أضيف بتاريخ: 20 - 01 - 2018
أضيف بتاريخ: 20 - 01 - 2018
مركز الدراسات الأمريكية والعربية:
تلقت وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية صفعة “صدمة وترويع” يوم 20 أيار من العام الجاري عند التيقن من “تصفية وسجن” الصين نحو 20 عميلاً دفعة واحدة كانوا يعملون لصالح الولايات المتحدة بين أعوام 2010 – 2012؛ كانت بمثابة “شلّ عمليات التجسس الأميركية في عموم الصين،” وفق وصف يومية نيويورك تايمز
وانكبّت الوكالة منذئذ على دراسة الثغرات الأمنية سواء لناحية العامل البشري أو أمكانية نجاح الصين في اختراق نظام الإتصال السري للوكالة بعملائها، بيد أن الانقسام في الرأي كان سيد الموقف.
يوم 15 من شهر كانون الثاني / يناير الجاري أعلنت الأجهزة الأمنية الأميركية عن توقيفها لموظف سابق في الوكالة، جيري شان شينغ لي، وهو في طريق عودته عبر مطار نيويورك الدولي، وجهت إليه وزارة العدل تهمة حيازة بيانات عن الأمن القومي دون وجه حق. ولا زالت التفاصيل المتداولة غير مكتملة للحظة، مع ترجيح ضباط استخبارات سابقين بعدم توجيه تهمة التجسس له لما سينطوي عليها من تداعيات قد تضطر الوكالة عن كشف بعض معلوماتها السرية..
في غضون ذلك، أشار تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، 20 أيار / تموز 2017، عن الصين إلى “مقتل 12 شخصا على الأقل كانوا يزودون السي آي إيه بالمعلومات،” مما تسبب في تفكيك شبكة استغرق بناؤها سنوات عدة في واحدة من “أسوأ الإخفاقات الإستخبارية .. ونكسة موجعة للسي آي إيه تشبه في خطورتها قضية الجاسوس آلدريج إيمس” عام 1994 الذي اتهم بالتخابر مع جهاز الكي جي بي السوفياتي حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
في تلك الأثناء كشفت يومية واشنطن تايمز، 11 تموز / يوليو 2017، عن أن الصين “زرعت زهاء 25،000” ضابط استخبارات على امتداد الولايات المتحدة يساندهم “أكثر من 15،000” عميل مجند منذ عام 2012. استندت الصحيفة الى “معلومات أدلى بها منشق صيني،” غو وينغوي، كان يقطن نيويورك، عرّفت عنه بأنه “ملياردير ومستثمر عقاري فرّ من الصين عام 2015، كان له علاقات وثيقة بوازرة أمن الدولة وجهازي الإستخبارات المدنية والعسكرية.”
الصحيفة أكدت على لسان المنشق الذي “غادر الولايات المتحدة لمخالفته قوانين تأشيرات الزيارة،” أن المخابرات الصينية “نجحت في التسلل إلى كل حواسيب شركات توريد الأسلحة الرئيسسية للحكومة الأميركية.”
ليس من العسير الكشف عن أهمية الدلالة في تطورات “عام 2010” إذ شهد جهوداً أميركية مكثفة لبناء مقر حديث لسفارتها في (بيجنغ) بعمالة أميركية صرفة. ورجحت اسبوعية نيوزويك، 20 أيار 2017، عامل تودد عملاء استخبارات صينيين سريين لمصادقة العمال الأميركيين “وإغرائهم بالترفيه الجنسي” لفتح ثغرة داخلية لاستقاء وجمع المعلومات والاختراق – يعرف في عالم الجاسوسية بـ “بيت الملذات.”
شهد عام 2010 طفرة “تدفق معلومات استخباراتية رفيعة المستوى عن الصين من مصادر موثوقة شملت بعض الأفراد الغاضبين من استشراء الفساد داخل الحكومة الصينية،” وفق المجلة الأسبوعية.
في نهاية عام 2010، استشعرت وكالة الإستخبارات المركزية، وفق سردية الأسبوعية، إنحساراً في تدفق المعلومات “وبدء اختفاء بعض المصادر في مطلع عام 2011.”
وسارعت كل من الوكالة المركزية ومكتب التحقيق الفيدرالي القيام بجهود تحقيق مشتركة للتيقن من مصدر الإختراق، بدءاً بمراجعة شاملة “لكافة العمليات الاستخباراتية التي تصدر الأوامر بتنفيذها من محطة (بيجنغ) خضع للتحقيقات كافة موظفي السفارة الأميركية هناك،” وفق تقرير يومية نيويورك تايمز.
وأوضحت الصحيفة أن جهود التحقيق آنذاك انصبت على عضو سابق في الوكالة المركزية تقع الصين ضمن نطاق مسؤولياته، بيد أنه “لم تتوفر أدلة كافية لإعتقاله؛ ويرجح بعض الخبراء أن الحكومة الصينية نجحت في إختراق نظام الوكالة للإتصالات السرية.” كما ولم يستبعد اولئك الخبراء عامل “الإهمال” بين سلوكيات ضباط المخابرات في محطة الصين، والتي تشبه الى حد بعيد الاتهامات التي وجهت لضباط الوكالة في محطة لبنان قبل نحو سبع سنوات.
ماذا في جعبة المشتبه به
خضع المتهم (لي) للتحقيق والتفتيش من قبل فريق من مكتب التحقيقات الفيدالي قال أن أمتعته تضمنت كتيبين صغيري الحجم بهما تدوينات لبيانات بخط اليد احتوت على معلومات سرية حول “تفاصيل لقاءات عقدها ضباط في الوكالة المركزية مع مخبرين وعملاء سريين، إلى جانب سجل بياني بالاسماء الحقيقية وأرقام هواتف أصحابها.”
أشار تقرير نيويورك تايمز المذكور إلى هوية بعض العملاء القتلى، أحدهم كان مساعداً لنائب وزير الأمن القومي (لو جونغوي) واقتيد للتحقيق مطلع عام 2012 عقب قلق الوزارة بكشف الغطاء عن عدد من ضباط استخباراتها في الولايات المتحدة. وتوصلت جهود تحقيق الوزارة الى اقرار مساعد الوزير بالعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية لعدة سنوات، حصلت بموجبها الوكالة على معلومات في غاية الأهمية عن شبكات التجسس الخارجية للصين المنتشرة حول العالم.
“مهنة التجسس محفوفة بالمخاطر .. وتخلو من الضمانات،” تلك هي القاعدة العامة لعمليات الإختراق بالعامل البشري بشكل رئيس. الإخفاقات الأميركية في الساحات العالمية كبيرة الأحجام والنطاق، رغم انتشار الوكالة المركزية الواسع في عموم الكرة الأرضية.
تنبغي الإشارة إلى تعرض محطة الوكالة في لبنان إلى “نكسة” كبيرة، 21 تشرين الثاني / نوفمبر 2011 إبان نجاح عملية مشتركة “لفرع المعلومات” للدولة اللبنانية وجهاز الأمن الداخلي في “حزب الله” اسفرت عن اعتقال “عشرات العملاء” دفعة واحدة ارتادوا مطعم “بيتزا هوت” في بيروت كان يخضع للمراقبة الشديدة. وصفتها يومية لوس انجيليس تايمز بأن “شبكات التجسس وقعت في قبضة حزب الله ومعها كم كبير من المعلومات دون أن يتمكن أحد من الاتصال باولئك الجواسيس ..” وأضافت أن محطة “بيروت باتت خارج الخدمة.”
من أبرز الثغرات الأمنية التي أضحت قيد التداول استهانة الإستخبارات الأميركية بقدرات الخصم، وفرط إعتمادها على وسائل التقنية الحديثة، كما تبين من المذكرات الداخلية للوكالة. وأضحت الوكالة المركزية تعتمد مقاربة التشكيلات العسكرية لتطبيق مهامها وتسخير الطائرات المسيّرة – الدرونز لتنفيذ عدد من مهام الاغتيالات.
غطرسة الوكالة
منذ ولادة الوكالة عملت على تقسيم الساحات العالمية إلى مناطق نفوذ تستند إلى اعتبارات ومعايير جيو- استراتيجية وعسكرية، تتواجد في معظم المحطات على شكل “هيئات ومؤسسات وواجهات رسمية مختلفة .. تشمل توظيف سياسيين وديبلوماسيين والكفاءات العلمية ووفود الدورات العسكرية ومنظومة رجال الأعمال” بل وطواقم رياضية وفنية والحركات الدينية؛ لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للسيطرة والتحكم بالموارد الطبيعية ومصادرة القرارات الوطنية الرامية للتنمية المحلية وتحقيق الإزدهار الإقتصادي.
“التعاون” بين وكالة الإستخبارات والمؤسسات الإعلامية لتسهيل انخراط وتوفير غطاء مهني لعملاء الأولى لا يزال محط اهتمام وملاحقة. ما يعنينا هنا الإشارة السريعة إلى مذكرة وجهها عام 1946 رئيس “مجموعة الإستخبارات المركزية،” الجنرال هويت فاندنبيرغ Hoyt Vandenburg صاحب وناشر يومية نيويورك تايمز، آرثر سالزبيرغر Arthur Sulzberger، يناشده تعاون الصحيفة لتسهيل عمل “الإستخبارات المركزية” بجمع وتحليل المعلومات عن الدول الأجنبية “التي تحتاجها الولايات المتحدة لضمان أمنها القومي.”
الإجابة لم تتأخر إذ أكد سالزبيرغر لرئيس الوكالة أنه “يمكنكم الإعتماد دائماً على مساعدة كافة العاملين هنا في نيويورك تايمز …” مراسلي الصحيفة إلتزموا بتعليمات مرؤوسيهم للحصول على تقارير تحليلية الطابع ومفصلة عن البلد المعني “كانوا يرسلونها عبر السفارات الأميركية إلى محرريهم .. مصنفة رسائل سرية،” أي لا تفتح إلا للمرسل إليه. (المصدر: مجموعة جورجتاون: أصدقاء ومتنافسين في واشنطن إبان الحرب الباردة، غريغ هيركن، 2014، ص 177: Gregg Herken, The Georgetown Set: Friends and Rivals in Cold War Washington, Alfred Knopf, 2014, p.177.)).
تنبغي الإشارة أيضاً الى العلاقة الوثيقة “جداً” التي تربط وكالة الاستخبارات المركزية بنظيرتها وكالة المخابرات البريطانية تصل إلى حد التكامل والعمل بالتوازي بالتوغل في عدد من “المحطات” الدولية الهامة؛ وما ينطوي على ذلك من تبادل الخبرات والبيانات والمصادر البشرية. والعلاقات الوثيقة التي نسجتها مع عدد من الدول “الحليفة،” أبرزها جهاز الموساد وجهاز الإستخبارات الألمانية، بي أن دي.
شكلت هجمات أيلول / سبتمبر 2001 نقطة تحول هامة في نطاق عمل الوكالة المركزية، ورفدها بمزيد من الموارد مكنها من التصرف كمؤسسة رديفة لوزارة الدفاع الأميركية، والتي طبقتها على نطاق واسع خلال الحرب الأميركية على فييتنام؛ ويرجح معسكر منتقديها أن تلك الأساليب كادت أن تقضي على عملها الذي ينبغي أن يركز على المهمة الرئيسة – جمع وتحليل المعلومات، وتطوير الأبحاث على التقنية المتطورة.
أما “العمليات السرية” التي إشتهرت بها الوكالة، فكان يوكل تنفيذها لوحدات القوات الخاصة، بعد أن اتضح لمسؤولي الوكالة أن تنفيذ تلك العمليات مباشرة يقتضي تحويل بعض المهارات والطاقات من مهمة الاستخبارات إلى التشكيلات العسكرية؛ وما نجم عنه من تردي في الأداء في محطات متعددة.
للدلالة، نشير إلى متطلبات الحرب الأميركية على فييتنام، في عقد الستينيات من القرن الماضي، إذ اضطرت الوكالة إلى تحويل جهد ضباط استخباراتها من “مكتب الاتحاد السوفياتي وكوريا الشمالية” لتعويض النقص في محطة فيتنام التي شهدت توسعاً ملحوظاً حينئذ، وما أسفرت عنه تلك العمليات من تردي الأداء في الساحتين المذكورتين – حسبما أفادت تقارير لجان الكونغرس المعنية بالتحقيق.
انتكاسات صادمة
تلقت الأجهزة الاستخباراتية الأميركية، وعلى رأسها الوكالة المركزية، صفعة صادمة نهاية عام 2011، في محطتها الشرق أوسطية الكبرى، عبر القاء الأجهزة اللبنانية القبض على مجموعة كبيرة من العملاء في بيروت – مجموعة بيتزا هات.
في التفاصيل التي اوردت بعضها يومية لوس انجيليس تايمز، أن ضابط ارتباط الوكالة في بيروت أعطى موعداً للاجتماع بعدد من المخبرين اللبنانيين في مطعم بيتزا هات مما سمح للأجهزة اللبنانية وجهاز حزب الله التعرف على هوية كافة أعضاء الطاقم.
واضافت الصحيفة أن ضابط الإرتباط السابق “تجاهل التحذيرات المرسلة إليه بالبريد الإلكتروني لإمكانية كشف هوية بعض مصادره من اللبنانيين نتيجة استخدامهم الهواتف المحمولة للإتصال بمشغليهم حصراً وليس بأي شخص أو جهة أخرى.”
وجاء في جزئية التحذير المفرج عنه أن ضباط الإستخبارات في جهاز مكافحة التجسس توصلوا لنتيجة مفادها أن هناك إمكانية عالية لتعقب المخبرين اللبنانيين عبر تقنية الهواتف المحمولة، لكن “مسؤول محطة بيروت ربما تجاهل التحذير.” ونتيجة لذلك تلقت الوكالة سيل من الاتهامات من سياسيين وخبراء أميركيين بأنها أقلعت منذ زمن عن تطبيق وسائل التجسس الناجحة واختصرت بعض المهام المطلوب اتباعها مما أدى لتراكم الثغرات الأمنية.
السؤال المنطقي البارز أمام الجميع يتمحور حول مزاعم الوكالة بقدرتها على إختراق “المنظمات والمجموعات الإرهابية،” بتشغيل مخبرين من داخلها أو منشقين عنها لقاء مكافآت مالية وامتيازات شخصية أخرى تشمل حق الإقامة في الولايات المتحدة.
عند تعثر جهود الوكالة في تجنيد مخبريها بالسرعة المطلوبة، تلجأ للإعتماد على أجهزة استخبارات رديفة أو متعاونة، كما شهدنا في أفغانستان باعتمادها على جهاز المخابرات العامة الأردنية لإختراق تنظيم طالبان، ذهب ضحيته مقتل ضابط أردني رفيع المستوى، علي بن زيد، ومقتل 7 ضباط استخبارات أميركيين أيضا، في رأس السنة الجديدة لعام 2010.
رئيس الاستخبارات العسكرية الأميركية في أفغانستان آنذاك، مايكل فلين، شن هجوماً قاسياً على الوكالة المركزية داعياً اعتماد إصلاحات بنيوية نظراً “لعجزها عن الإجابة الوافية عن أسئلة جوهرية حول البيئة التي نعمل فيها والأشخاص الذين نحاول حمايتهم وآلية إقناعهم بالتعاون معنا.”
أما عن الرؤيا المستقبلية في الوكالة فقد نشرت تقريراً دورياً مطلع العام الماضي، 2017، يتضمن نظرتها للعالم في سنة 2035، وقد “حصل الرئيس المنتخب دونالد ترامب على نسخة منه يوم تنصيبه” في البيت الأبيض.
من أبرز المحطات التي تناولها التقرير الاستخباراتي توقعات الوكالة لما تعتبره أن الولايات المتحدة “ستشهد خلال السنوات الخمس القادمة ارتفاعاً في مستويات التوتر بين عدة دول داخلياً وخارجياً .. المخاطر الإرهابية قد تشهد تطوراً من حيث الإنتشار والأساليب المعتمدة .. الحكومات ستواجه قضية مركزية في كيفية تعزيز جهودها للتحالف فيما بينها لفرض الأمن ..”
وما لفت الأنظار في التقرير المعد عشية الانتخابات الرئاسية الأميركية توقع “ارتفاع ملحوظ في منسوب التوتر بين القوى الإقليمية، وخاصة الصين وروسيا عند حلول عام 2020 ..” موضحاً ان هاتيك الدولتين وإيران “.. ستعمل على استغلال تراجع نفوذ الولايات المتحدة على المستوى العالمي لتتصارع فيما بينها لملء الفراغ كقوة عالمية جديدة ..”
وحذر التقرير ان “.. الولايات المتحدة لن تقبل أن تأخذ مكانتها العالمية دولة أخرى، علماً أن ذلك قد يكلفها مواجهة مباشرة مع الصين أو روسيا.”
عند هذا المفصل الهام، نستعيد تصريح وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، 19 كانون الثاني / يناير الجاري، بحصر ما أسماه “التنافس” مع كل من الصين وروسيا كأولوية في إستراتيجية الولايات المتحدة بدلاً من خطر “الإرهاب.”