أضيف بتاريخ: 14 - 08 - 2018
أضيف بتاريخ: 14 - 08 - 2018
في مثل هذا اليوم الموافق ل 14 اوت 1994، تمت صفقة مقايضة بين الرئيسين السوداني عمر البشير والفرنسي فرنسوا ميترون. لعلها الصفقة الأغرب في التاريخ حيث جرت مقايضة الرجل الأخطر والأكثر إثارة في العالم في تلك الفترة الملقب بالثعلب كارلوس بكمية من الحبوب تبلغ قيمتها 40 ألف دولار في بلد من المفترض أن يكون الأول في العالم في إنتاج الحبوب بفعل وقوعه على حوض نهر النيل.
اليتش راميراز سانشيز الملقب بكارلوس الثائر الأممي الفنزويلي سليل العائلة اليسارية الميسورة سمي اليتش تيمنا بالزعيم لينين. وانخرط منذ سن ال15 ضمن الحزب الشيوعي الفينزويلي وكان مناصرا شرسا لخط موسكو. في سنة 1968 ابان ما يعرف بثورة الطلاب في العالم كان كارلوس يزاول تعليمه في جامعة باتريس لوممبا في موسكو ووقع انتخابه قائدا طلابيا لما يسمى مؤتمر القارات الثلاث. فقام في موسكو ينسج علاقات مع الطلاب الأفارقة والآسيويين الأمريكيين الجنوبيين والعرب وخاصة الفلسطينيين واليمنيين. وبدا مدافعا شرسا عن القضية الفلسطينية حتى ربط علاقات وطيدة مع الطلبة العرب والايرانيين المنتمين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين حتى وقع تقديمه للجزائري محمد بوديعة الذي مكنه من النشاط في الجبهة الشعبية خط وديع حداد وجورج حبش. بعد إقامته في عمان حيث شارك في القتال ضمن أحداث أيلول الأسود قبل أن ينتقل إلى أوروبا ويربط علاقات متميزة مع المنظمات اليسارية الراديكالية المساندة للقضية الفلسطينية في أوروبا آنذاك مثل بادر ماينهوف في ألمانيا والبريمالينا والألوية الحمراء في ايطاليا ومجموعة العمل المباشر في فرنسا وآسيا حيث الجيش الأحمر الياباني والجيش الأحمر الكوري. حين توفي محمد بوديعة صار كارلوس هو المنسق العام للساحات الخارجية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين فكان ينتقل بعدة جوازات سفر مزيفة فمرة يتنقل تحت إسم كارلوس مارتينيز توريز من البيرو ومرة بإسم سنان كلارك من الولايات المتحدة الأمريكية وهيغو ديبون من بريطانيا ثم ادولفو برنال من الشيلي وهيكتور هيبوديكون من الأرجنتين ثم مشير محمد سالم من اليمن. فالهويات وجوازات السفر في ذلك الزمن لم تكن أبدا مشكلة. كانت مدينة بيروت سوقا ومعملا ضخما لصنع الهويات المزورة لتسهيل تنقل الأشخاص بسهولة عبر العالم.
نظم كارلوس اليتش راميراز سانشيز وقاد وشارك في عدة عمليات فداءية مناوئة للأنظمة الرأسمالية ومساندة للقضية الفلسطينية وكان الرجل الأشهر والأكثر إثارة والأكثر ملاحقة من أجهزة المخابرات الدولية في فترة السبعينيات والثمانينبات من القرن الماضي. لما توفي وديع حداد بعد أشهر من عملية اختطاف طائرة لوفثانزا في العاصمة الصومالية مقديشو، حينها بدأت المقاومة الفلسطينية تشق طريقها نحو أساليب أخرى أكثر اعتدالا وخفت صوت العمل الثوري المسلح تدريجيا وبدأت لغة الحوار والتسويات تطفو على السطح بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وتهاوي جدار برلين وانتقل المرض إلى جسد كارلوس المنهك بسبب التنقل والتخفي والحرب والتعب. وتحول الرجل إلى قطر عربي مسلم تحكمه حكومة إسلامية هو السودان لكي يستكين ويرتاح قليلا لكن حصلت المفاجأة التي كانت في إنتظار المقاوم الهرم. فنظام عمر البشير الإخواني باعه إلى فرنسا كما تباع الإبل مقابل كمية من الحبوب قد تسد الرمق لأشهر قليلة لكنها تفقد كرامة البائع للأبد، حيث تم تخدير الرجل وتسليمه للقوات الفرنسية التي تنقلت للخرطوم لاقتناء البضاعة الغالية والمثيرة للجدل آنذاك.
انتشر خبر القبض على الرجل المطلوب رقم واحد في العالم آنذاك إنتشار النار في الهشيم وضبطت كل عواصم العالم أنفاسها حتى إثبات الخبر وتمنى كل رجل أمن وكل جندي في العالم المشاركة في العملية الأبرز آنذاك وحبست كل المدن التي من المفترض أنها كانت مستهدفة أنفاسها خوفا من ردة فعل أنصاره، لكن لا مجيب فقد كان ذاك آخر العهد بالعمليات الفداءية الحمراء وسجن الرجل منذ ذاك الزمن في سجن la santé في فرنسا. ورغم إثبات محاميه جاك فرجيس الذي يلقب بمحامي الشيطان براءته ورغم التعب والانهاك والمرض ترفض فرنسا التي توصف ببلد الحريات إطلاق سراح الرجل.
كل ما حدث لكارلوس جعلنا نتذكر ما جرى للزعيم الليبي البغدادي المحمودي الذي فر إلى تونس بعد أن اجتاحها الناتو للاحتماء بشعب شقيق يجيره غطرسة المحتل وعملاء المحتل ظنا منه أنه في مكان آمن، فباعه النظام الاخواني في عهد الترويكا سنة 2012 إلى ميليشيات فجر ليبيا الإرهابية مقابل ثلاث مائة مليار تقاسمها نظام الاخوان الحاكم باغلبية مريحة آنذاك والذين مرة أخرى يبيع من يستجير به وينخدع بصفة الإسلامي التي وصفوا بها ووظفوها. فكما خدع كارلوس خدع البغدادي المحمودي: الخيانات متعددة والخاءن إخواني واحد.
محمد ذويب