أضيف بتاريخ: 30 - 11 - 2018
أضيف بتاريخ: 30 - 11 - 2018
أثار قرار تونس بدعوة ولي العهد السعودي الأمير “محمد بن سلمان” للزيارة احتجاجا قويا قاده صحفيون حملوا على الأكتاف الأسبوع الماضي.
وقد أعلن اتحاد الصحفيين التونسيين أن “دعوة بن سلمان إلى تونس إهانة للثورة وقيمها”، ووصفه بأنه “عدو لحرية التعبير”.
كما أصدر نحو 100 صحفي مصري بيانا أدانوا فيه زيارة “بن سلمان” إلى القاهرة، حيث تم استقباله يوم الإثنين مع مظاهر هائلة من الحفاوة والتشريف.
وانضمت جماعات حقوق الإنسان في كلا البلدين إلى هذه الاحتجاجات، في حين انزعجت شبكات التواصل الاجتماعي في تونس ومصر والجزائر التي من المتوقع أن يزورها “بن سلمان” أيضا، من زيارة “صاحب المنشار” أو “أبو منشار”، كما صار يطلق عليه بسبب الاتهامات التي تلاحقه بالتورط في مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”.
وكانت الحكومة الجزائرية، الإثنين، هي الحكومة العربية الوحيدة التي أصدرت بيانا يدين جريمة القتل، بعد 53 يوما من وقوعها، لكنها سارعت إلى التأكيد أنها تقبل النسخة السعودية من الأحداث، وتحترم النظام القضائي للبلاد.
وتشعر الجزائر بالغضب من “بن سلمان” لأنه سعى لخفض أسعار النفط العالمية، ما يقوض واحدة من أهم صادرات البلاد.
وفي مصر، يتذكر المعارضون الدور الذي لعبه “بن سلمان” في القرار المصري بإعادة جزر البحر الأحمر “تيران وصنافير” إلى المملكة العربية السعودية، وهو القرار الذي أدى في ذلك الوقت إلى مظاهرات عنيفة ضد الحكومة المصرية.
البحث عن الدعم
لكن الجدل العلني حول هذه الزيارات لم يمنع “بن سلمان” من الشروع في رحلة “لتنقية صورته المشوهة”، كما قال أحد المتحدثين المصريين.
وتعد هذه الرحلات في الواقع محاولة لتعزيز شرعيته قبل قمة مجموعة العشرين، التي تنعقد في نهاية هذا الأسبوع في “بوينس آيرس”.
وبدأ “بن سلمان” جولته الأسبوع الماضي بالإمارات العربية المتحدة، حيث تم استقباله بحماسة شديدة من قبل رفيقه ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، الذي يدير بلده بحكم الواقع مثل “بن سلمان”.
ثم سافر “بن سلمان” إلى البحرين، التي يدين نظامها ببقائه للسعودية، بعد أن أنقذته الأخيرة من الانهيار خلال مظاهرات الربيع العربي عام 2011، عبر إرسال الدبابات وحاملات الجند التي فرقت الاحتجاجات بإطلاق النار وقتل المدنيين.
ويحتاج ولي العهد إلى تلك المصافحات العربية لوقف النقد الداخلي، بما في ذلك داخل العائلة المالكة نفسها.
ويجب على “بن سلمان” أن يثبت أن قضية “خاشقجي” لم تضر بالعلاقات السعودية مع الدول الأخرى، وبالتالي تحييد الادعاء بأن جريمة القتل قوضت وضع المملكة في الشرق الأوسط والعالم.
وقد تلقى ولي العهد بالفعل الدعم الأكثر أهمية من الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، الذي امتدح نفسه لإبقاء أسعار النفط مستقرة من خلال تعاونه مع المملكة العربية السعودية، التي تعهدت بزيادة الإنتاج تحسبا للعقوبات المفروضة على إيران في وقت سابق من هذا الشهر.
ويدعو ولي العهد الآن الدول العربية إلى رد الدين بعد الاستثمار الهائل والدعم المالي الذي قدمته لهم المملكة خاصة مصر، التي تلقت أكثر من 15 مليار دولار من المساعدات من الرياض منذ تولي “عبدالفتاح السيسي” الحكم في يوليو/تموز 2013.
ومنذ ذلك الحين، كان على مصر أن تنضم إلى التحالف الذي أقامته السعودية لمحاربة الحوثيين في اليمن، وإعادة الجزيرتين إلى المملكة، وتجاوز رؤيتها الخاصة لحل الأزمة في سوريا.
لكن مصر حصلت أيضا على هبة سعودية مهمة في شكل التزام باستثمار مليارات الدولارات في مصر، بما في ذلك 1.5 مليار دولار لتطوير سيناء وبناء العاصمة الإدارية الجديدة بالقرب من القاهرة.
كما ستكون مصر والأردن شريكتين في مدينة “نيوم” التي يخطط لها ولي العهد على الساحل الغربي للمملكة باستثمار 500 مليار دولار.
ضغوط “ترامب”
ومثلما يهتم كثيرا “ترامب” بالصفقات الدفاعية الضخمة التي تعهدت بها السعودية، والتي تقدر قيمتها 110 مليارات دولار، لا تستطيع مصر التخلي عن المساعدات السعودية وخطط التنمية التي ستقوم بتمويلها.
ولا تعتمد تونس والجزائر على السعودية، ولكن تلك الدول كانت تخضع لضغوط لاستقبال ولي العهد من قبل الإدارة الأمريكية، التي لديها القدرة على الموافقة أو تأخير أو حتى منع القروض الممنوحة من قبل الوكالات المالية الدولية.
ويحتاج “ترامب” من العرب دعم الأمير “محمد” من أجل إخراجه من الخندق الذي وقع فيه بسبب قضية “خاشقجي”.
وبهذه الطريقة يمكن أن يدّعي “ترامب” أنه لا ينبغي أن يكون أكثر صدقا من ملوك ورؤساء العرب، وأن موقفه مشترك بين الدول العربية الكبرى، وأنه ليس فقط بسبب المصالح الإسرائيلية، التي استخدمها بالفعل لتبرير دعمه لولي العهد.
وبالتأكيد لا يمكن أن تكون المصالح الإسرائيلية سببا لإقناع الدول العربية بدعم موقف “ترامب”.
ولم يشرح “ترامب” أبدا ما كان يعنيه عندما قال الأسبوع الماضي إن “إسرائيل ستكون في ورطة كبيرة بدون السعودية”، وربما كان يشير إلى الجهود السعودية للحد من موجات الاحتجاج ضد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.
لكن من الواضح أن دعم رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” لولي العهد قد أفاد بالفعل (إسرائيل) سياسيا، كما يتضح من الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء إلى عُمان، والزيارات الرسمية لكبار المسؤولين الإسرائيليين إلى الإمارات، وتعزيز العلاقات مع البحرين.
ويبدو الآن أن العلاقات مع السودان هي المرشحة لتكون التالية في هذا “الترتيب”.
ومن المعروف أن الرئيس السوداني “عمر البشير” مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية؛ بسبب الجرائم التي ارتكبها في دارفور، ولكن يتم إعادة تأهيله بسبب قراره بقطع العلاقات مع إيران والانضمام إلى التحالف السعودي في حربها في اليمن.
وما زال من السابق لأوانه القول ما إذا كانت زيارات كبار المسؤولين الإسرائيليين إلى الدول العربية تبشر بعملية تطبيع، لكنها بالتأكيد تروج لموقف جديد تجاه (إسرائيل)، ولا يوجد أي إنكار لدور السعودية في دفع عجلة هذا الأمر.
لكن المملكة نفسها لم تساهم بعد بنصيبها الكامل، ولم يزر أي مسؤول إسرائيلي الرياض علانية، ولم يحضر أي ممثل رسمي للعائلة المالكة إلى (إسرائيل) علانية.
ويريد “محمد بن سلمان” أن تلين (إسرائيل) مواقفها تجاه الفلسطينيين قبل أن يقترب من التطبيع العلني عنها.
وإذا لم تظهر تفاصيل جديدة مهمة تثبت مسؤولية “بن سلمان” المباشرة عن مقتل “خاشقجي”، فسوف يكون قادرا على التغلب على الضغوط الداخلية، ومواجهة الاقتراحات التي تم طرحها لتعيين “وصي” عليه أو عرقلة توليه العرش.
ومع ذلك، فقد وضع ولي العهد دينا كبيرا على عاتق المملكة لكل من “ترامب” و”نتنياهو”، وبالتالي تغير الوضع التاريخي للمملكة العربية السعودية كدولة تُملي السياسات في الشرق الأوسط.
المصدر | تسفي برئيل| هآرتس