أضيف بتاريخ: 28 - 08 - 2017
أضيف بتاريخ: 28 - 08 - 2017
مركز الدراسات الأمريكية والعربية:
بعد طول انتظار وترقب، صادق الرئيس ترامب على “توصية” المؤسسة العسكرية بزيادة عديد القوات العسكرية الأميركية وطواقم الدعم والإسناد لإبقاء نيران ساحات المعارك مشتعلة في أفغانستان، والترويج لها بنسخة جديد خاصة بالادارة الراهنة.
مهّد ترامب لقراره بالإشارة إلى تناقضه مع قناعاته الذاتية إذ أن “الحدس يدفعني للإنسحاب” من أفغانستان، فضلاً عن وعود متكررة بذلك؛ وقرار إتخذه بعد التشاور والإستعراض مع “فريق الأمن القومي” في منتجع كامب ديفيد “بتعزيز التواجد الأميركي لمنع حركة طالبان من الإطاحة بالحكومة التي تدعمها” أميركا.
قرار ترامب جاء تجسيداً لوعوده ما بعد المرحلة الانتخابية بأنه سيترك الأمر الفصل بيد “الجنرالات” لتقديم سلسلة خيارات لإدارته فيما يخص أفغانستان. النتيجة أن العسكريين لم يقدموا أي خيارات محددة باستثناء المعتمد الراهن، والذي تعود أصوله الى عهد الرئيس السابق باراك اوباما: البقاء والنزيف.
مؤسسة راند البحثية النافذة علقت على خطاب الرئيس ترامب بأنه طبعه “بنكهته الخاصة ..” واقترنت من الآن حرب أفغانستان بإسمه. وأضافت أنه لا ينطوي على جديد ملموس إذ “كان باستطاعة (المرشحة) هيلاري كلينتون اصدار” قرار مماثل لو تسنى لها تسلم المنصب الرئاسي.
تمحور حديث ترامب في “خطابه للأمة” حول “خطة للنصر” عمادها وثبة جديدة ترفد بموجبها نحو 4،000 عسكري وطواقم إسناد اخرى لا يجري تداول أعدادها ، كما أوضح قائد القوات الأميركية في أفغانستان جون نيكولسون. النسبة المعتمدة، وفق البنتاغون، هي واحد الى ثلاثة: لكل جندي هناك ثلاثة أفراد توفر الدعم والخدمات.
وسائل الإعلام الأميركية الرئيسة “تعتقد” أن مجموع القوات الأميركية الحالي في أفغانستان يتراوح بين “11،000 الى 12،000” فرد، بين جنود تحت الخدمة وطواقم “المتعاقدين؛” شبكة إن بي سي للتلفزة، 23 آب الجاري. بينما إحصائيات وزارة الدفاع لشهر تموز/يوليو الماضي أشارت الى ما يربو عن 35،000 من الجنود والمتعاقدين الأميركيين حصراً في افغانستان.
تقرير البنتاغون فصّل التوزيع كما يلي: 9،400 عسكري أميركي؛ 24،000 متعاقد؛ 9،000 عسكري من جنسيات أخرى؛ و 5،200 موظف محلي. “المتعاقدون” هم بغالبيتهم جنود وضباط سابقين خرجوا من الخدمة العسكرية ليمارسوا مهام عسكرية موازية بملابس مدنية ورواتب مجزية.
تسويق الهزيمة:
أضحى من المسلمات في واشنطن إدراك منظومة المؤسسة العسكرية والاستخباراتية أن المعركة في أفغانستان باتت دون أفق “أو هدف محدد،” منذ زمن بعيد، واتكأت على مؤسسة الرئاسة والكونغرس لضمان تدفق الموارد المالية، كما يعتقد ضباط سابقين في الاستخبارات.
المؤسسة العسكرية بمجموعها “تتفادى” التسليم بالمكشوف وإعلان خسارتها حرب أخرى، مما يتيح لها هامش مناورة سياسي كبير في الداخل الاميركي، وذريعة إضافية لمصانع السلاح باستمرار تدفق الأموال؛ يعمل الجانبين بتوافق كبير في عسكرة وتسليح وإشعال ساحات وميادين وبسط الهيمنة على امتداد العالم.
ميزانية البنتاغون المعلنة تمثل 5% من الناتج القومي الإجمالي، وهي الأعلى بين دول العالم. يضاف الى الميزانية المعلنة بند إنفاق “اختياري” يفوّض الكونغرس بموجبه صرف أموالٍ دون قيود من خارج بنود الميزانية الرسمية لظروف تحددها “المصالح الأميركية.”
إعلان ترامب “لخطة الانتصار” تفادى تعريف ما يعتبر نصراً بمفردات بسيطة، وحدد مفهوم إدارته له بأنه رديف “لعدم الفشل؛” وحصره بحرمان حركة طالبان من تحقيق النصر.
وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، أوضح “مفهومه” لتحقيق الانتصار في أفغانستان أمام لجنة من لجان الكونغرس، 13 حزيران / يونيو 2017، بأن خصائصه تتميز “باشتباكات متكررة” متدنية الشدة، تتيح للحكومة الأفغانية إدارة المعارك بدعم “القوات الأميركية والحلفاء،” بسلاح الطيران والقوات الخاصة.
أما حقيقة التواجد الأميركي، في ظل هذه الوصفة المتجددة، فقد أوضحها قائد القوات الأميركية في أفغانستان، جون نيكولسون، بأن خطاب ترامب “يؤشر على التزام (أميركي) طويل الأمد .. الإستراتيجية الجديدة تعني أن طالبان لن تنتصر عسكريا؛” داعياً أو متوسلاً مقاتلي حركة طالبان “الموافقة للإنخراط في محادثات سلام .. وحان الأوان لنبذ العنف والتصالح.”
تغيير ترامب لموقفه من الانسحاب الفوري من افغانستان له أبعاد مركبة، منها الذاتي ومنها الموضوعي. أبرزها في البعد الذاتي، قبول ترامب لإرشادات المؤسسة العسكرية والاستخباراتية بعد نجاحها في “محاصرته” سياسيا رغبة منه في التشبث بالسلطة.
ووفق الاخصائيين العسكريين، فإن استدامة فشل الحكومة الأفغانية ميدانيا، حتى بوجود القوات الأميركية والدولية الأخرى، وصل مديات لا تطاق، فضلاً عن عجزها الاستمرار في دفع رواتب المجندين وقوات الشرطة، وما ينجم عنه من هروب وتقاعس، ناهيك عن عدم استتاب الأوضاع بما يمكّنها من استغلال ثروات البلاد الطبيعية. أما بقاؤها فهو رهن للعطايا والمنح الأميركية، وما يرافقها من مظاهر الفساد وسوء توزيع الدخل.
كما أن تصاعد الاشتباكات والمعارك مع خصومها، حركة طالبان، قد حرمها من استغلال أحد أهم مواردها المالية: الإتجار بالمخدرات التي تخضع زراعتها وتسويقها لسيطرة مناوئيها في إقليم هِلمَند. تقدر عوائد الاستثمارات الأميركية من الأفيون الأفغاني بمئات المليارات من الدولارات سنوياً، تذهب نسبة 20% لصالح المصارف الأميركية ثمناً لإدارتها والباقي حصة الوكالة المركزية – وفق مسلمات ضباط سابقين في الوكالة.
في السياق عينه، أوضح ضباط الإستخبارات الأميركيين ذوي اضطلاع وثيق ببرامج الوكالة هناك بالقول أن الحكومة الأميركية لم تكن جادة بالفعل في تقليص أو القضاء على زراعة الأفيون في أفغانستان، لا سيما وأن وكالة الاستخبارات المركزية لها باع طويل في الاتجار بالمخدرات “لتمويل عملياتها السوداء” عبر العالم، أي من خارج الميزانيات الرسمية المخصصة. إذ ارتفعت رقعة المساحة المخصصة لزراعته من 7،600 هكتار عام 2001، عام الغزو، الى 224،000 هكتار عام 2016.
ويضيف اولئك أن الكونغرس إعتمد سلسلة ميزانيات أُنفقت للسيطرة على أفغانستان منذ العام 2002، بلغت ما يربو على 113 مليار دولار لنهاية العام الماضي؛ بلغ حصيلة عدد القتلى الاميركيين نحو 2،400 وجرح أكثر من 20،000 آخرين. ونُزيد أن تلك الميزانيات وغيرها للدول الغربية الحليفة لأميركا لها دوافع وأطماع سياسية واقتصادية بالدرجة الاولى: السيطرة على الثروة المعدنية الهائلة غير المستغلة، وإنشاء وجود أميركي دائم يهدد خصمها الثلاثي – روسيا والصين وايران؛ الأمر الذي يقودنا الى البعد الموضوعي والاستراتيجي في الأهداف الأميركية.
كان ملفتاً هجوم الرئيس ترامب على باكستان وتهديدها بتشغيل خصمها اللدود، الهند “كشريك عظيم الفائدة،” في المسألة الأفغانية، إن تخلفت عن الإنصياع لمشيئة واشنطن. وذكّرها بأن بلاده “لا تزال تدفع لباكستان مليارات الدولارات، وفي الوقت نفسه توفر مأوىً للمتشددين الذين نقاتلهم .. (وبأنها) ستفقد الكثير” إن مضت في سياستها المزدوجة؛ مع إقرار الأجهزة الأمنية الأميركية بأن الجزء الأعظم من العمليات الإرهابية في الخارج في السنوات القليلة الماضية لم يكن لأفغانستان ضلع في التخطيط والتنفيذ لها.
تجدر الإشارة إلى أن تهديد أميركا لباكستان بقطع المعونات العسكرية والمالية عنها تم تطبيقه في السابق، دون مردود مقنع؛ تتلقى باكستان “مساعدات” أميركية تبلغ قيمتها مليار دولار سنوياً. وردت عليه إسلام أباد آنذاك بإغلاقها الطريق البري الذي تستخدمه القوات الأميركية في إمداد وتموين قواتها في أفغانستان كونها تشكل المنفذ البحري الوحيد والمجدي؛ واضطرت واشنطن لشق طريق إمداد بديل عبر الأراضي الروسية والذي أُغلق أيضا مع تصاعد التوترات بين واشنطن وموسكو.
نستدرك لننقل ما يعتقده “ضباط الإستخبارات الأميركيين” ذوي الخبرة في الشأن الأفغاني بأن جنين المجموعات القتالية التي تبلورت لاحقاً الى “تنظيم داعش،” كمجموعة قتالية مناهضة لحركة طالبان، تم انشاؤه من قبل “جهاز الأمن الوطني الأفغاني” الذي تسيطر عليه وكالة الاستخبارات المركزية بالكامل.
النخب الفكرية والبحثية الأميركية تعتبر جهاز “الاستخبارات العسكرية” الباكستاني “اليد الخفية للمؤسسة العسكرية التي توفر الدعم والمأوى للإرهابيين الناشطين في أفغانستان والمناهضين للهند،” استناداً الى معلومات استخباراتية أميركية دون تحديد مصدرها.
تدرك البنتاغون حقيقة تمدد طالبان والمجموعات الموالية لها على امتداد الأراضي الأفغانية وسيطرتها على أكثر من نصف مساحة البلاد، وتحقق تقدما مضطرداً في هذا الاتجاه. بموازاة ذلك، تدرك أيضا أن أي مسعى لإحقاق السلم والاستقرار في أفغانستان “يستدعي انخراط حركة طالبان وباكستان والصين وروسيا وايران.”
طالبان، بإيعاز باكستان كما يعتقد، ردت على إعلان الرئيس ترامب على الفور بأنها ستمضي في القتال “طالما بقيت القوات الأميركية في أفغانستان.”
بقاء القوات الأميركية في أفغانستان هو من صلب “الاستراتيجية” الاميركية وهدف “الليبراليين الجدد” لمحاصرة الصين وروسيا، تحديداً، ودق إسفين لحرمانهما من تحقيق الاندماج الإقتصادي البديل عن السوق الغربية.
إعلان الرئيس ترامب تبنى استراتيجية “مؤسسة الأمن القومي” بالكامل لضمان حيويتها في المسرح الأفغاني، من ناحية، وقطع الطريق على ما تعتقده الغاء العامل الأميركي في أي تقارب بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في المستقبل.