أضيف بتاريخ: 03 - 10 - 2019
أضيف بتاريخ: 03 - 10 - 2019
بعنوان سرد ذاتي بداية ولكن موضوعي نهاية ستكون هذه المقالة الموجزة.
ما بين سنة 2000 وسنة 2010 كنا من بين عدد قليل من الفاعلين في الحركات الاحتجاجية التي نسميها اجتماعية بوجه عام على مختلف انواعها وأشكالها. في تلك الفترة، ودائما وفي كل مرة بعد 2011 تعود بنا الذاكرة لتلك السنوات. دائما ما كنا نسمع من ناشطين آخرين في الداخل والخارج وخاصة في فرنسا، ان ملف الديمقراطية والحريات سيفتح ومن بعده ملف الفساد والشفافية. ما كان يزعجنا دوما هو سؤال كيف سيتم ذلك وهل سيكون للخارج دور. ولذلك لم نسمح لانفسنا بإقامة اي علاقة رسمية مع أي طرف كان ورفضنا الانخراط في زيارات لألمانيا وأمريكا على سبيل المثال في سياقات حقوق اجتماعية وحقوق انسان وقاطعنا أهلها وايضا في عروض تتعلق بالكتابة والنشر وقاطعنا اهلها. أما زيارة فرنسا فكانت دائما للبحث العلمي.
كانت كل علاقاتنا نضالية بحتة وتحسم بالقطيعة عند التوجس. وكان لدينا دائما تكتيك ناجح اعتمدناه وهو المشاركة القوية وحتى النهاية في اي حركة نكون في الأساس من مهندسيها وقيادييها وعدم السماح بالاستحواذ عليها بكل الطرق ووضع أجهزة نظام الحكم أمام شرعية المطالب اولا ونظافة آليات العمل الذاتي ثانيا وتعطيل اي إمكانية لإيجاد حجج ضدنا وحرمان اي كان من رهن ارادتنا حتى إذا كان الرابط نضاليا. وبمعنى آخر اختيار تكتيك الظهر العاري طوعا والاستعداد للتضحية بشرف. والاكتفاء بالمساندة المبدئية بأداء خفيف مثل كل المساندين في الحركات التي لا نكون من مؤسسيها.
ما يلفتننا بعد كل هذه السنوات هو أن الأمور تسير فعلا كما كنا نسمع وقتها وتعمم على المنطقة منذ 11 سبتمبر 2001 وحتى يومنا هذا. (بالمناسبة، قصة ثورة الياسمين قصة فرنسية استمعنا إلى صداها بأنفسنا في باريس ربيع وصيف 2005 وما بعده. الأمريكان طبعا على علم بذلك وقتها وعملوا على ذلك بعد ذلك ولكنها ليس أمريكية بالأساس بل فرنسية).
ما يلفتنا هذه الأيام أيضا أكثر من غيرها هو بلوغ مرحلة تجريم المعارضة الوطنية بعد مرحلة ما كنا نسميه مرحلة تجريم الحراك الاجتماعي وقبله تجريم الأفراد المناضلين بطرق مختلفة ومتفاوتة وتدفيعهم اثمانا مختلفة. هذه المرحلة من التجريم السياسي بدأت في الحقيقة تقريبا بعد سنة 2013 بشق عفوي وشق مركب وممنهج انتج ظواهر تجريم الأحزاب وفتح الباب لظواهر مستخلقة جديدة في البداية حزبية وجمعياتية وحول الأفراد الآن دعاة الاستقلالية والذين يخرجون فجأة من تحت الارض ولم يخضعوا يوما في الغالب الاعم لصرامة العمل السياسي والشعبي اولا ثم القانوني والعلني ثانيا وخاصة لصرامة الدولة واجهزتها من معرفتها وحتى سلطتها.
صحيح ان الأمر يبدو في شكل فوضى، ولكنها فوضى منظمة ومراقبة من الخارج خاصة. وهي ستؤدي حتما إلى توترات وازمات وموجات فوضى اضافية محررة وبديلة تحت نفس العناوين اي الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان والفساد والشفافية والحوكمة والعمالة والارتباط بالخارج وكيان الدولة وكل هذا أيضا ومجددا تحت عنوان فتح البلد للسيطرة الاستخبارية الخارجية تحت عنوان مكافحة الارهاب وفي الحقيقة نزع السيادة نزعا تاما.
ما فتح إذن فتح بالسيطرة على مسارات الانتفاضات والحركات والانقلاب عليها ودخل عليها عامل التخطيط الخارجي بين الموجات والاغتيالات ووفق بيئة محلية مواتية بين الموجات أيضا.
وبالمختصر المفيد يراد من ملف الارهاب وتحريك العامل الارهابي إعادة تنظيم الأمن القومي التونسي لمصالح جيوسياسية أجنبية وغير ذلك في عرفهم دكتاتورية وفشل وتهديد… الخ. ويراد من ملف الفساد منع الدولة من أخذ دورها وتنظيف نفسها وتراد إعادة هيكلة الاقتصاد المعولم الخاضع والسيطرة مجددا على الثروات، والمقدرات بشكل أدق، باثواب جديدة وغير ذلك فساد وعجز وهدر. ومن إعادة تشكيل ما يسمى المشاهد السياسية الديمقراطية في كل مرة ما يسمح باستنبات أبطال كرتونية وهمية ومنع البلد من تثبيت قيادة وطنية مقاومة وشعبية يدعمها نظام وطني متماسك بكل مؤسساته وقواه لا تفكيك كل المؤسسات بدعوى الاستقلالية والفصل والامركزية والخصوصية… قيادة تغير وجه البلد وتختار علاقاته وتموضعه الاستراتيجي الإقليمي والدواي الجديد.
اقتربنا من هذه الرؤية للأسف في الوقت الضائع أو في الوقت الفائت لاوانه بطرح البرنامج الرئاسي للجبهة. وحتما سنبدأ من جديد.
صلاح الداودي.