أضيف بتاريخ: 12 - 08 - 2018
أضيف بتاريخ: 12 - 08 - 2018
انفجرت النيوليبرالية منذ منتصف التسعينيات تحديداً ولا سيما في موضوعة الحريات الفردية. ولهذا الأمر صلة عضوية بفلسفة النيوليبرالية في نظرتها لدور الدولة التي تراها قمعية بالمقارنة مع حرية السوق التي تنظّم حاجات المجتمع في صيانة الحرية والمنافسة وأفضل السلع بأفضل الأسعار وفي نظرتها لحاجات الانسان الذي تراه مستهلكا تنحصر حاجاته في استهلاك السلع ولاحاجات أخرى له غير الحاجات الفردية. بل ان كل حاجة اجتماعية ووطنية هي بالنسبة إلى النيوليبرالية مجرد إيديولوجيا مصطنعة منقولة من زمن قمع الدولة واستبداد الحكم.
في هذا السياق جرى ويجري التشديد على ان “ثورة الياسمين” حسب عبارتهم المحببة هي ثورة ضد الاستبداد من أجل الحريات الفردية وانها صورة دستورية مثل عصر التنوير في القرنين السابع والثامن عشر في نفي أية أبعاد اجتماعية ووطنية. وعلى هذا الأساس تتلاحق أطروحات الدولة المدنية الشكلانية والسوقية لترجمة أطروحات الفلسفة النيوليبرالية التي باتت تتبناها الدول الغربية ومعظم الدول الأخرى في سعيها لحرية السوق والتجارة والاستثمار الأجنبي المباشر وما يسمى الإصلاحات وإعادة الهيكلة.
يأتي اذن تقرير الحريات في تونس ضمن هذا السياق بالذات كأداة للانخراط في هذا المسار والتقرّب من الدول الغربية وصندوق النقد الدولي وكل هيئات الاستثمار الأجنبي كما فعل بن علي الذي كان شيراك يرى انه مثل النمور الآسيوية يقود مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية.
ان ما يهمنا بالأساس والفعل هو بناء الدولة التنموية لا الرأسمالية بالعودة لأصول دور الدولة قبل تحطيمها لمصلحة السوق ورأس المال. وإن من أصول دور الدولة الرأسمالية السابقة أنها الناظم للتوازن بين الفئات الاجتماعية بإقرار عدم المساواة بين مصالح هذه الفئات. ما يهمنا هو بالذات تحقيق تكافؤ الفرص وليس تحقيق المساواة دون أي أساس وطني واجتماعي واقتصادي وثقافي أي دعم الفئات الضعيفة اقتصاديا على حساب الفئات الأقوى اقتصاديا وهذا أساس المساواة التي نتبناها وسحبها بعدئذ على كل المستويات.
وفي سبيل ذلك على الدولة أن تحتكر المرافق الاجتماعية والقطاعات الحيوية الإستراتيجية وتعيق الاستثمار الخاص في المياه والكهرباء والطاقة وفي الاراضي الزراعية وتوفر الأمن الغذائي والأمن القومي والاستقرار الاجتماعي الداخلي بين الفئات متضاربة المصالح بحكم موقعها الاقتصادي والاجتماعي. وعليها أيضا المشاركة في بناء حقلها الإقليمي في الدفاع المشترك من أجل الدفاع عن دور الدولة في حقلها الوطني الداخلي وليس كما يشاع بأن تلتفت فقط إلى نفسها في الحكم الرشيد من أجل الاستقرار والازدهار كما تزعم الدول الغربية وتلاميذها النجباء من دعاة التنمية والانفتاح وغيرهما.
تضمن هذه الدولة أيضا الحريات الشخصية وحرية المعتقد وحرية التعبير وحرية التنظم والعبادة وحقوق الانسان وغيرها، لكن هذه الحريات لا تبني الدولة بل هي نتيجة بناء الدولة على الأسس التي استعرضناها في دور الدولة ولا يوجد في ذلك دولة دينية ودولة مدنية بل يوجد اما دولة واما مزرعة للطبقة السياسية ورأس المال ولا يوجد حريات فردية بل حريات شخصية للفرد والجماعات المهنية والروحية والفكرية وغيرها.
ولكل ذلك فكل ماهو مطروح علينا اليوم يتلخص في الانكباب على الانتقال نحو البحث عن مشروع الدولة والتخلي عن كل حبائل النيوليبرالية القاتلة.
شبكة باب المغاربة