لا علمانوية ولا اسلاموية، بل دولة حق وعدل وعلم مستقلة وممانعة

أضيف بتاريخ: 12 - 08 - 2018

يحاول الائتلاف الحاكم وجمهوره من الجهتين دفع ميزان التناقضات خارج بيته ولعب دور الحكم بصفارتين لتشتيت الجماهير واشاعة الفوضى في اوساطها بينما يحكم لفائدة نفسه وتحت أنظار مشغليه وموجهيه الدوليين. هو في نفس الوقت يصفر كلما أراد لبداية معركة ثم يصفر للنهاية كلما أراد، إذا سلمت الجرة.

حاولنا أكثر من مرة مناقشة تقرير “الحريات الفردية والمساواة” من داخله وبعباراته ومن خارجه وعلى الأسس العميقة التي بنى عليها نفسه. ان كل مفاتيح هذا التقرير ظاهرة بالنسبة إلى من يتابع سياسات صناعة فلسفة المنظومات التشريعية للدول الخاضعة للانتقال أو المتخبطة في حالة الانتقال حسب طلب رعاة هذا الانتقال وادبياتهم.

يستند هذا التقرير إلى فلسفة نيوليبرالية واضحة. ويؤكد على مقولة المساواة الرائجة في أوساط ايديولوجية بعينها بينما مطلوبه الحقيقي البحث عن تحويل أزمته إلى حلول وهمية يحاول ايجادها عند المجتمع وفي العائلات وفي الثقافة وسوق النخب وبازارات الفكر الكاذب والارتزاقي وبعناوين الحرية والمساواة وربما الرفاه والتطور اذا ما عالجوا أوضاعهم واوجاعهم بسحره ودجله.

إن مطلوبه الفعلي هو عدم المساواة بين الفئات ومطلوبه الجوهري تحت غطاء الحريات الفردية هو شطب التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني وتنصيب ما يسمى الدولة العلمانية الجديدة كدين حضاري جديد تضمنه المؤسسات المالية ورأس المال على طريقة ترامب وماكرون وغيرهما وتفرض التوافق عليه بخوض ما يسمى نخب الاستعمار حربا ناعمة وخبيثة بالوكالة عن كل هؤلاء قد تتحول إلى تحرير الإرهاب من جديد وتبريره من جديد باسم الاستبداد والفقر. في حين انه على الدولة أن تفصل نفسها عن الدين الروحاني وعن الدين والمعتقدات العلمانية وغيرها في بناء دورها على أسس المصالح الاجتماعية والوطنية فهي لا تستطيع فصل المعتقدات عن التدخل في شؤونها بل تستطيع أن تفصل نفسها في بناء أعلى من المعتقدات على أسس التوازنات والمصالح الاجتماعية بين الفئات ولا تستطيع الجماعات الدينية الارتقاء إلى هذا المستوى في الدور الناظم للتناقضات الاجتماعية وليس من دليل أوضح من ذلك سوى هذا التناحر التهريجي الذي قد يصبح دمويا: تتناحر الجماعات الدينية والعلمانية على النفوذ والمكانة وهي في الحقيقة تتشابه كنقطتي ماء في الاتفاق على حرية السوق والتجارة والاستثمار ودعوات التنمية التابعة وما تسميه العدالة الاجتماعية في توزيع الحسنات على الفقراء في يوم ما حين يصبح رأس الأسمال أقوي في الأحلام. وتدعو في الوقت الحالي لتخلي الغالبية الساحقة من العمال والمزارعين والأجراء وتطالبهم بالجوع والتهميش حتى ينهض رأس المال الأجنبي والمحلي التابع.

هذه بعض الأبعاد الجدية لمقولاتهم في ما يسمى الحرية والمساواة العمومية في الهواء الطلق والنظرة إلى بناء الدولة على أسس مصالح الفئات الاجتماعية كما فعلت الدولة الديمقراطية البرجوازية في الدول الغربية قبل الإطاحة بها وإشاعة الحريات والدين العلماني فيما يسمى التحوّل الديمقراطي من أجل إقصاء حقوق الفئات المتضررة من توسّع حركة وحرية رأس المال ومساواته بين الضحايا.

إن هذه السلطة العميلة ومن ورائها خبراء الاقتصاد الرأسمالي تجرّ المعارضين والموالين إلى ردود الفعل على موضوعاتها في مثل هذا التقرير وغيره. وردود الفعل هذه لا تخدم إلا مروجيها. بينما يبقى الطرح الوطني الجامع التحرري والثوري في مكمن بناء دور الدولة الاجتماعي والوطني الضامن لكل الحريات وكل الحقوق وللجميع.
صلاح الداودي