وقد يحضره من بعده باسكال وداريدا واغمبان وناغري وغادامير وفيتغنشتين ومن قبلهم ومن بعدهم وخصوصا لوك وتوكفيل ومونتسكيو ورسو وهوبس وهيغل وكانط وماركس وشوبنهاور ونيتشه…الخ. مونتاني هو صاحب مقولة “الأساس الصوفي” ومن بعده التأويل كله. ولكن من قبله القانون الروماني أو الحق الروماني وبيفندورث وكلسن وشميت… وأيضا “العويل العام أو البكاء الشعبي الجماعي”.
يبدو أن الرئيس الشرعي قيس سعيد قد عرف الباب الذي يتسلل منه المارقون والمنشقون والبرابرة الجدد إلى حضيرة المتوحشين القدامى. وفي الشرح تكون كل العبارات الخاصة بتوصيفات الداخلين من الباب إيجابية. اللغة طبعا هي المنشق الأكبر. غير أن الخميرة الثورية تلزمها طاقات وقدرات ومواهب شتى بعيدة جدا عن الرئيس قيس سعيد من حيث الفرق بين الخطاب الإعلامي والخطاب الشعبي وما بين لغة التلقين الأكاديمي المكررة وبين لغة القائد الثوري الشاعر والمسرحي والفيلسوف والعاشق والثائر والمضحي والشهيد والمقدس… واللغة غير اللغة والحركة والروح والدم واللحم والعقل والعواطف الجماهيرية والفيض والشوق والجنون والموت… وأسباب ومقدرات القوة خاصة.
ان فخ الشعبوية المعزولة أمر واقع في أغلب الحالات. وافخاخ الوهم المفارق واقعية في غالبية الأحيان. ولحسن الحظ توصف شعبوية الرئيس المعزولة سياسيا ولكن الكامنة عند فئات من الشعب بشعبوية غير فاشية حتى هذه اللحظة.
لا تتصور أيها الأخ الرئيس وجود فضاء لا نظامي شرعي من الموقع الذي أنت فيه ولا فضاء نظامي غير شرعي حيث أنت. وحذار من كماشة المتناقضات الذاتية ومن الدور والحلقات والمتلازمات. لا تنتحل اللانظامية ولا تشرع نوافذ انتحالك. وليكن المرجع الواقع؛ لا تصورن لك نفسك كونها مرجع السراب في هيولة لها اسماء بيولوجية وسياسية وغير سياسية. ميز جيدا بين الوظيفة التعبيرية ومنطوق الحكم. كلا يا أخي لا توجد قرارات لها قوة قانون في وضع ديمقراطي. ولا توجد ديمقراطية ثورية دون ديمقراطيين لا هم أسياد الشعب ولا هم ضحايا الشعب. غادر الحالة الحدية التي انت فيها. بلى يمكن تبليغ خطابات قوة قانون لكنها ليست بالضرورة مساوية لقيمة القانون ولا مناسبة مع القوة المحسوبة في ضبط النجاعة واجبار الناس.
تذكر أيها الأخ الرئيس ان الكلام لا يحكم الكلام وانه لا حكم بالكلام وان القوانين لا تظل قوانينا لأنها عادلة وإنما لأنها قوانين. ولا تصنع قصصا خيالية شعرية وتبني على الاوهام حقيقة عدالة. كل الأمر في جعل العدالة قوة وفي جعل العادل قويا. ولا الحقيقة الأساطير ولا تشريع الحق تطلع بلا أساس مقاوم بالاخير. كل الأمر من قبل قرون قاله الفلاسفة: “عنف العقل”، “قوة العقل” ، “قانون العقل” ، “عدالة العقل”،”فساد العقل”…فساد “الكون والفساد” الخ. وان نقد الايديولوجيا الحقوقية الشعبوية يتطلب فيما يتطلب التخلي عن الحد الصوفي الذي لا اساس له لفائدة شرط الإمكان والشرط البديلي والاساس الواقعي، إذ النقاش نقاش عقل وممارسة لا نقاش قانونية وشرعية وانعدام قانونية وانعدام شىرعية، سيان.
يتوجب علينا حقيقة أن نكون أكثر جدية وواقعية حتى نقول: ما طلعة الرئيس في “خطاب سيدي بوزيد” بنذير خير ولا بنذير شؤم، وإنما تخميرة لا في ثوب هبة طلائعية ولا في ثوب وثبة شجعان، بل خبط هوجاء قد تكون عشوائية غير مدبرة في أقل تقدير. وعليه فورا مراجعتها، مع علمنا الأكيد بكم الضغوط التي تعتري مسؤولياته وحجم التوتر الذي يحياه وواقع الاغيار الذين يتربصون به. ونحن نسانده في هذه المرحلة بسلوك نقدي ونعتبر التعامل معه تعاملا مع حقل فرص إيجابية للبلد اذا لم تنفلت منه المخاطر هو بذاته وتتاكل حزمة هذه الفرص.
إلى ذلك لا يمكن لسلوكه هذا ان يكون سليما وسليما جدا اذا اضاف عليه الإنجاز، إلا فيما تعلق بالتعامل مع ملف العدو الصهيوني.
هذا وندعو السيد الرئيس الأستاذ المحترم لفصل نفسه عن الاوعي الثوري الذي يظهر عليه وان يعالج عقدة الثورية المفقودة أو الثورية بعد الأوان فلا هي عيب ولا هي ذنب، والأفضل منها الاستئناف الثوري لا تعليق العمل على شماعة الشعب. ان الثورية الضائعة
أو الحركة الناقصة أو حتى الركوب الاستباقي أو حالة الركوب القبلي على الأحداث، تعالج بأفضل منها وهو بناء المؤسسات التي تساعد على إطلاق التيار الاجتماعي والسياسي الشعبي القادر على التخطيط والتنفيذ بأقل مخاطر ممكنة وبأقل ضعف ممكن.
ان القانون ليس كل شيء ولا يفعل أي شيء، وكذا الشعب ليس كل شيء ولا أي شيء ولا يفعل كل شيء ولا أي شيء ولا يريد أي شيء ولا كل شيء ولا يستطيع أي شيء ولا كل شيء.
صلاح الداودي.