أضيف بتاريخ: 19 - 12 - 2017
أضيف بتاريخ: 19 - 12 - 2017
– بلحسن اليحياوي-
رغم حجم الوعود و الأمل الذي كان معقودا حول اتفاق الصخيرات لحل الأزمة الليبية و العبور بالحالة الليبية من الاقتتال و التنازع و سيطرة المليشيات الى ضفة تعد بالتأسيس للدولة فقد انتهى الزمن المخصص لهذا الاتفاق دون أن يحقق اتفاق السابع عشر من ديسمبر 2015 أيا من البنود التي تعلق تنفيذها بالأطراف المجتمعة بالمدينة المغربية بل و الأكثر من ذلك تجمد المشهد السياسي الليبي على ما هو عليه منذ ذلك التاريخ و نفذ صبر الشعب الليبي الذي انتظر طويلا أن يخرج اليه نور ما من أروقة الفنادق و دهاليز الأمم المتحدة و اجتماع وزراء خارجية دول الجوار دون نتيجة تذكر … أما الماكثون في الأرض ممن يدركون أن حل الازمة الليبية لن يكون سوى ليبيا و ان لا فائدة نرجى من وراء انتظار الحلول من الخارج فيعلمون قطعا ان الحالة السياسية و الاجتماعية بل و حتى الميدانية المتعلقة بسيطرة المليشيات و الجماعات المسلحة قد تغيرت بصورة تسمح بإبداع حل وطني جامع نابع من ارادة الليبيين انفسهم … وفي الوقت الذي يطمع فيه البعض في أن تفرز الانتخابات المقبلة تيار سياسي يملك من الشرعية ما يسمح له بفرض السلام و سلطة الدولة بدلا من متاهات الانقسام و النزاع الذي عصف بخطة غسان سلامة و بجهود دول الجوار و بمحاولات تعديل اتفاق الصخيرات فان ثمة أطراف أخرى تخشى أن تفقدها نتائج هذه الانتخابات كل المكاسب التي حققتها بدعمها لحكومة الوفاق الوطني من جهة و بقية الأطراف من جهة اخرى ويبقى خيار تأبيد الحالة على ما هي عليه الخيار الانسب في انتظار أن تفرز مطابخ الحوار الوطني توافقا يحفظ مصالحها و يعززها دون أي مراعاة لشواغل الداخل الليبي وتطلعات الجمهور و لكن و بسبب الاتفاق وان كان هشا على ضرورة الذهاب حتما نحو انتخابات تشريعية خلال 2018 كما وقع التنصيص عليه في اتفاق الصخيرات ودعمته الامم المتحدة من خلال مبعوثها غسان سلامة ونادت به مبادرة دول الجوار الليبي تونس و مصر و الجزائر بل و كان فحوى اللقاء الذي جمع في باريس المشير خليفة حفتر و السراج فان التسليم بالخيار الانتخابي يبقى الأفضل للجميع حتى بالنسبة للرغبات الأوروبية و الأمركية التي تخشى سيناريو اقتحام طرابلس من طرف المشير خليفة حفتر وقد نمت تصريحات وزير الخارجية الايطالي أنجيلينو ألفانو ابان لقائه مع حفتر عن تنامي الخوف من السيناريو العسكري عبروصفه الانتخابات بقطار تحددت وجهته و أن السؤال يبقى فقط حول سرعته … و تحت ضل هذه الظروف تشكل انتخابات 2018 المتوقعة تغييرا في المشهد الليبي يختلف عن حالتي 2012 و 2014 التي تمت في سياقات من اللاحسم الميداني بين قوى الشرق و الغرب في حين يسيطر الجيش الليبي اليوم على ثلثي البلاد تقريبا كل الشرق و الوسط و مناطق استراتيجية في الجنوب وهو ما يقدر ديمغرافيا بنصف سكان ليبيا على الأقل مما يعني أن تصب هذه الانتخابات في صالح القوى السياسية للشرق المتحالفة مع الجيش الوطني، بما يحولها إلى تيار سياسي عام مهيمن يفرض قواعد السلام ما لم تتدخل عوامل أخرى في صيغة القانون الانتخابي لتحجم ذلك أو تراعي طبيعة الانقسامات على أسس مناطقية وقبلية وسياسية وحزبية. و قد اتضح من خلال الانتخابات الماضية في ليبيا تصدر قوى مدنية –تحالف القوى الوطنية على حساب الاخوان – العدالة و البناء أساسا و بقية القوى المستقلة وإن تكررت مثل تلك التراتيبة في الانتخابات القادمة فانها ستأخذ وضعية أكثر تأثيرا في الواقع الليبي، لأنها ستكون مدعومة عسكريا عندئذ بسيطرة لحفتر وحلفائه في الشرق، ما يعيق خطف نتائج الانتخابات على أيدي الميليشيات المسلحة، كما حدث في 2012، عندما أصدر بعدها المؤتمر الوطني العام قانون العزل السياسي في 2013 لإقصاء قيادات في تحالف القوى الوطنية ارتبطت بنظام القذافي، وهو ما جعل مجلس النواب يلغي هذا القانون لاحقا في 2015.أما في ضل الوضع الراهن فان انصار العقيد القذافي ينتظرون الانتخابات كي تكون فرصة لاستعادة دورهم السياسي ولو جزئيا فسيف الاسلام القذافي خرج من معتقله في الزنتان ورغم ملاحقة المحكمة الجنائية الدولية له فان هذا لن يعرقل رغبة أنصاره في استعادة دورهم كفصيل سياسي مؤثر مع تراجع البيئة العدائية التي لم تجد في ثورة 17فبراير الاستقرار و الأمن ولأن المصالحات القبلية تجري على قدم وساق أهمها تلك التي حصلت بين مصراته و تاورغاء في جوان الماضي…
بقي أن القوى الدولية و التي تتظاهر بدعمها للخيار الانتخابي في حين تنتابها الهواجس من أن تؤدي نتائج هذا الخيار الى تهميش مصالحها التي تعاظمت في ضل الانقسام الحاصل ووجود سلطة تشريعية جديدة قد تعصف بكل الاتفاقات المنجزة في ضل حكومة الوفاق الوطني تلك المتعلقة بايواء المهاجرين الأفارقة الغير نظاميين مع ايطاليا أو ذلك العقد الممضى بين شركة سيمانس الألمانية وشركة المرافق الليبية المملوكة للدولة من أجل البدء في إعادة إحياء شبكات الكهرباء المدمرة وتعزيز موارد البلاد من الطاقة لتغطية الطلب المحلي بالاضاغة الى بريطانيا التي تخشى من تهميش حلفائها الإسلاميين و لعل ذلك ما دفع بالايطاليين الى تخفيف التوتر مع المشير حفتر كونه قوة أساسية تتيح لهم منفذا في الشرق بعد تحركاتهم الحثيثة غربا وجنوبا.
و على الخلاف من كل هؤلاء تطالب روسيا بموافقة موثقة على نتائج الانتخابات من كل القوى السياسية كشرط أساسي لعقد هذه الانتخابات كما جاء على لسان رئيس فريق الاتصال الروسي في الأزمة الليبية ليف دينغوف فالخشية من اتساع الانقسام المناطقي في حالة تعذر الاتفاق كليا على نتائج الانتخابات الذي يسمح للقوى الأوروبية بتكريس مصالحها في الغرب الليبي دفع روسيا الى التلويح بامكانية رفع حظر السلاح على الجيش الليبي ليبقى المشير حفتر بالنسبة لها خيار عسكري مطروح اذا ما تعذر الحسم في حل ازمة الانقسام في ليبيا .
يضل في الأخير أن الموازين العسكرية و السياسية و الحقيقة الميدانية تختلف جذريا عن مثيلاتها في 2012 و 2014 بل و حنى ابان توقيع اتفاق الصخيرات قبل عامين يجعل الخيار الانتخابي ممكنا كمسار يسهم في الدفع باتجاه الحل اذا ما توفرت المقبولية الداخلية و توافقت النتائج المحتملة لهذا الخيار مع خيارات القوى الاقليمية و الدولية بما يجعلها تحرص على تثبيت حالة السلم في مرحلة ما بعد الانتخابات .