أضيف بتاريخ: 17 - 08 - 2018
أضيف بتاريخ: 17 - 08 - 2018
وبعبارة أخرى، فإن عبثية ادعاء الحداثة المنتهية في عصر دوامة النيوليبرالية وبالوناتها الوحشية القاتلة وشرها الجذري الخارق ووحي مغاراتها الاصطناعية، وإن كانت تستوجب نوعا من العدمية المتممة، لتدفعنا دفعا نحو التعافي والاستعاضة بضرب من المؤازرة الفلسفية نصرا للمنهوبة عقولهم، لا لكي الوعي بشكل مضاد وإنما لمحاولة استئناف وتثوير المقام الفلسفي الذي لايهز فيه أحد كتفيه على الناس. هو التعافي في آن معا من أوهام الحداثة واسلحتها الفتاكة المحولة لكل ضروب البطش والعدوان ومقاصد الاجتهاد العدمي الأعمى والجمود الهمجي للطابور القديم والاستخفاف الانتحاري للطابور الخامس الجديد وكل أشكال تسريب النفايات وتجفيف المنابع الروحية وتجويف بشرية الحياة وأساليبها البشرية. ومع ذلك يجدر بنا ان نسلك مسلك التقريب لا التفريق والمفارقة والتضحية بالجمالي والانسحاب من التشدد المنطقي والنزعة الكفاحية في الدفاع عن رؤية خاصة ومركبة ومشتركية لفائدة محايثة المبسط التخاطبي في شؤون السياسة مع مسحة ممكنة من الفلسفة القابلة للاستضافة القابلة للاستساغة.
في علاقة الانسان بالإنسان؛ بكل ما يكون به إنسانا ويبقى إنسانا، وحدها المساواة أمام العقل أصل كل مساواة. وحده الاختيار جوهر الحرية. لا مساواة دون عدل ولا حرية دون تحرر.
وحده تعدد التجارب الوطنية الثورية ذات الأبعاد العروبية الوحدوية والإسلامية والعالمية الانسانية يصمد ويتطور كعقائد استراتيجية. وحدهم قادة الحرية في تاريخ العالم غير ايديولوجيين دغماءيين وثوقيين ظلاميين بل مبدعون لا يحملون أنفسهم فشل غيرهم ولا يحملون شعوبهم نجاح غيرهم ولا يرمون بالناس في ظلاميات الاوهام ونورانيات السراب بتمثلات تعيشها أرواح أخرى في الزمان وفي المكان. ولذلك هم يعدون عدا وهم أقلية بينما نساخهم الكثر نسخ نسخ مشوهة وركيكة وفاشلة لانهم تبع قصر عاجزون عن ابداع نموذجهم بعقاءدية الحرية مهما كان ماتاها وبروحية ابتكار الذاتية الجماعية الهوياتية والسياسية للافراد والشعوب والامم المتحضرة.
الحداثة مثلا حداثات منها الغربية ومنها الغلوبالية ومنها الكولونيالية ومنها ما بعد الكولونيالية ومنها الديكولونيالية ومنها المبكرة والمتاخرة ومنها المضادة للعولمة ومنها حداثات أخرى ونزاعات الحداثة ..الخ. والتقدم منه الإيجابي ومنه الكارثي ومنه الكاووسي ومنه التابعي…الخ. والتحديث منه الوطني ومنه الاستعماري ومنه الطوعي ومنه القسري …الخ. والهوية منها مجرد المنطق الارسطي الهويوي ومنها الهوية الحضارية الرسالية والمقاومة ومنها الهوياتية العميلة الوظيفية…الخ. والعلمانية منها السلبية الفاصلة ومنها المشتركية الموجبة…الخ. والسوكولارية سوكولاريات والاءكية لاءكيات والتنوير متعدد راديكالي وظلامي وفلسفي والاصالة متعددة والتجديد متعدد والاجتهاد متعدد… الخ. والوطنية وطنيات والتحضر تحضر عديد والحضارة حضارات والهمجية همجيات…الخ. والحرية حريات والمساواة مساواتات والحياة نفسها متعدد والتسميات والاسميات والمعاني والتفسيرات والافهام والمفاهيم والمرجعيات والتواريخ والتاويلات الأصولي والمعاصر والتاويليات والاصوليات والمدارس والمناهج والخطابات والأبعاد والمقاربات والدلالات والسياقات والتعبيرات والاستدلالات والقصص والافقاه والأساطير والتقاليد والأعراف والاديان والفلسفات والادبيات والاخلاقيات والعلوم والحقوق والفنون والتدبيرات والسياسات… والانسانيات…الخ.
والإنسان واحد والحق حق.
الاختيار اذن هو السر وتنظيم الاختيار باوسع قدر من المشترك حسب التشخيص الاصوب لمصلحة الناس الأصلح والاعدل والاسلم والاقوم والانسب للناس والأكثر أريحية ومقبولية ومسؤولية متناسبة بمقدار الاقتدار عليها عند الناس، غالبية الناس، وعيا بالمقام الأول. هذا طبعا في حالات السلام الفكري والاجتماعي وازدهار الحكمة بين البشر. هذه علاقة الانسان بالإنسان.
إني هنا لا أفعل غير دعوة الفلاسفة للتفكير (الذي لم أعد اتقنه على نحو مناسب لتفرق السبل)؛ سبيلهم الأوحد واعول عليهم ثقة بالعقل والقلب والساعد…
صلاح الداودي