أضيف بتاريخ: 28 - 08 - 2017
أضيف بتاريخ: 28 - 08 - 2017
المقدمة:
كلما تأملنا بحق في عمق الصراعات الدولية الكبرى العسكرية والإقتصادية والجيواستراتيجية- دون أن نتبنى بشكل أحادي الوجهة لا نظرية من العالمي إلى المحلي ولا نظرية من المحلي إلى العالمي، بل التشابك الإمبراطوري المعولم ومخاضات تنازع الأقطاب المتعددة فيه-، نتلمح في خرائط تشكيل الشبكات الإقليمية والمتعدية للقارات، الأوسع مما يصطلح عليه من سنوات قليلة تناهز العشرية تاصيلا وتقدما في السياقات وفي الصياغات، محور المقاومة، نتلمح افولا أمريكيا في الأفق بعكس ما تسعى له الولايات المتحدة الأمريكية وتواصل السعي، خاصة وان الثقل الجيوسياسي والسكاني يستقر في الشرق وحركة رأس المال العالمي تتجه نحو الشرق وكذلك الاحتياطات الاستراتيجية الغازية والنفطية والماءية ومن الذهب وسائر المعادن والطاقات البديلة، بدءا بالمشرق العربي ثم آسيا والاتحاد الروسي وافريقيا وجنوب القارة الأمريكية.
ربما يحسب علينا من يرى عكس ذلك أننا نغامر عندما نقول بالمعنى المعقود على المستقبل، إن أميركا سقطت. ولكننا مع ذلك نؤكد اتجاهيا أو وجهويا، بصفة انتقالية لا بصفة مؤقتة، على هذا الإتجاه. ونؤكد ذلك استنادا على مقولة “ما بعد الغرب” الامبريالي التي أصبحت تتردد بقوة مطردة في صلب أركان قادة المسار العالمي لكسر الهيمنة الأمريكية ثم تركيز التوازن ومن ثم تأمين التفوق وتعزيزه وتحصينه الإستراتيجي. نقدر صوابية اتجاه هذا المنعطف التاريخي وهذه الطفرة الجيوسياسية نحو الإتجاه شرقا.
يتردد ذلك ويتطور في بيئات متنوعة ومتجاورة ومتظافرة مشرقية ومغربية وغرب آسيوية واوراسية وافرواسيوية وبوليفاروسية (أميركا الجنوبية البوليفارية والاتحاد الروسي. والعبارة من نحتنا) وبوليفارينية (أميركا الجنوبية البوليفارية وايران. من نحتنا) ومغاربيكسية (المغرب العربي والبريكس. من نحتنا) ومغاربيسية (المغرب العربي وآسيا. من نحتنا) أو حتى مغاربيكية (المغرب العربي وبيكين. من نحتنا) ومغاربفريقية (المغرب العربي الافريقي. من نحتنا) أو اسلامغاربية ( العالم الإسلامي والمغاربي- ايران وتركيا ومصر وتونس…الخ.- من نحتنا) ومغاربينية ( المغرب العربي وايران. من نحتنا)… سواء من قلب موسكو أو طهران أو الهند أو باكستان أو دمشق أو الجزائر أو كاراكاس أو بيكين… أو في إيران أو بريكس أو تشانغهاي أو الاتحاد الإفريقي أو من قلب صراعات مجلس التعاون الخليجي أو مجلس مركوسور الأمريكي الجنوبي أو حتى من أرجاء قمم الاتحاد الأوروبي أو قمم العشرين والثمان…الخ.
في الظل وفي العلن في الأثناء، يستعد الأمريكان والصهاينة ومن والاهم لتحرير الإرهاب في الشرق الكبير، في غرب آسيا ووسطها وجنوبها وشرقها وفي أقصى شرق أوروبا. وبالمقابل تتشكل شبكة إقليمية وفوق إقليمية أوسع من محور المقاومة وتضم أكبر الدول التي تقود حملة افول أميركا. يصل الأمر حد جمع ما يبدو بالتبسيط متناقضا مثل الهند وباكستان ومثل الصين واليابان وسنغفورة وتايوان وفياتنام. حيث تدفع إيران تركيا وتدفع أفغانستان وتدفع روسيا وسط آسيا وتدفع الصين عدة دول أخرى محيطة وتتحرك باقي أركان هذه الشبكة فوق الإقليمية أو متعددة الاقليميات بين كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا… في أميركا الجنوبية وجنوب افريقيا ونيجيريا والجزائر ومالي ومورتانيا… من شمال افريقيا والساحل والصحراء حتى عمقها وغربها وما وراء الصحراء. كأننا بإختصار أمام واقع نوجزه في: المستقبل الآخر انطلق.
الرؤية:
في هذا الإطار تتنزل رؤيتنا الاستراتيجية لتونس الاستراتيجية أو لتونس المستقبل الآخر المخطط له والمتدارس بشكل شامل في كل شؤونه الإستراتيجية بمستويات الوجود والحدود والدور والمكانة والمصالح وعلاقات النفوذ والحكم والدولة والإقتصاد والأمن والدفاع والرؤية الدينية والحضارية والثقافية…الخ. وبشروط ومستلزمات واستراتيجيات الإنماء والبقاء والاستقلال والاستقرار والوحدة والاتحاد في سبيل تطور وتقدم بخصائص تونسية وفي طريق تونس نحو العالم بوجهة نظر تونس التي نحلم ونرى. نحن نسم ذلك طوعا وموضوعيا على مستويات مغاربية وعربية وافريقية ومشرقية ومقاومية وآسيوية… بالفلسفة الجيوستراتيجية العامة. ولسوف نذكر لاحقا أسبابها العامة وامالها وواقعها ومعيقاتها وصداماتها وخياراتها من باب التحديات والرهانات والتهديدات والفرص وفي مدارات أعاصير التكتلات وموازين القوى، دون أن ندعي انها خارطة تامة ومفصلة محسومة الوجهة أو خارطة طريق إستراتيجية في الأولويات وفي المديات، ودون أن نقفز على ضرورات التدرج والتنوع والواقع الحالي وقياسات الوجهات المتعلقة بالنماذج العشرة الأولى الأقرب في النظرة التقليدية لتونس المستعمرة وهي نماذج أرقى لا شك من ترسبات الاستعمار الغربي التقليدي لتونس ونحن نطرحها على الطاولة في حين يتغاضى عنها الأغلب الأعم، نماذج السويد واستراليا وايسلندا وفلندا ونيوزيلندا والنرويج والدنمارك وهولندا وكندا وسويسرا، ولكن الوجهة الأهم والإستراتيجية هي الشرق الكبير أو الأكبر وليس قبله.
يتوجب علينا هنا أن نشير إلى أن وجهتنا لا تميل على الإطلاق صوب ميول أغلب الباحثين التونسيين والعرب نحو الاتكاء على ما تريده المنظمات الدولية والغربية وتحويله إلى منحى ومسار ومقاربة ووجهة نظر بمثابة أداة تصديق وإدراك وفي نفس الوقت أداة تحليل وتأويل وتوجيه يسلكها الناس بنفسية وقصدية لاوعي تصديق الغرب عليها وتبرير الإتجاه إليها وتنميط وتشريع تدخل الغرب هذا باسمها. وهي تميل على الدوام تجاه ربط كل السياسات ومنها الاخفاقات والنجاحات بخرائط الطريق التي ترسم خارج الحدود في الدوائر الدولية ومراكز دراساتها وإعلامها وقوى نفوذها واذرعها التنفيذية في سياقات الإرهاب والديمقراطية والتنمية والانتقال وما إلى هنالك، بحيث يروى كل شىء غربيا سواء أكان فقرا أو مجاعة أو ثورة أو دكتاتورية أو أي شىء تخلفا وحداثة وأصالة وانفتاحا. في حين أن تفكك شؤون الحكم وشؤون الإقتصاد وتصدع المؤسسات والمجتمع، وإن كان فارق الرؤية والنظرة مختلفا عند الناس والباحثين، -في تونس على سبيل المثال- يرتبط بشكل أكيد بالاتكافىء والامساواة والاتوازن والااستقرار وعوامل ونتائج وتجليات ذلك من توتر وانعدام ثقة واهتزاز وهشاشة وارتهان وفشل وعجز مرتبط بمعيقات ذاتية وموضوعية معروفة على رأسها الاستعمار وقابلية الاستعمار.
وإن تجليات ذلك القارة والتاريخية والطارءة طورا والمستديمة أحيانا من فقر وبطالة وإقتصاد ظل أو مواز أو غير منظم… كعناوين اقتصادية ومن تهميش واستبعاد وتمييز وإقصاء وتفاوت… كعناوين سوسيولوجية ومجتمعية بعمق سياسي وقيمي ومن مناطق حدودية هشة ومناطق خطرة وأخرى شديدة الخطر وأطراف واحزمة واروقة ومربعات وخلايا… بمقاييس جيواقتصادية وجيوأمنية وجيوعسكرية وجيواستخباراتية ومن مركزية شديدة وفساد وانعدام حوكمة وغناءمية… بمقاييس سياسية ودستورية وادارية وبابعاد اجتماعية واقتصادية شاملة، لا تحسم لا بحروب أهلية ولا بتبعية وإلحاق وتطبيع ولا بحروب استرداد ولا بحق الفتح وإنما بالاستراتيجيات وديناميكيات الكفاح الوطني وبالسياسات الصحيحة وبالتطور الذاتي والحوار الاستراتيجي مع الوجهات أو في الاتجاهات الصحيحة أو الأقرب إلى الصحيحة في الحد الأدنى.
من هنا لطالمنا تمسكنا تشخيصا وتقديرا وتدبيرا واتجاها بالشرق. على اعتبار أننا في أزمة عميقة سببها الرئيس الخلل العميق الذي هو الارتباط القاتل بالغرب الاستعماري وأدواته الوظيفية في المنطقة وخاصة الخليجية والتركية والصهيونية. ولذلك راوحت تونس نفس الوضع تقريبا قبل وبعد 2011. ولذلك نحن ننزع إلى الشرق ضمن رؤية لنزع الاستعمار وتحرير طاقات الشعوب وبناء دول الاقتصاديات المقاومة. ولا دليل على وجاهة ذلك سوى الواقع المحلي وواقع القوى الصاعدة في هذا الشرق، في الاتجاه على الأقل. وذلك على سبيل استلهام تفصيل هنا أو هناك يساعد على النهوض وليس على سبيل المقارنة العمياء أحيانا، وعلى سبيل بناء رؤية شاملة ونموذج ناجح جزئي أو كبير أحيانا أخرى. اما إذا أردنا المقارنة بتقارير صندوق النقد الدولي في بنية الاستعمار الجماعي للمغرب العربي مثلا، فتقول ان المغرب وموريتانيا، بمقاييس عبيده، أفضل من الجزائر وتونس.
لا شك ان كل حكومات تونس ما بعد 2011 تعمل تحت غطاء التوجيه الاستعماري للصناديق الدولية وللدول الراعية للانتقال بإسم الاصلاحات – المفاسد الكبرى. وتخضع صراحة لشروط هذا الانتقال (الحق الذي يخفي مزيدا من التبعية) بما في ذلك مقاومة الفساد (الحق الذي يخفي مزيد ترسيخ سلطة أحزاب الإدارة السياسية لمصالح رأس المال المدار من طرف خلايا النهب المحلي والاجنبي وهو وجهة مرسومة أمريكيا منذ 2003 تأتي بعد تغيير الأنظمة مهما كانت صيغة التغيير).
ولا خلاف الآن أيضا حول وهم توقع تغيير النظام الإقتصادي بدل مجرد الترقيعات بكل صيغ التبديل والتحوير والاسقاط وإعادة التركيب حيث لا تصويب ولا تطوير ولا مجرد إنتقال في الدرجة على الأقل دون قصد تغيير في الطبيعة. وفوق ذلك لا واقعية في تأمل أي هيكلية بديلة عن التشكيلات والصيغ البالية الائتلافية و غير الائتلافية التي تقوم على وضع موظفين اسميين في مكاتب وزارية تفرع شؤون الحكم إلى اقتسام شكلي لقطاعات الإقتصاد والأمن والبيئة والرياضة…الخ. ولا ضرورة هنا للتذكير بالمؤشرات الاقتصادية فوق السلبية المتعلقة بالأساس بالارتهان شبه الارادي في جزء منه لإرادة وخطط واستراتيجيات الاستعمار والخلل العميق الناجم عن ذلك في الخيارات الاقتصادية الكبرى وبالتالي في إدارة الشؤون الاقتصادية والسياسات المالية. ولن نضيق هنا شيئا بتعديد آثار كل ذلك على قيمة الصرف واحتياطي العملة والتضخم والعجز الميزاني وتفاقم المديونية وتراجع الترقيم السيادي (وبعض مؤسساته متهمة بالتحيل الدولي وفي حقها أمام القضاء قضايا تهم فساد لأنها بنت النظام الدولي الفاسد المتوحش) وحجم الاستثمارات…الخ. وبناء عليه الأموال السائبة وسوء التصرف في المقدرات والممتلكات الجماعية المشاركة والعته الجيواقتصادي الذي يعكس تبعية جيوسياسية وعدمية جيواستراتيجية وشراء للاستعمار بدم التونسيين تجلى أكثر ما تجلى في تخيير وزير البيئة رؤية أوروبية شمالية مطبقة على وكيل جنوبي في شمال افريقيا بدل رؤية استراتيجية تدريجية مغاربية اتجاهها الشرق الكبير وافريقيا تنويعا دون تخل عن العلاقات القديمة وقفز على الصعوبات المكبلة الحالية المرتبطة بالاستعمار كما ذكرنا آنفا.
ورغم أننا وفي إطار التغيير الحكومي المنتظر في تونس نجهد كل مرة في التذكير وتطوير ما رددناه لوقت طويل حول البدائل والمعالجات الحينية والإستراتيجية لأنها لا تطرح الآن واقعيا في إطار هذا التغيير الحكومي مهما كان اسمه وما سيأتي به، وليس علينا إعادة تحليل المسار الذي أوصلنا هذا الحد من التازم والتازيم والفشل والتخبط. ومع ذلك لا نرى أي أفق للتقدم دون استفتاء الشعب كالية سياسية ديمقراطية دستورية راقية على الخيارات الاقتصادية والمالية الكبرى مثل المديونية الخارجية أو الشراكات الإستراتيجية والحؤول دون مواصلة الشعوذة باسم التكنوقراط وباسم الحزبيين معا بل لا امل في الإنقاذ الاقتصادي في الحد الأدنى وحتى في إطار نفس النمط الحالي دون اختيار لوزراء عالمين عارفين من أصحاب الادمغة والخبرة والالتزام السياسي والأخلاقي بحكم التجربة والمواقف بالخط الوطني الاستقلالي الشعبي النازع نحو الإنماء والتطوير وفي هذا الأفق الذي نطرحه، أفق الشرق. هذه هي إعادة الإعمار السياسي المأمول عندنا ولها ما يبررها بشكل موثوق.
لابد لذلك أن يقوم على أساس إعادة بناء النظام الإقليمي للمنطقة العربية واقليمها المحيط. هذا الحلم الجيوستراتيجي الذي ننشغل بهمه انشغالا عميقا لأجل تونس ولأجل المنطقة ولأجل محور المقاومة عبارة عن مشروع رؤية استراتيجية تكون جزءا من بديل عالمي موحد: شرق – جنوب. وهذي هي الفلسفة الإستراتيجية المؤقتة والعامة لهذا الحلم: الشرق الكبير والبعيد والجنوب الأكبر والأبعد، ما يجعل هذا الشرق شرقا واسعا مقاوما. غير ان رؤية الشرق سياسية واستراتيجية وهي بالطبع ليست حصرا للشرق والجنوب وإنما للعالمين وهنالك فرق بديهي بين رؤية الشرق والشرق ذاته:
1- هي مشروع رؤية إستراتيجية خاصة وفي نفس الوقت مندمجة في رؤى المقاومة ومقاومة للرؤى الإستراتيجية المعادية، بما في ذلك ما تنتجه بعض مراكز البحوث العربية والتونسية المرتبطة بالعدوان.
2- هي مشرع رؤية مقارنة للرؤى الإستراتيجية الأخرى ومتحملة لمسؤوليتها في صراع الإستراتيجيات وملتزمة بواجباتها من ناحية المشاركة في التفوق البحثي الإستراتيجي للمقاومة ومن ناحية عملها على توحيد ما أمكن توحيده من إستراتيجيات متقاربة ومتقاطعة وحليفة والمساعدة على صهرها ضمن محور واحد.
3- هي معتمدة على ما نسميه “تونس الإستراتيجية” بوطنيتها التاريخية وتونسيتها الاستقلالية. وهو ما يتطلب العمل على بناء متواصل على أسس العمق الإستراتيجي الذي نعمل عليه من جهة المقومات والمقدرات ومن جهة الممهدات والمآلات.
4- وعلى ما نصطلح عليه ”تونس المغاربية العربية” أي تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا والمغرب زائد مصر. وفي هذا المستوى يعمل على إنتاج تصور لما نسميه ” عقيدة المغرب العربي” ومفهوم ” القيادة الديبلوماسية” في مغرب عربي حر ومستقل وموحد وسيادي ديمقراطي متنام ومقاوم في مسار إستراتيجي متصاعد. كما يعمل على إنتاج مشاريع بحثية ذات طابع إستراتيجي ما أمكن، في قلب هذه المعركة الدائرة في منطقتنا المعركة أو بعد المعركة.
5- ما يمكن أن نعرفه بعبارة ” تونس العروبية” ونقصد هنا خلق حالة مغاربية عربية تكون جزءا فاعلا وتكون مناصرة للقضايا العروبية ومناصرة للمقاومة في هذا البعد الهوياتي-السياسي الجامع لكل روافده ومكوناته الحضارية مادمنا تحت العدوان ومركزه الشام والعراق ونجد والحجاز. ويسعى لتأسيس فكر إستراتيجي مشترك في المنطقة.
6- ويعمل على تأصيل التموقع الإستراتيجي لتونس والمغرب العربي في نطاق مفهومنا ل”تونس الإفريقية” ول”المغرب العربي الإفريقي المقاوم” بقصد تصدير كل ما نعمل عليه من أبعاد تعاون وإنصهار إستراتيجي مقاوم أينما أمكن الوصول به تواصلا وإشتراكا.
7- ما نسميه “العين الإقليمية لتونس” أو “تونس ذات البعد الإقليمي” و”المغرب العربي الإقليمي”.
8- مفهومنا ل” تونس القارية” الذي نعمل عليها كمشروع كبير أول و”تونس المحيطية” كمشروع أكبر نعمل عليه ثانيا وتقدما. وفي هذا المستوى يكون تشابك الرؤى المغربية والمشرقية والإفريقية والمقاومية بوجه عام، ضروريا لتحديد رؤية موحدة نحو أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى وجنوب شرق آسيا وغرب آسيا بالخصوص وأمريكا الجنوبية.
9- هنا قلب مشروعنا الاستراتيجي المأمول: تونس في مشروع “كومنويلث الجمهوريات المقاومة المتحدة” في أفق جبهة مشتركية القطبية بين البريكس ومحور المقاومة وتشنغهاي بالتشابك الموجود أصلا والمتصاعد مع آسيان ومحورنا المقاوم وأطر أخرى.
10- تحقيق رؤية متكاملة من المنطلق الذي نحن فيه أي إنطلاقا من البعد الوطني لتونس يجعل منها ” تونس مقاومة” للإستكبار والاستعمار والإلحاق ومواجهة للتبعية والتطبيع وللإرهاب المعولم والصهيونية المعولمة لإسقاط كل الأحلام- الأوهام الجيوسياسية للإرهاب هذا والاستعمار.
11- خط عدم الانحياز الثاني ( من نحتنا) الحالي بما فيه محور المقاومة سيغير وجه التاريخ. تحرير سوريا والعراق واليمن وليبيا من الإرهاب والانتداب يقع في قلبه. وهو الذي سيمثل كل تيارات ودول المقاومة كمشروع جبهة إستراتيجية وجودية مصيرية واحدة بجذع مشترك إستراتيجي موحد وبوحدة إستراتيجيات: السيادة للشعوب والوحدة للأمة والتحرير الشامل للانسان ولكل وطن مغتصب وعلى رأسه فلسطين.
12- نأمل أيضا مستقبلا بتطوير أجزاء أخرى ضمن هذه الرؤية الاستراتيجية الشاملة طبقا لما سميناه نحتا في البداية: الرؤية المغارفارية ( المغاربوليفارية بين المغرب العربي الكبير وأميركا الجنوبية البوليفارية) والرؤية المغاربكسية (المغاربية البريكسية) والرؤية المغارسية ( المغرب العربي واسيا. من نحتنا) والمغارنية (المغاربية الايرانية. من نحتنا).
الخاتمة:
هذا ونؤكد ختاما ومجددا على ان الأحادية الغربية إلى زوال وعلى أن المخاطر كبيرة والتضحيات ستكون عظيمة. وان هذا المنعطف التاريخي الكبير الموسوم بطفرة جيوسياسية شرقا هي الأكبر، هو حرب وتفاوض في نفس الوقت وهو انفتاح وتغيير لوجهة ومخاض وغلق لابواب سقطت أيضا. فعلى سبيل المثال تفتح تونس سفارات جديدة في نيروبي وواغادوغو لشعورها بحجم الرهانات والفرص وتنظر إلى إيران التي لطالما عرضت تعاونها ولا تقدر على فتح الباب تدريجيا أو خلعه وتعجز عن استعادة علاقاتها الدبلوماسية التامة بسوريا وعن قول كلمة حق لأجل اليمن وتنظر صوب الهند والبرازيل وكوبا وفنزويلا ولا تفعل شيئا وتعجز عن تفعيل متابعات ورهانات وجزء من اتفاقات مجالس تعاونها الثنائية مع الصين ومع روسيا ومع العراق…الخ. ويكاد حجم تعاملاتها وتبادلاتها واستثماراتها من الجهتين مع الشرق الذي ذكرنا يراوح الصفرية من جهة ولا يتطور بالحجم المأمول من جهة أخرى.
وبعد ذلك كله، لن يقوم بالطبع شيء بلا رؤية يتبناها ويدافع عنها أصحاب الحق وأبناء الشعب لا تقوم على مجرد الاحلام ومجرد الانتصار للاخوة الاشقاء والشركاء الاستراتيجيين ولا على مجرد الذاكرة التاريخية ولا بالبقاء في مربع الخوف من هوة الإستعمار لإطفاء الديون وتحرير الطاقات الطبيعية والبشرية وبناء المشاريع وتطوير البلد. ولا تقف لا عند مرحلة الاستعمار وذهنيتها وروابطها ولا عند المرحلة القومية والدولة الوطنية والقطرية، بل ما بعد وما فوق وما أبعد من الاستعمار والقطريات والقوميات والمذهبيات إلى ثنائيات وتعدديات إقتصادية وأمنية وعسكرية وحضارية واستراتيجية شاملة في الأطر والمنظمات والمجالس الإقليمية والدولية الموجودة المستحدثة والاتية في آفاق تكاملية وتعاونية أو اندماجية تكتلية أو أي صيغة تحررية متفق عليها تصلح لافتتاح مشروع كومنولث الجمهوريات المقاومة المتحدة الذي نتحدث عنه اعمارا واستثمارا واستمرار، تهذيبا وترشيدا وتقريبا وعلى قاعدة السيادة والقيادة والريادة ووعيا بالمتغيرات سياساتا لا مجرد اصطفافات وبعلم المقدرات لا بإنتظار المعجزات.
صلاح الداودي