القيادة الإستراتيجية.. خطوات جادة نحو تشكيل عقيدة قيادية عسكرية قومية

أضيف بتاريخ: 01 - 09 - 2019

د. بلهول نسيم
خبير في الشؤون العسكرية والأمنية
عضو الهيئة العلمية لشبكة باب المغاربة

هنالك مفهوم للقيادة الإستراتيجية والذي يكسب تأييدا اليوم ويعتبر مختلفا تماما عن المذهب القديم، فهو مفهوم بعيد تماما عن علاقة القائد والتابع. فبهذا المفهوم إما أنت قائد أو متعلم. ولكن أصبح التفكير الإستراتيجي اليوم أقل اقتصارا من خلال حدود هذه البدائل. هنالك فكرة القيادة بالمثل، هنالك أيضا فكرة الشراكة في التابعية، إتباع القائد الخفي – الغرض المشترك. وتعتبر علاقة بقية المجموعة مع القائد فعالة. أعتقد أن المعلمين يرون ذلك بوضوح أكثر من معظم الشعب. ولذلك فالمدرسون يقومون بأشياء أكثر من التدريس، فهم يساعدون في تطوير احدى المفاهيم الرئيسة في العلاقات الإنسانية.

يتوجب على القيادة العسكرية الجزائرية أن ترى جميع المواقف وأن تدرك الأنماط التي تؤدي إلى طريقة تعاونية بدلا من القرية، مساعدة التنظيم العسكري تجاه هدف مشترك ، تحديد الأولويات، تركيز الفريق وتنظيم خبرة المجموعة للوصول إلى الأهداف. كما وأنه من الملاحظ عدم توفر دراسات وافية عن التابعية، فهو مجال أقل تدريسا، من أهم المواضيع، ولكن لم يتم التركيز عليه. إذ يتوجب على التابعين أن يعاونوا القائد حتى يتمكن من السيطرة على الموقف، وذلك من خلال الحوار حول المشاكل والفشل، قص الحقائق، إعادة القرارات السيئة للقائد للبت فيها.

يقوم الجيش الوطني الشعبي بإحباط أي مفهوم ديمقراطي ومساواتي للقيادة الإستراتيجية ، ألا من الأفضل أنه على الأقل من الأفضل اعتبار احتمالات مثل هذه الفلسفة في بعض الحالات داخل الجيش الوطني؟.
إن أسلوب قيادة مبني على الوضوح التام للغرض ، أعلى مستويات من معايير النزاهة ، السعي إلى اتفاق جماعي في الرأي ، التمعن ، الأخوة ، اللامركزية في اتخاذ القرار والمبادرة ، هي أهم سمات فلسفة القيادة الإستراتيجية الملهمة والناجحة: يصبح العنصر الإنساني في الحرب ، كما هو في تحقيق السلام ، ذات أهمية كبيرة ، فالطبيعة الإنسانية هي بنفسها لا تتغير في أنحاء العالم ، ويستجيب البشر في كل مكان إلى نفس الحافز ، ولذلك إذا كان الرجال يثقون في قادتهم ، إذا كانوا مقتنعين أن الأشياء التي يتحملونها ويحاربون من أجلها تعتبر ذات قيمة عالية ، إذا كانوا يؤمنون أن الجهود التي يبذلونها حقيقة تساهم في تحقيق أهدافهم ، فستأخذ جهودهم طابع التطوعية ، تلقائية ومثابرة.
لم يحقق الجيش الوطني الشعبي بعد لممارسة عقيدة عسكرية قومية قيادية محسنة. مازالت القيادة العقائدية العسكرية تغرس من خلال التاريخ والقصص التاريخي ، الأمثلة الشخصية ، وملخصات المذاهب العسكرية ، ولكن هذه الوسائل لا تقدم من خلال التعاليم أو الممارسة بتأني ، فالعقيدة العسكرية تظهر كأنها شيء يحدث عندما يقوم الجيش الوطني بعمليات كبرى ، بدلا من أنها أشياء يتوجب على الجنود مناقشتها وممارستها.
ولتعقيد المواضيع بطريقة أكبر ، لا يقوم الجيش الوطني دائما بتطبيق ما ينادي به: فقادة الجيش الوطني أحيانا لا يمثلون بصورة مصغرة ما يناصروه. يناصر الجيش الوطني الشعبي قيادة مبنية على علم القيم ، ولكنه يطبق ممارسات وأنظمة إدارة تنظيمية كلاسيكية. وبسبب فشل الجيش الوطني في التمييز بين هذان الموضوعان ، الكثير يفترض أن القيادة والإدارة هما مرادفان ، ولكن القيادة تعتبر أخلاقية ، والإدارة هي ممارسة بطبيعتها الأساسية.
الجيش الوطني الشعبي يقدر قرارات القيادة العسكرية أكثر من بناء الاتفاق الجماعي في الرأي كما هو المفروض في معظم الأوقات. ولكن هذا ليس صحيح في كل الأوقات ، الكثير من الدعامات التاريخية لنموذج قيادة الجيش الوطني غير ملائمة للبيئة العملية الحديثة المعقدة والمتقلبة. بعض العبارات العسكرية الوفية الدارجة تكشف عن انحياز القيادة العسكرية المستمر : “الموظفون موجودون لمساعدة القائد في اتخاذ القرار “، “ليس هناك خطة تبقى على قيد الحياة في اول اشتباك”، “الحل الجيد الآن أفضل من الحل الأفضل في وقت لاحق “، و”قم بالقيادة من الأمام “، فهذا الإبتذال يعكس الإعجاب للقرار، وبديهة القائد ، والقيادة البطولية. والسؤال هنا ، هل هناك أوقات تكون فيها العبارات التالية أكثر ملاءمة: “القائد موجود لمساعدة الموظفين (أو معاونيه الإناث والذكور) أن يتوصلوا إلى رأي جماعي” أو “قم بالقيادة مدفوعا بالغرض والرؤية بدلا من الوجود “. هل من الممكن أن تكون عبارة “ليس هناك خطة تبقى على قيد الحياة في أول اشتباك ” أن تستخدم كعذر لرؤية قيادة سيئة، تجعلهم يلجؤون بسرعة إلى إدارة الموقف ؟ ، وماذا إذا كان الحل المباشر له عواقب إستراتيجية دائمة. ربما الإستشارة والمداولة والصبر لهم مكان في القرار. يتوجب على قيادة الجيش الوطني أن تتفهم وأن تتحاور بخصوص الفرق بين اتخاذ قرارات المناورة التكتيكية وحل المشاكل ، هذا من أجل بقاء وثاقة الصلة بشأن الجيش للقيادة.
يتوجب على الجيش الوطني أن يتأكد أن جميع أنظمته ، إجراءاته وممارساته تشجع أو تكون ثابتة مع أشكال القيادة التي تسعى القيادة لتحقيقها. وبعض اعتبارات القيادة العسكرية الأولية هي الميل نحو الإدارة بدلا من القيادة التي تجلبها التقنية الحديثة من حيث الإدراك الموقفي الحي المتزايد وتحسينات التقنية لقدرات قيادة الجيش الوطني في الحوار والتواصل. وعلى الرغم من أن العقيدة العسكرية القومية تؤكد على أن قيادة المهمة هي “أفضل مفاهيم الجيش الوطني للقيادة والسيطرة “، إلا أن أنظمة الجيش الوطني وإجراءاته دائما ما تظهر الميل نحو شيء بغيض وهو القيادة المفصلة ، داعمة للإدارة الحية بدلا من القيادة التوقعية.
إن لم تقم قيادة الجيش الوطني الشعبي بجهود متفق عليها لترسيخ مبادئ قيادة المهمات الإستراتيجية ، فسوف تجازف بتعارض جوانب رئيسية لفلسفة قيادة اللامركزية أثناء استمرارية تحسين التقنية. في الغالب ، سوف يستنتج النقد الذاتي أن الجيش الوطني يكرس كمية وقت وموارد غير متكافئة لإعطاء القادة القدرة على مشاهدة ومعرفة كل شيء يجري في منظومة الجيش الوطني. ولكن تعطي وقت قليل وموارد للتعبير عن عزمهم ونيتهم والتفهم الموقفي لمنظومتهم.
وهناك بالطبع تحسينات ملحوظة من الممكن تحقيقها من خلال التقنية الحديثة ، ومثال لهذا في يومنا هذا هي القدرة لعمل شبكة إتصالات لأشخاص تعمل سويا من خلال مشاريع تبادل المعلومات مثل نظام قيادة نظم المعلومات القتالية BCKS)) ومجتمعات التخصص. وبسبب أنظمة مثل BCKS))، بإمكان الأفراد في الجيش الوطني أن يستلموا مهام دور قيادي في مجال واحد أو عدة مجالات أو اهتمامات خارج نطاق الوظائف التسلسلية التقليدية – وبدون التزام بالرتب ، الجغرافيا ، أو تكليف الواجبات. وتسهل مجتمعات التخصص المناقشة ، والتعليم ، والتعاون الذي يبتعد عن أنظمة الجيش الوطني البيروقراطية ، ومتجاوزا الحدود العادية بين الضباط والجنود ، الممارس والأكاديمي ، أو أسلحة القتال والدعم. فالأعضاء يكرمون بطريقة أفضل وبصفة عامة وذلك لمساهماتهم وخبرتهم التخصصية بدلا من اعتبار رتبتهم أو مركزهم. هذه المنظمات تعطي مثال لأشكال بديلة للقيادة والتي بالإمكان (وبالفعل) أن تكون موجودة في العسكرية التقليدية اليوم – يتوجب على هذه المنظمات ومثلها أن تندمج في العقيدة العسكرية القومية للقيادة وذلك بغرض الاستفادة منها في دعم وتحسين مناخ القيادة في الجيش الوطني الشعبي.
قيادة الجيش الوطني الشعبي في القرن الحادي والعشرين سوف تتسم بالتعاون أكثر من التوجيه والقرار، بالإضافة إلى قيادة الجنود. فقيادة الجيش الوطني سوف تعمل من قبل، ومع، ومن خلال أشخاص ومؤسسات خارج نطاق الجيش الوطني. ولذلك، يتوجب على قيادة الجيش أن تدرك أن هناك ثقافات مختلفة للقيادة ، وأن تعرف كيف تكيف أساليبها وطرقها لاستيعاب هذه الآراء وأن تقبل التعامل مع ومن خلال منظمات أخرى غير الجيش الوطني.
ما هي فلسفة القيادة الإستراتيجية التي يتوجب الإلتزام بها؟، مرة أخرى ، الإجابة متوقفة على ما هي البيئة العملية التي سوف يواجهها الجيش الوطني ، ما هو الدور الذي سوف تقوم به القيادة ، وما هي النتائج المتوقعة من القادة الميدانيين. وللموافقة على هذا ، يتطلب رؤية مشتركة لمستقبل الجيش الوطني الشعبي – وهذا شيء ما زال الجيش الوطني يتصارع به ، على الرغم من الجهود مثل نشر ثقافة عسكرية اتصالية تواصلية. ربما تنافر الأصوات مازال قائم بسبب ، وكما هو الحال في الكثير من الأشياء ، أن رؤية الجيش الوطني متناقده من قبل الملاحظات والممارسة في العقيدة التنظيمية ، التدريب والمواد ، والقيادة ، والأفراد. يتوجب على فلسفة عقيدة الجيش الوطني الشعبي أن تعكس هذه الرؤية المستقبلية ، وتشرح ما الذي يجب أن تكون عليه قيادة الجيش لتلبية الحاجات الأمنية المستقبلية ، بدلا من التأكيد على ما كانت عليه قيادة الجيش في الماضي.
يتوجب فهم مفهوم القيادة الإستراتيجية من منظورها المتعدد الأوجه وطبيعتها التكافلية ، لا يجوز التفكير فيها على أساس أنها علم دقيق وواضح المعالم. فالقيادة الإستراتيجية هي أكثر بكثير من التعامل البسيط بين قيادة الجيش الوطني وبيئة التهديدات ، وهي تعتمد على أكثر من مواصفات وكفاءات قيادة الجيش حتى تكون فعالة. يتوجب التمييز بين القيادة الإستراتيجية والإدارة الإستراتيجية ، من حيث المبدأ والممارسة ، مدركين أنه في بعض الأحيان ، أفضل الأشخاص المؤهلين لاستلام مهام قيادية قد لا يكونوا هؤلاء من ذوي الرتب العالية. يتوجب على ثقافة الجيش الوطني الشعبي أن تشجع التعليم المستمر على مدار الحياة ، التنوع ، والتطوير الذاتي المستمر في إطار تنظيمي – كعملية تبادلية دائمة -. مثاليا تكون اتفاق جماعي بين أشخاص بخصوص الغرض الذي يعملون نحوه. تتأثر القيادة الإستراتيجية بالثقافة – الجوانب المتعددة للثقافة خارج نطاق المنظمة ، فهي تتطلب تقدير لأساليب التعليم والتطبيق ، سيكون من الأكثر كفاءة إذا اعتبرت أشياء مثل اختلافات الشخصية ، ديناميكية المجموعة ، فض النزاعات بدلا من افتراض أن كل أفراد الجيش الوطني مثل بعضهم، وإجراءات مجموعات التوسط مع الرتب والتسلسل، ومشاكل الشخصية المتداخلة ، والأهم من ذلك، يتوجب على قيادة الجيش الوطني الشعبي أن ينظر إليها في إطارها الصحيح – مع التفهم أن الذي كان يعتبر قيادة عسكرية فعالة في السابق قد لا يبقى فعال في المستقبل. وهو إدراك على أن قيادة الجيش الوطني عرضة لأفكار ذاتية عن القيادة والتي قد تعوق قيادة الجيش على المدى البعيد، والموافقة على أنه يجب أن تمد القيادة سعيها في تعاليم القيادة بطريقة أكثر من مهنتها الخاصة ، هذا من أجل أن تكون قادة عسكريين فعالين.
يتوجب على الجيش الوطني الشعبي أن يجري تقييم دقيق لفلسفة عقيدته العسكرية القومية، العقيدة التنظيمية، التدريب والمواد، والقيادة الأفراد وذلك للتأكد من قيام قيادته بالتعريف الملائم للعقيدة العسكرية وتطويرها.
يتوجب على إعادة التقييم ان تكون قاسية في تشكيكها ، صارمة في موضوعيتها ، ويتوجب أن تسعى إلى العديد من أوجه النظر. يتوجب على إعادة التقييم أن تكون متفتحة لتحديد فيما إذا كانت فلسفة عقيدة الجيش هي بالفعل جيدة مثل ما هو مطلوب ، أو أنها تنبؤات ذاتية. يتوجب على الجيش الوطني أن يعمل بطريقة أقل للتمييز بين فلسفاته للقيادة وبدلا من ذلك ، يجب أن يقوم الجيش بتعليم شعبه في موضوع القيادة بمنظورها الشامل. وعندما تفكر قيادة الجيش الوطني في وقائع بيئتها العملية الحالية ، يجب أن تقدر ما معنى القيادة في الإطار المدني ، المتداخل عبر الوزارات. وأخيرا ، إنه من المهم أن نذكر أن ما نذكره دائما كقيادة إستراتيجية ، هو بالفعل قيادة الجيش الوطني : فهي فعالة بسبب الثقافة التنظيمية للجيش الوطني والأسس الرسمية مثل قيادة السلطة وقانون العدالة العسكرية.
في القرن الحادي والعشرين ، لا يجوز لقادة الجيش الوطني الشعبي افتراض أنهم سيتعاملون مع قيادة السلطة ، البروتوكول العسكري ، القانون العسكري ، أو حتى أعراف الثقافة الجزائرية لتسهيل إجراءات القيادة حولهم أو داخل منظماتهم. الكثير من ما تسلم به القيادة العسكرية في القيادة الإستراتيجية يفقد عندما تعمل مع منظمات أخرى ، جنسيات أخرى ، أو ثقافات. فبدلا من الإصرار على علاقات القيادة الإستراتيجية التي سوف تجعل الأنظمة العسكرية تعمل بطريقة صناعية ، أو أن تضفي أعراف الثقافة العسكرية الجزائرية على الآخرين لجعلهم أكثر ملاءمة لأساليب الجيش الوطني. قد يكون من الأفضل أن تتفهم قيادة الجيش بطريقة أفضل العقيدة العسكرية بمعناها النقي ، فبدلا من الاتكال على تراكمية تاريخية تجعل أنظمة الجيش الوطني تعمل أو إضفاء أعراف الثقافة الجزائرية على الآخرين ، قد يكون من الأفضل أن تتفهم قيادة الجيش العقيدة العسكرية بمعناها وممارساتها النقية.