أضيف بتاريخ: 07 - 11 - 2017
أضيف بتاريخ: 07 - 11 - 2017
رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري أعلن بشكل مفاجئ في الـ 4 من نوفمبر، خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، عن استقالته من منصبه. وفي تبريره لهذه الخطوة، هاجم الحريري إيران وحزب الله بشدة، واتهم طهران بأنها تحاول أن تقرر حقائق على الأرض في لبنان بالقوة “إيران تتجاوز الحكم اللبناني في محاولة لفرض واقع على الأرض”، وحسب قوله “أينما وجدت إيران فثم الحرب بين الاخوة والخراب. يدها في المنطقة ستقطع”، الحريري أيضًا لم يستثنِ حزب الله الذي “نجح في فرض واقع من خلال قوة السلاح”، مضيفًا بالقول “نحن نرفض وجود أي سلاح ليس في يد هيئات الحكم الشرعي في لبنان”. الحريري اتهم حزب الله بمحاولة اغتياله بطريقة تشبه اغتيال أبيه (فبراير 2005).
الحريري يشغل منصب رئيس الحكومة منذ ديسمبر 2016، بعد ان انتخب في إطار صفقة، في إطارها توافق التجمعان السياسيان المتخاصمان في لبنان (“القوى الثورية أو ما يعرف بـ 14 آذار” المدعومين من قبل العربية السعودية والغرب و”معسكر المقاومة المعروف بمعسكر الـ 8 آذار” والذي يقوده حزب الله) بعد فترة طويلة من الانسداد، واتفقا على تعيين ميشال عون (الماروني) رئيسًا للبلد، ورئيس “تيار المستقبل” سعد الحريري – الذي حل محل أبيه كزعيم للطائفة السنية في لبنان – كرئيس للوزراء. تصرف الحريري إلى حين استقالته يشهد بوجه خاص على محاولته إيجاد العامل المشترك بين المعسكرين، كما كان معروفًا بأنه عمل تحت الضغوطات التي مارسها حزب الله، وسيما على خلفية التطورات في سوريا (إخضاع “الدولة الإسلامية” تعزز استيلاء النظام السوري وإيران، وكذلك الضغوطات المتزايدة من قبل الولايات المتحدة على حزب الله).
من مجمل ردود الفعل الواردة إلى الآن، يبدو ان الاستقالة فاجأت إلى حد كبير جميع عناصر القوى العاملة في لبنان، وفي أعقاب ذلك تعزز الانطباع بأن التوقيت نسق مسبقًا مع رعاة الحريري السعوديين. ذلك بعد ان التقى ولي العهد محمد بن سلمان ومع مسؤولين سعوديين آخرين قبل اعلانه الاستقالة، ما يعزز كون استقالته نُسقت على الأقل مع النافذين في العائلة المالكة أم لم تُفرض فرضت عليه بالفعل يمكن ان نجده في أقوال وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان، والمنتقد الشديد لحزب الله وإيران، والذي قابل الحريري هو الآخر. السبهان دعا قبل استقالة الحريري بعدة أيام لإسقاط حزب الله، وقال أنه لابدّ ممّن معاقبة من يتعاونون مع هذا التنظيم.
نشير إلى أنه في أواخر الـ 2016 تحسنت قليلًا العلاقات بين لبنان والعربية السعودية بعد ان تكرمت المملكة بمباركاتها للصفقة السياسية التي تبلورت. ربما أمِل السعوديون ان يؤثروا على الرئيس المنتخب عون ليتخلى عن حلفائه السياسيين الحاليين، في هذا الإطار وردت أيضًا تقارير حول زيارة مُعدة يقوم بها الملك سلمان للبنان، وتم تعيين سفير سعودي جديد في لبنان بعد انقضاء عام دون ان يكون للمملكة سفير هناك، إضافة إلى ذلك فإن الانفتاح في العلاقات بين البلدين أدى أيضًا إلى ارتفاع حاد في السياحة من العربية السعودية إلى لبنان: عدد السياح السعوديين الوافدين إلى لبنان تضاعف منذ بدء العام 2017 مقارنة بالعام الذي سبقه.
العربية السعودية تعتبر حزب الله وكيلًا لإيران بكل معنى الكلمة، هدفه زيادة النفوذ الإيراني وقلقلة استقرار الدول العربية، وليس تنظيم مقاومة لبناني؛ على هذا الأساس فحتى وإن كان التبرير الرسمي لاستقالة الحريري ما يزال مسربلًا بالغموض؛ إلا أنه يبدو انها جاءت نتيجة تقدير سعودي بأن العملية السياسية التي كانوا شركاء فيها في لبنان 2016 لم تجدِ في الحد من قوة حزب الله، وأن الحريري كرئيس للحكومة انجر في الواقع وراء جدول أعمال التنظيم، وأنه لم ينجح في تقليص نفوذه ونفوذ إيران في لبنان؛ بل لقد ازداد نفوذهما قوة. ربما قيادة العربية السعودية تفترض ان الاستقالة ستقوض الشرعية التي حصل عليها حزب الله لكونه مشاركًا في الحكومة اللبنانية. في مارس 2016، قرر مجلس التعاون الخليجي أيضًا – وهو الهيئة التي تجمع دول الخليج العربية الست – أن يضم حزب الله إلى قائمة التنظيمات الإرهابية، وألغت العربية السعودية تمويل الجيش والقوى الأمنية اللبنانية بمبلغ مقداره أربع مليارات دولار، على ما يبدو بسبب التخوف من ان يجد السلاح طريقه إلى حزب الله، ذلك رغم ان جزءًا من السلاح من إنتاج فرنسي كان قد وصل إلى لبنان.
من غير الواضح إلى أي حد خطوة استقالة الحريري هذه تأتي في إطار استراتيجية منظمة بلورت من قبل القيادة السعودية ضد إيران، وهل تشمل أيضًا خطوات أخرى ضرورية من أجل تقليص نفوذ حزب الله وإيران في لبنان. إلى ذلك يرجح ان الخطوة اتخذت في إطار صراع القوى المتفاقم بين العربية السعودية وبين إيران، وسيما على ضوء إنجاز إيران في سوريا والعراق الذي أثبت ان يدها هي العليا في عدة ساحات بالشرق الأوسط، والتطلع السعودي إلى كبح هذا التوجه. بل ربما تستوي هذه الخطوة مع الاستراتيجية الأمريكية كما عبر عنها الرئيس ترامب، والتي فحواها مضاعفة الضغوطات على إيران وحزب الله، في هذا الإطار مرر الكونغرس تشريعًا يرمي إلى تشديد العقوبات المفروضة على حزب الله، تجدر الاشارة إلى أنه وحسب التقارير في الإعلام فقد قام مؤخرًا صهر ومستشار الرئيس جارد كوشنير بزيارة للعربية السعودية، وخلال الزيارة التقى ولي العهد محمد بن سلمان.
استقالة الحريري تزيد من وتيرة التوتر السياسي القائم أصلًا في لبنان، الانتقادات الشديدة التي توجهها إيران وحزب الله إلى خطوة الحريري وتوجيه الاتهام إلى العربية السعودية بصفتها مسؤولة مباشرة عن قلقلة النظام في لبنان فيها دليل على ان هذا التنظيم السياسي الذي أقيم في العام 2016 خدم أهدافهما، وأن الفوضى السياسية المتوقع ان تتشكل الآن في لبنان بالنسبة لهما إمكانية ان يصعب عليهما الاستمرار في تحقيق أهدافهما.
حتى وإن كانت خطوة الاستقالة ستدخل لبنان إلى مرحلة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، على الأقل بالنسبة لحزب الله وإيران، فإن المصلحة ستكون في عدم الانجرار إلى المواجهات على أمل انه سيكون من الممكن إعادة الاستقرار إلى المنظومة. في ذات الوقت من المفترض ان الضغوطات التي ربما تمارس على التنظيم لن تؤدي به إلى التراجع عن الأهداف التي وضعها لنفسه حتى الآن، وسيما تحديث وتعزيز قوته العسكرية.
نشك في ان رهان السعودية بأن الاتهام بالاستقالة سيوجه إلى حزب الله، وسيضعف ذلك موقفه على الساحة اللبنانية في حال اتهم فعلًا، بل العكس صحيح، ربما حزب الله وبمساعدة الرئيس عون سيستغل الوضع من أجل تعزيز موقفه. بل ربما تكون النتيجة المباشرة لخطوة الاستقالة انهيار النفوذ السعودي – الذي كان محدودًا في الأصل – لدى الحكومة اللبنانية. في جميع الأحوال، إلى الآن لا يبدو ان هذه الخطوة ستؤدي إلى تغيير في أسلوب حزب الله الحالي الحذر تجاه إسرائيل، لدينا انطباع بأن التنظيم ما يزال معنيًا بمنع تدهور الأوضاع بينه وبين إسرائيل.